وقَّع محمد بن رشيد مع أهلِ المجمعة حِلفًا دفاعيًّا سريًّا ضد الإمام عبد الله بن فيصل الذي وقع في خلافٍ مع أهالي الوشم والمجمعة الذين ثاروا لتحقيق استقلالِهم عن الرياضِ، ولَمَّا تقدمت جيوشُ عبد الله المؤلَّفة من البوادي والحضر في وادي حنيفة، بادر محمَّد بن رشيد إلى نجدة المجمعة بجيشٍ مؤلَّف من بوادي شمر وقبائل حرب، ولَمَّا وصلت قواتُ ابن رشيد بُرَيدة انضَمَّ إليها أميرُ البلدة حسن آل مهنا أبو الخيل، ومعه جند القصيم، وزحفت قواتُ ابن رشيد إلى الزلفي، وكانت قواتُ عبد الله تعسكر في ضرماء، ولَمَّا عرف عبد الله استعدادَ ابن رشيد للقتال، وعرف أنَّ قواته لا تستطيع مجابهةَ قوَّات خصمه، انسحَب إلى الرياض، ودخل ابنُ رشيد المجمعة وعيَّنَ عليها سليمان بن سامي من أهالي حائل نائبًا عنه، وبذلك انضمت المجمعة إلى ابنِ رشيد وانفصلت نهائيًّا عن الرياضِ.
انتهت الدولة السعوديُة الثانية عام 1308هـ واستطاع محمدُ ابنُ رشيد السيطرةَ على كل المناطق التي كانت تحت حُكمِ آل سعود في نجدٍ وما حولها، وبقِيَ الأمرُ على ذلك إلى عام 1319هـ، وكان كُلَّ هذه الفترة عبدُالرحمن بن فيصل مع أسرتِه في الكويت، ثمَّ إن أمير حائل عبد العزيز بن متعب استعَدَّ لقتال الشيخ مبارك أميرِ الكويت، فاقترح عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل على الشيخِ مبارك أن يسيرَ بقوَّةٍ إلى الرياضِ فيأخُذَها من آلِ رشيدٍ، فتَضعُف قوَّتُهم عن محاربةِ الشيخ مبارك، فلاقى ذلك قبولًا عنده، فلمَّا اتجَه الشيخُ مبارك بقواتِه إلى جهة القصيم واشتَبَك مع ابن رشيد في معركةٍ حامية بالقُربِ مِن مكانٍ يُسمَّى بالصريف على مقربةٍ مِن الطرفية في القصيم، كان عبد العزيز قد سار بقوةٍ إلى الرياض ـ وحاصَرَها ولم يستَطِعْ دُخولَها، فاضطر للانسحابِ منها، ثمَّ عاد إلى الكويت بعد أن بلَغَه هزيمة الشيخ مبارك أمامَ ابن رشيد في معركةِ الصريفِ.
المَلِك عبد الله بن عبد العزيز آلُ سعود هو الابنُ الثاني عشر من أبناءِ المَلِك عبد العزيز الذُّكور، وهو سادِسُ ملوكِ المملكة العربيَّة السعودية، وأُمُّه هي فَهدَة بنتُ العاصي بن شريم الشمري. وُلِد في عام (1924م) بمدينة الرِّياض، وقد نَشَأ في كَنَفِ والِدِه المَلِك عبد العزيز، واستفاد من مدرسَتِه وتَجارِبه في مجالاتِ الحُكْم والسِّياسةِ والإدارةِ والقيادةِ، عُيِّن قائدًا للحرسِ الوطنيِّ عامَ (1962م). وقام بزيادةِ عدد قوَّاتِ الحرسِ الوطنيِّ وتجهيزِها بأحدثِ الأسلحة. نُصِّب مَلِكًا في يومِ الإثنين (26 جُمادَى الثانية 1426هـ) الموافقِ (1 أغسطس 2005م) خَلَفًا للمَلِك فهد بن عبد العزيز آل سعود. تُوفِّي رحمه الله عن عمر يُناهِز التِّسعين عامًا، ودُفِن في مقبرةِ العود بعد أن صُلِّي عليه في جامِعِ الإمامِ تركي بن عبد الله عَقِبَ صلاةِ العصرِ من يومِ الجمعة.
وقوعُ فِتنةٍ عَظيمةٍ بينَ الأميرِ هاشمِ بنِ فليتة بن القاسِمِ العَلويِّ الحُسَيني، أميرِ مكَّةَ، والأميرِ قُطُز الخادم أميرِ الحاجِّ، فنهَبَ أصحابُ هاشِمٍ الحُجَّاجَ وهم في المَسجِدِ يَطوفونَ ويُصَلُّونَ، ولم يَرقُبوا فيهم إلًّا ولا ذِمَّةً.
