تَزوَّج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عائشةَ الصِّدِّيقةَ رضي الله عنها وهي بنتُ سِتِّ سِنينَ, وبَنى بها بالمدينةِ في شَوَّال في السَّنةِ الثانية مِن الهِجرةِ وهي بنتُ تِسعِ سِنينَ, وكانت أَحظى أزواجِه عنده وأحبَّهُم إليه, ولمْ يتزوَّجْ بِكرًا غيرَها.
هي هِندُ بنتُ أبي أُمَيَّة سُهيلِ بن المُغيرَةِ بن عبدِ الله، وأُمُّها عاتِكَةُ بنتُ عامرِ بن رَبيعَة، كانت تحت أبي سَلمةَ عبدِ الله بن عبدِ الأَسَدِ بن هِلالٍ، كانت أوَّلَ مَن هاجَر إلى الحَبشةِ هي وزَوجُها، ويُقالُ أيضًا: إنَّ أُمَّ سَلَمةَ أوَّلُ ظَعينَة هاجَرَت إلى المدينةِ، تَزوَّجها النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعدَ بدرٍ، وقِيلَ: بعدَ أُحُدٍ. وقِصَّتُها يومَ الحُديبيَة حيث أشارَت على النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأن يَحْلِقَ هو ويَنْحَرَ دون أن يُكَلِّمَ أَحَدًا، فلمَّا فعَل تَسارَع الصَّحابةُ إلى فِعْلِ ما كانوا قد أَحْجَموا قبلُ عن فِعْلِه لمَّا أَمرَهُم به النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، توفِّيت في المدينةِ، وقيل كانت وفاتها عام 61 للهجرة.
أمَرَ الخليفةُ القادِرُ بالله بالبيعةِ لِوَلَدِه أبي الفَضلِ بولايةِ العَهدِ، وأحضَرَ حُجَّاجَ خُراسان وأعلَمَهم ذلك، وكان سبَبُ هذه البيعةِ أنَّ رَجُلًا يقال له عبدُ الله بن عثمان الواثقيُّ من ولَدِ الواثِقِ بالله أحدِ الخُلَفاء السَّابقين، كان مِن أهلِ نصيبينَ، ذهَبَ إلى بعضِ الأطرافِ من بلادِ التُّركِ، وادَّعى أنَّ القادِرَ بالله جعَلَه وليَّ العَهدِ مِن بَعدِه، فخَطَبوا له هنالك، فلمَّا بلغ القادِرَ أمرُه عَظُمَ عليه، فبَعَث يتطَلَّبُه فهرب في البلادِ وتمَزَّق، ثم أخذه محمودُ بن سبكتكين فسَجَنَه في قلعةٍ إلى أن مات؛ لهذا بادر القادِرُ إلى هذه البيعةِ, فبايع لِوَلدِه أبي الفَضلِ بولاية العهد, ولقَّبَه الغالِبَ باللهِ، وكان عُمرُه حينئذ ثماني سنين وشهورًا.
هو أمينُ الأُمَّةِ عامرُ بن عبدِ الله بن الجَرَّاح رضِي الله عنه، اشْتَهَر بكُنْيَتِه, أبي عُبيدةَ، أحدُ العشرةِ المُبَشَّرين بالجنَّةِ، شَهِدَ بدرًا وأُحُدًا والمَشاهِدَ كُلَّها مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو مِن السَّابقين إلى الإسلامِ، وهاجَر إلى الحَبَشةِ وإلى المدينةِ أيضًا، وكان يُدْعى: القويَّ الأمينَ، آخَى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بينه وبين أبي طَلحةَ الأنصاريِّ، كان مِن القُوَّادِ الفاتحين زَمَنَ عُمَر، حيث عَيَّنهُ قائدًا لِجُيوشِ الشَّام بعدَ عَزْلِ خالدِ بن الوَليد، وكان عُمَرُ يُجِلُّهُ كثيرًا حتَّى قِيلَ: إنَّ عُمَر قال: لو كان أبو عُبيدةَ حَيًّا لاسْتَخْلَفْتُه, وقال عُمَرُ لأصحابِه يومًا: تَمَنَّوْا. فقال رجلٌ أَتَمَنَّى لو أنَّ لي هذه الدَّارَ مَملوءةٌ ذهبًا انْفقتُه في سَبيلِ الله عزَّ وجلَّ. ثمَّ قال: تَمَنَّوْا. فقال رجلٌ: أَتَمَنَّى لو أنَّها مملوءةٌ لُؤْلُؤًا وزَبَرْجَدًا أو جَوْهرًا أُنْفِقُه في سَبيلِ الله عَزَّ وجلَّ وأَتَصدَّقُ به. ثمَّ قال: تَمَنَّوْا. فقالوا: ما نَدري يا أميرَ المؤمنين. فقال عُمَرُ: أَتَمَنَّى لو أنَّ هذا الدَّارَ مملوءةٌ رِجالًا مِثلَ أبي عُبيدةَ بن الجَرَّاحِ. تُوفِّيَ في طاعون عَمْواس على المشهورِ.
