عاد الأميرُ أبو منصور فولاستون ابن المَلِكِ أبي كاليجار البويهي الدَّيلمي الشِّيعي إلى شيراز مُستَولِيًا عليها، وفارَقَها أخوهُ الأميرُ أبو سعدٍ، وكان سببُ ذلك أنَّ الأميرَ أبا سعدٍ كان قد تَقدَّم معه في دَولتِه إنسانٌ يُعرفُ بعَميدِ الدِّين أبي نصرِ بن الظَّهير، فتَحَكَّم معه، واطَّرحَ الأجنادَ واستَخَفَّ بهم، وأَوحشَ أبا نصرِ بن خسرو، صاحب قَلعةِ إصطخر، الذي كان قد استَدعَى الأميرَ أبا سعدٍ ومَلَّكَهُ، فلمَّا فعل ذلك اجتمعوا على مُخالَفَتِه وتَأَلَّبوا عليه، وأَحضرَ أبو نَصرِ بن خسرو الأميرَ أبا منصور بن أبي كاليجار إليه! وسَعى في اجتماعِ الكَلمةِ عليه، فأجابه كثيرٌ من الأجنادِ لِكَراهتهِم لعَميدِ الدِّين، فقَبَضوا عليه، ونادوا بِشِعارِ الأميرِ أبي منصور، وأَظهروا طاعتَه، وأَخرَجوا الأميرَ أبا سعدٍ عنهم، فعاد إلى الأهوازِ في نَفَرٍ يَسيرٍ، ودخلَ الأميرُ أبو منصور إلى شيراز مالِكًا لها، مُستَولِيًا عليها، وخَطَب فيها لطُغرلبك، وللمَلِكِ الرَّحيم، ولِنَفسِه بعدهما.
هو السلطان أبو يحيى تميم بن المعز بن باديس بن المنصور بن بلكين بن زيري بن مناد الحميري الصنهاجي، ملَكَ إفريقيةَ بعد أبيه. كان ملكًا جليلًا شهمًا، شجاعًا ذكيًّا، مَهيبًا فاضلًا، شاعرًا جوادًا فصيحًا, حليمًا كثير العفو عن الجرائم العظيمة، وله معرفة حسنة، وله شِعر حسن, كان حسَنَ السيرة، محبًّا للعلماء، قصده الشعراء من النواحي. ولد سنة 422، ولم يزل بالمهدية منذ ولاه أبوه إياها من صفر سنة خمس وأربعين إلى أن توفِّي أبوه, وكان له في البلاد أصحاب أخبار يجري عليهم أرزاقًا سَنية ليطالعوه بأحوال أصحابه؛ لئلا يظلموا الناس. ولما توفي كان عمره تسعًا وسبعين سنة، وكانت ولايته ستًا وأربعين سنة وعشرة أشهر وعشرين يومًا، وخلف من الذكور ما يزيد على مائة، ومن البنات ستين بنتًا، ولما توفي ملك بعده ابنُه يحيى بن تميم.
استولى الفرنج على خرتبرت من بلاد ديار بكر، وسبب ذلك: أن بلك بن بهرام بن أرتق كان صاحب خرتبرت، فحضر قلعة كركر، وهي تقارب خرتبرت، فسمع الفرنج بالشام الخبرَ، فسار بغدوين ملك الفرنج في جموعه إليه ليرحلَه عنها؛ خوفًا أن يَقوى بملكها، فلما سمع بلك بقُربه منه رحل إليه، والتقيا في صفر واقتتلا؛ فانهزم الفرنج وأُسِرَ مَلِكُهم ومعه جماعة من أعيان فرسانهم، وسُجنوا بقلعة خرتبرت، وكان بالقلعة أيضًا جوسلين، صاحب الرها، وغيره من مقدَّمي الفرنج كان قد أسرهم سنة 515، وسار بلك عن خرتبرت إلى حران في ربيع الأول فملكها، فأعمل الفرنج الحيلة باستمالة بعض الجند، فظهروا وملكوا القلعة، فأما الملك بغدوين فإنه مضى إلى بلاده، واتصل الخبر ببلك صاحبها، فعاد في عساكره إليها وحصرها، وضيَّق على مَن بالقلعة، واستعادها من الفرنج، وجعل فيها من الجند من يحفظها، وعاد عنها.
