هو منطاش الأشرفي نسبةً إلى الأشرف شعبان بن حسين، كان اسمُه تمربغا، ويقال له أخو تمربيه، وكانت لتمربيه منزلةٌ من الأشرف، وتنقل منطاش إلى أنْ ولاه الظاهر برقوق نيابةَ السلطنة بملطية في سنة 788 فجمع كثيرًا من التركمان وأظهر العِصيانَ وانضوى إليه كثيرٌ مِن الأشرفيَّة الذين شَرَّدَهم برقوق لَمَّا تسَلْطَنَ في البلادِ، فلما بلغ الظاهِرَ ذلك جهَّزَ إليه عسكَرَ حلب مع أربعة أمراء من مقَدَّمي الألوف بالقاهرة، فانضوى منطاش إلى برهان الدين صاحب سيواس فحوصر، ثم آل الأمر إلى رجوع العسكر وقد فر منطاش، واتفق أنَّ الناصريَّ عصى على برقوق وكاتبَ نواب البلاد، فوافقوه فراسَلَ منطاش فجمع من أطاعَه، وحضر إلى حلب وذلك سنة 91 فجهَّزَه الناصري إلى حماة فمَلَكَها إلى أن قَدِمَ الناصري بالعسكر، فتوجهوا إلى القاهرة واستولى الناصريُّ على المملكة وأعاد السلطان حاجي، واستقر منطاش أميرًا كبيرًا، ثم استولى منطاش على المملكة، فطاش وكان أهوجَ كثيرَ العطايا، كما قيل نهابًا وهَّابًا، فاعتقل الناصِرَ والجوباني وغيرَهما بالإسكندرية، وفي غضون ذلك بعد دخول سنة 92 بلغه أن الظاهرَ برقوق خلَصَ مِن سجن الكرك وانضَمَّ إليه جماعة، فجهز العسكر وتوجَّه إلى جهته، فوقعت لهم الوقعة الشهيرة، فانهزم منطاش واحتوى الظاهِرُ على المملكةِ وعلى غالب من كان معه مِن رؤوس المملكة, وفي سنة 93 توجه منطاش من جهة العمق إلى أن وصل إلى قربِ دمشق، ولما لم يحصُلْ للعسكر السلطاني منه غَرَضٌ رجعوا إلى أوطانهم، ونازل منطاش دمشقَ فجَهَّزَ له الناصريُّ من هزمه، فتوجه إلى بلاد نعير فأقام عنده ثم راسَلَ الظاهِرُ نعيرًا في أمر منطاش واسترضاه ورَدَّ عليه إمرتَه، وأوسَعَ له في الوعدِ، فغدر بمنطاش وقَبَضَ عليه وجَهَّزَه إلى حلب فاعتقل بقلعَتِها إلى أن جاء الأمرُ بقَتلِه وتجهيز رأسِه، ففُعِلَ به ذلك في سنة 795 وطِيفَ برأسِه بالقاهرةِ، ثم عُلِّقَ على باب زويلة، وكان شجاعًا قَتَّالًا عاليَ الهِمَّة كثيرَ البَذلِ، أهلك جميعَ ما كان الظاهِرُ حَصَّلَه من الأموال في أيسَرِ مُدَّةٍ.