كتب الأنصارُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بعدَ بَيعةِ العَقبةِ الأولى أن يبعثَ لهم مَن يُصلِّي بهم ويُقريهِم القُرآنَ، فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لهم مُصعبَ بنَ عُميرٍ, فكان في ضِيافةِ أَسعدَ بنِ زُرارةَ, وأخذ يدعو إلى الإسلامِ، وانتشر الإسلامُ في أهلِ يَثْرِبَ حتَّى لمْ يَبْقَ بيتٌ في يَثْرِبَ إلَّا وفيه مُسلمٌ أو مُسلمةٌ، وكان ممَّن أَسلمَ على يدِهِ سَيِّدا الأَوسِ سعدُ بنُ مُعاذٍ، وأُسيدُ بنُ الحُضيرِ.
هو الخليفة العباسي المستكفي بالله أبو الربيع سليمان ابن الخليفة المتوكِّل على الله أبي عبد الله محمد، توفي بالقاهرة يوم الجمعة الثاني محرم، ونزل السلطانُ الملك الظاهر جقمق للصلاة عليه بمصلاة المؤمني، ومشى في جنازته إلى أن شَهِد دفنَه، وربما أراد حملَ نعشِه في طريقه، ومات المستكفي وهو في عشر الستين، بعد أن أقام في الخلافة تسعَ سنين ونحو عشرة أشهر، وتولى الخلافةَ بعده أخوه أبو البقاء حمزة بغير عهدٍ منه، ولقِّبَ بالقائم بأمر الله.
انتهت الحربُ العالمية الأولى وخرجت إنجلترا ومن معها منتَشِين بالنصر، وكانت تُمنِّي المصريين بمنحِهم الاستقلالَ فورَ انتصارهم في الحرب، ولما كان الاحتلالُ مكَلِّفًا أكثر من إبقاء الدولة تابعةً لها بوضع أناسٍ يُخضِعون إدارتها، فتحصُلُ على ما تريد دون خسائرَ بشرية ولا خسائِرَ اقتصادية، فأظهرت اللِّينَ وأبدت الاستعدادَ لفكرة الاستقلالِ، وهيَّأت أشخاصًا مناسبين لها لهذا العمل الجديد، فأوحت لسعد زغلول بالتحرُّكِ، فدعا لاجتماع في صفر تمخَّض عن المطالبة بالاستقلال وتشكيلِ وفدٍ للسَّفَر إلى باريس لعرض القضية على مؤتمر الصُّلحِ، وتشكَّل الوفدُ مِن سعد زغلول، وعلي الشعراوي، وعبد العزيز فهمي، ولكِنَّ الأمر لا بدَّ له من ضجةٍ وضوءٍ ليبدوَ طبيعيًّا، فقامت إنجلترا بمنع الوفدِ مِن السفر وقبضت على سعد زغلول وغيره، ونُفيَ إلى مالطة فأصبح بطلًا وطنيًّا!! وقامت المظاهرات، ومنها المظاهرة النسائية المشهورة في ميدان التحرير، التي قادتها هدى شعراوي، وخلعت فيها الحجابَ وأحرقت صفية فهمي -زوجة سعد زغلول- حجابَها، وفعل بعضُ الساذجات المغفَّلات مثلَهنَّ، وكأن الحجابَ فرضته إنجلترا حتى يكون هذا مظهرًا من التنديد بالاستعمارِ!!! وقامت المظاهراتُ بالتخريب والتدمير بلا هدفٍ ولا مبرِّرٍ، ليس إلا التقليد الأعمى، فهم يدمرون بلادَهم هم لا بلادَ العدو، بل وسمِّيَ هذا الميدان فيما بعد "ميدان التحرير"!! واستقالت الوزارةُ واندلعت الثورةُ في أرجاء مصر، واعترفت أمريكا بالحماية الإنجليزية على مصر، ثم رُفِع الحظر على السفر، وأطلق سراح المنفيين في مالطة، فتألَّف وفدٌ جديد ضمَّ سعد زغلول، وعلي الشعراوي، وسينوت حنا، وجورج خياط، وغيرهم، وفي 11 رجب 1337هـ / 11 نيسان 1919م غادر الوفد البلادَ ووصل باريس، وبدأ الاتصال بالمسؤولين في مؤتمر الصلح، غير أن الأمور كانت