وَلِيَ النَّفيسُ أبو الفتحِ مُحمَّدُ بنُ أردشير البَصرةَ، استعمَلَه عليها جلالُ الدَّولة البُويهيُّ، فلمَّا وَصَل إلى المشان مُنحَدِرًا إليها، وقع بينه وبين الديلمِ الذين بالمشان وقعةٌ، فاستظهر عليهم وقَتَل منهم، وكانت الفِتَنُ بالبصرةِ بين الأتراك والديلم، وبها المَلِكُ العزيزُ أبو منصور بن جلال الدَّولة، فقَوِيَ الأتراكُ بها، فأخرجوا الدَّيلمَ، فمَضَوا إلى الأبلَّة، وصاروا مع بختيار بنِ عليٍّ، فسار إليهم المَلِكُ العَزيزُ بالأبلَّة ليُعيدَهم ويُصلِحَ بينهم وبين الأتراكِ، فكاشَفوه وحَمَلوا عليه، ونادَوا بشِعارِ أبي كاليجار، فعاد مُنهَزِمًا في الماءِ إلى البَصرةِ، ونَهَب بختيار نَهرَ الديرِ والأبلَّة وغيرهما من السَّوادِ، وأعانه الدَّيلمُ، ونَهَب الأتراك أيضًا، وارتكبوا المحظورَ، ونَهَبوا دارَ بنتِ الأوحَدِ بنِ مُكرم زوجةِ جلالِ الدَّولة.
هو قوام الدَّولة أبو الفوارِسِ بنُ بَهاءِ الدَّولة البُويهيُّ الدَّيلميُّ الشِّيعيُّ، صاحِبُ كرمان. في سنة410 قُرِئَ عَهدُ أبي الفوارس ولُقِّبَ قوام الدَّولة، وخُلِعَ عليه خِلَعًا حُمِلَت إليه بوِلايةِ كرمان. كان أبو الفوارِسِ قد تجَهَّزَ لِقَصدِ بلاد فارس، وجَمَع عسكرًا كثيرًا، فأدرَكَه أجَلُه، فلمَّا توفِّيَ نادى أصحابُه بشعارِ ابنِ أخيه المَلِك أبي كاليجار، وأرسلوا إليه يَطلُبونَه إليهم، فسار مُجِدًّا، ومَلَك البلادَ بغَيرِ حَربٍ ولا قتالٍ، وأمِنَ النَّاسُ معه، وكانوا يكرهونَ عمَّه أبا الفوارِسِ لظُلمِه وسُوءِ سِيرتِه، وكان إذا شَرِبَ ضَرَبَ أصحابَه، وضَرَب وزيرَه يومًا مِئَتي مقرعةٍ، وحَلَّفَه بالطَّلاقِ أنَّه لا يتأوَّهُ، ولا يخبِرُ بذلك أحدًا، فقيلَ إنَّهم سَمُّوه فمات.
إنَّ خاقان التكين صاحبَ سَمرقَند مَلَكَ تِرمِذَ بعدَ قَتْلِ السُّلطانِ ألب أرسلان، فلمَّا استَقامَت الأُمورُ للسُّلطانِ ملكشاه سار إلى تِرمِذ وحَصرَها، وطَمَّ العَسكرُ خَندَقها، ورَماها بالمجانيقِ، فخافَ مَن بها، فطَلَبوا الأَمانَ فأَمَّنَهم، وخَرَجوا منها وسَلَّموها، وكان بها أَخٌ لِخَاقان التكين، فأَكرَمَه السُّلطانُ، وخَلَعَ عليه وأَحسنَ إليه وأَطلَقَه، وسَلَّمَ قَلعةَ تِرمِذ إلى الأَميرِ ساوتكين، وأَمرَهُ بعِمارَتِها وتَحصِينِها وعِمارَةِ سُورِها بالحَجَرِ المُحْكَمِ، وحَفْرِ خَندَقِها وتَعمِيقِه، ففَعلَ ذلك. وسارَ السُّلطانُ ملكشاه يُريدُ سَمرقَند، ففارَقَها صاحِبُها، وأَنفذَ يَطلُب المُصالَحَةَ، ويَضرَع إلى نِظامِ المُلْكِ في إجابَتِه إلى ذلك، ويَعتَذِر مِن تَعَرُّضِه إلى تِرمِذ، فأُجِيبَ إلى ذلك، واصطَلَحوا، وعاد ملكشاه عنه إلى خُراسان، ثم منها إلى الرَّيِّ، وأَقطعَ بَلْخ وطخارستان لأَخيهِ شِهابِ الدِّينِ تكش.
