الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1740 ). زمن البحث بالثانية ( 0.017 )

العام الهجري : 372 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 983
تفاصيل الحدث:

سار الأميرُ أبو القاسم، أميرُ صقليَّة، من المدينةِ يريدُ الجِهادَ، وسببُ ذلك أنَّ مَلِكًا مِن مُلوكِ الفِرنجِ، يقال له بردويل، خرجَ في جموعٍ كثيرةٍ مِن الفرنجِ إلى صقليَّةَ، فحصَرَ قَلعةَ مَلطةَ ومَلَكَها، وأصاب سريتَينِ للمُسلمينِ، فسار الأميرُ أبو القاسم بعساكِرِه ليُرحِّلَه عن القلعة، فلمَّا قاربَها خاف وجَبُن، فجمع وجوهَ أصحابِه، وقال لهم: إنِّي راجِعٌ مِن مكاني هذا، فلا تكسروا عليَّ رأيي. فرجع هو وعساكِرُه، وكان أسطولُ الكُفَّارِ يُسايرُ المُسلِمينَ في البَحرِ، فلمَّا رأَوا المُسلِمينَ راجِعينَ أرسَلوا إلى بردويل، ملِكِ الرُّومِ، يُعلِمونَه ويقولونَ له: إنَّ المُسلِمينَ خائِفونَ منك، فالحَقْ بهم فإنَّك تظفَرُ. فجَرَّد الفرنجيُّ عَسكَرَه من أثقالِهم، وجَدَّ في السير، فأدركهم في العشرينَ مِن المحرم، فتعبَّأ المسلمون للقتال، واقتتلوا، واشتَدَّت الحرب بينهم، فحَمَلَت طائفةٌ مِن الفرنج على القلبِ والأعلام، فشَقُّوا العسكر ووصلوا إليها، وقد تفَرَّق كثيرٌ مِن المسلمين عن أميرِهم أبي القاسم، واختَلَّ نِظامُهم، فوصل الفرنجُ إليه، فأصابته ضربةٌ على أمِّ رأسِه فقُتِل، وقُتِلَ معه جماعةٌ مِن أعيانِ النَّاسِ وشُجعانِهم، ثم إنَّ المنهزمين من المسلمين رجعوا مُصَمِّمينَ على القتال ليظفَروا أو يموتوا، واشتَدَّ حينئذ الأمرُ، وعَظُمَ الخَطبُ على الطائفتين، فانهزم الفرنجُ أقبَحَ هَزيمةٍ، وقُتِلَ منهم نحوُ أربعة آلافِ قَتيلٍ، وأُسِرَ مِن بطارقتهم كثيرٌ، وتبعوهم إلى أن أدركَهم الليل، وغَنِموا من أموالِهم كثيرًا. وأفلَتَ مَلِكُ الفِرنجِ هاربًا ومعه رجلٌ يهوديٌّ كان خصيصًا به، فوقف فرَسُ الملك، فقال له اليهودي: اركَبْ فَرَسي، فإن قُتِلْتُ فأنت لوَلَدي. فرَكِبَه المَلِكُ وقُتِلَ اليهودي، فنجا المَلِكُ إلى خيامِه وبها زوجتُه وأصحابه فأخذهم وعاد إلى روميَّة، ولَمَّا قُتِلَ الأميرُ أبو القاسم كان معه ابنُه جابر، فقام مقامَ أبيه، ورحل بالمسلمينَ لِوَقتِهم، ولم يمكِّنْهم من إتمام الغنيمةِ، فتركوا كثيرًا منها، وسأله أصحابُه ليُقيمَ إلى أن يجمَعَ السِّلاحَ وغَيرَه ويَعمُرَ به الخزائِنَ، فلم يفعل، وكانت ولايةُ أبي القاسم على صقلية اثنتي عشرة سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام. وكان عادلًا، حسنَ السيرة، كثيرَ الشَّفَقة على رعيَّتِه والإحسانِ إليهم، عظيمَ الصدقةِ، لم يُخَلِّفْ دينارًا ولا درهمًا ولا عقارًا؛ فإنه كان قد وقف جميعَ أملاكِه على الفُقَراء وأبوابِ البِرِّ.

العام الهجري : 486 العام الميلادي : 1093
تفاصيل الحدث:

كان تتش بن ألب أرسلان صاحِبُ دِمشقَ وما جاوَرَها من بلادِ الشامِ، سار من دِمشقَ إلى أَخيهِ السُّلطانِ ملكشاه ببغداد، فلمَّا كان بهيت بَلَغَهُ مَوتُه، فأَخَذَ هيت، واستَولَى عليها، وعاد إلى دِمشقَ يَتجهَّزَ لِطَلَبِ السَّلطَنَة، فجَمعَ العَساكِرَ، وأَخرجَ الأَموالَ وسار نحوَ حَلَب، وبها قَسيمُ الدولةِ أتسز فرأى قَسيمُ الدولةِ اختِلافَ أَولادِ صاحِبِه ملكشاه، وصِغَرَهُم، فعَلِمَ أنه لا يَطيقُ دَفْعَ تتش، فصالَحَهُ، وصار معه، وأَرسلَ إلى باغي سيان، صاحِبِ أنطاكية، وإلى بوزان، صاحِبِ الرها وحران، يُشيرُ عليهما بطَاعةِ تاجِ الدولةِ تتش حتى يَروا ما يكون مِن أَولادِ ملكشاه، ففَعَلوا، وصاروا معه، وخَطَبوا له في بِلادِهم، وقَصَدوا الرحبةَ، فحَصَروها، ومَلَكوها في المُحرَّم من هذه السَّنَةِ، وخَطَبَ تتش لِنَفسِه بالسَّلطَنَةِ، ثم ساروا إلى نصيبين، فحَصَروها، ففَتَحَها عُنوةً وقَهرًا، ثم سَلَّمَها إلى الأَميرِ محمدِ بن شرفِ الدولةِ العقيلي، وسار يُريد المَوصِلَ، وأَتاهُ الكافي بن فَخرِ الدولةِ بن جَهيرٍ، وكان في جَزيرةِ ابن عُمرَ، فأَكرَمهُ، واسْتَوْزَرَهُ، فلمَّا مَلَكَ تتش نصيبين أَرسلَ إليه يَأمرُه أن يَخطُبَ له بالسَّلطَنَةِ، ويُعطِيهُ طَريقًا إلى بغداد لِيَنحَدِرَ، ويَطلُب الخُطبةَ بالسَّلطنَةِ، فامتَنعَ إبراهيمُ من ذلك، فسار تتش إليه، وتَقدَّم إبراهيمُ أيضًا نَحوَهُ، فالتَقوا بالمُضَيَّعِ، من أَعمالِ المَوصِل، في رَبيعٍ الأَوَّل، فحَمَلَ العَربُ على بوزان، فانهَزمَ، وحَمَلَ أتسز على العَربِ فهَزَمَهم، وتَمَّت الهَزيمةُ على إبراهيمَ والعَربِ، وأُخِذَ إبراهيمُ أَسيرًا وجَماعةٌ مِن أُمراءِ العَربِ، فقُتِلوا صَبرًا، ومَلَكَ تتش بِلادَهم المَوصِلَ وغَيرَها، واستَنابَ بها عليَّ بنَ شَرفِ الدولةِ مُسلمٍ، وأَرسلَ إلى بغداد يَطلُب الخُطبةَ، وساعَدَهُ كوهرائين على ذلك، فقِيلَ لِرَسولِه: إنَّا نَنتظِر وُصولَ الرُّسُلِ من العَسكرِ، فعاد إلى تتش بالجوابِ، فانتَهَى خَبَرُه إلى ابنِ أَخيهِ رُكنِ الدِّين بركيارق، وكان قد استَولَى على كَثيرٍ من البِلادِ، منها: الرَّيُّ، وهمذان، وما بينهما، فلمَّا تَحقَّقَ الحال سارَ في عَساكرِه لِيَمنعَ عَمَّهُ عن البِلادِ، فلمَّا تَقارَب العَسكرانِ قال قَسيمُ الدولةِ أتسز لبوزان: إنَّما أَطَعنا هذا الرَّجُلَ لنَنظُرَ ما يكون مِن أَولادِ صاحبِنا، والآن فقد ظَهرَ ابنُه، ونُريدُ أن نكون معه. فاتَّفَقا على ذلك وفارَقَا تتش، وصارا مع بركيارق، فلمَّا رأى تاجُ الدولةِ تتش ذلك عَلِمَ أنه لا قُوَّةَ له بهم، فعادَ إلى الشامِ، واستَقامَت البِلادُ لبركيارق.

العام الهجري : 623 العام الميلادي : 1226
تفاصيل الحدث:

كان بين المعظم والأشرف خلافٌ سَبَبُه أنَّه لَمَّا توفِّيَ الملك العادل أبو بكر بن أيوب، اتفق أولاده الملوك بعده اتفاقًا حسنًا، وهم: الملك الكامل محمد، صاحب مصر، والملك المعظم عيسى، صاحب دمشق، والملك الأشرف موسى، صاحب ديار الجزيرة وخلاط، واجتمعت كلمتُهم على دفع الفرنج عن الديار المصريَّة، ولما رحل الكامل عن دمياط لما كان الفرنج يحصُرونَها، صادفه أخوه المعظَّم من الغد، وقَوِيَت نفسه، وثَبَتت قدمه، ولولا ذلك لكان الأمر عظيمًا، ثم إنَ المعظم لما عاد من مصر سار إلى أخيه الأشرف ببلاد الجزيرة مرَّتين يستنجده على الفرنج، ويحثُّه على مساعدة أخيهما الكامل، ولم يزل به حتى أخذه وسارا إلى مصر، وأزالوا الفرنجَ، فلما فارق الفرنجُ مصرَ وعاد كل من الملوك أولاد العادل إلى بلده بَقُوا كذلك يسيرًا، ثم سار الأشرفُ إلى أخيه الكامل بمصر، فاجتاز بأخيه المعظَّم بدمشق، فلم يستصحِبْه معه، وأطال المقامَ بمصر، فساء المعظَّم ذلك، ثم إن المعظَّم سار إلى مدينة حماة وحصرها، فأرسل إليه أخوه من مصرَ ورحَّلاه عنها كارهًا، فازداد نفورًا، وقيل: إنَّه نقل إليه عنهما أنهما اتفقا عليه، والله أعلم بذلك، ثم انضاف إلى ذلك أن الخليفة الناصر لدين الله، كان قد استوحش من الكامِلِ؛ لِما فعله ولده صاحِبُ اليمن من الاستهانة بأمير الحاج العراقي، فأعرض عنه وعن أخيه الأشرف لاتفاقِهما، وقاطعهما وراسل مظفر الدين كوكبري بن زين الدين علي، صاحب إربل، يعلِمُه بانحرافه عن الأشرف، واستمالَه واتفقا على مراسلة المعظَّم وتعظيم الأمر عليه، فمال إليهما وانحرف عن إخوته، ثم اتفَقَ ظهور جلال الدين وكثرةُ ملكه، فاشتد الأمرُ على الأشرف بمجاورة جلال الدين خوارزم شاه ولاية خلاط، ولأنَّ المعظم بدمشق يمنع عنه عساكرَ مصر أن تصِلَ إليه، وكذلك عساكر حلب وغيرها من الشام، فرأى الأشرفُ أن يسير إلى أخيه المعظَّم بدمشق، فسار إليه في شوال واستماله واصطلح معه، فلما سمع الكامل بذلك عظم عليه، ثم إنهما راسلاه وأعلماه بنزول جلال الدين على خلاط، وعظَّما الأمر عليه، وأعلماه أن هذه الحال تقتضي الاتفاق لعمارة البيت العادلي، وانقضت السنةُ والأشرف بدمشق والناس على مواضِعِهم ينتظرون خروجَ الشتاء ما يكون من الخوارزميين.

العام الهجري : 647 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1249
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ الملك الصالحُ نجمُ الدين أيوب بن السلطان الملك الكامِل ناصِرِ الدين محمد بن السلطان الملك العادل أبي بكر محمد بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي. وُلِدَ سنة 603 بالقاهرة، فلمَّا قَدِمَ أبوه دمشقَ في آخر سنة خمس وعشرين استنابه على ديار مصر، فلمَّا رجع انتقَدَ عليه أبوه أحوالًا، ومال عنه إلى ولَدِه الملك العادل الثاني. ولما استولى الكامِلُ على حران، وعلى حِصنِ كيفا وآمد وسنجار سلطَنَه على هذه البلادِ، أرسل الملك الصالح أيوب إليها, فلما توفِّيَ الكامل تملَّك بعده ديارَ مصر ابنُه العادل الثاني أبو بكر، فطَمِعَ الملك الصالح وقَوِيَت نفسُه، وكاتَبَ الأمراء، واستخدم الخوارزميَّة, واستقَرَّت له الأحوال، وسَلَّم له أمراء بني أيوب، وتفرَّغ لجهاد الصليبيين حتى استردَّ بيت المقدسِ منهم مرةً ثانيةً في أيَّامه, وأستكثر من استجلاب المماليك لمساعدتِه في حروبه ضِدَّ الصليبيين. كان السلطان أيوب في دمشق ثمَّ سار عنها في المحرَّم إلى مصرَ بعد أن سَمِعَ بوصول الفرنجِ إلى سواحل مصر من دمياط، وكان قد أصابه المرضُ ولم يقدر السلطاُن على الحركة لمرضه، ونودي في مصر من كان له على السلطانِ أو عنده له شيءٌ، فليحضر ليأخُذَ حَقَّه، فطلع الناسُ وأخذوا ما كان لهم، ثم لما كان ليلة الاثنين نصف شعبان مات السلطان الملك الصالح بالمنصورة، وهو في مقابلةِ الفرنج، عن أربع وأربعين سنة، بعدما عهد لولده الملك المعظَّم توران شاه، وكانت مُدَّة ملكه بمصر عشر سنين إلا خمسين يومًا، فغسَّلَه أحد الحكماء الذين تولوا علاجه، لكي يخفى موتَه، وحُمِلَ في تابوت إلى قلعة الروضة، وأخفى موتَه، فلم يشتهر إلا في شوَّال بعد وصول ابنه المعظم توران شاه مصر، ثم نُقِلَ بعد ذلك بمدة إلى تربته بجوارِ المدارس الصالحية بالقاهرة، وقد كانت كَتَمَت جاريته أم خليل المدعوَّة شجرةَ الدرِّ مَوتَه، وأظهرت أنَّه مريضٌ لا يُوصَلُ إليه، وبَقِيَت تُعلِمُ عنه بعلامتِه سواء، وأعلمت إلى أعيان الأمراء فأرسلوا إلى ابنه الملك المعظم توران شاه وهو بحصن كيفا فأقدموه إليهم سريعًا، وذلك بإشارةِ أكابر الأمراء منهم فخر الدين بن الشيخ الشيوخ، فلما قَدِمَ عليهم مَلَّكوه عليهم وبايعوه أجمعينَ.