هو الشَّريفُ أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس بن يحيى بن علي الحمودي الحَسني الطالبي الإدريسي. ولد بمدينة سبتة وتعلَّم بقُرطبة، خرج إلى المشرق وطاف البلاد، أقام في بلاد الإسلام وعاد إلى المغربِ. كان أديبًا ظريفًا شاعرًا مُغرمًا بعلم الجغرافيا. أقام بصقليَّةَ في بلاط الملك النورماندي روجيه الثاني الذي كان من هواة الفلك، فألَّفَ له الإدريسي كتابَ نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، وهو في وصفِ بلاد أوربا, ثم قضى الإدريسي شطرًا من حياته في رسم أوَّلِ خريطة للعالم، بناها على القواعد العلمية الصحيحة، وقد صنع الملك النورماندي هذه الخريطة على كُرةٍ فِضِّية بإشراف الإدريسي، وللإدريسي مؤلفات أخرى منها صفة بلاد المغرب، وروضة الأندلس ونزهة النفس، وله مشاركات في علوم النبات، ويعتبر الإدريسي أكبَرَ جغرافي عربي بل وأشهرهم على الإطلاق، توفي الإدريسي عن 71 عامًا، ويغلب على الظن أنه توفي في صقليَّةَ.
هو المَلِكُ المُعظَّم فخر الدين شمس الدولة توران شاه بن أيُّوب أخو السلطان صلاح الدين. كان أكبَرَ من صلاح الدين في السنِّ. وكان يرى في نفسه أنَّه أحقُّ بالمُلك من صلاح الدين يوسف، وكان يبدو منه كلامٌ يقدح في صلاح الدين وتبلغه عنه، ومع ذلك كان صلاح الدين يُحسِنُ إليه. شهد معه مواقِفَ مشهودة محمودة، وهو الذي افتتح بلادَ اليمن عن أمر صلاح الدين، فمكث فيها حينًا واقتنى منها أموالًا جزيلة، ثم عاد من اليمن، فاستنابه صلاح الدين على دمشق مدة، ثم سار إلى مصر فاستنابه على الإسكندرية فلم توافقْه، وكانت تعتريه القوالنج، فمات في هذه السنة، ودفن بقصر الإمارة فيها، ثم نقلته أختُه ست الشام بنت أيوب فدفنته بتربتها التي بالشامية البرانية, ولَمَّا بلغ موته أخاه صلاح الدين بن أيوب وهو مخيِّم بظاهر حمص، حَزِن عليه حزنًا شديدًا. كان توران شاه شجاعًا جوادًا مُمَدَّحًا حَسَن الأخلاق.
مَلَك ابن الرنك، وهو من ملوك الفرنج البرتغال، غَربَ بلاد الأندلس، مدينة شلب، وهي من كبار مدن المسلمين بالأندلس، واستولى عليها، فوصَلَ الخبر بذلك إلى الأمير أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، صاحِبِ المغرب والأندلس، فتجهَّزَ في العساكِرِ الكثيرة وسار إلى الأندلس، وعبَرَ المجاز، وسيَّرَ طائفة كثيرةً مِن عسكره في البحر، ونازلها وحصَرَها، وقاتَلَ مَن بها قتالًا شديدًا، حتى ذَلُّوا وسألوا الأمانَ، فأمنهم وسلموا البلد وعادوا إلى بلادهم، وسَيَّرَ جيشًا من الموحِّدينَ ومعهم جمع من العرب إلى بلاد الفرنج، ففتحوا أربَعَ مُدُن كان الفرنج قد ملكوها قبل ذلك بأربعين سنة، وفتكوا في الفرنج، فخافَهم مَلِكُ طليطلة من الفرنج، وأرسل يطلُبُ الصلح، فصالحه خمسَ سنين، وعاد أبو يوسف إلى مراكش، وامتنع مِن هذه الهدنة طائفةٌ من الفرنج لم يَرضَوها ولا أمكَنَهم إظهارُ الخلاف، فبَقُوا متوقِّفينَ حتى دخَلَت سنة تسعين وخمسمائة، فتحَرَّكوا.
هي الست الجليلة المصونُ خاتون ست الشام بنت أيوب بن شادي، واقفةُ المدرستين البرَّانية والجُوَّانية, وهي أختُ الملوك وعمَّةُ أولادهم، وأمُّ الملوك، كان لها من الملوك المحارم خمسة وثلاثون ملكًا، منهم أشقاؤها: الملك الناصر صلاح الدين، والملك العادل، والمعظم توران شاه بن أيوب صاحب اليمن، وكانت قد تزوجت ابن عمِّها ناصرَ الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادي صاحب حمص بعد عمر بن لاجين والد ابنها حسام، وكان ابنها حسام الدين من أكابر العلماء عند خاله صلاح الدين، وكانت ست الشام من أكثر النساء صدقة وإحسانًا إلى الفقراء والمحاويج، وكانت تعمل في كل سنة في دارها بألوف من الذهب أشربةً وأدوية وعقاقير وغير ذلك وتفَرِّقه على الناس، وكانت وفاتُها يوم الجمعة آخر النهار السادس عشر من ذي القعدة من هذه السنة، في دارها التي جعلتها مدرسةً، عن المارستان وهي الشامية الجوانية، ونُقِلت منها إلى تربتها بالشامية البرانية، وكانت جنازتها حافلة.