بعد أن توفِّي السلطان العثماني محمد الفاتح كان كلٌّ من ولديه بعيدًا عنه، فالأوَّلُ بايزيد وهو الأكبر كان حاكمًا لمقاطعة أماسيا، وكان الآخر جم حاكمًا لقرمان، وكانت رغبة الصدر الأعظم قرماني محمد باشا في تولية الأمير جم؛ لذا أرسل إليه من يخبره بوفاة أبيه كي يأتي بأسرع وقت لتسلم الأمر، غيرَ أن حاكم الأناضول سنان باشا علم بالأمر فقتل رسول الصدر الأعظم حيث كانت رغبة الانكشاريين مع بايزيد؛ ولذلك لما علموا بما فعله الصدر الأعظم ثاروا عليه وقتلوه ونهبوا المدينةَ وأقاموا كركود نائبًا عن أبيه، وعندما وصل الأمير بايزيد استقبله الانكشاريون وبايعوه بالسلطنة وتسلَّم الأمر، أما جم فلما علم بالخبر سار إلى بورصة واحتلَّها عنوةً ودعا أخاه بايزيد لتقسيم البلاد فيستحوذ جم على القسم الآسيوي، ويستحوذ بايزيد على القسم الأوربي، الأمر الذي أثار بايزيد فسار إلى بورصة ففر منه جم ملتجئًا إلى المماليك عند السلطان قيتباي في القاهرة، وبقي عنده سنة ثم عاد إلى حلب وبدأ بمراسلة القاسم حفيد أمراء قرمان ووعده أن يعيد له إمارة قرمان إن تمكن من السلطة، فسارا معا للهجوم على قونية لكنهما فشلا فشلًا ذريعًا، ثم حاول جم الصلح مع أخيه على أن يعطيه مقاطعة فرفض بايزيد؛ لأن هذا سيكون بداية انقسام الدولة العثمانية، ثم التجأ جم إلى رودس حيث يوجد بها فرسان القديس يوحنا، وعقد مع رئيس الفرسان اتفاقًا إلا أنه نقضه تحت ضغط بايزيد وأصبح جم سجينًا في جزيرة رودس، وكسب فرسان القديس يوحنا بهذه الرهينة الخطيرة امتيازات طورًا من بايزيد الثاني، ومرة أخرى من أنصار جم بالقاهرة، فلما تحصَّل على أموال ضخمة باع رهينته للبابا أنوست الثامن، فلما مات هذا البابا ترك جم لخلفه إسكندر السادس، ولكن الأخير لم يبقِ على جم كثيرًا؛ حيث قُتِل واتُّهِم في ذلك بايزيد الثاني الذي تخلص من خطر أخيه.
هو صاحِبُ مِصرَ الحاكِمُ بأمر الله، أبو عليٍّ منصورُ بنُ العزيز نزار بن المعِزِّ معد بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدي، العُبَيديُّ الإسماعيليُّ الزِّنديقُ المُدَّعي الرُّبوبيَّة. مولِدُه سنةَ 375. أقاموه في المُلكِ بعد أبيه، وله إحدى عشرةَ سنةً. حكى هو عن نَفسِه قال: "ضَمَّني أبي وقَبَّلَني وهو عُريان، وقال: امْضِ فالعَبْ، فأنا في عافيةٍ. قال: ثمَّ توفِّيَ، فأتاني برجوان، وأنا على جميزةٍ في الدار. فقال: انزِلْ وَيحَك، اللهَ اللهَ فينا، فنَزَلْت، فوضَعَ العِمامةَ بالجوهَرِ على رأسي، وقبَّلَ الأرضَ، ثمَّ قال: السَّلامُ عليك يا أميرَ المُؤمنينَ، وخرج بي إلى النَّاسِ، فقَبَّلوا الأرضَ، وسَلَّموا عليَّ بالخِلافةِ". قال الذهبيُّ: "كان شَيطانًا مَريدًا جَبَّارًا عنيدًا، كثيرَ التلَوُّن، سَفَّاكًا للدِّماء، خبيثَ النِّحلةِ، عظيمَ المَكرِ، جَوادًا مُمَدَّحًا، له شأنٌ عجيبٌ، ونبأٌ غريبٌ، كان فرعونَ زَمانِه، يختَرِعُ كُلَّ وَقتٍ أحكامًا يُلزِمُ الرَّعيَّةَ بها، أمَرَ بسَبِّ الصَّحابةِ رَضِيَ الله عنهم، وبكتابةِ ذلك على أبوابِ المساجِدِ والشوارعِ، وأمَرَ عُمَّالَه بالسَّبِّ، وفي سنة 395 أمَرَ بقَتلِ الكِلابِ. وأبطَلَ بَيعَ الفَقعِ والمُلوخيَّة، وحَرَّم بيعَ السَّمَك بغيرِ قِشرٍ، ووقَعَ بباعةٍ لِشَيءٍ مِن ذلك فقَتَلَهم. وفي سنة 402 حَرَّمَ بيعَ الرُّطَب، وجمَعَ منه شيئًا عظيمًا فأحرَقَه، ومنَعَ مِن بَيعِ العِنَب، وأباد الكُرومَ. وأمر النَّصارى بتعليقِ صَليبٍ في رِقابِهم زِنَتُه رطلٌ وربعٌ بالدمشقيِّ، وألزم اليهودَ أن يُعَلِّقوا في أعناقِهم قرميَّةً في زنة الصَّليبِ إشارةً إلى رأسِ العِجلِ الذي عبدوه، وأن تكونَ عِمائِمُهم سُودًا، وأن يدخُلوا الحَمَّام بالصَّليبِ وبالقرمية، ثم أفرَدَ لهم حَمَّاماتٍ. وأمَرَ في العامِ بهَدمِ كَنيسةِ قمامة، وبهدمِ كَنائِسِ مِصرَ، فأسلَمَ عِدَّةٌ، ثمَّ إنه نهى عن تقبيلِ الأرضِ، وعن الدُّعاءِ له في الخُطَب وفي الكُتُب، وجعَلَ بدَلَه السَّلامُ عليه، ثمَّ إنَّ ابنَ باديس أميرَ المغربِ بَعَث ينقِمُ عليه أمورًا، فأراد أن يَستَميلَه، فأظهَرَ التفَقُّهَ، وحمَلَ في كُمِّه الدَّفاتر، ولَزِمَ التفَقُّهَ وأمَرَ الفُقَهاءَ بِبَثِّ مَذهَبِ مالكٍ، واتَّخَذ له مالكيَّينِ يُفَقِّهانِه، ثمَّ تغَيَّرَ فقَتَلَهما صبرًا", وفي سنة 404 نفى المنَجِّمينَ مِن بلاده. ومنَعَ النِّساءَ مِن الخروجِ مِن البيوتِ، وأبطَلَ عَمَل الِخفافِ لهنَّ جُملةً، وما زِلنَ ممنوعاتٍ مِن الخروجِ سَبعَ سِنينَ وسَبعةَ أشهر. ثم بعد مُدَّةٍ أمَرَ بإنشاءِ ما هُدِمَ من الكنائِسِ، وأذِنَ للنَّصارى الذين أكرَهَهم في العَودِ إلى الكُفرِ، وخبَرُ هلاكِه أنه فُقِدَ في ليلةِ الاثنينِ لثلاثٍ بَقِينَ مِن شَوَّال، ولم يُعرَفْ له خبَرٌ، وكان سبَبُ فَقدِه أنَّه خرج يطوفُ ليلةً على رَسمِه، وأصبح عند قَبرِ الفقاعي، وتوجَّهَ إلى شرقي حُلوان ومعه ركابيَّان، فأعاد أحدَهما مع جماعةٍ مِن العرب إلى بيتِ المال، وأمر لهم بجائزةٍ، ثمَّ عاد الركابيُّ الآخر، وذكَرَ أنَّه خَلَّفَه عند العَينِ والمقصبة، وبقيَ النَّاسُ على رسمِهم يَخرُجونَ كُلَّ يومٍ يلتَمِسونَ رُجوعَه إلى آخر شوال، فلما كان ثالثُ ذي القعدة خرج مُظَفَّر الصقلبي وغَيرُه من خواصِّ الحاكِمِ، ومعهم القاضي، فبَلَغوا عسفان، ودخلوا في الجَبَلِ، فبَصُروا بالحِمارِ الذي كان عليه راكبًا، وقد ضُرِبَت يداه بسَيفٍ فأثَّرَ فيهما، وعليه سَرجُه ولِجامُه، فاتَّبَعوا الأثَرَ، فانتهوا به إلى البِركةِ التي شَرقيَّ حلوان، فرأوا ثيابَه، وهي سبعُ قِطَع صُوف، وهي