العام الهجري : 656 العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:

نزل هولاكو بجيشِه المغولي بعدَ مذبحةِ بغداد حرَّان واستولى عليها ومَلَك بلادَ الجزيرة، ثم سيَّرَ ولده أشموط إلى الشامِ وأمره بقطعِ الفرات وأخْذ البلاد الشامية، وسيَّرَه في جمعٍ كثيف من التتار فوصَلَ أشموط إلى نهرِ الجوز وتل باشر، ووصل الخبَرَ إلى حلب من البيرة بذلك، وكان نائبُ السلطان صلاح الدين يوسف بحلب ابنه الملك المعظم توران شاه، فجفَل النَّاسُ بين يدي التتارِ إلى جهة دمشق وعظم الخطب، واجتمع الناسُ من كلِّ فجٍّ عند الملك الناصر بدمشق، واحترز الملك المعظَّم توران شاه بن الملك الناصر بحَلَب غاية الاحتراز، وكذلك جميعُ نوَّاب البلاد الحلبيَّة، وصارت حَلَب في غاية الحصانة بأسوارها المحكَمة البناءِ وكثرة الآلات، فلمَّا كان العشر الأخير من ذي الحِجَّة قصد التتارُ حَلَب ونزلوا على قريةٍ يقال لها سلميَّة وامتَدُّوا إلى حيلان والحادي، وسيَّروا جماعةً مِن عَسكَرِهم أشرفوا على المدينة، فخرج عسكرُ حلب ومعهم خلقٌ عظيم من العوام والسُّوقة، وأشرفوا على التتار وهم نازلونَ على هذه الأماكِنِ، وقد رَكِبوا جميعُهم لانتظار المسلمينَ، فلمَّا تحقَّق المسلمون كثرتَهم كَرُّوا راجعين إلى المدينة، فرسم المَلِكُ المعظَّم بعد ذلك ألا يخرُجَ أحد من المدينة، ولما كان غدُ هذا اليوم رحلت التتارُ من منازلهم طالبين مدينةَ حلب، واجتمع عسكرُ المسلمين بالنواشير وميدان الحصا وأخذوا في المشورة فيما يعتَمِدونه، فأشار عليهم الملك المعظَّم أنهم لا يخرجون أصلًا لكثرة التتار ولقوَّتهم وضعف المسلمين على لقائهم، فلم يوافِقْه جماعة من العسكر وأبوا إلَّا الخروج إلى ظاهر البلد لئلَّا يطمع العدو فيهم، فخرج العسكرُ إلى ظاهر حلب وخرج معهم العوامُّ والسوقة، واجتمع الجميعُ بجبل بانقوسا، ووصل جمع التتار إلى أسفَلِ الجبل فنزل إليهم جماعة من العسكر ليقاتِلوهم، فلما رآهم التتار اندفعوا بين أيديهم مكرًا منهم وخديعةً، فتبعهم عسكرُ حلب ساعةً من النهار، ثم كرَّ التتار عليهم فوَلَّوا منهزمينَ إلى جهة البلد والتتارُ في أثرهم، فلما حاذوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلُّهم نحو البلد والتتار في أعقابِهم، فقتلوا من المسلمينَ جمعًا كثيرًا من الجند والعوام، ونازل التتارُ المدينة في ذلك اليوم إلى آخره، ثم رحلوا طالبينَ أعزاز فتسَلَّموها بالأمانِ.

العام الهجري : 699 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1300
تفاصيل الحدث:

رحل المغولُ مِن دمشق على أنَّهم سيعودون زمن الخريف ليدخلوا مصر أيضًا، وعاد سيف الدين قبجق إلى دمشقَ يوم الخميس بعد الظهر خامس عشرين جمادى الأولى ومعه الألبكي وجماعة، وبين يديه السيوفُ مُسَلَّلة وعلى رأسه عصابةٌ، فنزل بالقصر ونودي بالبَلَدِ: نائبُكم قبجق قد جاء فافتَحوا دكاكينَكم واعملوا معاشَكم، ولا يغرر أحدٌ بنفسه هذا الزَّمان والأسعارُ في غاية الغلاءِ والقِلَّة، ولما كان في أواخر الشهر نادى قبجق بالبلد أن يخرُجَ الناس إلى قُراهم، وأمر جماعة وانضاف إليه خلقٌ من الأجناد، وكَثُرت الأراجيف على بابه، وعَظُم شأنه ودُقَّت البشائر بالقلعة، وركب قبجق بالعصائبِ في البلد والشاويشية بين يديه، وجهز نحوًا من ألف فارس نحو خربة اللصوصِ، ومشى مشيَ الملوك في الولاياتِ وتأمير الأمراءِ والمراسيم العالية النافذة، ثم إنَّه ضمن الخماراتِ ومواضِعَ الزنا من الحاناتِ وغيرها، وجُعِلَت دارُ ابن جرادة خارج من باب توما خمارةً وحانة أيضًا، وصار له على ذلك في كلِّ يومٍ ألفُ درهم، وهي التي دمَّرَتْه ومحقت آثارَه، وأخذ أموالًا أخرى من أوقاف المدارس وغيرها، ورجع بولاي من جهة الأغوار وقد عاث في الأرض فسادًا، ونهب البلادَ وخَرَّب ومعه طائفةٌ من التتر كثيرة، وقد خربوا قرًى كثيرة، وقتلوا من أهلها وسَبَوا خلقًا من أطفالها، وجبى لبولاي من دمشق أيضًا جباية أخرى، وخرج طائفةٌ من القلعة فقَتَلوا طائفة من التتر ونهبوهم، وقُتِلَ جماعة من المسلمين في غبون ذلك، وأخذوا طائفةً ممن كان يلوذ بالتتر، ورَسَمَ قبجق لخطيبِ البلَدِ وجماعة من الأعيان أن يدخُلوا القلعة فيتكَلَّموا مع نائِبِها في المصالحةِ، فدخلوا عليه يومَ الاثنين ثاني عشر جمادى الآخرة، فكلَّموه وبالغوا معه فلم يجِب إلى ذلك، وقد أجاد وأحسن وأرجل في ذلك بيَّضَ اللهُ وَجهَه، وفي ثامن رجب طلب قبجق القضاةَ والأعيان فحَلَّفَهم على المناصحة للدولة المحمودية- يعني قازان- فحلفوا له، وفي هذا اليوم خرج الشيخ تقيُّ الدين ابن تيمية إلى مخيَّم بولاي فاجتمع به في فكاكِ مَن كان معه من أسارى المُسلمين، فاستنقذ كثيرًا منهم من أيديهم، وأقام عنده ثلاثةَ أيامٍ ثم عاد، ثم راح إليه جماعةٌ من أعيان دمشق ثم عادوا من عنده فشُلحوا عند باب شرقي وأخَذَ ثيابَهم وعمائِمَهم ورجعوا في شرِّ حالة، ثم بعَثَ في طلبهم فاختفى أكثَرُهم وتغيَّبوا عنه.

العام الهجري : 855 العام الميلادي : 1451
تفاصيل الحدث:

كانَ الطاهريُّون مشايخَ مَحلِّيينَ مِن منطقةِ رَداعَ حيث كانت لهمُ الرياسةُ فيها، وتابِعينَ لِبَني رَسولٍ، وقد توَطَّدتِ العَلاقةُ بينَ بَني طاهرٍ ودولةِ بَني رَسولٍ في أواخِرِ الدولةِ الرَّسوليةِ بمُصاهرةٍ تمت عامَ 836هـ بينَ المَلكِ الظاهرِ الرَّسوليِّ وابنةِ كَبيرِ آلِ طاهرٍ، الشَّيخِ طاهرِ بنِ معوضةَ، ثم صارَ آلُ طاهرٍ وُلاةً لآلِ رَسولٍ في جِهاتِهم، بل وامتَدَّ حُكمُهم إلى عَدَنٍ في فَتراتٍ لاحِقةٍ. وعندَما أيقنَ آلُ طاهرٍ مِن أنَّ أمرَ الرَّسوليِّينَ إلى زَوالٍ لا مَحالةَ، أعَدَّ الشيخُ علِيُّ بنُ طاهِرِ بنِ معوضةَ، الملقَّبُ بالمُجاهدِ مع أخيه المُلقَّبِ بالظافرِ، حَملةً لِحَربِ المَلكِ الرَّسوليِّ المَسعودِ في عَدَنٍ، ولكِنَّه عادَ مِن حَملتِه خائِبًا ولم يَتمَكَّنْ مِنَ القَضاءِ على خَصمِه المَسعودِ، ثم أعَدَّ نَفسَه إعدادًا أفضَلَ، فكَرَّرَ حَملَتَه على عَدَنٍ في عامِ 858هـ وتمكَّنَ هذه المرَّةَ مِن طَردِ المَسعودِ، ثم في شَهرِ رَجَبٍ مِنَ العامِ نَفسِه تمكَّنوا مِن دُخولِ عَدَنٍ وأسْرِ المؤيَّدِ هناك، آخرِ مُلوكِ دولةِ بَني رَسولٍ، وابتدأتِ الدولةُ الطاهريةُ بحُكم الأخوَيْنِ المُجاهدِ والظافرِ مِن آلِ طاهرٍ سنةَ 855هـ يَحكمان معًا، فبَسَطا سيطرتَهما على مناطقِ اليَمنِ، وأصبحا في حالةِ صِراعٍ مع الأئمةِ الزَّيديِّينَ، وفي حَربِ السيطرةِ على صَنعاءَ قُتِلَ المَلكُ الظافرُ، فتراجَعَ أخوه عنِ احتلالِها وترَكَها تحتَ سَيطرةِ الزَّيديِّينَ، بعدَ المَلكِ المُجاهدِ تولَّى ابنُ أخيه عبدُ الوهَّابِ بنُ داودَ الطاهريُّ، ولُقِّب بالمَنصورِ، وفي عهدِه انتقلت عاصمةُ الطاهريِّينَ مِن جُبَنَ إلى عَدَنٍ ثم تَعِزَّ، تولَّى بعدَه ابنُه عامرُ بنُ عبدِ الوهَّابِ، ولُقِّب بالظافرِ، وواجَه تمَرُّداتٍ وأخمَدَها، واستولى على ذِمارَ ثم دَخَل صَنعاءَ، حاول الإمامُ شَرَفُ الدِّينِ مُواجهةَ تَوسُّعِ الطاهريِّينَ، واتَّصلَ بالمماليكِ الشركسيةِ لِيُعينوه، وكانَ القائدُ المملوكيُّ حُسينٌ الكُرديُّ قد طلب مِنَ الطاهريِّينَ أنْ يُمدُّوه بقوةٍ في مُحاربةِ البُرتُغاليِّينَ، ولكنهم رَفضوا، فنزلَ إلى السَّواحلِ اليَمنيةِ وحارَبَهم، وكانت آخِرَ المَعارِكِ بَينَهم قُربَ صَنعاءَ، ولَقيَ المَلكُ الظافرُ عامِرُ بنُ عبدِ الوهَّابِ حَتفَه، وذلك عامَ 923هـ، وانتَهتْ بمَوتِه الدولةُ الطاهريةُ بعدَ 65 عامًا مِن قيامِها، ولم يَبقَ منها إلا جَيبُ عَدَنَ الذي تمكَّنَ الأميرُ عامرُ بنُ داودَ الطاهريُّ مِنَ الاحتِفاظِ به حتى قَضى عليه الأتراكُ.

العام الهجري : 1168 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1754
تفاصيل الحدث:

هو الخليفةُ العثماني محمود الأول ابن السلطان مصطفى الثاني ابن السلطان محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول. وُلِدَ في 4 محرم سنة 1108هـ 3 أغسطس سنة 1696 تولى السلطان محمود السلطنة بعد ثورة على السلطان أحمد الثالث الذي كان يميل إلى مصالحة الدولة الصفوية, فثار عليه الانكشارية في  15 ربيع الأول 1143 فقتلوا الصدرَ الأعظم والمفتي وقبوادان باشا أميرال الأساطيل البحرية؛ بحجة أنَّهم مائلون لمسالمة العجم، ثم أعلنوا عزل السلطان أحمد ونادوا بابن أخيه محمود الأول خليفةً للمسلمين وأميرًا للمؤمنين، فأذعن السلطان أحمد الثالث وتنازل عن الملك بدون معارضة, ولما تولى السلطان محمود لم يكن له إلا الاسم فقط، وكان النفوذ لبطرونا خليل, يولِّي من يشاء ويعزل من يشاء، حتى عِيلَ صَبرُ السلطان محمود من استبداده فتخلص من الانكشارية لتعدِّيهم وتجاوزهم حدودَهم, وفي عهد السلطان محمود استأنفت الدولة الحربَ مع مملكة الفرس، وتغلبت الجيوش العثمانية على جنود الشاه طهماسب في عدة وقائع انتهت بصلح بين الدولتين، الذي عارضه نادر شاه أكبر ولاة الدولة الصفوية، والذي قام بعد ذلك بعزل الشاه طهماسب، ثم أنهى حكم الدولة الصفوية في بلاد فارس، وتولى هو عرش إيران، ودخل في صراع مع الدولة العثمانية. ولحُسن حظِّ الدولة في عهد السلطان محمود أن تقلَّدَ منصب الصدارة رجل محنك اشتهر بحسن السياسة وسمو الإدراك هو الحاج محمد باشا الذي لم يغفل طرفة عين عن جمع الجيوش وتجهيز المعدات، حتى تمكَّن من إيقاف تقدُّم الروس في بلدان الدولة العلية, وانتصرت جيوشُها على النمسا التي طلبت الصلحَ بواسطة سفير فرنسا. توفِّي السلطان محمود الأول يوم الجمعة 27 صفر عن عُمرِ ستين سنة مأسوفًا عليه من جميع العثمانيين؛ لاتصافه بالعدل والحِلمِ ومَيلِه للمساواة بين جميع رعاياه بدون نظرٍ لفئة دون أخرى، وكانت مدة حكمه 25 سنة، وفي أيامه السعيدة اتسع نطاقُ الدولة بآسيا وأوروبا، ثم قام بعده أخوه عثمان الثالث خلفًا له، وبويع في جامعِ أبي أيوب الأنصاري، وهنَّأه سفراء أوروبا.

العام الهجري : 1178 العام الميلادي : 1764
تفاصيل الحدث:

بعد هزيمةِ جيش الدرعية في وقعةِ الحاير أرسل عريعر بن دجين حاكمُ بني خالد في الأحساءِ إلى الحسن هبة الله المكرمي يدعوه إلى البقاءِ في نجد حتى يقدَمَ عليه بجيوشِه ليشتركوا في قتال الدرعية, لكِنَّ المكرمي كان قد كاتب حُكَّام الدرعية بعد واقعة الحاير على تبادُلِ الأسرى، فلما أطلق الأسرى من الجانبين عاد إلى بلادِه، بعد أن مكث في نجد 15 يومًا. خرج عريعر مع بني خالدٍ كافةً وأهل الأحساء، فلم يصل الدهناء حتى بلغه خبر ارتحال رئيس نجران إلى بلادِه، فلما وصل عريعر نجدًا وانضمَّ إليه خصوم الدعوة والدولة، وعلى رأسهم دهام بن دواس الذي نقض عهدَه مع الدرعية، ثم استشار عريعر ذوي المعرفة من أهل نجدٍ في المنزل الذي ينزِلُه من الدرعية مع أعرابِه، بحيث يتسِعُ للحضر والبدو من أهلِ الأحساء ومن انضم إليهم من أهل نجد، فنزلوا بين قرى القصير وقرى عمران، ومعه المدافع والقنابر- قنبلة المدفع- فامتلأت قلوبُ أهل البلاد رعبًا، لكنَّهم عزموا على القتال والتوكُّل على الله, فبدأ عريعر برمي أسوار المدينة وأبراجِها بالمِدفَع، وتتابع الرميُ لكن لم يسقُطْ من السور أيُّ لبنة، واشتدت عزائِمُ أهلِ الدرعية فخرجوا من أسوار المدينة بأمرٍ من الأمير عبد العزيز، ففرح جنود عريعر بخروجِهم فهجموا عليهم، ثم تراجعوا إلى داخل السور واستجروا معهم عددًا من جنود عريعر فنشب بينهم القتالُ حتى تمكنوا من قَهرِهم، وقتلوا منهم رجالًا, أعاد الأمير عبد العزيز ما تهدَّم من السور وأقام عريعر ومن معه على حالهم أيامًا، حتى اشتد عليهم الضيقُ، وخاصة الظمأُ، إلى أن جاء عريعر بعضُ أهل الحريق وحرَّضوه على القتال واتفقوا على أن يبدؤوا الحرب في اليوم التالي، لكنَّ خبَرَهم بلغ الأمير عبد العزيز، فاستعدوا لقتالهم، فلما بدأت المدافع تُصلي الحصنَ والسور بنار عظيمةٍ، وصار المهاشير ومن معهم على الزلال، وبنو خالد وأهل الأحساء على سمحان، وأهل الحريق والوشم وابن دواس وابن فارس قصدوا قصير وأحاطوا بالدرعية كإحاطة السِّوارِ بالمِعصَم، ثم احتدم القتال إلى أن شاء الله أن ينصُرَ أهل الدرعية عليهم، فانهزم التحالف وقُتِل منهم 50 رجلًا، وانهزم رئيس المدفع بعد قطع يمينِه, وكان جملةُ مَن قتل من أهل المدينة ستةَ رجال.