نزل التتار على البيرة في ثلاثين ألف مُقاتلٍ، خمسة عشر ألفًا من المغول، وخمسة عشر ألفًا من الروم، والمقَدَّم على الجميع البرواناه- الحاجب- وهو حاجب السلطان السلجوقي بأمر أبغا بن هولاكو ملك التتار، ومعهم جيش الموصل وجيش ماردين والأكراد، ونَصَبوا عليها ثلاثة وعشرين منجنيقًا، فخرج أهلُ البيرة في الليل فكبسوا عسكَرَ التتار وأحرقوا المنجنيقاتِ ونهبوا شيئًا كثيرًا، ورجعوا إلى بيوتهم سالمين، فأقام عليها الجيشُ مُدَّة إلى التاسِعَ عشر من هذا الشهر، ثم رجعوا عنها بغيظِهم لم ينالوا خيرا {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]، ولما بلغ السلطانَ بيبرس نزولُ التتار على البيرة أنفَقَ في الجيش ستَّمائة ألف دينار، ثم ركب سريعًا وفي صحبته ولدُه الملك السعيد بركة، فلما كان في أثناء الطريق بلغه رحيلُ التتار عنها فعاد إلى دمشق، ثم ركب في رجب إلى القاهرة فدخلها في الثامن عشر.
لما كان يوم ثامن عشر ذي الحجة ورد الخبر بأن الأمير تغري بردي المؤيدي نائب حلب المعروف بأخي قصروه- خرج عن طاعة السلطان، وقبض على الأمراء الحلبيين، واستدعى التركمان والعربان، وأكثر من استخدام المماليك، وسببُ خروجه عن الطاعة أنه بلغه أن الملك الظاهر ططر عزَلَه، وأقرَّ عِوَضَه في نيابة حلب الأمير تنبك البجاسي نائب طرابلس، فلما تحقق ذلك خرج عن الطاعة وفعل ما فعل، فشاور الأمير برسباي الأمراءَ في أمره، فوقع الاتفاقُ على أن يكتب الأمير تنبك البجاسي بالتوجُّه إليه وبصحبته العساكر، وقتاله، وأخذ مدينة حلب عنوة، وباستقراره في نيابتها كما كان الملك الظاهر ططر أقره، وكتب له بذلك، ثم في يوم الأحد ثالث محرم سنة 825 ورد الخبر إلى الديار المصرية بفرار الأمير تغري بردي المؤيدي من حلب بعد وقعة كانت بينه وبين تنبك البجاسي المنتَقِل عِوَضَه إلى نيابة حلب.
أراد السلطان مراد الثاني بن محمد جلبي أن يعيد الإمارات في الأناضول إلى سيادة الدولة العثمانية بعد عدوان تيمورلنك على تلك المنطقة؛ ولذلك عقد هدنة مع ملك المجر لمدة خمس سنوات، كما صالح أمير القرامان، وبدأ يتجه لأوروبا مستأنفًا حركة الجهاد ومؤدبًا للأوربيين الذين أساؤوا للعثمانيين أيام المحنة التي حلَّت بهم أيام السلطان بايزيد. وفتح المجر وأخذ الجزية من أمير الصرب مع تقديم فرقة من جنود الصرب لمساعدة السلطان في حروبه، واستعاد مدينة سلانيك (سالونيك) والأفلاق وألبانيا، وعندما تجهز لحصار القسطنطينية نقض أمراءُ أوربا العهد معه، فاتجه إليهم مرة أخرى، فأدَّب ملك المجر وأمير الأفلاق وأمير الصرب، واستعاد مدينة سلانيك عام 833 من البندقية، وكان إمبراطور القسطنطينية قد تنازل عنها لهم، وقد حاصرها السلطان خمسة عشر يومًا، واعترف أمير الأفلاق بسيادة العثمانيين على بلاده عام 836.
