حصل في السماء تغييرٌ عند طلوع الشمس وعند غروبها؛ ففي آخر صفر ليلة خمس وعشرين وست وعشرين منه، صار في السماء والأرض نورٌ قريبٌ من نور القمر، واستمَرَّ إلى آخر الشهر، فلما كان سابع ربيع الأول صار قَترٌ في السماء وتغيرت الشمسُ، وفي أول العشر الأواخر من هذا الشهر ظهرت الشمسُ مِن المشرق خضراءَ كأنَّها قطعةُ زجاج وصارت تلك الخُضرةُ في الجدران والأرض، وحسبها الناس كسوفًا! وفي هذا الشهر صار في الأُفقِ حُمرةٌ زائدة بعد غروب الشمس وقبل طلوعها، واستمَرَّ أيامًا، وشوهِدَ قبل انفلاق الصبح حمرةٌ بادية من جهة الشمال ليس من جهة الفجر نحو ثلاثة أيام، وفي النصف من هذا الشهر بعد صلاة المغرب ظهر من الأفق حمرةٌ عظيمة من جهة الجَدْي، ثم سارت إلى المغرب وأضاءت الأرض والجدران، واخضرَّت واحمَرَّت، حتى ظن الناسُ أن الشمس لم تغرب. وفي ربيعٍ الثاني في أوله اجتمع من السياراتِ خمسةٌ في برج الأسد (الشمس والقمر، والمريخ وزحل وعطارد).
استشار السلطان حسام الدين لاجين الأمراءَ في أخذ سيس، وكان ذلك الوقتُ وقتَ اختلاف المغول، ثم عرض الجيشَ وجَرَّد في مصر تجريدةً فيها مجموعةٌ من الأمراء وكَتَب كتابًا لنائِبِ الشام سيف الدين قبجق بأن يتجَرَّد ويجَرِّدَ معه مجموعةً من الأمراء، وكتب إلى نائب طرابلس أيضًا أن يتجَرَّد بعساكرها، وإلى نائبِ حماة كذلك، وإلى نائبِ صفد فارس الدين اليكي الظاهري كذلك. فاجتمع هؤلاء مع الأميرِ سَيفِ الدين بلبان الطباخي نائبِ حلب، وتوجهوا إلى سيس، وكان وصولُهم إليها في شهر رجب، فشَنُّوا الإغارةَ على أهلِها، وأوقعوا بخيلِها ورجالِها، ودوَّخوا أرجاءَ حَزْنِها وسَهلِها، وفَتَحوا تَلَّ حمدون والمصيصة وحموص وقلعة نجم وسروندكار وحَجَر شعلان والنقير وقلعة الهارونية.
لم يَزِدْ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضِي الله عنه في عَهدِه بالمسجدِ النَّبوِيِّ الشَّريف لانشغالِه بحُروبِ الرِّدَّةِ، ولكن في عَهدِ عُمَر بن الخطَّاب رضِي الله عنه ضاق المسجدُ بالمُصلِّين لِكثرَةِ النَّاسِ، فقام عُمَر بِشِراءِ الدُّورِ التي حولَ المسجدِ النَّبوِيِّ الشَّريف وأَدخَلها ضِمْنَ المسجدِ، وكانت تَوْسِعَتُه مِن الجِهَةِ الشَّماليَّة والجَنوبيَّة والغَربيَّة. فقد زاد مِن ناحِيَةِ الغَربِ عشرين ذِراعًا، ومِن الجِهَةِ الجَنوبيَّة "القِبْلَة" عشرة أَذْرُع، ومِن الجِهَةِ الشَّماليَّة ثلاثين ذِراعًا. ولم يَزِدْ مِن جِهَةِ الشَّرقِ لِوُجودِ حُجُراتِ أُمَّهات المؤمنين رضِي الله عنهم أجمعين. فأصبح طولُ المسجدِ 140 ذِراعًا مِن الشَّمال إلى الجنوب، و120 ذِراعًا مِن الشَّرق إلى الغَرب. وكان بِناءُ عُمَر كبِناءِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فكانت جُدْرانُه مِن اللَّبِن وأَعمِدَتُه مِن جُذوعِ النَّخيل، وسَقْفُه مِن الجَريدِ بِارتِفاع 11 ذِراعًا، وقد فَرَشَهُ بالحَصْباءِ، والتي أُحْضِرت مِن العَقيقِ. وجعَل له سُتْرَةً بِارتِفاع ذِراعين أو ثلاثة، وتُقَدَّرُ هذه الزِّيادة بحوالي 3300 ذِراعًا مُرَبَّعًا، وجعَل للمَسجِد 6 أبواب: اثنين مِن الجِهَةِ الشَّرقيَّة، واثنين مِن الجِهَةِ الغَربيَّة، واثنين مِن الجِهَة الشَّماليَّة.
