وَلِيَ مِصرَ ثانيًا مِن قِبَل الخليفة الراضي بالله مُحمَّد بن طغج بن جف الفرغاني على الصَّلاةِ والخراج بعد عزلِ الأمير أحمد بن كيغلغ عنها، بعد أمور وقعت. دخل محمَّدُ بنُ طغج مصر أميرًا عليها بعد أن سلَّمَ الأميرُ أحمد بن كيغلغ في يوم الخميس لسِتٍّ بقِينَ مِن شهرِ رمضان وأقَرَّ على شرطته سعيدَ بنَ عثمانَ ثمَّ ورد عليه بالدِّيار المصرية أبو الفتح الفضلُ بنُ جعفر بن محمد بالخِلَع من الخليفةِ الراضي بالله بولايتِه على مصر فلَبِسَها وقَبَّلَ الأرض, ورسَمَ الخليفةُ الراضي بالله بأن يزادَ في ألقاب الأمير محمَّد هذا الإخشيدُ، في شهر رمضان سنة 327 فلُقِّبَ بالإخشيد، والإخشيد بلسانِ الفرغانة: مَلِك الملوك, كما أن أصبَهَبذ: لقبُ ملوك طبرستان, وصول: لقبُ ملوك جرجان, وخاقان: لقبُ ملوك التُّرك, والأفشين: لقبُ ملوك أشروسنة, وسامان: لقب ملوك سمرقند, وقيصر: لقب ملوك الروم, وكسرى: لقب ملوك العَجَم, والنجاشي والحطي: لقب ملوك الحبشة, وفرعون قديمًا: لقبُ ملوك مصر, وحديثًا السُّلطان.
سار يَمينُ الدَّولةِ الغزنوي عندما خرج الشِّتاءُ غازيًا إلى الهندِ في جمعٍ عَظيمٍ وحَشدٍ كثيرٍ، وقصَدَ واسِطةَ البلادِ مِن الهند، فسار شَهرينِ، حتى قارَبَ مَقصِدَه، ورتَّب أصحابَه وعساكِرَه، فسَمِعَ عَظيمُ الهند به، فجَمَع مَن عِندَه مِن قُوَّادِه وأصحابِه، وبرز إلى جَبَلٍ هناك، صَعبِ المرتقى، ضَيِّقِ المسلَكِ، فاحتمى به، وكتَبَ إلى الهنودِ يستدعيهم مِن كُلِّ ناحية، فاجتمع عليه منهم كلُّ مَن يحمِلُ سلاحًا، فلمَّا تكامَلَت عِدَّتُه نزل مِن الجَبَل، وتصافَّ هو والمُسلِمونَ، واشتَدَّ القِتالُ وعَظُم الأمرُ، ثمَّ إنَّ الله تعالى منح المسلمينَ أكتافَهم فهَزَموهم، وأكثَروا القَتَل فيهم، وغَنِموا ما معهم من مالٍ وفيلٍ وسلاحٍ، وغير ذلك، وفتَحَ اللهُ نادرين, ووجد المسلمونَ في بَيتِ الصَّنَمِ حَجَرًا عظيمًا منقوشًا عليه، دلَّت كتابتُه على أنَّه مبنيٌّ منذ قرونٍ طويلة، فعَجِبَ المسلمونَ لقِلَّةِ عُقولِهم, فلمَّا فرغ الغزنويُّ مِن غَزوتِه عاد إلى غزنة، وأرسل إلى القادِرِ بالله يطلُبُ منه مَنشورًا، وعهدًا بخراسانَ وما بيده من المَمالِك، فكتب له بذلك، ولُقِّبَ نظامَ الدين.
