لمَّا انتهى خالدُ بن الوَليد رضِي الله عنه مِن اليَمامَة جاء الأَمْر بالتَّوَجُّهِ للعِراق لِدَعْم المُثَنَّى بن حارِثةَ، فسار خالدٌ إلى الحِيرَةِ والْتَقى بجيشِ المُثَنَّى وجيشِ عِياضِ بن غَنْمٍ بهُرْمُزَ في الأُبُلَّةِ، وقد حَدَثت عِدَّةُ مَعارك في تلك المناطق التي تُعرَف بالمنطقة الشَّرقيَّة التي كانت تحت سَيطرة الفُرْس، وفُتِحَت عِدَّةُ مناطق كالحِيرَةِ والأَنْبارِ ودُومَةِ الجَنْدَلِ والفِراضِ وغيرِها مِن المناطق العِراقيَّة، كما انتصر خالدٌ في عدد مِن المعارك على الفُرْس وحُلفائِهِم مِن مُتَنَصِّرَةِ العَرَبِ.
كان هذا الحِصارُ في هذه المَرَّةِ بقِيادَة فَضالَةَ بن عُبيدٍ الأنصاريِّ، وعلى الأُسْطولِ البَحريِّ عبدُ الله بن قيسٍ الحارثيُّ، وجُنادةُ بن أبي أُمَيَّة، وأمَّا أسطولُ الشَّام فكان بإمْرَةِ يَزيدَ بن شَجَرَة الرُّهاويِّ، ودام هذا الحِصارُ إلى عام 57 هـ، احْتَلُّوا فيها عِدَّةَ جُزُرٍ قريبة كأَرْواد وكزيكوس، واتُّخِذَت قَواعِد عَسكريَّة, ولم تَسْتطِعْ هذه الحَمْلةُ الثَّانية اقْتِحامَ القُسطنطينيَّة بسببِ مَناعَةِ أسوارِها، وما كان يُطْلِقُهُ البِيزَنطيُّون على سُفُنِ الأُسْطولِ الإسلاميِّ مِن نِيران، فانْتَهى الأمرُ بعَقْدِ صُلْحٍ بين المسلمين والبيزَنْطيِّين.
طلَب إبراهيمُ بن محمَّد بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس مِن أبي مُسلِم أن يَحضُر إليه إلى مَكَّة لِيَعلَم منه أَخبارَ الدَّعوة، فجاءَه كِتابٌ منه أن يَرجِع إلى خُراسان ويُعلِن بالدَّعوة بعد أن كانت سِرِّيَّة، فأَظهَر أبو مُسلِم الدَّعوة وطلَب مِن سُليمان بن كَثير أن يُصلِّي بالنَّاس العيد، فأَرسَل إليهم نَصرُ بن سِيار قُوَّةً؛ ولكنَّ جُندَ أبي مُسلِم كانوا قد اسْتولَوا على هَراة، وكُشِفَ أمرُ إبراهيمَ مِن الرَّسائل وكان يُقيمُ بالحميمية فقُبِضَ عليه وسُجِن.
لَمَّا كان الأمرُ من دخولِ جيشِ المأمون واستيلائِه على بغداد، وأخْذِ الأمينِ الأمانَ مِن هرثمة بن أعيَن، وكان قد سيَّرَه في السفينة، فعَلِمَ بذلك طاهر بن الحسين، فغضب لذلك كثيرًا؛ لأنَّ الأمينَ لم يطلُبْ منه الأمانَ، بل طلبه من هرثمةَ بنِ أعيَن، فقام بإغراقِ السَّفينةِ، ولكنَّ الأمينَ سبح ونجا، وكان بعضُ الجندِ قد أسَروه ووضعوه في أحدِ البُيوتِ، فدسَّ طاهِرٌ إليه بعضَ العجَمِ فقتلوه في البيتِ الذي كان محبوسًا فيه، وقَطَعوا رأسَه، وأرسلوه إلى طاهرِ بنِ الحُسين.
أمر المعتمد أحمد المولد بالمسير إلى البصرة لحربِ الزنج، فسار حتى نزل الأبلة، ثم نزل البصرة، واجتمع إليه من أهلِها خلقٌ كثير، فسيَّرَ علي بن أبان المهلبي إلى حرب المولد يحيى بن محمد البحراني، فسار إليه فقاتله عشرةَ أيام، ثم وطَّن المولدُ نفسَه على المقام، فكتب العلَويُّ إلى يحيى يأمره بتبييتِ المولد، ووجه إليه الشذا مع أبي الليث الأصفهاني، فبَيَّته، ونهض المولد فقاتلَه تلك الليلة، ومن الغدِ إلى العصر، ثم انهزم عنه، ودخل الزنج عسكَرَه فغَنِموا ما فيه.