مرتبةً وجاهزة كما يريد الصليبيون، وحدثت اضطراباتٌ بمصر، واتفقت كلمة شعب مصر أن الرأي للمفاوِضين في باريس ولهم القرار، ورفَضَ أيٌّ منهم المفاوضةَ داخل مصر َبغياب الوفد المصري، فسافرت لجنةُ ملنر التي جاءت إلى مصر للمفاوضة إلى لندن، ودعت المفاوضين للسفر من باريس إلى لندن للمفاوضة معهم، وتبيَّن أن أعضاء الوفد متفاوتون في درجة رضوخِهم للمفاوضات وشروطها، فرجع البعض لمصر وبقي البعض، منهم سعد زغلول، وبقيت الأمورُ بين أخذٍ وردٍّ، وكل ذلك إنجلترا تصِرُّ على إبقاء حامية إنجليزية في مصر، وفشلت المباحثات. ثم جرى اتفاقٌ بين المعتمد البريطاني في القاهرة وبين عبد الخالق ثروت، وعدلي يكن، وإسماعيل صدقي، وذلك في 14 جمادى الأولى 1340هـ / 12 كانون الثاني 1922م، نص الاتفاق على تأليف وزارة برئاسة عبد الخالق ثروت؛ شريطة موافقة الحكومة البريطانية على نقاطٍ، منها إلغاء الحماية والاعتراف بمصر مستقلةً، وإلغاء الأحكام العسكرية، وحماية المصالح الأجنبية وغيرها.
كان حِصنُ عرقة، وهو من أعمال طرابلس، بيد غلام للقاضي فخر الملك أبي علي بن علي بن عمار، صاحب طرابلس، وهو من الحصون المنيعة، فعجز غلام ابن عمار عن حمايته، فضاق به القوت وانقطعت عنه الميرة؛ لِطولِ مُكث الفرنج في نواحيه، فأرسل إلى أتابك طغتكين، صاحب دمشق، وقال له: أرسل من يتسلمُ هذا الحصن مني؛ قد عجزت عن حفظه، ولأن يأخذَه المسلمون خيرٌ لي دنيا وآخرة من أن يأخُذَه الفرنج. فبعث إليه طغتكين صاحبًا له اسمه إسرائيل في ثلاثمائة رجل، فتسلم الحصن، فلما نزل غلام ابن عمار منه رماه إسرائيل في الأخلاط بسهمٍ فقَتَله، وكان قصده بذلك ألَّا يَطَّلِعَ أتابك طغتكين على ما خلفه بالقلعة من المال، وأراد طغتكين قَصْدَ الحِصنِ للاطلاع عليه، وتقويته بالعساكر والأقوات وآلات الحرب، فنزل الغيث والثلج مدة شهرين ليلًا ونهارًا فمنعه، فلما زال ذلك سار في أربعة آلاف فارس ففتح حصونًا للفرنج، منها حصن الأكمة. فلما سمع السرداني الفرنجي ابن أخت صنجيل بمجيء طغتكين، وهو على حصار طرابلس، توجَّه في ثلاثمائة فارس، فلما أشرف أوائل أصحابه على عسكر طغتكين انهزموا، وخلوا ثقلهم ورحلهم ودوابَّهم للفرنج، فغنموا وقَوُوا به، وزاد في تجمُّلِهم، ووصل المسلمون إلى حمص على أقبح حال من التقطُّع، ولم يُقتَل منهم أحد لأنه لم تجرِ حربٌ، وقصد السرداني إلى عرقة، فلما نازلها طلب من كان بها الأمان، فأمنهم على نفوسهم، وتسلم الحصن، فلما خرج من فيه قبض على إسرائيل، وقال: لا أطلقه إلا بإطلاق فلان، وهو أسير كان بدمشق من الفرنج منذ سبع سنين، ففودي به وأُطلقا معًا، ولما وصل طغتكين إلى دمشق بعد الهزيمة أرسل إليه ملك القدس يقول له: لا تظن أنني أنقض الهدنة لِلَّذي تمَّ عليك من الهزيمة، فالملوك ينالهم أكثرُ مما نالك، ثم تعود أمورُهم إلى الانتظام والاستقامة، وكان طغتكين خائفًا أن يقصِدَه بعد هذه الكسرة فينالَ من بلده كلَّ ما أراد.