هو أبو الحسَنِ عليُّ بن الخليفة الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بأمر الله، وهو الأصغر، وكان يلقَّب الملك المعظم، وكان أحبَّ ولدي الخليفة إليه، وقد رشَّحه لولاية العهد بعده، وعزَلَ ولده الأكبر عن ولاية العهدِ؛ لأجل أبي الحسن علي, وكان كريمًا كثير الصدقة والمعروف، حَسَن السيرة، محبوبًا إلى الخاص والعام، وكان سببُ موتِه أنَّه أصابه إسهالٌ فتوفِّيَ، وحَزِنَ عليه الخليفةُ حُزنًا لم يُسمَعْ بمثله، حتى إنه انقطع، ثم أُخرجَ نهارًا، ومشى جميعُ الناس بين يدي تابوتِه إلى تربة جدَّتِه عند قبر معروف الكرخي، فدُفِنَ عندها، ولما أُدخِل التابوت أُغلِقَت الأبواب، وسُمِعَ الصراخ العظيم من داخل التربة، فقيل إن ذلك صوتُ الخليفة, وأمَّا العامة ببغداد فإنَّهم وجدوا عليه وجدًا شديدًا، ودامت المناحات عليه في أقطار بغداد ليلًا ونهارًا، ولم تبق امرأةٌ إلَّا وأظهرت الحزن، وما سُمِعَ ببغداد مثل ذلك في قديمِ الزمانِ وحديثه. وتَرَك أبو الحسن ولدينِ أحدهما المؤيَّد أبو عبد الله الحسين، والموفَّق أبو الفضل يحيى.
عندما تحقَّق للإمام سعود أنَّ آل خليفة أهل البحرين والزبارة يقع منهم بعض المخالفات, فخاف أن يقع أكبَرُ من ذلك, فأرسل إليهم جيشًا واستعمل عليه الأميرَ محمد بن معيقل, ثم أتبعه بعبد الله بن عفيصان واجتمعوا ونزلوا عند الزبارة المعروفة عند البحرين، فأقاموا فيها قريبَ أربعة أشهر حتى رجع الإمام سعود من الحجِّ، فأرسل أمراءَ جيشه إلى آل خليفة يأمرونهم أن يَفِدوا على سعود فساقوهم كرهًا، فقَدِموا عليه في الدرعية، وهم الأمير سلمان بن أحمد بن خليفة، وأخوه عبد الله، وعبد الله بن خليفة وأبناؤهم، ومعهم كليب البجادي وغيره من أعوانهم, ورؤساء رعيتهم، فلما قَدِموا قرَّرَ عليهم سعود ما حدث منهم, ثمَّ اعتقل رؤساءَهم وردَّ أبناءَهم وبقيَّةَ الرعية إلى بلادهم, وكان سعودٌ لما قبض عليهم أخذ جميعَ خيلهم ونجائبهم وغير ذلك من الشوكة لهم في البحرين، والزبارة، ثم أمر فهدَ بن سليمان بن عفيصان أن يعبر إلى البحرين ضابطًا له، وجعله في بيت المال، ثم إنَّ أبناء آل خليفة نقلوا أكثر نسائِهم وأموالهم في السُّفن، ثم هربوا من الزبارة.
في رمضان عام 1238هـ بدأ تركي بن عبد الله تحَرُّكَه من مخبَئِه في بلدة الحلوة جنوبي نجد؛ لإخراجِ بقية القوَّات الغازية وحامياتها الموجودة بالرياض ومنفوحة، فانطلق منها وجمَعَ أتباعه عند بلدة عرقة قُربَ الرياض، وتوافَدَت إليه جموعُ المؤيِّدين من سدير والوشم، وبعد قتالٍ استمَرَّ لمدة عام ضد الحاميتين أجبر من كان فيهما من الجنودِ على المغادرة إلى الحجاز في أواخر عام 1239هـ وأمر مشاري بن ناصر آل سعود بدخولِ الرياضِ، وتوجَّه هو إلى الوشم؛ حيث أقام في شقراء مدة شهرٍ، وفيها قَدِمَ عليه أمير عنيزة يحيى بن سليم مبايعًا إياه على السمع والطاعة. وذلك في مستهَلِّ عام 1240هـ، ويُعَدُّ هذا التاريخ الذي رحلت فيه القواتُ المصرية عن نجد بدايةً لقيام الدولة السعودية الثانية، وعاصمتُها الرياض، وانتقل الحكمُ في أسرة آل سعود من أبناءِ عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى أبناء عبد الله بن محمد بن سعود، وفي خلالِ عامين شَمِلَت هذه الدولة معظَمَ بلاد نجد، ودان أهلُها بالولاء لتركي بن عبد الله.