ولَّى المعتمِدُ أبا الساج الأهواز بعد مسيرِ عبد الرحمن بن مفلح عنها إلى فارس، وأمَرَه بمحاربة الزنج، فسيَّرَ صهره عبد الرحمن لمحاربة الزنج، فلَقِيه علي بن أبان المهلبي بناحية دولاب، فقُتِلَ عبد الرحمن، وانحاز أبو الساج إلى ناحية عسكر مكرم، ودخل الزِّنج الأهواز، فقتلوا أهلَها وسَبَوا وأحرَقوا، ثم انصرف أبو الساج عمَّا كان إليه من الأهواز، وحربِ الزنج، فوَلِيَها إبراهيم بن سيما فلم يزَلْ بها حتى انصرف عنها مع موسى بن بغا.
عندما وصل العباسُ بن أحمد بن طولون الغربَ هربًا من والده، راسل إبراهيمَ الثاني الأغلبي، وادَّعى أنَّ الخليفةَ قد قلَّده أمر المغرب، فسار العباسُ حتى وصل إلى مدينةِ لبدة فاستقبله أهلُها فاستباحها، وغَرَّته نفسُه فتابع السيرَ نحو الغَربِ، فقاتله إبراهيمُ الثاني وهزمه واضطَرَّه إلى العودة إلى برقة، ثمَّ إن ابن طولون أرسل جيشًا خلف ابنه ليُعيدَه فأخذوه ومَن معه وأعادوهم إلى مصرَ، فسُجِنَ العبَّاسُ حتى مات، وقُتِلَ كثيرٌ من أعوانه بسبب هذا الفعلِ.
هو الإمامُ الفاضل، نحويُّ زمانِه، أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ مُحمَّد بنُ السري بن سهل الزَّجَّاج، مصنِّفُ كتاب "معاني القرآن" و"الاشتقاق" و"القوافي" و"العَروض" و"فعلتُ وأفعلتُ" ومختصرًا في النحو وغير ذلك، وقد كان أوَّل أمرِه يَخرِطُ الزُّجَاج فأحَبَّ عِلمَ النَّحوِ، فذهب إلى المبَرِّد، وكان يعطي المُبَرِّدَ كلَّ يومٍ دِرهمًا، ثم استغنى الزَّجَّاجُ وكثُرَ مالُه ولم يقطَعْ عن المبَرِّدْ ذلك الدِّرهَم حتى مات، وقد كان الزجَّاجُ مُؤدِّبًا للقاسم بن عُبيد الله الوزير، توفِّيَ عن 75 عامًا.
عاد ثمل الخادِمُ إلى طرسوس من الغَزاةِ الصائفةِ سالِمًا هو ومَن معه فلَقُوا جمعًا كثيرًا من الرومِ، فاقتتلوا فانتصر المُسلِمونَ عليهم وقتَلوا من الرومِ كثيرًا، وغَنِموا ما لا يُحصى، وكان من جملةِ ما غَنِموا أنَّهم ذبحوا من الغَنَمِ في بلاد الروم ثلاثمائة ألف رأس، سوى ما سلِمَ معهم، ولقيهم رجلٌ يُعرَفُ بابن الضحَّاك، وهو من رؤساءِ الأكراد، وكان له حصنٌ يُعرَفُ بالجعفري، فارتدَّ عن الإسلام وصار إلى ملك الروم فأجزل له العَطيَّة، وأمَرَه بالعودِ إلى حِصنِه، فلقيه المسلمونَ، فقاتلوه وأسَروه، وقتلوا كلَّ مَن معه.
هو عبدُ المَلِك بنُ نوحٍ الساماني صاحِبُ خُراسان وغزنة وما وراءَ النَّهرِ. تولَّى حُكْمَ الدَّولةَ السامانيَّةَ بعد والده, وكان في العاشرةِ مِن عُمُرِه، وكان ضعيفَ الهيبةِ ولم يَقُم بشَيءٍ للمُحافظة على وَحدةِ دَولتِهم، وكان سبَبُ مَوتِه أنَّه سقط عن فَرَسِه فوقع ميتًا وافتُتِنَت خراسان بعده، فقام بالأمرِ مِن بعده أخوه منصورُ بنُ نوح الساماني. وفي عهدِ منصور بدأت الدَّولةُ في الضَّعفِ بسبَبِ خروجِ بَعضِ القادة عن طاعتِه، وازداد نفوذُ البُويهيِّين الذين امتلكوا أهمَّ أقاليم الدَّولة السامانيَّة.