العام الهجري : 1234 العام الميلادي : 1818
تفاصيل الحدث:

يقول ابن بشر: "كانت هذه البلدةُ -الدِّرعية- أقوى البلادِ، وقوَّةُ أهلها وكثرةُ رجالهم وأموالهم لا يحصيه التَّعداد، فلو ذهبت أعددُ أحوالهم وإقبالَهم فيها وإدبارَهم في كتايب الخيل والنجايب العمانيات، وما يدخلُ على أهلها من أحمالِ الأموالِ مِن سائر الأجناس التي لهم مع المسافرينَ منهم، ومن أهل الأقطار- لم يسَعْه كتاب، ولرأيت العجَبَ العجاب، وكان الداخِلُ في موسمها لا يفقد أحدًا من أهل الآفاقِ مِن اليمن وتهامة والحجاز وعمان، والبحرين وبادية الشام والعراق، وأناس من حاضرتهم، إلى غير ذلك من أهل الآفاقِ ممن يطول عَدُّه، هذا داخِلٌ فيها وهذا خارجٌ منها، وهذا مستوطِنٌ فيها، وكانت الدورُ لا تُباعُ فيها إلا نادرًا، وأثمانُها سبعة آلاف ريال وخمسة آلاف، والداني بألف ريال، وأقل وأكثر، وكلُّ شيء يقدره على هذا التقدير من الصغير والكبير، وكروة الدكان الواحد بلغت في الشَّهرِ الواحد خمسةً وأربعين ريالًا، وكروة الدكان الواحد من سائر الدكاكين بريالٍ في اليوم، والنازل بنصفٍ، وذُكر لي: أن القافلة من الهدم -الملابس- إذا أتت إليها بلغَت كروة الدكان في اليوم الواحد أربعة أريُل، وأراد رجلٌ منهم أن يوسِّعَ بيته ويعمره فاشترى نخلاتٍ تحت هذا البيت يريدُ قطعها ويعمر موضِعَها، كل نخلة بأربعين ريالًا أو خمسين ريالًا، فقطع النخل وعمر البيت، ولكِنَّه وقع عليه الهدم قبل تمامِه، وذَكر لي من أثقُ به أن رجلًا من أهل الدرعية قال له: إني أردت ميزابًا في بيتي فاشتريتُ خشبة طولها ثلاثة أذرع بثلاثة أريُل، وأجرة نَجْره وبِناه ريال, وكان غلاء الحطب فيها والخشب إلى حدِّ الغاية، حتى قيل: إنَّ حملَ الحطب بلغَ خمسة أريل وستة، والذراع من الخشبة الغليظة بريال، وكل غالبِ بيوتها مقاصير، وقصور كأنَّ ساكنيها لم يكونوا من أبناء ساكني القبور، فإذا وقفْتَ في مكان مرتفع ونظرت موسمها وكثرة ما فيها من الخلائق وتزايلهم فيه وإقبالهم وإدبارهم، ثم سمعتُ رنَّتَهم فيه ونجناجهم فيه، إذا كأنه دويُّ السيل القوي إذا انصَبَّ من عالي جبل، فسبحان من لا يزولُ مُلكُه ولا يُضامُ سُلطانُه ولا يُرامُ عِزُّه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26] "

العام الهجري : 1346 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1927
تفاصيل الحدث:

هو سعدُ بنُ إبراهيم زغلول، لُقب بزعيم نهضة مصر السياسية، وكان من أبرز خطبائِها في عصره. ولِدَ في إبيانة من قرى الغربية في يوليو عام 1858م وتوفِّيَ والده وهو في الخامسة، التحق سعد زغلول في السابعة من عمره بكُتَّاب القرية، حيث مكث فيه خمس سنوات، تعلَّم فيه القراءة والكتابة، وحَفِظ القرآن الكريم في سنة 1873م. ثم انتقل سعد زغلول إلى القاهرة للالتحاق بالأزهر، وتتلمذ على يد الشيخ محمد عبده، ولازم جمالَ الدين الأفغاني مدة، واشتغل بالتحرير في جريدة الوقائع المصرية مع الشيخ محمد عبده، واشترك بالثورة العُرابية، وقُبِض عليه سنة 1299هـ بتهمة الاشتراك في جمعية سرية، قيل إنها تسعى لقلب نظام الحكومة، فسُجِن شهورًا، ثم أُفرِجَ عنه، وحصل على إجازة الحقوق، واشتغل بالمحاماةِ حتى اختيرَ قاضيًا ثم مستشارًا، ثم تولى وزارة المعارف، فالعدل، فوكالة رئاسة الجمعية التشريعية، وقاد مصر بعد الحرب العالمية الأولى فتسَلَّم رئاسة الوزراء، ورئاسة مجلس النواب، وقام بالثورات ضِدَّ الإنجليز وظهر في صورة البطل الذي عَمِلَ على استقلال البلاد، مع أنَّ كل ما كان يفعَلُه تحت مرأى ومسمع إنجلترا!! وكان منعه من العمل السياسي واعتقالُه ونفيُه أكثَرَ من مرة قد ساهم في جعله زعيمًا وطنيًّا نافس زعماء وطنيين مصريين، مثل: مصطفى كامل، وخليفته محمد فريد، بل قيل إن بريطانيا هي من كلَّفته بالعمل للسفر إلى باريس لعَرضِ قضية استقلال البلاد، ومع ذلك منعته من السفر، ثم نفته إلى مالطا؛ ليصبح بذلك بطلًا وزعيمًا وطنيًّا يُصَفِّق لكل قراراته الجمهورُ المصري!! وكانت زوجته صفية فهمي التي تُعرَف بصفية زغلول على مبدأ الغربِ، هي من قامت بحرق حجابها بعد أن خلعَتْه هي وهدى شعراوي في ميدان الإسماعيلية في إحدى المظاهرات المنَدِّدة بالاحتلال الإنجليزي لمصر خلال ثورة 1919م!! لَمَّا عاد سعد زغلول من بريطانيا سنة 1920م كبطل وزعيم قومي أُعِدَّ لاستقباله خيمتان كبيرتان: خيمة للرجال، وخيمة للنساء، ولَمَّا نزل من الطائرة بدلًا من أن يتجه إلى خيمة الرجال توجَّه إلى خيمة النساء، وكانت مليئة بالنساء المحجَّبات، فلما وصل الخيمة استقبلته هدى شعراوي أمام الناس جميعًا، وعليها حجابُها، فنزع حجابَها عن وجهها فصَفَّقَت هي وصَفَّق جميعُ النساء الحاضرات ونزَعْن حجابهن!!