مُزَرَّرة بحالِها لم تُحَلَّ، وفيها أثَرُ السَّكاكين، فعادوا ولم يَشُكُّوا في قَتلِه، وكان عُمُرُه 37 سنة، وولايته 25 سنة, وقيل: إنَّ سَبَبَ قَتلِه هو أنَّه كان كثيرَ الشَّتمِ والسَّبِّ لأختِه سِتِّ الملك، واتَّهَمَها بالفاحشة، فعَمِلَت على قتلِه، بحيث كانت تَعرِفُ يومَ خُروجِه إلى الجَبَلِ لينظُرَ في النجومِ، فتمالأت مع الوزيرِ وأرسلوا عبدينِ أسودَينِ، فلما كان من اللَّيلِ وسار إلى الجبَلِ وَحدَه، قتَلَه العبدانِ وأحضراه إلى أختِه التي دفنته في دارِه، وقَرَّرَت توليةَ وَلَدِه، وكان حينها بدمشقَ، فأخبَرَت النَّاسَ أنَّ الحاكِمَ سيَغيبُ سَبعةَ أيَّامٍ, وهذا لِيَسكُنَ النَّاسُ ويَحضُرَ ابنُه من دمشق، فلما حضَرَ جَهَّزَتْه وأخرَجَتْه للنَّاسِ، على أنَّه الحاكِمُ الجديدُ، وابنُه هو أبو الحسن علي، ولُقِّبَ الظاهِرَ لإعزاز دين الله، وأُخِذَت له البيعةُ.
هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامةُ أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الحنبلي المعروفُ بابن قَيِّم الجوزيَّة، فهو إمامُ الجوزيَّة، وابنُ قَيِّمِها، ولِدَ بدمشق في سابع صفر سنة 691, وسَمِعَ الحديث واشتغل بالعلم، وبَرَع في العلوم المتعَدِّدة، لا سيما علم التفسير والحديث والأصلين، ولَمَّا عاد الشيخ تقي الدين بن تيمية من الديار المصرية في سنة 712 لازَمَه إلى أن مات الشيخُ، فأخذ عنه علمًا جَمًّا لازمه قرابة 16 عامًا وتأثَّر به, وسُجِنَ في قلعة دمشق في أيام سجنِ ابن تيمية، وخرج بعد أن توفِّيَ شيخه عام 728 ولم يخَلِّفِ الشيخُ العلَّامة تقي الدين ابن تيميَّة مِثلَه، ومع ما سَلَف له من الاشتغال، صار فريدًا في بابِه في فنونٍ كثيرة، مع كثرةِ الطَّلَب ليلًا ونهارًا، وكثرة الابتهال، وكان حَسَن القراءة والخُلُق، كثيرَ التودد لا يحسُد أحدًا ولا يؤذيه، ولا يستعيبُه ولا يحقِدُ على أحد؛ قال ابن رجب: "كان ذا عبادةٍ وتهَجُّد وطولِ صلاةٍ إلى الغاية القصوى، وتألُّه ولَهَج بالذكر، وشَغف بالمحبة والإنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله والانكسار له، والاطِّراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهِدْ مِثلَه في ذلك، ولا رأيتُ أوسَعَ منه علمًا، ولا أعرَفَ بمعاني القرآن والسنَّة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصومَ، ولكن لم أرَ في معناه مِثلَه، وقد امتُحِنَ وأوذيَ مَرَّات، وحُبِسَ مع الشيخ تقي الدين في المرَّة الأخيرة بالقلعة، منفرِدًا عنه، ولم يُفرَجْ عنه إلَّا بعد موت الشيخ, وكان في مُدَّة حبسه مشتغلًا بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر، ففُتِحَ عليه من ذلك خير كثير، وحصل له جانِبٌ عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسَلَّط بسبب ذلك على الكلام في علومِ أهل المعارف، والدُّخولِ في غوامِضِهم، وتصانيفه ممتلئةٌ بذلك، وحَجَّ مرات كثيرة، وجاور بمكَّةَ، وكان أهلُ مكة يذكرون عنه من شِدَّة العبادة، وكثرة الطواف أمرًا يُتعَجَّب منه. ولازمت مجالِسَه قبل موته أزيدَ مِن سنة، وسَمِعتُ عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة، وأشياء من تصانيفه، وغيرها " وقال ابنُ كثير: " كنتُ مِن أصحَبِ النَّاسِ له وأحَبِّهم إليه، ولا أعرف في هذا العالَمِ في زماننا أكثَرَ عبادةً منه، وكانت له طريقةٌ في الصلاة يطيلها جِدًّا ويمُدُّ ركوعَها وسجودَها، ويلومه كثيرٌ من أصحابه في بعضِ الأحيانِ، فلا يرجِعُ ولا ينزِعُ عن ذلك- رحمه الله" وقال ابن حجر العسقلاني: " كان إذا صلَّى الصبح جلس مكانَه يذكُرُ الله حتى يتعالى النَّهارُ، ويقول: هذه غَدوتي لو لم أقعُدْها سَقَطَت قُوايَ، وكان يقولُ: بالصبر واليقين تُنال الإمامةُ في الدين، وكان يقول: لا بد للسَّالك من همَّة تُسيِّرُه وترَقِّيه، وعلمٍ يُبَصِّرُه ويهديه. وكان مُغرًى بجمع الكتب فحصَّل منها ما لا يُحصَرُ حتى كان أولادُه يبيعون منها بعد موتِه دهرًا طويلًا سوى ما اصطَفَوه منها لأنفُسِهم" وله من التصانيف الكبار والصغار شيءٌ كثير، وهي أكثَرُ مِن أن تُحصَرَ هنا، ولكن من أشهرها: زاد المعاد في هَدْي خير العباد، وإعلام الموقعين عن ربِّ العالمين، ومدارج السالكين، وبدائع الفوائد، وطريق السعادتين، وشرح منازل السائرين، والقضاء والقدر، وجلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، ومصايد الشيطان، ومفتاح دار السعادة، والروح، وحادي الأرواح، ورفع اليدين، والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، وتصانيف أخرى كثيرة؛ قال ابن حجر: "وكلُّ تصانيفه مرغوبٌ فيها بين الطوائف، وهو طويلُ النَّفَسِ فيها يتعانى الإيضاحَ جُهدَه، فيُسهِبُ جدًّا، ومعظمها من كلام شيخِه يتصَرَّفُ في ذلك، وله في ذلك مَلَكَة قويَّة، ولا يزال يدندِنُ حولَ مُفرداتِه ويَنصُرُها ويحتَجُّ لها" ومن نَظْمِه قصيدة تبلغ ستة آلاف بيت سمَّاها الكافية في الانتصار للفرقة الناجية. ومن تلاميذه ابنه برهان الدين إبراهيم، والإمام ابن رجب الحنبلي، والحافظ ابن كثير، والحافظ ابن عبد الهادي، والإمام الذهبي، والفيروزآبادي صاحب القاموس. توفِّيَ رحمه الله في دمشق ليلة الخميس ثالث عشر رجب وقتَ أذان العشاء وصُلِّيَ عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامِعِ الأموي، ودفن عند والدته بمقابر الباب الصغير، وقد كانت جنازته حافلةً، شهدها القضاة والأعيان والصالحون من الخاصة والعامة، وتزاحم الناسُ على حمل نعشه، وكَمُل له من العمر ستون سنةً.