سار المَلِكُ أَلب أَرسلان بن داودَ ابن أخي طُغرلبك من مدينةِ مَرو بخُراسان، وقَصَد بِلادَ فارس في المَفازَة، فلم يَعلَم به أحدٌ، ولا أَعلَم عَمَّهُ طُغرلبك، فوَصَل إلى مَدينةِ فَسا، فانصرف النَّائِبُ بها من بين يديه، ودَخلَها أَلبُ أَرسلان فقَتَل من الدَّيلم بها ألفَ رَجُل، وعددًا كثيرًا من العامَّةِ، ونَهبوا ما قَدرُه ألف ألف دينار، وأسروا ثلاثةَ آلافِ إنسانٍ، وكان الأمرُ عظيمًا. فلمَّا فَرغوا من ذلك عادوا إلى خُراسان، ولم يَلبَثوا خَوفًا من طُغرلبك أن يُرسِل إليهم، ويأخُذ ما غَنموهُ منهم.
قَصَدَ أتسز بن أوق الخوارزميُّ -وهو من أُمراءِ السُّلطانِ ملكشاه السلجوقي- بِلادَ الشامِ، فجَمعَ الأَتراكَ وسار إلى فِلسطين، ففَتحَ مَدينةَ الرَّمْلَةَ، وسار منها إلى بَيتِ المَقدِس وحَصرَه، وفيه عَساكرُ المِصريِّين التابِعينَ للدولةِ الفاطِميَّة، ففَتَحَهُ، ومَلَكَ ما يُجاوِرُهُما من البِلادِ، ما عدا عَسقلان، وقَصَدَ دِمشقَ فحَصرَها، وتابَعَ النَّهْبَ لِأَعمالِها حتى خَرَّبَها، وقَطعَ الميرةَ عنها، فضاقَ الأَمرُ بالناسِ، فصَبَروا، ولم يُمَكِّنُوه مِن مُلْكِ البلدِ، فعاد عنه، وأَدامَ قَصْدَ أَعمالِه وتَخريبها حتى قَلَّتِ الأَقواتُ عندهم.
كان العادِلُ بن أيوب قد أرسل إلى أخيه صلاحِ الدين يطلُبُ منه مدينةَ حَلَب وقلعَتَها بعد أن مَلَكَها، فأجابه إلى ذلك، وأمَرَه أن يخرج معه بأهلِه وماله فالتقى به في الكرك، ثم سيَّر صلاح الدين ابن أخيه تقي الدين إلى مصرَ نائبًا عنه؛ ليتولى ما كان أخوه العادِلُ يتولاه، وبعد أن رحل صلاحُ الدين عن الكرك استصحب معه أخاه العادل إلى دمشق، وأعطاه مدينةَ حلب وقلعتها وأعمالها، ومدينة منبج وما يتعلَّقُ بها، وسيَّرَه إليها في شهر رمضان، وأحضَرَ ولده الظاهِرَ منها إلى دمشق.
وقَعَت الحربُ بين الأميرِ قتادةَ الحسني، أميرِ مكة، وبين الأمير سالم بن قاسم الحُسيني، أميرِ المدينة، ومع كل واحدٍ منهما جمعٌ كثير، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وكانت الحربُ بذي الحُلَيفة بالقُرب من المدينة، وكان قتادة قد قصد المدينةَ لِيَحصُرَها ويأخُذَها، فلَقِيَه سالم، فسار فلَقِيَه، فانهزم قتادةُ، وتَبِعَه سالم إلى مكة فحَصَرَه بها، فأرسل قتادةُ إلى من مع سالم من الأمراء، فأفسَدَهم عليه، فمالوا إليه وحالَفوه، فلما رأى سالمٌ ذلك رحل عنه عائدًا إلى المدينةِ، وعاد أمر قتادةَ قويًّا.
قدم محمد بن منكلي المستولي على بلاد الجبل إلى بغداد، وسببُ ذلك أنَّ أباه منكلي لَمَّا استولى على بلاد الجبل وهرب إيدغمش صاحبها منها إلى بغداد خاف أن يساعِدَه الخليفة، ويرسِل معه العساكر، فيَعظُم الأمر عليه؛ لأنَّه لم يكن قد تمكَّن في البلاد، فأرسل ولده محمدًا ومعه جماعةٌ من العسكر، فخرج النَّاسُ ببغداد على طبقاتِهم يلتقونَه، وأُنزِلَ وأُكرِمَ، وبَقِيَ ببغداد إلى أن قُتِلَ منكلي إيدغمش بهمذان سنة عشر، فخلع الخليفةُ على ابن منكلي وعلى من معه، وأُكرِموا، وسيَّرَهم إلى بلاد الجبل.