في عام 1919م ساهم المثقَّفون والفئات الواعية من الأكراد في حركةِ التحرُّر الوطني التركية التي تزعَّمها مصطفى كمال (أتاتورك) ولا سيما من خلال جمعية الدفاع عن حقوقِ الأناضول الشرقي أي (كردستان تركيا)؛ اعتقادًا منهم بأن مساهمتَهم مع إخوانهم الأتراك في الكفاحِ ضِدَّ الاستعمار ستؤدِّي إلى نيل حقوقهم القومية، وحضر اجتماعَ المجلسِ الوطني التركيِّ الكبير في أنقرة عام 1920م اثنان وسبعون نائبًا كرديًّا تعاونوا مع مصطفى كمال كممثِّلين عن كردستان. ولم يتأخَّرْ مصطفى كمال والكماليون عمومًا في تقديم الوعود والعهود للأكراد لنَيلِ حقوقهم القومية، بل إن الكماليين كانوا يردِّدون بصوتٍ عالٍ بأن تركيا وطنُ الأتراك والأكراد: الأتراك والأكراد شركاءُ في هذا الوطن، ولكن ما إن استتَبَّ للكماليين الحكمُ في تركيا الجديدة حتى تنكَّروا لوعودهم وعهودهم للأكراد، وأعلنوا على لسان وزير العدل أنْ ليس لغير الأتراك في تركيا إلَّا أن يكونوا عبيدًا، ولم يعُدْ أمام الأكراد والحالة هذه إلا الثورةُ المسلَّحة دفاعًا عن وجودهم، فكانت ثورة 1925م بقيادة الشيخ سعيد بيران في ديار بكر، تلك الثورة التي لاقت صدًى قويًّا وعنيفًا ودمويًّا، وقد دلَّت الإحصائيات الأولية أن القواتِ التركية دمَّرت 8.757 بيتًا و206 قرية، وقتلوا حوالي نصف مليون كردي، وفي عام 1927م ثار الأكرادُ مرة أخرى بعد تشكيل حزب خويبون (الاستقلال) ثورة اندلعت أولًا في جبال آرارات بقيادة الجنرال إحسان نوري باشا، واستمرَّت هذه الثورة حتى عام 1930م حين استطاعت القواتُ التركية إجبار الثوار على اللجوء إلى إيران. وفي 1937م اندلعت ثورةٌ كردية في درسيم (شمال كردستان) قارعت الجيوش التركية نحو سنتين. وبعث أهالي درسيم إلى عُصبة الأمم في نوفمبر/ تشرين الثاني 1937م طلبًا يحتجُّون فيه على إجراءات الحكومة التركية بغَلقِ المدارس الكردية وتحريم استعمال اللُّغة الكردية، وحذف كلمتي كرد وكردستان من جميع المطبوعات والكتب، وتهجير الأكراد إلى مناطق تركيا. وأعلنت تركيا في عام 1946م بأنْ لا وجود في تركيا لأقليةٍ كردية.