هو هِشامُ بن عبدِ الملك بن مَرْوان بن الحَكَم بن أبي العاص بن أُمَيَّة بن عبدِ شَمسٍ، أبو الوَليد القُرَشي الأُمَوي الدِّمَشقي، أَميرُ المؤمنين، بُويِعَ له بالخِلافَة بعدَ أَخيهِ يَزيد بن عبدِ الملك بِعَهْدٍ منه إليه، وذلك يوم الجُمُعة لِأَربعٍ بَقِينَ مِن شَعبان سَنةَ خمَسٍ ومائة، وكان له مِن العُمُر يَومئذٍ أربعٌ وثَلاثون سَنَة، وكان جَميلًا أَبيضَ أَحْوَل، يَخضِبُ بالسَّواد، وهو الرَّابعُ مِن وَلَدِ عبدِ الملك لِصُلْبِه الذين وَلُوا الخِلافَة، فكان هِشام آخِرَهم، وكان في خِلافَتِه حازِمُ الرَّأي، وكان ذَكِيًّا مُدَبِّرًا للأمور، له بَصَرٌ بها جَليلِها وحَقيرِها، اشْتَهَرَ هِشام في خِلافَتِه بالحِلْمِ والعِفَّة، وكان قد نَظَّمَ الدَّواوينَ وزاد في مَوارِدِ الدَّولَة، لم يكُن أَحَدٌ مِن بَنِي مَرْوان أَشَدَّ نَظَرًا في أَمرِ أَصحابِه ودَواوينِه، ولا أَشَدَّ مُبالغةً في الفَحصِ عنهم مِن هِشام. أَمرَ بِقَتلِ غَيلان القَدَري. يُؤخَذ عليه تَغافلُه عن دُعاةِ بَنِي العَبَّاس الذين نَشَطوا في عَهدِه، ولَعلَّ كَراهيَة هِشام للعُنفِ وسَفْك الدِّماء كانت سَببًا في تَغاضِيه عنهم حتَّى اسْتَفحَل أَمرُهم قُبيلَ وَفاتِه، بحيث لم يَستَطِع خُلفاؤه وَقْفَ مَدِّ الدَّعوة العَبَّاسِيَّة؛ لذا لمَّا مات هِشام اضْطرَب مُلْكُ بني أُمَيَّة، بَقي في الخِلافَة عشرين سَنَة إلَّا شَهرين، وصلَّى عليه ابنُه مَسلَمة، ودُفِنَ في الرُّصافَة.
يرجِعُ تأسيسُ إمارة آل رشيد في جبل شمر إلى عبد الله بن علي بن رشيد، الذي كان صديقًا حميمًا لفيصل بن تركي؛ حيث قام بدورٍ كبير في استعادة فيصل للحُكمِ بعد مقتَلِ والده تركي، فكافأه بأن عيَّنَه عام 1251 ه أميرًا على حائل وجبل شمر، على أن يكون الحُكمُ فيها وراثيًّا في أسرته من بَعدِه، مستقلًّا إداريًّا تحت حكم آل سعود. حكم عبد الله بن رشيد 12 سنة، واستمر حكمُ أسرته لجبل شمر 90 سنة، وقد قام آل رشيد بدورٍ خطير في أحداث نجد خلالَ فترة الحرب بين أبناء فيصل بن تركي، خاصة أثناء حكم محمد بن عبد الله بن رشيد، الذي حكم 25 سنة، وهو من أشهَرِ أمراءِ حائل من آل رشيد، وتوسعت إمارةُ ابن رشيد في عهده فشَمِلَت الجوفَ، وتدخَّلَ في شؤون القصيم مستغلًّا الخلاف بين أمرائها من جهةٍ، وتدخُّل عبد الله بن فيصل من جهةٍ أخرى، لصالحه، حتى تمكن من السيطرة على القصيمِ والمجمعة وسدير، وأخيرًا دخل الرياض واحتلَّها بحجة مساعدة الإمام الشرعي عبد الله بن فيصل زوجِ أختِه.