رحَلَ صلاح الدين يوسف بن أيوب من مصر بعساكِرِه جميعِها إلى بلاد الفرنج يريدُ حَصرَ الكرك، والاجتماع مع نور الدين محمود والاتِّفاق على قصد بلاد الفرنج من جِهَتينِ، كل واحد منهما في جهة بعسكرِه، وسبب ذلك أنَّ نور الدين لَمَّا أنكر على صلاح الدين عَودَه من بلاد الفرنج في العام الماضي، وأراد نور الدين قَصْدَ مصر وأخْذَها منه، أرسل يعتذر، ويَعِدُ من نفسه بالحركةِ على ما يقَرِّرُه نور الدين، فاستقَرَّت القاعدة بينهما أنَّ صلاح الدين يخرجُ مِن مصر ونور الدين يسيرُ من دمشق، فأيُّهما سبق صاحبَه يقيمُ إلى أن يصِلَ الآخَرُ إليه، وتواعدا على يومٍ معلومٍ يكون فيه وصولُهما، فسار صلاح الدين عن مصر؛ لأن طريقه أصعَبُ وأبعَدُ وأشَقُّ، ووصل إلى الكرك وحصره، وأمَّا نور الدين فإنه لَمَّا وصل إليه كتاب صلاح الدين برحيله من مِصرَ فَرَّقَ الأموال، وحصَّل الأزواد وما يحتاج إليه، وسار إلى الكرك فوصَلَ إلى الرقيم، وبينه وبين الكرك مرحلتان. فلما سمع صلاحُ الدين بقُربِه خافه هو وجميعُ أهله، واتَّفَق رأيهم على العود إلى مصر، وترك الاجتماع بنور الدين؛ لأنهم علموا أنَّه إن اجتمعا كان عزلُه على نور الدين سهلًا. فلما عاد أرسل الفقيهُ عيسى إلى نور الدين يعتَذِرُ عن رحيله، بأنه كان قد استخلف أباه نجمَ الدين أيوب على ديار مصرَ، وأنَّه مريض شديد المرض، ويخاف أن يَحدُثَ عليه حادث الموت، فتخرج البلاد عن أيديهم، وأرسل معه من التُّحَف والهدايا ما يجِلُّ عن الوصف؛ فجاء الرسولُ إلى نور الدين وأعلَمَه ذلك، فعظم عليه وعَلِمَ المراد من العَود، إلَّا أنه لم يُظهِر للرسول تأثرًا، بل قال له: حِفظُ مِصرَ أهَمُّ عندنا مِن غيرنا، وسار صلاح الدين إلى مصرَ فوجد أباه قد قضى نحْبَه.
في ليلةِ الجُمُعةِ مُستهَلَّ رَمَضانَ احترق المسجدُ النبوي بالمدينةِ- على ساكِنِه أفضَلُ الصلاة والسلام، ابتدأ حريقُه من زاويتِه الغربيَّة من الشمال، وكان دخل أحدُ القومةِ إلى خزانةٍ ومعه نار فعَلِقَت في الأبوابِ ثم اتصلت بالسَّقفِ بسُرعةٍ، ثم دبَّت في السقوف، وأخذت قبلةً فأعجلت النَّاسَ عن قطعها، فما كان إلا ساعةٌ حتى احترقت سقوفُ المسجِدِ أجمع، ووقعت بعض أساطينِه وذاب رصاصُها، وكلُّ ذلك قبل أن ينامَ النَّاسُ، واحترق سقف الحُجرةِ النبويَّة ووقع ما وقع منه في الحُجرة، وقد خرَّب الحريقُ المسجِدَ، ولم يُفلِتْ منه إلاَّ قبَّةُ الناصر لدين الله التي كانت في رحبتِه، وبقي على حالِه حتى شرع في عمارةِ سَقفِه وسَقفِ المسجِدِ النبوي، وأصبح الناسُ فعزلوا موضعًا للصلاة، وعُدَّ ما وقع من تلك النَّار ِالخارجة وحريقِ المسجد من جملة الآيات، وكأنها كانت منُذِرةً بما يعقُبُها في السنة الآتية من الكائناتِ، وحين بلغ المستعصِمَ العباسيَّ الخبَرُ أرسل الصنَّاعَ والآلاتِ في موسم الحج، وبدأ العمل عام 655هـ. وقد حدثت في هذا العامِ أحداثُ التتار وحروبهم، ولكِنَّ عمل البناءِ لم يتوقَّفْ؛ إذ اشترك فيه الملك المظفَّر ملك اليمن، وملك مصر نور الدين علي بن المعز الصالحي، وإن كانت العمارةُ لم تنتهِ إلا في عهد الملك الظاهر بيبرس.