وصل القاهرة كتابُ جانبك الأبلق الظاهري من قبرص أنَّه هو ومن معه من المماليك السلطانية وغيرهم من الفرنج واقعوا أهلَ شرينة في عاشر شهر ربيع الآخر، وحصروا قلعتَها، وقتلوا من الفرنج بشرينة ثمانية نفر، وأسروا مثلَهم، ثم ذكر أنه واقع ثانيًا أهل شرينة، وقتل صاحب الشرطة بقلعتها، وآخر من عظمائها رمى بنفسِه إلى البحر فغرق، وأنَّه قبض على خمسة منهم، وأن الملكة صاحبة شرينة أخت جاك صاحب قبرص قد توجَّهت من شرينة إلى رودس تستنجد بهم، ثم ذكر أنه ظَفِرَ بعدة مراكب ممَّن كان قَدِمَ من الفرنج نجدة للملكة، وأنه أسَرَ منهم خلائق تزيد عدَّتُهم على مائة نفر، وأنه أخذ بالحصار عدة أبراج من أبراج قلعة باف بعد أن قاسوا منه شدائد، وأنه يستحِثُّ السلطان في إرسال عسكر بسرعة قبل مجيء نجدةٍ لهم من الفرنج أهل الماغوصة الجنوية، وإلى أهل شرينة من غير الجنوية.
كان الراج بريطاني -راج، يعني: الحكم- دخل كابل عام 1218 ويمثِّلُ هذا الدخولُ الحربَ الأفغانية الإنجليزية الأولى، التي انتصر فيها الأفغان. كان هدف بريطانيا هو إنشاءَ دولة في أفغانستان عازلة بينها وبين روسيا عندما ساعدت شجاع الملك في استعادة حُكمِ كابل مِن أخيه فتح خان، وفي هذا العام فرَّ أخوه محمد دوست إلى بخارى، فحاول أن يهاجِمَ بلاد الأفغان من جهةِ الشمال غير أن هجماتِه فَشِلت، فجاء إلى الأفغان وسلم نفسَه للإنجليز الذين نقلوه إلى كلكتا في البنغال، وانسحب الجيشُ البريطاني من كابل عام 1257هـ وهاجمه أثناء الانسحابِ أكبر خان بن محمد دوست، وكاد أن يبيدَهم ويقضيَ عليهم، وفي أثناء القتال بين الإنكليز وحليفِهم شجاع الملك من جهةٍ وأكبر خان من جهةٍ قُتِلَ شجاع ومُنِيَت إنجلترا بخسائِرَ اضطرت بنتيجتِها أن تعيدَ محمد دوست إلى بلاد الأفغان، وأن تعترف بحكمِه وعقدت معه معاهدةَ صداقةٍ.
تُوفِّي الأميرُ بدرُ بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله نائبُ رئيسِ الحرسِ الوطنيِّ السعودي السابقُ. وقد شارَك في عددٍ من الوُفود واللِّجان بالمملكة، ورافقَ الملكَ فيصلَ بنَ عبد العزيز في زياراتِه الرسميَّةِ لبعضِ الدُّول العربية والإسلامية. وعُيِّن وَزيرًا للمُواصَلات عامَ (1381هـ-1961م)، وأصدر الملكُ فيصلٌ أمْرَه بتعيينِه نائبًا لرئيس الحرس الوطنيِّ في (3/11/1387هـ) الموافِقِ (1967م). وشارَك في وَضعِ خُطَطِ تطويرِ الحرسِ الوطنيِّ والإشرافِ عليها وتنفيذِها. وللأميرِ مُشاركاتٌ ثقافيةٌ، ورياضيَّةٌ، واجتماعيةٌ أُخرى، سواءٌ رسميةٌ أو خاصةٌ؛ فقد كان نائبًا لرئيس مجلس إدارة نادي الفُروسِيَّة، ورئيسًا للَّجنة العليا للمِهرجان الوطني للتُّراث والثَّقافة، ورئيسَ هيئةِ الإشرافِ على مَجَلَّة الحرس الوطني العسكريَّة. وقد أُقيمت صلاةُ الجنازة عليه بجامِعِ الإمام تركي بن عبد الله بمدينة الرياض.
حصلت فرنسا بموجِب معاهدة أبرمتها مع الدولة العثمانية على امتيازاتٍ عسكرية واقتصادية؛ لتنميتِها والحيلولة دون وقوع فرنسا تحت نفوذ ملك إسبانيا وألمانيا، وهو ما مهَّد السبيل لكي يرسوَ الأسطول العثماني في ميناء طولون الفرنسي في البحر المتوسط.