العام الهجري : 1348 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1929
تفاصيل الحدث:

في عام 1907 أنشأ الحزبُ اليهوديُّ مُنظَّمةً عَسكريَّةً من اليهود الأوروبيين تسمَّى (بارجيورا) ثم تأسَّست الوكالة اليهودية عام 1923 بقرارٍ من المؤتمر الصهيوني الثالث عشر، وهي الوكالةُ التي أخذت على عاتِقِها تنشيطَ هِجرةِ اليهود من جميع أنحاء العالم إلى فلسطين بشتى الوسائل. وهي منظَّمةٌ يهودية صهيونية أقيمَت بمبادرةٍ مِن بنيامين زئيف هرتزل في المؤتمر الصهيوني الأول، الذي انعقد في بازل عام 1897م بصفته برلمانًا عامًّا لليهود. انعقد المؤتمَرُ مِن أجل بحثِ سُبُل تحقيق أهداف الصهيونية، كما هو منصوصٌ عليها في خطة بازل: "إقامة وطن للشعب اليهودي في أرض إسرائيل حَسَب الشريعة الدولية". وعليه اتخذ المؤتمرُ إجراءاتٍ لإنجازِ هذه الخطة: توطينُ اليهود الفلَّاحين وأصحاب المهن وأرباب الصناعة، في أرض إسرائيل. تنظيم وتوحيد الشعب اليهودي بأسْرِه عن إنشاء المؤسَّسات الملائمة، والمحلية والعامة بموجِبِ القوانين الخاصَّة بكل بلاد. تقوية العواطِفِ اليهودية القومية والاعتراف القومي اليهودي. إجراءُ النشاطات التمهيدية بهدفِ الحصول على مُوافقة الحكوماتِ التي بوُسعِها المساعدة على تحقيق هدف الصهيونية. ولدى إقامة المنظَّمة الصهيونية انخرطت فيها حوالي 260 جمعيةً من "حوففي تصيون" (أعضاء محبي صهيون) من روسيا ومن شرق أوروبا. وفي بداية طريقها عملت المنظَّمةُ الصهيونية على توطيد الاستيطان في أرض فلسطين؛ حيث أقامت هيئاتٍ بهدفِ مساعدتها على نَيلِ أهدافها. على سبيل المثال تمَّ تأسيس بنك كنز الاستيطان اليهودي عام 1899 بهدف تمويلِ فكرة هرتزل في شِراءِ امتيازٍ لتوطين اليهود في أرض إسرائيل من أيدي المملكة العثمانية. ثمَّ تمَّ اعتبار ضائقة الشعب اليهودي مشكلةً سياسية عالمية يجِبُ التعامل معها على الصعيدِ الدولي، وعمل على إنجاز الهدفين الرئيسيين: الهدف الأول: إقامة وطن للشعب اليهودي في أرض إسرائيل بموافَقةٍ مِن الدول الكبرى، عن جراء "شارتير" (وثيقة حقوق سياسية يتم الحصولُ عليها بالمفاوضات الدبلوماسية) كما تقَرَّر في خطة مؤتمر بازل. والهدف الآخر: تقوية وتطوير المنظمة الصهيونية؛ من أجل أن تتحَوَّلَ إلى هيئةٍ ذات أهمية في المفاوضات السياسية؛ إذ في يوم من الأيام سيكون بمقدورها تولِّي قيادةِ المشروع الاستيطاني. هذا ومارست المنظَّمةُ الصهيونية العالمية نشاطاتِها بصورة دبلوماسية، وخاصةً في المملكة العثمانية، وفي ألمانيا، ولكِنْ لم تؤدِّ الجهود السياسية المباشِرة التي بذلها هرتزل إلى النتائجِ المنشودة.

العام الهجري : 1353 العام الميلادي : 1934
تفاصيل الحدث:

لَمَّا بلغ الأمير فاروق سن الرابعة عشرة طلب السير مايلز لامبسون من الملك فؤاد ضرورةَ سفر ابنه الأمير فاروق إلى بريطانيا لمواصلةِ الدراسة وأصَرَّ على ذلك بشدة رافضًا أيَّ محاولة من الملك فؤاد لتأجيل سفره حتى يبلغ سن السادسة عشرة، فتقرَّر سفرُ فاروق إلى بريطانيا ولكن دون أن يلتحِقَ بكلية إيتون، بل تم َّإلحاقه بكلية وولتش للعلوم العسكرية؛ ونظرًا لكونه لم يبلغ الثامنة عشرة -وهو أحد شروط الالتحاق بكلية وولتش- فقد تم الاتفاق على أن يكون تعليمُه خارج الكلية على يد معلِّمين من نفس الكلية، وقد رافق فاروق خلال سفرِه بعثةٌ مُرافِقةٌ له برئاسة أحمد حسنين باشا؛ ليكون رائدًا له -والذي كان له دور كبير في حياته بعد ذلك- بالإضافة إلى عزيز المصري الذي كان نائبًا لرئيس البعثة وكبيرًا للمعلمين، بالإضافة إلى عمر فتحي حارسًا للأمير وكبير الياوران فيما بعد، وكذلك الدكتور عباس الكفراوي كطبيب خاص، وصالح هاشم أستاذ اللغة العربية، بالإضافة إلى حسين باشا حسني كسكرتير خاص، والذي كان وجوده عاملًا مساعدًا للأمير على الانطلاق؛ فقد شجَّعه على الذهاب إلى المسارح والسينما ومصاحبة النساء ولعب القمار، بينما كان عزيز المصري دائم الاعتراض على كل تلك التصرفات، وكان فاروق بحُكمِ ظروف نشأته القاسية والصارمة يميل إلى حسين باشا ويتمرَّدُ على تعليمات وأوامر عزيز المصري، وفي تلك الفترة كان المرض قد اشتَدَّ على الملك فؤاد، وأصبح على فراش الموت، فاقترحت بريطانيا تشكيل مجلس وصاية مكوَّن من ثلاثة أعضاء، هم: الأمير محمد علي توفيق؛ ابن عم الأمير فاروق، وقد كان ذا ميول إنجليزية، وكان يرى دائمًا أنه أحق بعرش مصر، والثاني: هو محمد توفيق نسيم باشا، رئيس الوزراء الأسبق، وهو من رجال القصر، والثالث: هو الإمام الأكبر الشيخ المراغي، وعندما علم الأمير فاروق بشدَّةِ مرض والده ورغبته في أن يرى ابنه، طلب العودةَ إلى مصر لرؤية والده ووافقت بريطانيا بعد تردُّد على عودة فاروق إلى مصر في زيارة ليعودَ بعدها لاستكمال دراسته إلَّا أنه وقبل أن يسافر فاروق إلى مصر لرؤية والده كان والده الملك فؤاد الأول قد لقِيَ ربه في 28 أبريل 1936م. وعاد فاروق إلى مصر وقطع دراستَه ليجلس على كرسي العرش.

العام الهجري : 755 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1354
تفاصيل الحدث:

تعاظم أمرُ النَّصارى بمصر, فتباهَوا بالملابِسِ الفاخرة، وبَنَوا الأملاكَ الجليلة في مصرَ والقاهرة، واقتَنَوا الجواريَ الجميلةَ مِن الأتراك والمولَّدات، واستولَوا على دواوينِ السلطان والأمراء، وزادوا في الحُمقِ والرَّقاعة، وتعَدَّوا طَورَهم في الترفُّع والتعاظم، وأكثروا من أذى المسلمينَ وإهانتهم، وتحرَّكت الناسُ في أمر النصارى وماجوا، وانتَدَب عِدَّةٌ من أهل الخير لذلك، وصاروا إلى الأمير طاز الشريف أبى العباس الصفراوي، وبلَّغوه ما عليه النصارى مما يوجِبُه نَقضُ عَهدِهم، وانتَدَبوه لنصرة الإسلام والمسلمين، فانتفَضَ الأمير طاز لذلك، وحَدَّثَ الأميرين شيخو وصرغتمش وبقية الأمراء في ذلك بين يدي السلطانِ، فوافقوه جميعًا، وكان لهم يومئذٍ بالإسلامِ وأهلِه عِنايةٌ، ورَتَّبوا قِصَّةً على لسان المسلمين، قُرِئَت بدار العَدلِ على السلطانِ بحَضرةِ الأمراء والقُضاة وعامة أهل الدولة، فرَسَمَ بعَقدِ مَجلِسٍ للنَّظَرِ في هذا الأمر؛ لِيُحمَلَ النصارى واليهود على العهدِ الذي تقَرَّرَ في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وطُلِبَ بطرك النصارى ورئيس اليهود، وحَضَرت قضاة القضاة وعلماء الشريعة، وأمراءُ الدولة، وجيء بالبطرك والرئيس، فوقفا على أرجُلِهما وقرأ العلائيُّ علي بن فضل الله كاتِبُ السر نسخةَ العهد الذي بين المسلمين وبين أهل الذمة، بعد ما أُلزِموا بإحضاره، وهو ألَّا يُحدِثوا في البلاد الإسلامية وأعمالها دِيرًا ولا كنيسةً ولا صومعةً، ولا يجَدِّدوا منها ما خَرِبَ، ولا يَمنَعوا من كنائِسِهم التي عاهدوا عليها أن يَنزِلَ بها أحدٌ مِن المسلمين ثلاثَ ليالٍ يُطعِمونَه، ولا يكتموا غشًّا للمسلمين، ولا يعَلِّموا أولادَهم القرآنَ، ولا يمنعوهم من الإسلامِ إن أرادوا، وإن أسلم أحدُهم لا يردُّوه، ولا يتشَبَّهوا بشيءٍ مِن ملابِسِ المسلمين ويلبَسُ النصرانيُّ منهم العمامةَ الزرقاءَ عَشرَ أذرُعٍ فما دونَها، واليهوديُّ العِمامةَ الصفراء كذلك، ويُمنَع نساؤُهم من التشبُّه بنساء المسلمين، ولا يتسَمَّوا بأسماءِ المُسلِمين، ولا يكتَنُوا بكُناهم، ولا يتلقَّبوا بألقابهم، ولا يركبوا على سَرجٍ، ولا يتقَلَّدوا سيفًا، ولا يركبوا الخيلَ والبِغالَ، ويركبون الحميرَ عَرضًا بالكَفِّ مِن غيرِ تزيينٍ ولا قيمةٍ عظيمة لها، ولا ينقُشوا خواتمهم بالعربيَّة، وأن يَجُزُّوا مقادِمَ رُؤوسهم، والمرأةُ من النصارى تلبَسُ الإزارَ المصبوغ أزرق، والمرأةُ مِن اليهود تلبَسُ الإزار المصبوغ بالأصفر، ولا يدخل أحَدٌ منهم الحمامِ إلَّا بعلامة ممَيِّزة عن المسلم في عُنُقِه، من نحاسٍ أو حديد أو رصاصٍ أو غير ذلك، ولا يستخدموا مُسلِمًا في أعمالهم، وتلبَسُ المرأة السائرةُ خُفَّين أحدهما أسود والآخر أبيض، ولا يجاوروا المسلمينَ بموتاهم، ولا يرفَعوا بناءَ قُبورهم، ولا يعلُوا على المسلمين في بناءٍ، ولا يضربوا بالنَّاقوسِ إلَّا ضربًا خفيفًا، ولا يرفَعوا أصواتَهم في كنائِسِهم، ولا يشتَرُوا من الرقيقِ مُسلمًا ولا مُسلِمةً، ولا ما جَرَت عليه سهامُ المسلمين، ولا يمشُوا وسَطَ الطريق توسِعةً للمُسلمين، ولا يَفتِنوا مُسلِمًا عن دينه، ولا يدُلُّوا على عوراتِ المسلمين، ومن زنى بمُسلمةٍ قُتِل، ومن خالف ذلك فقد حَلَّ منه ما يحِلُّ مِن أهل المعانَدةِ والشِّقاقِ، وكلُّ من مات من اليهود والنصارى والسامرة، ذكرًا كان أو أنثى، يَحتاطُ عليه ديوانُ المواريثِ الحَشريَّة، بالديارِ المصريَّة وأعمالِها وسائِرِ الممالك الإسلامية، إلى أن يُثبِتَ ورَثَتُه ما يستحقُّونه بمقتضى الشرع الشريف، فإذا استحَقَّ يعطونه بمقتضاه، وتُحمَلُ البقيَّةُ لبيت مال المسلمين، ومن مات منهم ولا وارِثَ له يُحمَلُ موجوده لبيتِ المال، ويُجرى على موتاهم الحوطةُ من ديوان المواريث ووكلاء بيت المال مجرى من يموتُ من المسلمين، إلى أن تُبَيَّن مواريثهم، وكان هذا العهدُ قد كتب في رجب سنة 700 في الأيام الناصريَّة محمد بن قلاوون، فلمَّا انتهى العلائي علي بن فضل الله كاتِبُ السرِّ مِن قراءته، تقلد بطركُ النصارى وديان اليهود حُكمَ ذلك، والتَزَما بما فيه، وأجابا بالسَّمع والطاعة، ثم جال الحديثُ في أمر اليهود والنصارى وإعادةِ وقائِعِهم الماضية، وأنهم بعد التزامِهم أحكام العهد يعودونَ إلى ما نُهُوا عنه، فاستقَرَّ الحال على أنهم يُمنَعونَ مِن الخِدَم في جميع الأعمال، ولا يُستخدَمُ نصراني ولا يهودي في ديوانِ السلطان، ولا في شيءٍ مِن دواوين الأمراء، ولو تلفَّظ بالإسلامِ، على أنَّ أحدًا منهم لا يُكرَهُ على الإسلام، فإن أسلم برِضاه، لا يدخُلُ مَنزِلَه، ولا يجتَمِعُ بأهله إلَّا إن اتَّبَعوه في الإسلام، ويُلزَمُ أحدُهم إذا أسلم بملازمة المساجد والجوامع، وكُتِبَ بذلك كُلِّه مراسيم سلطانية سار بها البريدُ إلى البلاد الإسلامية، فكان تاريخُها ثاني عشر جمادى الآخرة، وقُرئ منها مرسومٌ بمجلس السلطان في يوم الخميس خامس عشر، وركب من الغد يوم الجمعة سادس عشر الأميرُ سيف الدين قشتمر الحاجب، ومعه الشريف شهاب الدين المنشئ بالمراسيم السلطانيَّة إلى البلاد الإسلامية، وقُرئ مرسومٌ بجامع عمرو بن العاص من مدينة مصر، وآخَرُ بجامع الأزهر من القاهرة، فكان يومًا عظيمًا هاجت فيه حفائِظُ المسلمين، وتحَرَّكت سواكِنُهم؛ لِما في صدورهم من الحَنَق على النصارى، ونهضوا من ذلك المجلس بعد صلاة الجمعة، وثاروا باليهودِ والنصارى، وأمسكوهم من الطرقات، وتتَبَّعوهم في المواضِعِ وتناولوهم بالضرب، ومَزَّقوا ما عليهم من الثياب، وأكرهوهم على الإسلام، فيَضطرُّهم كثرةُ الضرب والإهانة إلى التلفظ بالشهادتينِ خوفَ الهلاك، فإنَّهم زادوا في الأمر حتى أضرموا النيران، وحملوا اليهود والنصارى، وألقَوهم فيها، فاختَفَوا في بيوتهم، حتى لم يوجَدْ منهم أحد في طريق ولا ممر، وشربوا مياه الآبار لامتناعِ السقَّائين مِن حَمل ِالماء من النيل إليهم، فلما شنع الأمر نُودِيَ في القاهرة ومصر ألا يُعارَضَ أحدٌ مِن النصارى أو اليهود، فلم يرجِعوا عنهم، وحَلَّ بهم من ذلك بلاءٌ شديد، كان أعظَمَه نكايةً لهم أنَّهم منعوا مِن الخِدَم بعد إسلامِهم، فإنهم كانوا فيما مضى من وقائِعِهم إذا مُنِعوا من ذلك كادوا المُسلمين بإظهارِ الإسلام، ثمَّ بالغوا في إيصال الأذى لهم بكلِّ طريق، بحيث لم يبقَ مانع يمنَعُهم لأنه صار الواحِدُ منهم فيما يظهَرُ مُسلِمًا ويَدُه مبسوطةٌ في الأعمال، وأمْرُه نافذٌ، وقولُه مُمتَثَل، فبطل ما كانوا يعملونَ، وتعطَّلوا عن الخِدَم في الديوان، وامتنع اليهودُ والنصارى من تعاطي صناعة الطب، وبذل الأقباط جُهدَهم في إبطال ذلك، فلم يجابُوا إليه، ثمَّ لم يكْفِ الناس من النصارى ما مَرَّ بهم حتى تسَلَّطوا على كنائسهم ومساكِنِهم الجليلة التي رفعوها على أبنيةِ المسلمين، فهدموها، فازداد النصارى واليهودُ خوفًا على خوفهم، وبالغوا في الاختفاءِ، حتى لم يظهَرْ منهم أحدٌ في سوق ولا في غيره، ثم وقعت قِصَصٌ على لسان المسلمين بدار العدل تتضَمَّنُ أنَّ النصارى استَجَدُّوا في كنائِسِهم عُمالًا، ووسعوا بناءها، وتجَمَّع من الناس عدد لا ينحصر، واستغاثوا بالسلطانِ في نصرة الإسلام، وذلك في يوم الاثنين رابع عشر رجب، فرسم لهم أن يَهدِموا الكنائِسَ المُستَجَدَّة، فنزلوا يدًا واحِدةً وهم يضِجُّون، وركب الأميرُ علاء الدين علي بن الكوراني والي القاهرة ليكشِفَ عن صحة ما ذكروه، فلم يتمَهَّلوا بل هجموا على كنيسةٍ بجوار قناطر السباع، وكنيسة للأسرى في طريق مصر، ونهبوهما وأخذوا ما فيهما من الأخشاب والرخام وغير ذلك، ووقع النهبُ في دير بناحية بولاق الدكرور، وهَجَموا على كنائس مصر والقاهرة، وأخربوا كنيسةً بحارة الفهادين من الجوانية بالقاهرة، وتجمعوا لتخريب كنيسة بالبندقانيين من القاهرة، فركب والي القاهرة وما زال حتى ردَّهم عنها، وتمادى هذا الحالُ حتى عجَزَت الحكَّامُ عن كفهم، وكثُرَت الأخبار من الوجه القبلي والوجه البحري بدخولِ النصارى في الإسلامِ، ومُواظبتِهم المساجِدَ، وحِفظِهم للقرآن، حتى إنَّ منهم من ثبتت عدالتُه وجلس مع الشهودِ، فإنه لم يبقَ في جميع أعمال مصر كُلِّها قِبليِّها وبحريِّها كنيسةٌ حتى هُدِمت، وبُني مواضِعَ كثيرٍ منها مساجد، فلما عَظُم البلاء على النصارى، وقَلَّت أرزاقهم، رأوا أن يدخلوا في الإسلام، ففشا الإسلامُ في عامَّة نصارى أرض مصر، حتى إنه أسلم من مدينة قليوب خاصة في يوم واحد أربعمائة وخمسون نفرًا! وممَّن أسلم في هذه الحادثة الشمس المقسي، جدُّ بني المقسي الذي منهم التاج ناظر الخواصِّ، والهيصم جدُّ بني الهيصم الوزراء, وحمَلَ كثيرٌ من الناس فِعْلَهم هذا على أنه من جملةِ مَكْرِهم؛ لكثرةِ ما شنَّعَ العامة في أمرهم، فكانت هذه الواقعةُ أيضًا من حوادث مصر العظيمة، ومن حينئذ اختلطت الأنسابُ بأرض مصر، فنكح هؤلاء الذين أظهروا الإسلامَ بالأرياف المُسلِماتِ، واستولدوهنَّ، ثمَّ قَدِمَ أولادُهم إلى القاهرة، وصار منهم قضاةٌ وشهود وعلماء، ومَن عَرَف سيرتَهم في أنفُسِهم، وفيما وَلُوه من أمور المسلمين، تفطَّنَ لِما لا يمكِنُ التصريحُ به.