أَقطعَ السُّلطانُ ملكشاه أَخاهُ تاجَ الدولةِ تتش الشامَ، وما يَفتَحُه في تلك النَّواحي، سَنةَ 470هـ، فأَتَى حَلَب وحَصرَها، ولَحِقَ أَهلَها مَجاعةٌ شَديدةٌ، وكان معه جَمعٌ كَثيرٌ من التُّركمان، فأَنفذَ إليه أتسز صاحِبُ دِمشقَ، يَستَنجِدُه، ويُعرِّفُه أن عَساكِرَ مصر قد حَصرَتهُ بدِمشقَ، وكان أَميرُ الجُيوشِ بَدرٌ قد سَيَّرَ عَسكرًا من مصر، ومُقَدِّمُهم قائدٌ يُعرَف بنَصرِ الدولةِ، فحَصَرَ دِمشقَ، فسار تتش إلى نُصرَةِ أتسز فلمَّا سَمِعَ المِصريُّون أَتباعُ الفاطِميِّين بقُربِه أَجفَلوا من بين يَديهِ شِبْهَ المُنهَزِمين، وخَرجَ أتسز إليه يَلتَقيهُ عند سُورِ البلدِ، فاغتاظَ منه تتش حيث لم يُبعِد في تَلَقِّيهِ، وعاتَبَهُ على ذلك، فاعتَذرَ بأُمورٍ لم يَقبَلها تتش، فقَبَضَ عليه في الحالِ، وقَتَلَه مِن ساعتِه، ومَلَكَ البلدَ، وقِيلَ: إن تتش مَلَكَ دِمشقَ سَنةَ 472هـ.
كَبَسَ أَهلُ بابِ البَصرَةِ السُّنَّةُ الكَرخَ، فقَتَلوا رَجلًا وجَرَحوا آخرَ، فأَغلقَ الشِّيعةُ من أَهلِ الكَرخِ الأَسواقَ، ورَفَعوا المَصاحِفَ، وحَمَلوا ثِيابَ الرَّجُلينِ وهي بالدَّمِ، ومَضوا إلى دارِ العَميدِ كَمالِ المُلْكِ أبي الفَتحِ الدهستاني مُستَغيثينَ، فأَرسلَ إلى النَّقيبِ طِرادِ بن محمدٍ يَطلُب منه إِحضارَ القاتِلين، فقَصَدَ طِرادٌ دارَ الأميرِ بوزان بقَصرِ ابنِ المأمونِ، فطالَبَه بُوزان بهم، ووَكَّلَ به، فأَرسلَ الخَليفةُ إلى بُوزان يُعرِّفهُ حالَ النَّقيبِ طِرادٍ، ومَحِلَّه، ومَنزِلَتَه، فخَلَّى سَبيلَه واعتَذرَ إليه، فسَكَّنَ العَميدُ كَمالُ المُلْكِ الفِتنةَ، وكَفَّ الناسُ بَعضُهم عن بعضٍ، ثم سار إلى السُّلطانِ، فعادَ الناسُ إلى ما كانوا فيه من الفِتنَةِ، ولم يَنقَضِ يومٌ إلا عن قَتْلَى وجَرْحَى. وسَبَّ أَهلُ الكَرخِ الصَّحابةَ وأَزواجَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
لَمَّا انتهى مَلِكُ الرُّومِ مِن احتِلالِ بزاعةَ وغَدْره بأهلِها، ارتحل إلى حلَب ونَزَل على قويق (نهر بحلب) فزحف المَلِكُ بجَيشِه ومعه الفرنجُ الذين بساحل الشام، على حَلَب من الغد في خَيلِهم ورَجِلِهم، فخرج إليهم أحداثُ حَلَب، فقاتلوهم قتالًا شَديدًا، فقُتِلَ مِن الرُّومِ وجُرِحَ خَلقٌ كَثيرٌ، وقُتِلَ بِطْريقٌ جَليلُ القَدرِ عندهم، وعادوا خاسرينَ، وأقاموا ثلاثةَ أيَّامٍ فلم يَرَوا فيها طَمَعًا، فرحلوا إلى قلعةِ الأثارب، فخاف مَن فيها من المُسلِمينَ، فهربوا عنها تاسِعَ شَعبانَ فمَلَكَها الرومُ وتَرَكوا فيها سبايا بزاعة والأسرى ومعهم جمعٌ مِن الروم يَحفَظونَهم ويَحمُونَ القلعةَ وساروا، فلمَّا سَمِعَ الأميرُ أسوار بحَلَب ذلك رحل فيمن عنده من العسكَرِ إلى الأثارب، فأوقع بمَن فيها من الروم، فقتَلَهم، وخَلَّص السَّبيَ والأسرى وعاد إلى حَلَب.
لَمَّا مَلَك صلاحُ الدين حماة سارَ إلى حَلَب فحَصَرها ثالثَ جُمادى الآخرة، فقاتَلَه أهلُها، ورَكِبَ الملك الصالحُ، وهو صبيٌّ عُمُرُه اثنتا عشرة سنة، وجمع أهلَ حَلَب واتفقوا على القتالِ دُونَه، والمنع عن بلده، وجَدُّوا في القتال، وأرسل سعدُ الدين كمشتكين إلى سنان مقدَّم الإسماعيليَّة، وبذَلَ له أموالًا كثيرةً؛ ليقتلوا صلاح الدين، فأرسلوا جماعةً منهم إلى عسكَرِه، فحمل أحدُهم على صلاح الدين ليقتُلَه، فقُتِلَ دونه، وقاتل الباقونَ مِن الإسماعيليَّة، فقَتلوا جماعةً مِن أصحاب صلاح الدين, ثم قُتلوا جميعًا، وبقي صلاحُ الدين مُحاصِرًا لحلب إلى آخر جمادى الآخرة، ورحل عنها مستهَلَّ رَجَب وسببُ ذلك هو مسيرُ الفرنج إلى حمص وتجهُّزهم لِقَصدِها، فسمع صلاح الدين الخبَرَ فرحل عن حلب.
كان شَمسُ الدين محمَّدُ بنُ عبد الملك بن المقَدَّم صاحب بعلبك، قد أتاه خبَرُ أنَّ جمعًا من الفرنجِ قد قَصَدوا البِقاعَ من أعمال بعلبك، وأغاروا عليها، فسار إليهم، وكَمَن لهم في الشعاري والغياض، وأوقع بهم، وقَتَل فيهم وأكثَرَ، وأسَرَ نحو مائتي رجل منهم وسَيَّرَهم إلى صلاح الدين، وكان شمسُ الدولة توران شاه، أخو صلاح الدين، وهو الذي مَلَك اليمن، قد وصل إلى دمشق، وهو فيها، فسَمِعَ أن طائفة من الفرنج قد خرجوا من بلادِهم إلى أعمال دمشق، فسار إليهم ولَقِيَهم عند عين الجر في تلك المروج، فلم يثبُتْ لهم، وانهزم عنهم، فظَفِروا بجمعٍ مِن أصحابه، فأسَروهم، منهم سيفُ الدين أبو بكر بن السلار، وهو من أعيان الجُندِ الدمشقيين، واجترأ الفرنجُ بعده، وانبسَطوا في تلك الولاية، وجَبَروا الكسرَ الذي نالهم من ابن المقدم.
بعد أن بدأ الخلاف في البيت الأيوبي وخاف كل أميرٍ من الآخر، لم يجدوا سبيلًا إلا الاستنجاد بالكُفَّار على إخوانهم، وتعهدوا لهم بعهودٍ ومواثيق وتسليمِ للبلاد, فسَلَّم الملك الصالح إسماعيل صاحب دمشق حصن شقيف أرنون لصاحب صيدا الفرنجي وسلَّمه غيرها من المدن، فاشتد الإنكارُ عليه من الناس عامَّةً؛ بسبب ذلك، حتى إن الشيخ عز الدين بن عبد السلام خطيب البلد، والشيخ أبا عمرو بن الحاجب شيخ المالكية ندَّدا به وقطعا الخطبة له، فاعتقلهما مدةً ثم أطلقهما وألزمهما منازِلَهما، وولى الخطابةَ وتدريس الغزالية لعماد الدين داود بن عمر بن يوسف المقدسي خطيب بيت الأبار، ثم خرج الشيخان من دمشق، فقصد أبو عمرو الناصر داود بن الملك المعظَّم بالكرك، ودخل الشيخ عز الدين الديارَ المصريَّة.