بعدَ أن قُتِلَ الخليفةُ الرَّاشدُ عَلِيُّ بن أبي طالبٍ رضِي الله عنه وأَرضاهُ اتَّجهَ أهلُ الكوفةِ إلى الحسنِ بنِ عَلِيٍّ فبايَعوهُ بالخِلافةِ، وكان أوَّلَ مَن بايَعهُ قيسُ بن سعدٍ، وبَقِيَ في الخِلافةِ سِتَّةَ أَشهُرٍ، رأى خِلالَها تَخاذُلَ أصحابِه، فرأى ضَرورةَ اتِّفاقِ الأُمَّةِ فآثَر الصُّلْحَ وتَنازَل لِمُعاويةَ بالخِلافةِ، وسُمِّيَ ذلك العامُ بعامِ الجَماعةِ، وكان كما قال عنه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (ابْنِي هذا سَيِّدٌ، وسَيُصْلِح الله به بين فِئَتَيْنِ عَظيمتَين مِن المسلمين). فجَزاهُ الله خيرًا ورضي الله عنه وأَرضاهُ.
تُوفِّيَ علي بن موسى الرضا- الذي كان المأمونُ قد جعله وليًّا للعهدِ- وكان سببُ موته أنَّه أكل عنبًا فأكثَرَ منه، فمات فجأةً، وكان موتُه بمدينة طوس، فصلى المأمونُ عليه، ودفنه عند قبرِ أبيه الرشيد, وقيل: إنَّ المأمون سمَّه في عنب، وكان عليٌّ يحِبُّ العنب. فلما توفِّيَ كتب المأمونُ إلى الحسن بن سهل يُعلِمُه موتَ عليٍّ، وما دخل عليه من المُصيبة بموته، وكتب إلى أهلِ بغداد، وبني العبَّاس والموالي يُعلِمُهم موتَه، وأنهم إنما نَقَموا ببيعتِه، وقد مات، ويسألُهم الدخولَ في طاعته، فكَتَبوا إليه أغلظَ جوابٍ.
خلعَ أهلُ قُم المأمونَ، ومنعوا الخراجَ، وكان سببُه أنَّ المأمونَ لَمَّا سار من خراسانَ إلى العراق أقام بالريِّ عِدَّةَ أيَّامٍ، وأسقط عنهم شيئًا من خراجِهم، فطَمِعَ أهلُ قُم أن يصنع بهم كذلك، فكتَبوا إليه يسألونُه الحطيطةَ، وكان خراجُهم ألفي ألف درهم، فلم يُجِبْهم المأمونُ إلى ما سألوا، فامتنعوا من أدائِه، فوجَّه المأمونُ إليهم عليَّ بن هشام، وعجيف بن عنبسة، فحارباهم فظَفِرا بهم، وقتَلَ يحيى بن عمران، وهدَمَ سُورَ المدينة، وجباها على سبعةِ آلافِ ألف درهم، وكانوا يتظَلَّمونَ مِن ألفَي ألف.
هو أبو إسحاقَ محمَّدُ بن هارون الرشيد، بويعَ له بالخلافةِ بعد موتِ المأمونِ، ولَمَّا بويِعَ له شَغَّبَ الجندُ، ونادوا باسمِ العبَّاسِ بنِ المأمون، فأرسل إليه المعتَصِمُ، فأحضره فبايَعَه، ثم خرج العبَّاسُ إلى الجندِ، فقال: ما هذا الحبُّ البارِدُ؟ قد بايعتُ عَمِّي، فسكَتوا، وأمَرَ المعتَصِمُ بخرابِ ما كان المأمونُ أمَرَ ببنائِه من طوانة، وحَمْل ما أطاق من السِّلاحِ والآلة التي بها وأحرقَ الباقيَ، وأعاد النَّاسَ الذين بها إلى البلادِ التي لهم، ثم ركِبَ المعتَصِمُ بالجنودِ قاصِدًا بغداد، ومعه العبَّاسُ بن المأمون، فدخلها يومَ السبت مستهَلَّ شَهرِ رمضان في أبَّهةٍ عظيمةٍ وتجَمُّلٍ تامٍّ.
ظهر أمرُ رجلٍ مِن القرامطة يُعرَفُ بأبي سعيد الجنابي بالبحرين، كان أوَّلَ أمرِه يبيعُ للنَّاسِ الطعامَ ويحسِبُ لهم بيعَهم، ثم أصبح أبو سعيدٍ مِن أبرز أتباعِ يحيى بن المهديِّ رسولِ المهديِّ المُنتظَر- على زعمِهم- فاجتمع إليه جماعةٌ مِن الأعراب والقرامطة، وقَوِيَ أمرُه، فقتَلَ مَن حولَه من أهلِ القُرى، ثمَّ سار إلى القطيف فقتَلَ ممَّن بها وأظهر أنَّه يريد البصرةَ، فكتب أحمدُ بنُ محمد بن يحيى الواثقي- وكان متولِّيَ البصرةِ- إلى المعتضِد بذلك، فأمره بعمَلِ سورٍ على البصرةِ.