كان فيصل بن الحسين ثالثُ الأبناء قد نُصبَ ملكًا على سوريا الجزءِ الأكبر من بلاد الشام، لكِنَّه لم يلبث أن طُرِدَ في العاشر من ذي القعدة 1338هـ / 25 تموز 1920م عندما دخل الفرنسيون إلى سوريا، وكانت إنجلترا بعد أن نكَثَت كلَّ العهود التي أعطتها للشريف حسين ظنَّت أنَّ فيصلًا أنسب أبنائه لحُكمِ العراق التي كانت تحت سيطرتها، فكتب وزيرُ الخارجية الإنجليزي كرزون إلى نائب الحاكِمِ الملكي في العراق يسألُه عن هذا الرأي، فرد النائب باقتراح أحدِ هؤلاء: هادي العمري، نقيب أشراف بغداد، عبد الرحمن الكيلاني، أحد أبناء الحسين بن علي، أحد أفراد الأسرة الخديوية في مصر. مع ترشيحِه هو لهادي العمري، كان تفضيل بريطانيا لفيصل ابن الشريف حسين ليكونَ ملكًا على العراق لعدَّةِ أسباب: منها تهدئة خواطر العرب الذين أُصيبوا بخيبةِ أملٍ بعد عزم دول الحُلَفاء بفرضِ سياسة الانتداب على البلاد العربية التي كانت تحت حُكمِ الدولة العثمانية، ووعد بلفور الذي يهدِّدُ مستقبل فلسطين، وكذلك اطمئنان الإنجليز من شِدَّةِ ولاء الشريف حسين وأبنائه للإنجليز واستعدادهم لتنفيذ سياساتها في المنطقة بكلِّ إخلاص. لذلك دعت الحكومةُ البريطانية فيصلًا لزيارة لندن، وقابل الملك جورج الخامس الذي عَرَض عليه مُلكَ العراق، لكن فيصل أبدى اعتراضًا، وهو أن أخاه عبد الله رشَّحه الشاميون لمُلك العراق، فقام لورنس بالتفاوض مع عبد الله على أن يكون هو ملكًا على شرق الأردن، ويترك مُلْك العراق لأخيه فيصل، فوافق، ثم قام برسي كوكس ممثِّل الحكومة البريطانية في العراق بتشكيل حكومةٍ وطنية، فكُوِّنت بمساعدة عبد الرحمن الكيلاني، وكُوِّن مجلس شورى، ثم قَبْلَ تنصيبِ الملك فيصل على العراق ساومه ونستون تشرشل على أن يكونَ بينهما معاهدة -يعني بين العراق وإنجلترا- تقوم مقامَ الانتداب وتؤدِّي غرضَه، يعني: في تحقيق مصالح إنجلترا في العراق، ثم ليبدوَ الأمر ليس مفروضًا على العراق؛ لأن المرشَّحين لمنصب الملك على العراق كُثُر، ومع أنه اقترح غير النظام المَلَكي، لكنَّ إنجلترا رأت أنَّ النظام الملكي حاليًّا أنسب لوضع العراق، ثم أخذت بإشاعةِ الخبر والدعاية لفيصل في العراق، ثم صرحت الحكومةُ البريطانية بموافقتها على ترشيحه، وبعد أن انتهت التمهيداتُ سافر فيصل إلى العراق على متنِ الباخرة البريطانية نورث بروك في ميناء البصرة في السابع عشر من شوال 1339هـ / 23 حزيران 1921م فاستُقبِلَ استقبالًا حارًّا، ثم سافر إلى بغداد، وكلما مرَّ على قرية عُمِلت له الاحتفالات، ووصل إلى بغداد في 23 شوال 1339هـ / 29 حزيران 1921م وبايعه مجلس الوزراء في الخامس من ذي القعدة من العام نفسه / 5 تموز، وأعدت وزارة الداخلية صورةً لمضبطه يُعلِنُ فيها الأهالي تأييدَهم، وتُوِّجَ مَلِكًا على العراق في يوم 18 ذي الحجة 1339هـ / 23 آب 1921م.