ركب الظاهِرُ بيبرس من مصرَ في العساكر المنصورة قاصدًا ناحية بلاد الكرك، واستدعى صاحِبَها الملك المغيث عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل، فلما قَدِمَ عليه بعد جهدٍ أرسله إلى مصر معتقَلًا، فكان آخر العهد به، وذلك أنَّه كاتب هولاكو وحَثَّه على القدوم إلى الشَّامِ مَرَّةً أخرى، وجاءته كتبُ التتار بالثَّباتِ ونيابة البلاد، وأنهم قادِمونَ عليه عشرون ألفًا لفتح الديارِ المصريَّة، وأخرج السلطانُ فتاوى الفقهاء بقَتلِه وعَرَضَ ذلك على القاضي ابن خَلِّكان، وكان قد استدعاه من دمشقَ، وعلى جماعةٍ مِن الأمراء، ثم سار فتسَلَّمَ الكرك يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الأولى ودخلها يومئذٍ في أبهة المُلك، ثم عاد إلى مصرَ مُؤَيَّدًا منصورًا، وبه تنتهي الدولةُ الأيوبيَّةُ في بلاد الشام.
دعت الحكومةُ البريطانية كُلًّا من نجد والعراق وشرق الأردن والحجاز إلى تسويةِ القضايا الحدوديَّةِ في مؤتمر عُقدَ في الكويت برئاسة الكولونيل نوكس وزير البحرية الأميركية، اشترط الملك عبدالعزيز على نوكس أن يتِمَّ تعيينُ الحدود بين نجدٍ والحجاز وشرق الأردن من جهة، وعدم اشتراك مندوبِ العراق مع حكومتي الحجاز وشرق الأردن في المباحثات المشتركة، وأن يتِمَّ تناول المشكلات بين نجدٍ وتلك الحكومات بصورة منفردة، فأبلغ نوكس الملك عبدالعزيز موافَقةَ الحكومة البريطانية على الشروطِ التي عرضها. مثَّلَ جانِبَ نجد في المؤتمر حمزة غوت وأحمد الثنيان وعبد الله الدملوجي، وشرق الأردن مثَّلَه علي خلقي، والعراق مثَّلَه صبيح نشأت، وبدأت جلساتُ المؤتمر دون حضورِ مَن يمثِّلُ الحجاز، ولم يتوصَّل الأطراف الثلاثة إلى اتفاقٍ محدَّد بينهم.
وُلِدَ الأميرُ طلالُ بنُ عبدِ العزيزِ آلُ سعودٍ عامَ 1350هـ /1931م وهو الابنُ الثامنُ من أبناءِ الملكِ عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ الرحمنِ آلِ سعودٍ. عُيِّن وزيرًا للمواصلاتِ من 1372 هـ - 1374 هـ ثم وزيرًا للماليَّةِ من 1380هـ - 1381هـ ثم سفيرًا في فرنسا.
وهو والدُ رجلِ الأعمالِ الشَّهيرِ المليارديرِ الوليدِ بنِ طلالٍ، وكان للأميرِ طلالٍ مواقفُ وآراءٌ جريئةٌ تسبَّبت في تركِه للْحياةِ السياسيَّةِ وانتقالِه إلى مِصرَ مدَّةً طويلةً ثم عاد إلى السُّعوديَّةِ حتى وافتْه المنيَّةُ في الرياضِ يومَ السبتِ في السادسَ عشرَ من ربيعٍ الآخِرِ، وقد صُلِّي عليهِ رحمهُ اللهُ عقِبَ صلاةِ العصرِ يومَ الأحدِ 16 من ربيعٍ الآخِرِ / 23 من ديسمبرَ في مدينةِ الرياضِ، وتقدَّم المصلِّين عليهِ الملكُ سلْمانُ بنُ عبدِ العزيزِ آلُ سعودٍ.