خرج مُحمَّدُ بنُ ناصر الدولة بن حمدان في سَريَّةٍ نحوَ بلاد الروم، وكانت الرومُ قد وصلوا إلى الرَّها وحرَّان فأسروا أبا الهيثمِ ابنَ القاضي أبي الحُصَين وسَبَوا وقتلوا، وفي هذه السنة مات مَلِكُ الروم وطاغيتُهم الأكبر بالقُسطنطينية، وأقعَدَ ابنَه مكانَه، ثم قُتِلَ ونُصِبَ في الملك غيرُه، وفي هذه السَّنَة وصلت الرومُ إلى طرسوس فقتلوا جماعةً وفَتَحوا حِصنَ الهارونية وخَرَّبوا الحِصنَ المذكورَ وقَتَلوا أهلَه، ثم كَرَّت الرومُ إلى ديار بكر ووصَلوا ميافارقين، فعَمِلَ في ذلك الخَطيبُ عبد الرحيم بن نباتة الخُطَبَ الجهاديَّة؛ لتحميس الناسِ على الجهادِ ضِدَّ الرُّومِ.
انتَظَمَت جَميعُ بلادِ المُسلِمين في الأندلسِ تحت مُلْكِ يوسفَ بنِ تاشفين، وانقَرضَ عَهدُ مُلوكِ الطَّوائفِ منها أَجمَع كأنْ لم يكُن، واستَولَى على العَدوَتَينِ، وتَسَمَّى بأَميرِ المسلمين، وخاطَبَ المُستَنصِر العبَّاسيَّ الخَليفةَ لِعَهْدِه ببغداد، وبَعثَ إليه عبدَ الله بنَ محمدِ بنِ العَربِ على يَدِ المعافري الإشبيلي ووَلَدَه القاضي أبا بكرٍ، فتَلَطَّفا في القَولِ وأَحسَنا في الإبلاغِ، وطَلَبا من الخَليفةِ أن يَعقِدَ له على المَغربِ والأندَلسِ، فعَقَدَ له وتَضَمَّن ذلك مَكتوبُ الخَليفةِ بذلك مَنقولًا في أَيدِي الناس، وانقَلَبا إليه بتَقليدِ الخَليفةِ وعَهْدِه على ما إلى نَظَرِه مِن الأَقطارِ والأَقاليم.
خرج ألفونسو الفرنجي، صاحب طليطلة بالأندلس، إلى بلاد الإسلام، يطلب مُلكَها والاستيلاءَ عليها، وجمع وحشد فأكثر، وكان قد قَوِيَ طمعه فيها بسبب موت أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، فسمع أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين الخبرَ، فسار إليه في عساكره وجموعه، فلقيه، فاقتتلوا واشتد القتال، وكان الظفر للمسلمين، وانهزم الفرنج وقُتِلوا قتلًا ذريعًا، وأُسِرَ منهم بشر كثير، وسبى منهم وغَنِمَ من أموالهم ما لا يُحصى، فخرج الفرنجُ بعد ذلك، وامتنعوا من قصد بلاده، وذلَّ ألفونسو حينئذ وعلم أن في البلاد حاميًا لها وذابًّا عنها.
قايض الملكُ الأشرف موسى صاحِبُ حمص تل باشر بحمص مع الملك الناصِر يوسُفَ بنِ العزيز بن الظاهر بن صلاح الدين، صاحِبِ حلب؛ ولذلك خرج الملكُ الصالح نجم الدين أيوب صاحِبُ مصر من مصرَ بالعساكِرِ إلى دمشقَ وجَهَّزَ الجيوشَ والمجانيقَ إلى حمص، ولَمَّا عَلِمَ الحلبيونَ بخروج الدماشِقة برزوا أيضًا في جَحفلٍ عظيمٍ ليَمنَعوا حمصَ منهم، واتَّفَق وصول الشيخِ نجم الدين البادرائي مدرس النظاميَّة ببغداد في رسالةٍ مِن الخليفة العباسي للإصلاحِ بين الطرفين فأصلَحَ بين الفريقين، وردَّ كلًّا من الفئتينِ إلى مستقَرِّها.
كان أبو سالم إبراهيمُ المريني منفيًّا في الأندلس، ثم عاد وتمَلَّك بعد أن خَلَع ابن أخيه محمد السعيد الذي جلس بعد اغتيالِ أبيه، ثمَّ في هذه السنة قام الوزيرُ عمر بن عبد الله الفودودي بخلع السلطانِ أبي سالم إبراهيم وقَتَله وولِيَ السلطنة تاشفين بن أبي الحسن علي أخي السلطان المخلوع، وكان تاشفين موسوسًا مختل العقل، ولم يرضَ بنو مرين عما فعله الوزيرُ فخلعوا تاشفين وأتوا بابنِ أخٍ له يدعى محمد الثاني بن أبي الحسن علي المريني فبايعوه وولوه المُلك ولَقَّبوه المنتصر.