كان سببُه أن صلاح الدين يوسف بن أيوب سار عن مصر في صفر إلى بلاد الفرنج غازيًا، ونازل حصن الشوبك، وبينه وبين الكرك يوم، وحصره، وضيَّقَ على مَن به من الفرنج، وأدام القتال، وطلبوا الأمانَ واستمهلوه عشرة أيام، فأجابهم إلى ذلك، فلما سمع نور الدين بما فعله صلاح الدين سار عن دمشق قاصدًا بلاد الفرنج؛ ليدخل إليها من جهة أخرى، فقيل لصلاح الدين: إن دخل نور الدين بلاد الفرنج وهم على هذه الحال: أنت من جانب ونور الدين من جانب، مَلَكَها، ومتى زال الفرنجُ عن الطريق وأخذ مُلكَهم لم يبقَ بديار مصر مقامٌ مع نور الدين، وإن جاء نور الدين إليك وأنت هاهنا، فلا بد لك من الاجتماعِ به، وحينئذ يكون هو المتحَكِّم فيك بما شاء، إن شاء تركك وإن شاء عزلك، فقد لا تقدِرُ على الامتناع عليه؛ والمصلحة الرجوع إلى مصر، فرحل عن الشوبك عائدًا إلى مصر، ولم يأخُذْه من الفرنج، وكتب إلى نور الدين يعتذر باختلال الديار المصرية لأمور بلغته عن بعض شيعته العَلَويين، وأنهم عازمون على الوثوبِ بها، وأطال الاعتذار، فلم يقبلها نور الدين منه، وتغيَّرَ عليه وعزم على الدخول إلى مصر وإخراجه عنها، وظهر ذلك فسَمِعَ صلاح الدين الخبر، فجمع أهله، وفيهم أبوه نجم الدين أيوب، وخاله شهاب الدين الحارمي، ومعهم سائر الأمراء، وأعلمهم ما بلغه من عزم نور الدين وحركته إليه، واستشارهم فلم يجِبْه أحد بكلمة واحدة، فقام تقي الدين عمر بن أخي صلاح الدين، فقال: إذا جاءنا قاتلناه، ومنعناه عن البلاد، ووافقه غيره من أهلهم، فشتم نجم الدين أيوب، وأنكر ذلك، واستعظمه، وشتَمَ تقيَّ الدين وأقعده، وقال لصلاح الدين: أنا أبوك، وهذا خالك شهاب الدين، ونحن أكثَرُ محبة لك من جميع ما ترى، وواللهِ لو رأيت أنا وخالك هذا نورَ الدين، لم يمكِنَّا إلا أن نقَبِّلَ الأرض بين يديه، ولو أمَرَنا أن نضرب عنقك بالسيف لفعَلْنا، فإذا كنا نحن هكذا، فما ظنُّك بغيرنا؟ وكل من تراه عندك من الأمراء لو رأوا نور الدين وحْدَه لم يتجاسَروا على الثبات على سروجِهم، وهذه البلاد له، ونحنُ مماليكه ونوَّابُه بها، فإن أراد عزلَك سَمِعْنا وأطعنا؛ والرأيُ أن تكتب كتابًا تقول فيه: بلغني بأنك تريد الحركةَ لأجل البلاد، فأيُّ حاجة إلى هذا؟ يرسل المولى نجابًا يضع في رقبتي مِنديلًا ويأخُذُني إليك، وما هاهنا من يمنَعُ عليك! وأقام الأمراء وغيرهم وتفَرَّقوا على هذا، ففعل صلاح الدين ما أشار به، فترك نور الدين قَصْدَه واشتغل بغيره، فكان الأمرُ كما ظنه أيوب، فتوفِّيَ نور الدين ولم يقصدْه، وملك صلاح الدين البلاد، وكان هذا من أحسَنِ الآراء وأجوَدِها.