بدأ العمل داخِلَ الجيش العراقي منذ عودته من فلسطين، فتشكَّلَت عدةُ مجموعات سرية أولُها نَظَّمَها الرائد "رفعت الحاج سري" عام 1952م، وقد انضَمَّ معه في التنظيم عددٌ من الضباط، على الرغم من تبايُنِ توجُّهاتِهم الفكرية، ثم تشكَّلت مجموعات أخرى من التنظيمات السرية، ثم اندمجت مجموعتا بغداد والمنصور في مجموعة واحدة وتولَّى قيادتها العميد عبد الكريم قاسم، وكان لقيادات هذه المجموعات صِلاتٌ مع قيادات بعض الأحزاب السياسية المعارضة أو بعض المسؤولين الكبار في الدولة، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين؛ من أجل الدعم أو الحماية، فكان العميد عبد الكريم قاسم شديدَ الصلة برئيس الوزراء نوري السعيد حتى غدا من المقرَّبين إليه ويثِقُ به ولا يهتَمُّ بما يقال عنه، بينما كان عبد السلام عارف يتَّصِلُ بالفريق رفيق عارف ويتودَّدُ إليه حتى صار من أعوانه؛ يدافِعُ عنه ويحميه، وليس بينهما صلة قرابة، وإنما تشابُهٌ في اسم الأسرة. وتدريجيا صار أكثَرُ هؤلاء الضباط في هذه المجموعات على الرغم من تبايُنِ توجُّهاتهم الفكرية وتنوُّع انتماءاتهم يَعرِفُ بعضهم بعضًا، ويجمعهم هدف مشترك هو معارضة الحكم الملَكي القائم والرغبة في تغييره، فأطلقوا على أنفسهم "الضبَّاط الأحرار" نفس الاسم الذي تسمى به قادة ثورة 23 يوليو في مصر، ثم شكَّلوا لجنةً منهم لتنظيم الأمر أطلق عليها "المنظمة المركزية" دلالة على تأثرهم بالحركة الشيوعية، ووصل عدد أعضاء هذه المنظَّمة قبل الثورة بسنة 14 ضابطًا: اثنين عمداء، وستة برتبة مقدم، واثنين برتبة رائد. جميعُهم عرب، ولم يكن بينهم أيُّ كُردي، وأغلبهم سُنَّة عدا اثنين شيعة، وكانت أكثر اللقاءات تُعقَدُ في منزل الرائد الطيار محمد السبع، ولَمَّا لم يكن جميعُ أعضاء المنظَّمة المركزية أصحاب فكر واحد؛ لذا لا يمكن أن يتَّفِقوا على صيغة محددة للعمل بعد نجاح حركتِهم، وإنما اكتَفَوا بوضع خطوط عريضة أطلَقَ عليها اسم "الميثاق الوطني"، وكان هدفهم إنهاء الحكم الملكي في العراق.
أحمد سيكوتوري هو أحدُ أبرز القادةِ الأفارقةِ المُناضِلينَ، ممَّن أظهر مُعاداتَهُ للاستعمار، وُلِدَ أحمد سيكوتوري في مِنطَقةِ فاراناه، فيما كان يُعرف بمِنطَقة النيجر الأعلى عام 1922م، لعائلةٍ تشتغلُ بالزراعة، وهو ينحدِرُ من قبيلةِ المالنكي التي ظلَّت تُقاوم الاستعمار الفرنسي بشراسةٍ لمدة ستَّةَ عشَرَ عامًا قبل نهايةِ القرن التاسعَ عشَرَ، وكان جدُّهُ أحدَ أشهَرِ زُعَماء هذه القبيلةِ ورجالاتِها الأقوياءِ.
درس أحمد سيكوتوري في باكورةِ عُمُره القُرآنَ الكريمَ، ثم التحَقَ بمدرسةٍ فَنيَّةٍ في كوناكري، وخلال تلك الفترة بدأت رُوح مقاومةِ ومُعارضةِ الاستعمارِ تَسري في عُروقه، وتبلوَرَتْ عمليًّا للمرَّة الأُولى في الإضراب الذي نظَّمه وقادَهُ آنذاك، والذي كان سببًا في فَصلِهِ وطردِهِ من تلك المدرسةِ، ولكن سيكوتوري استكمَلَ دراستَهُ بالمُراسَلةِ.
في عام 1941م تحصَّل على وظيفةٍ في وزارةِ البريدِ، وظلَّ فيها لمدَّةِ سبعِ سنواتٍ، وأسَّس عام 1945م نقابةَ غينيا للعُمَّال، وبعد عام تقريبًا صار أمينًا لاتحادِ نِقاباتِ غينيا، وأوفده هذا الاتِّحادُ هو ومجموعةً من رِفاقِهِ للدراسة في المجال السياسيِّ بفرنسا وبِراغ، ثم صار سيكوتوري عُضوًا في المؤتمر التأسيسي لحزب التجمُّع الإفريقي الديمقراطي.