قرَّرت بريطانيا أن يكونَ شرق الأردن دولةً مُتمتِّعةً بالحكم الذاتي، يحكُمُها الأمير عبد الله بن حسين بن شريف مكةَ، بعد مقابلته لوزير المستعمرات البريطاني وينستون تشرشل، تمَّ الاتفاق بأن تقومَ في شرقي الأردن إمارةٌ ذاتُ حكومة تتمتَّعُ بالاستقلال الإداري وتسترشِدُ برأي المفوض السامي الإنجليزي في القدس، وتتقاضى من إنجلترا معونةً سنوية، فوقَّع الأميرُ عبد الله بن الحسين على صكِّ الانتداب البريطاني على شرق الأردن، فأعلَنَ عن تأسيس إمارة شرق الأردن تحت حُكمِ الأمير عبد الله بن الحسين، ثم تمَّ إنشاء حكومة دستورية في 11/4/1921م، وكان أوَّلُ رئيس لها رشيد طليع، وبذلك اختفت الحكوماتُ المحلية واندمجت في حكومةٍ واحدة هي حكومةُ إمارة شرقي الأردن، وماطلت بريطانيا في الاعترافِ بحكومة شرق الأردن حتى 25 أيار 1923 بعد الاعترافِ الرسميِّ مِن قِبَل المندوب السامي البريطاني بالحكومة الأردنية، وتمَّ تحديدُ حدود إمارة شرق الأردن التي كانت مُبهمةً وقت إعلان قيام الإمارة سنة 1921م.
كان الملك فرديناند قد أظهر للمسلمين في الأيام الأولى من تسليم غرناطة العناية والاحترام حتى كان النصارى يَغيرون منهم ويحسدونهم ويقولون لهم أنتم الآن عند ملكنا أعز وأكرم منا، ووضع عنهم المغارم وأظهر لهم العدل حيلة منه وكيدًا؛ ليغرَّهم بذلك وليثبطهم عن الجواز، فوقع الطمع لكثير من الناس، وظنوا أن ذلك يدوم لهم فاشتروا أموالًا رخيصة وأمتعة أنيقة وعزموا على الجلوس مع النصارى، ثم إن فرديناند أمر الأمير محمد بن علي أبا عبد الله الصغير بالانصراف من غرناطة إلى قرية أندرش من قرى البشرة، فارتحل الأمير محمد بعياله وحشمه وأمواله وأتباعه، فنزل قرية أندرش وأقام بها ينتظر ما يؤمر به، ثم إن الملك فرديناند ظهر له أن يصرف الأمير أبا عبد الله الصغير إلى العدوة فأمره بالجواز وبعث للمراكب أن تأتي إلى مرسى عذرة، واجتمع معه خلق كثير ممن أراد الجواز فركب الأمير محمد ومن معه في تلك المراكب في عزة واحترام وكرامة مع النصارى، وساروا في البحر حتى نزلوا مدينة مليلة من عدوة المغرب، ثم ارتحل إلى مدينة فاس, وكان من قضاء الله وقدره أنه لما جاز أبو عبد الله الصغير وسار إلى مدينة فاس أصاب الناس شدة عظيمة وغلاء مفرِط وجوع وطاعون، واشتد الأمر بفاس حتى فر كثير من الناس من شدة الأمر، ورجع بعض الناس من الذين جازوا إلى الأندلس فأُخبروا بتلك الشدة فقصر الناس عن الجواز, فعزموا على الإقامة والدجن-المداهنة- ولم يجوز النصارى أحدًا بعد ذلك إلا بالكراء والمغرم الثقيل وعُشر المال، فلما رأى فرديناند أن الناس قد تركوا الجواز وعزموا على الدجن والاستيطان والمقام في الأوطان أخذ في نقض الشروط التي شرطوا عليه، ولم يزل ينقضها شرطًا شرطًا ويحلها فصلًا فصلًا إلى أن نقض جميعها وزالت حرمة الإسلام عن المسلمين وأدركهم الهوان والذلة، واستطال النصارى عليهم، وفُرِضت عليهم الفروضات وثَقُلت عليهم المغارم، وأمرهم بالخروج من مدينة غرناطة إلى الأرباض والقرى، فخرجوا أذلة صاغرين!
أما الأمير أبو عبد الله الصغير فبعد أن لجأ إلى مدينة فاس بالمغرب وسلطانها يومئذ محمد الشيخ الوطاسي المعروف بالبرتغالي، بقي فيها ذليلًا حقيرًا يستعطف الناس إلى أن توفي سنة 940 عن عمر 73سنة.
هو الشيخُ المُحدِّثُ المعمَّر ظَهيرُ الدِّينِ بنُ عبدِ السبحان محمد بَهادُر الأثَريُّ الرَّحماني المُبارَكْفوريُّ، وُلد سنةَ 1920م الموافق لسنةِ 1338 تقريبًا، في حُسين آباد قُربَ مُبارَكْفُورَ بالهندِ. وبدأ دِراستَه الأولى في بَلدتِه، ثم انتقَلَ إلى جامعةِ "فَيض عام" في مدينةِ "مَو" القريبةِ، وانتقَلَ بعدها إلى دارِ العلومِ في ديوبند، ثم انتقَلَ إلى دارِ الحديثِ الرحمانيَّةِ الشهيرةِ في دِهْلي -دلهي-. قرَأَ على جماعةٍ من العُلماءِ، وأجازَ له منهم: المُحدِّثُ أحمَدُ اللهَ الدهلوي، وعُبيدُ اللهِ الرَّحمانيُّ، ولقي جماعةً، وأبرَزُهم المحدِّثُ عبدُ الرحمنِ المُبارَكْفوريُّ. ومن شُيوخِه الذين قرأَ عليهم: عبدُ الرحمنِ المَوِّي النَّحْويُّ، وعبدُ اللهِ شائق الموِّي، ونذير أحمد الأملوي، وأحمد حسام الدين الموِّي. وبعد تَخرُّجِه درَّسَ في دارِ التعليم سنةَ 1942، ثم تنقَّلَ في التدريسِ بين عِدَّةِ مدارسَ في مناطقَ مختلفةٍ، إلى أنِ استقرَّ سنةَ 1958 في جامعةِ دار السلام في عمر آباد، ودرَّس فيها، وكان وَقتَها وكيلًا للجامعةِ، إلى أنْ ترَكَ التدريسَ سنةَ 2005م، مع بقاءِ إفادتِه للأساتذةِ والواردين عليه، ومُشاركتِه في المناسباتِ، وخلالَ ذلك درَّس سُنَنَ أبي داودَ ودرَّس الصحيحَينِ، وتولَّى إمارةَ جمعيةِ أهلِ الحديثِ في ولايةِ تاميل نادو. ونظرًا لجُهدِه ومكانتِه في التدريسِ فقد قامت جمعيةُ أهلِ الحديثِ المَركزيةُ في عُمومِ الهندِ بتكريمِه ضِمنَ كبارِ رجالاتِ أهلِ الحديثِ على مستوى الهندِ، وذلك في مؤتمَرِ أهلِ الحديثِ الثامنِ والعشرينَ لعُمومِ الهندِ في مدينةِ باكورَ، في شهرِ مُحرَّمٍ عامَ 1425 الذي حضَرَه نحوُ مليونِ شخصٍ. وكان صاحبَ أعلى إسنادٍ لصحيحِ مُسلمٍ، بدَأَ ينتشِرُ خَبَرُه عند المهتمِّين بالروايةِ من العرَبِ، وارتحَلَ له جماعةٌ، وحدَّثَ في عدةِ أماكنَ، ومنها: المدينةُ، والرياضُ، والخُبرُ، والدوحةُ، وأمريكا، وغيرُها، وانتشَرَ سنَدُه. وكان الشيخُ على خُلقٍ رفيعٍ، جيِّدَ الحديثِ بالعربيةِ، بقيَ العلَّامةُ يُقرئُ ويُفيدُ في بيتِه وعَبرَ الهاتفِ إلى آخرِ أيامِه، ولا ينقَطِعُ إلا لمرضٍ أو سَفَرٍ، إلى أنِ اشتدَّ به المرَضُ وتوفَّاهُ اللهُ، وقد صُلِّيَ عليه -رحمه الله- في مسجِدِ الجامعةِ، ودُفِن في مقبرةِ عمر آباد.