العام الهجري : 1 العام الميلادي : 622
تفاصيل الحدث:

كان عبدُ الله بن سلامٍ رَضي اللهُ عنه حَبْرًا من أحبارِ يَهودَ، عالِمًا، قال: لمَّا سَمِعتُ برسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَرَفتُ صِفَتَه واسمَه وزَمانَه الذي كنا نتوقَّعُ له، فكنتُ مُسِرًّا لذلك، صامِتًا عليه، حتى قَدِمَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ، فلمَّا نزل بقُباءٍ، في بني عَمرِو بنِ عَوفٍ، أقبل رجلٌ حتى أخبَرَ بقُدومِه، وأنا في رأسِ نَخلةٍ لي أعمَلُ فيها، وعمَّتي خالِدةُ بنتُ الحارِثِ تحتي جالِسةٌ، فلما سمعتُ الخبرَ بقُدومِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَبَّرتُ، فقالت لي عَمَّتي حين سَمِعَت تكبيري: خيَّبَك اللهُ! واللهِ لو كُنتَ سَمِعتَ بموسى بنِ عِمرانَ قادِمًا ما زِدتَ! قال: فقلتُ لها: أيْ عمَّةُ، هو واللهِ أخو موسى بنِ عِمرانَ، وعلى دينِه، بُعِث بما بُعِث به. قال: فقالت: أيِ ابنَ أخي، أهوَ النبيُّ الذي كُنَّا نُخبَرُ أنه يُبعَثُ مع نَفَسِ السَّاعةِ؟ قال: فقلتُ لها: نعم. قال: فقالت: فذاك إذن. قال: ثم خرجتُ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأسلَمتُ، ثم رَجَعتُ إلى أهلِ بيتي، فأمرتُهم فأسلموا.
قال: وكَتمتُ إسلامي من يهودَ، ثم جِئتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقلتُ له: يا رسولَ الله، إنَّ يهودَ قومٌ بُهتٌ، وإنِّي أُحِبُّ أن تُدخِلَني في بعضِ بُيوتِك، وتُغيِّبَني عنهم، ثم تَسألَهم عني، حتى يُخبِروك كيف أنا فيهم، قَبْلَ أن يعلَموا بإسلامي؛ فإنَّهم إنْ عَلِموا به بَهَتوني وعابوني. قال: فأدخَلَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بعضِ بُيوتِه، ودَخَلوا عليه، فكلَّموه وساءَلوه، ثم قال لهم: "أيُّ رجلٍ عبدُ الله بنُ سَلامٍ فيكم؟" قالوا: سيِّدُنا وابنُ سيِّدِنا، وحَبرُنا وعالِمُنا. قال: فلمَّا فَرَغوا من قولِهم خرجتُ عليهم، فقلتُ لهم: يا مَعشرَ يهودَ، اتَّقوا اللهَ واقبَلوا ما جاءكم به، فواللهِ إنَّكم لَتعلمون إنَّه لَرسولُ الله، تَجِدونَه مَكتوبًا عِندكُم في التَّوراةِ باسمِهِ وصِفَتِه، فإنِّي أشهَدُ أنَّه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأُومِن به وأُصدِّقُه وأعرِفُه. فقالوا: كَذَبْتَ. ثم وَقَعوا بي، قال: فقلتُ لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألَمْ أُخبِرْك يا رسولَ الله أنهم قومٌ بُهتٌ، أهلُ غدرٍ وكذبٍ وفُجورٍ! قال: فأظهَرتُ إسلامي وإسلامَ أهلِ بيتي، وأسلَمَت عمَّتِي خالِدةُ بنتُ الحارِثِ، فحَسُن إسلامُها.