انتقل عام 1948م للعَمَلِ بوزارة الماليةِ، ولكنَّه لم يمكُثْ بها طويلًا، وطُرد منها بسبب توسُّع وتأثيرِ نشاطاتِهِ، ومَواقِفِهِ السياسيَّة والنقابيَّة، التي أحدثت صَداها الشَّعْبي، وأصبحت تُثير قلقَ وتخوُّفَ المُحتلِّينَ الفَرَنسيِّينَ، انفصَلَ سيكوتوري فيما بعدُ من المؤتمر التأسيسي لحزب التجمُّع الإفريقي الديمقراطي، لخلافه مع أقطابِ المؤتمَرِ الآخرينَ، الذين كانوا يُنادون بالتعاوُنِ والتنسيق مع فرنسا في إدارةِ وتنفيذ مهامِّهم، وأسَّس الحِزْب الديمقراطيَّ الذي حصَرَ نشاطَه في غينيا، وحدَّد له هدفًا واحدًا، وهو تحقيقُ حُرية واستقلال غينيا. تمكَّنَ في انتخاباتِ عام 1955م من الفَوزِ برئاسة بلدية كوناكري رغم مُعارضة الفَرَنْسيِّينَ له، وفي عام 1957م أصبح رئيسًا لمجلِسِ غينيا.
وفي عام 1958م تحصَّلت غينيا على استقلالِها، وأصبح سيكوتوري رئيسًا لها، وتُوُفِّيَ في شهر مارس عام 1984م بإحدى المستشفيات الأمريكية.
بَعَث رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُحمَّدَ بنَ مَسلَمةَ رَضي اللهُ عنه، ومعه عَشَرةُ نَفَرٍ إلى بني ثَعلَبةَ من غَطَفانَ وبني عَوالٍ من ثَعلَبةَ، وهم بذي القَصَّةِ، فوَرَدوا عليهم ليلًا، فأحدَق به القومُ، وهم مئةُ رجلٍ، فتَرامَوا ساعةً من اللَّيلِ، ثم حَمَلتِ الأعرابُ عليهم بالرِّماحِ فقَتَلوهم جميعًا، ووَقَع محمدُ بنُ مَسلَمةَ جَريحًا، فضَرَبوا كعبَه فلم يتحرَّك فظَنُّوا مَوتَه، فجَرَّدوه من الثيابَ وانطَلَقوا، ومر بمُحمَّدٍ وأصحابِه رجلٌ من المسلمين فاستَرجَعَ، فلمَّا سَمِعه مُحمَّدٌ يَستَرجِعُ تَحرَّك له، فأخَذه وحَمَله إلى المدينةِ؛ فعند ذلك بَعَث رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا عُبيدةَ بنَ الجرَّاحِ في أربعين رجُلًا إلى مَصارِعِهم فلم يَجِدوا أحدًا، ووَجَدوا نَعَمًا وشاءً فانحدَروا بها إلى المَدينةِ.
لمَّا بلغَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَمسًا وعِشرين سنةً وليس له بمكَّةَ اسمٌ إلا "الأمينُ"؛ لِمَا تكامَلَ فيه من خِصال الخير، قال له عمُّه أبو طالِبٍ: "يا ابنَ أخي، أنا رجلٌ لا مالَ لي، وقد اشتَدَّ الزَّمانُ علينا، وألَحَّت علينا سِنونَ مُنكَرةٌ، وليس لنا مادَّةٌ ولا تجارةٌ، وهذه عيرُ قومِك قد حَضَرَ خروجُها إلى الشامِ، وخديجةُ بِنتُ خوَيلدٍ تبعَثُ رِجالًا من قومِك في عيرانِها، فيتَّجِرون لها في مالِها، ويُصيبون مَنافِعَ، فلو جِئتَها فوَضَعْتَ نفسَك عليها لأسرَعَت إليك، وفَضَّلَتْكَ على غيرِك، لِمَا يبلُغُها عنك من طهارَتِك، وإن كنتُ لَأكرَهُ أن تأتيَ الشامَ، وأخافُ عليك من يهودَ، ولكن لا نَجِدُ من ذلك بُدًّا".