هي مَيمونَةُ بنتُ الحارِثِ بن حَزْنِ بن بُجيرِ بن الهُزَمِ، وأُمُّها هِندُ بنتُ عَوفِ بن زُهيرٍ، كانت تحت مَسعودِ بن عَمرِو بن عبدِ نائلٍ الثَّقفيِّ في الجاهليَّة وفارَقَها، ثمَّ خلَف عليها أبو رُهْمِ بن عبدِ العُزَّى بن أبي قيسِ بن عبدِ وُدٍّ فتُوفِّي عنها فتَزوَّجها النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في عُمرَةِ القَضاءِ، وهي آخِرُ نِسائِه تَزْوِيجًا، توفِّيت في سَرِفَ قُربَ مكَّة في المكان الذي بَنَى عليها النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقِيلَ: بل توفِّيت في مكَّة ونُقِلَت إلى سَرِفَ، صلَّى عليها ابنُ عبَّاسٍ.
أخذ الرَّشيدُ بولاية العهدِ مِن بعده لولَدِه محمَّد بن زبيدة وسمَّاه الأمين، وعمُرُه إذ ذاك خمسُ سنين، وقد كان الرشيد يتوسَّمُ النجابةَ والرَّجاحة في عبد الله المأمون، ويقول: والله، إنَّ فيه حزمَ المنصور، ونُسُك المهديِّ، وعِزَّة نفسِ الهادي، ولو شئتُ أن أقولَ الرابعةَ مني لقُلتُ، وإني لأقَدِّمُ محمَّد بن زبيدة، وإنِّي لأعلَمُ أنَّه مُتَّبِعٌ هواه، ولكن لا أستطيعُ غيرَ ذلك، ثمَّ لَمَّا حج علَّقَ هذا الكتاب في جوفِ الكعبة، كنوعٍ مِن التثبيتِ لهذا العهدِ، فلا يستجرئُ أحدٌ على نقضِه.
خرج عبد الرحمن بن الأمير محمَّد إلى حصون ألبة والقلاع؛ وكان القائِدُ عبد الملك بن العباس؛ فافتتَحها، وقتَل الرجال، وهدَمَ البُنيان؛ وانتقل في بسائطِها من موضع إلى موضع يحطِمُ الزروع، ويقطَعُ الثمار. وأخرج أردون بن إذفونش أخاه إلى مضيق الفجِّ ليقطع بالمُسلمين، ويتعرَّضَهم فيه؛ فتقَدَّم عبد الملك فقاتَلَهم على المَضِيقِ، حتى هزمهم وقتَلَهم وبدَّدَهم؛ ثم وافَتْهم بقيَّة العساكر، وأظلَّتهم الخيلُ من كل الجهات؛ فصبر أعداءُ الله صبرًا عظيما؛ ثم انهزموا. ومنح الله المسلمينَ أكتافَهم، فقُتِلوا قتلًا ذريعًا، وقُتِل لهم تسعة عشر قومسًا من كبار قوَّادهم.