عن أنسِ بنِ مالكٍ: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عَليهِ وسلَّم أتاهُ جبريلُ صلَّى الله عَليهِ وسلَّم وهو يلعبُ مع الغِلمانِ، فأخذهُ فصرعهُ، فشَقَّ عن قَلبِه، فاستخرجَ القلبَ، فاستخرجَ منه عَلَقَةً، فقال: هذا حَظُّ الشَّيطانِ منكَ، ثمَّ غسلهُ في طِسْتٍ من ذهبٍ بماءِ زمزمَ، ثمَّ لَأَمَهُ، ثمَّ أعادهُ في مكانِه، وجاء الغِلمانُ يَسعَون إلى أمِّه -يعني ظِئْرَهُ-فقالوا: إنَّ محمَّدًا قد قُتل، فاستقبلوه وهو مُنْتَقِعُ اللَّونِ". قال أنسٌ: «وقد كنتُ أَرى أثرَ ذلكَ المِخْيَطِ في صدرِه».
كان الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم قد أَجْلى اليَهودَ مِن المدينة تِباعًا؛ وذلك لِنَقْضِهم العُهود، واسْتِثارتِهم الفِتَن والحُروب، وقد كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (لا يَجتَمِع دِينانِ في أرضِ العَربِ). وكانت اليَهودُ قد اسْتقرَّت في خَيبرَ وما حولها بعدَ جَلائِهم مِن المدينةِ، وبقوا على ذلك حتَّى قام عُمَر بإجلائِهم مِن خَيبرَ إلى الشَّامِ عملًا بحَديثِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمَّا نصارى نجران فقد أجلاهم عمر إلى الشَّام لما كثُر عددُهم وعَظُمَ خطرُهم على معقْل الإسلام.
تُوفِّي الشَّاعرُ السُّعوديُّ عبدُ الله بنُ محمد بنِ خميسٍ -رحمه الله- في العاصمةِ السُّعودية الرياض، وذلك بعد معاناةٍ مع المرض، وقد وُلِد عامَ (1339هـ) بقرية الملقى وهي إحدى قُرى الدِّرعية في مِنطَقة الرياض. وقد ألَّف -رحِمه الله- عشراتِ الكتبِ في الأدبِ والشِّعر والنَّقد والتُّراث والرِّحْلات، وصالَ وجالَ في الصَّحافَةِ والمُنتَديات والمُؤتَمرات داخِلَ المملكةِ وخارِجَها. ومن تلكَ الكتب: ((تاريخ اليمامة))، ((معجم جبال الجزيرة))، ((معجم أودية الجزيرة))، ((معجم رمال الجزيرة)).
هو الملك محمد الثالث بن عبد الله بن إسماعيل ملك العلويين في المغرب الأقصى، وكانت عاصمتُه مراكش، ولد بمكناس سنة 1134. تولى الحكم سنة1171 في ظروف صعبة بعد اضطراباتٍ، وقد تميَّزَ بالعقل والرزانة وبُعدِ النظر، اجتهَدَ في المحافظة على بلادِه ووَحدتِها وتأمينِ الشواطئ المغربية من العدوان الأوروبي، وحرَّر مازاغان من يد البرتغاليين، وانتصر على الجيش الفرنسي في معركة العرائش سنة1179, وكان أول حاكمٍ يعترف باستقلالِ وسيادة الولايات المتحدة الأمريكية, ورفَضَ ربطَ علاقات دبلوماسية مع روسيا؛ بسبب محاربتها للدولة العثمانية، وبعث بالعديدِ مِن السفراء لاسترجاعِ المخطوطات العربية من إسبانيا, وداخليًّا كان دائمَ التنقُّل بين جهات مملكته الواسعة؛ ليطمئِنَّ على أحوال البلاد, وشَهِدَ عهدُه أوجَ الازدهار السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي للمغرب الأقصى. تمرد وثار عليه عدةَ مراتٍ ابنُه وولي عهده يزيد، فنفاه في مشرق البلاد. توفِّيَ محمد الثالث في طريقِه إلى ابن عمه الذي خرج عن طاعتِه، فلما توفِّيَ تنازع أبناؤه الأربعة على خلافتِه، وهم هشام، ويزيد، وسليمان، ومَسلمة، حتى تمكَّن يزيد الأول أن يَخلُف أباه في الحُكم.