وكانتْ خديجةُ بِنتُ خوَيلدٍ امرأةً تاجرةً ذاتَ شرفٍ ومالٍ كثيرٍ وتجارةٍ تبعَثُ بها إلى الشَّامِ، فتكونُ عِيرُها كعامَّةِ عِيرِ قُرَيشٍ، وكانت تستأجِرُ الرِّجالَ وتدفَعُ إليهمُ المالَ مُضاربةً، وبلغ خَديجةَ ما كان من صِدقِ حديثِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعِظَمِ أمانَتِه، وكرمِ أخلاقِه، فأرسلَتْه في تجارَتِها، فخَرَج مع غُلامِها مَيسَرةَ حتى قدِمَ الشامَ، وجعل عُمومَتُه يوصون به أهلَ العيرِ حتى قدِمَ الشامَ، فنَزَلَا في سوقِ بُصرَى في ظلِّ شجرةٍ قريبًا من صَومعةِ راهِبٍ يُقال له: نِسْطُورَا، فاطَّلَع الرَّاهبُ إلى مَيسَرةَ -وكان يعرِفُه-؛ فقال: "يا مَيسَرةُ، مَن هذا الذي نزَل تحتَ هذه الشجرةِ؟"، فقال مَيسَرةُ: "رجلٌ من قريش من أهلِ الحرمِ". فقال له الرَّاهبُ: "ما نَزَل تحتَ هذه الشجرةِ إلا نبيٌّ".
ثم باع رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سِلعتَه -يعني: تِجارَتَه- التي خَرَج بها، واشترى ما أراد أن يشتريَ، ثم أقبل قافِلًا إلى مكةَ ومعه مَيسَرةُ؛ فلما قدِمَ مكةَ على خديجةَ بمالِها باعت ما جاء به بأضعَفَ أو قريبًا، وحدَّثها مَيسَرةُ عن قَولِ الراهبِ، وما رَأى من شأنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فعَرَضَت نَفسَها عليه رَضي اللهُ عنها، وكانتْ أوسَطَ نساءِ قُريشٍ نَسَبًا وأعظمَهُنَّ شَرَفًا، وأكثَرَهُنَّ مالًا، فلمَّا قالت ذلك لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذَكَر ذلك لأعمامِه، فخرج معه عمُّه حمزةُ حتى دَخَل على خويلِدِ بنِ أسَدٍ فخَطَبها إليه، فتزوَّجها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانتْ أوَّلَ امرأةٍ تزوَّجَها، ولم يتزوَّج عليها غيرَها حتى ماتت رَضي اللهُ عنها.
هو الخليفةُ العباسي الواثِقُ عُمَرُ ابن الخليفة المستعصم بالله أبي إسحاق إبراهيم بن المستمسك بالله أبي عبد الله محمد بن الإمام الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن أبي علي إسحاق بن علي القبي. في يوم الاثنين الخامس والعشرين من شوال استدعى السلطانُ برقوق زكريَّا ابنَ الخليفة المعتصم بالله وأعلمه أنَّه يريد أن ينصِبَه في الخلافةِ بعد وفاة أخيه الواثق بالله عمر، ثم استدعى السلطانُ القضاة والأمراء والأعيان، فلما اجتمعوا أظهر زكريا المذكور عَهدَ عَمِّه المعتضد له بالخلافة، فخلع السلطانُ عليه خِلعةً غير خلعة الخلافةِ ونزل إلى داره، فلما كان يوم الخميس الثامن والعشرين منه طلع الخليفة زكريا إلى القلعةِ وأحضر أعيانَ الأمراء والقضاة والشيخ سراج الدين عمر البلقيني، فبدأ البلقينيُّ بالكلام مع السلطان في مبايعة زكريا على الخلافةِ، فبايعه السلطان أولًا، ثم بايعه من حضر على مراتِبِهم، ونُعِتَ بالمستعصم بالله، وخُلِعَ عليه خِلعةُ الخلافة على العادة، ونزل إلى داره وبين يديه القضاة وأعيان الدولة، ثم طلع زكريا في يوم الاثنين ثاني ذي القعدة وخلع عليه السلطان ثانيًا بنَظَرِ المشهد النفيسي على عادة من كان قبلَه مِن الخلفاء.