خطبَ شبيب بن وثاب النميريُّ، صاحِبُ حران والرَّقَّة، للخليفةِ القائم بأمر الله، وقطَعَ خُطبةَ المستنصر بالله العُبَيديُّ، وكان سببُها أنَّ نَصرَ الدَّولة بنُ مروان كان قد بلغه عن الدزبري نائبُ العلويين بالشام أنَّه يتهَدَّده، ويريد قصدَ بلاده، فراسل ابنُ مروان قرواشًا، صاحِبَ الموصل، وطلب منه عسكرًا، وراسل أيضًا شبيبًا النميري يدعوه إلى المُوافقة، ويُحَذِّرُه من المغاربةِ العُبَيديِّين، فأجابه إلى ذلك، وقطعَ الخُطبةَ العَلَويَّة، وأقام الخُطبةَ العباسيَّة، فأرسل الدزبري إلى شبيب يتهدَّدُه، ثم أعاد الخطبةَ العَلَوية بحرَّانَ في ذي الحجَّة من السَّنة.
وقعة عَرض- وهي من أعمال حلب بين الرصافة وتدمر- وذلك أنَّه التقى جماعةٌ من أمراء الإسلام فيهم استدمر وبهادر أخي وكجكن وغرلو العادلي، وكلٌّ منهم سيفٌ من سيوف الدين في ألفٍ وخمسمائة فارس، وكان التتارُ في سبعةِ آلاف فاقتتلوا وصبر المسلمون صبرًا جيدًا، فنصرهم الله وخذلَ التَّتَر، فقتلوا منهم خلقًا وأسروا آخرينَ، ووَلَّوا عند ذلك مُدبِرينَ، وغَنِمَ المسلمون منهم غنائِمَ، وعادوا سالمين لم يُفقَدْ منهم إلا القليلُ مِمَّن أكرمه الله بالشهادة، ووقعت البطاقةُ بذلك، ثم قَدِمَت الأسارى يوم الخميس نصفَ شعبان.
هو السلطان العادل طومان باي بعد أن تسلطن العادل طومان باي قام بعزل أنصار الأشرف جانبلاط وولَّى أنصاره هو، وقتل بعض الأمراء وقبض على آخرين وسجنهم، فأثار هذا حفيظة بعض الأمراء عليه، حتى الذين كانوا نصروه بالأمس على جانبلاط، فاتَّفَق الأمراء بقيادة قانصوه الغوري وقاموا بخلعِه فهرب العادل طومان باي، ولكنه قُبِض عليه ثم قُتِلَ بعد أن كانت مدة سلطنته ثلاثة أشهر وعشرة أيام، وكان قانصوه الغوري أولًا قد هاب السلطنة، لكن اتَّفق الأمراء على سلطنته، فبويع بحضور الخليفة المستمسك بالله والقضاة الأربعة، وتلقب بالملك الأشرف قانصوه بن عبد الله الأشرفي الغوري.
أمر عبد الله بن سعود بعضَ النواحي من أهل الوشم وسدير أن يتجهَّزوا بشوكتهم إلى القصيم، ثم أمر شوكةَ أهل القصيم أن تجتَمِعَ تحت رئاسة أمير القصيم حجيلان بن حمد, ثم تجهَّز عبد الله غازيًا من الدرعية واستنفر جميعَ القوات التابعة لها من الحاضرة والبادية، وخرج من الدرعية لعشرٍ بقين من جمادى الأولى، وقصد ناحيةَ الحجاز ونزل قربَ الرس واستلحق الشوكةَ التي مع حجيلان، وسار حتى نزل العلم- الماء المعروف- وهو يريدُ الغارة على البوادي الذين مع الباشا إبراهيم، فبلغهم خبَرُه فرحلوا إلى الحناكية ونزلوا على إبراهيم باشا.