لما مات نورُ الدين محمود زنكي، صاحِبُ الشام، اجتمعت الفرنجُ وساروا إلى قلعة بانياس من أعمال دمشق فحصروها، فجمع شمسُ الدين محمد بن المقدم الوصيُّ على الملك الصالح بن نور الدين محمود العسكرَ عنده بدمشق، فخرج عنها، فراسَلَهم، ولاطَفَهم، ثم أغلظ لهم بالقول، وقال لهم: إن أنتم صالحتُمونا وعدتُم عن بانياس، فنحن على ما كنَّا عليه، وإلا فنُرسِلُ إلى سيف الدين، صاحِبِ الموصل، ونصالِحُه، ونستنجده، ونرسِلُ إلى صلاح الدين بمصر فنستنجِدُه، ونقصِدُ بلادكم من جهاتها كُلِّها، فعَلِموا صِدقَه، فصالحوه على شيءٍ مِن المال أخذوه وأسرى أُطلِقوا كانوا عند المسلمينَ وتقَرَّرت الهُدنة، فلما سَمِعَ صلاح الدين بذلك أنكره واستعظمه، وكتب إلى الملك الصالح والأمراء الذين معه يُقَبِّحُ لهم ما فعلوه ويبذُلُ مِن نفسه قصْدَ بلاد الفرنج ومقارعتهم وإزعاجُهم عن قصدِ شَيءٍ مِن بلاد الملك الصالح.
هو الحافِظُ المؤَرِّخ عَلَم الدين القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الأشبيلي الشافعي، وُلِدَ بدمشق سنة 665, من أُسرةٍ عِلميَّة جاءت من المغرب، وكانت أسرتُه قد نزلت إشبيليَّةَ، ثم رَحَلت إلى الشام وبرزالة: قبيلة قليلة جدًّا، كان البرزالي محدِّثًا حافظًا فاضلًا، سَمِعَ الكثير ورحل إلى البلاد وحصَّل ودأب وسَمِعَ خلائِقَ كثيرةً تزيد عِدَّتُهم على ألفي شيخ، وحَدَّث وخرَّج وأفاد وأفتى وصَنَّف تاريخًا على السنين، رحل إلى بعلبك وحلب ومصر، تولى مشيخة دار الحديث بدمشق ومعها المدرسة النورية، قال ابن كثير: "قرأ شيئًا كثيرًا، وأسمع شيئًا كثيرًا، وكان له خَطٌّ حَسَن، وخُلُق حسن، وهو مشكورٌ عند القضاة ومشايخه أهل العلم. سمعت العلامة ابن تيمية يقول: نَقْلُ البرزالي نَقْرٌ في حَجَر, وكان أصحابُه من كل الطوائف يحبُّونه ويكرمونه، وكان له أولادٌ ماتوا قبله، وكَتَبَت ابنته فاطمة البخاريَّ في ثلاثة عشر مجلَّدًا فقابله لها، وكان يقرأُ فيه على الحافظ المِزِّي تحت القبة، حتى صارت نسختُها أصلًا مُعتَمَدًا يكتب منها الناس، وكان شيخَ حديث بالنورية، وفيها وَقَف كُتُبَه بدار الحديث السنية، وبدار الحديث القوصية وفي الجامع وغيره، وعلى كراسي الحديث، وكان متواضِعًا مُحَبَّبًا إلى الناس، متودِّدًا إليهم، له مُصَنَّف المعجم الكبير في الحديث. وكتاب "المقتفى على كتاب الروضتين"، توفي بخليص وهو مُحرِم في رابع ذي الحجة عن أربع وسبعين سنة, فغُسِّلَ وكُفِّنَ ولم يُستَرْ رأسُه، وحمله الناسُ على نعشِه وهم يبكون حولَه، وكان يومًا مشهودًا.
كان الشعبُ المغربي قد ثار على السلطان عبد العزيز بن الحسن العلوي وخلَعَه عام 1908م بعد أن أطلق يدَ فرنسا وإسبانيا في المغرب، وبايع الشعبُ أخاه عبد الحفيظ بشَرطِ العمل على استرداد الجهاتِ المقتطعة على الحدودِ، ولكِنَّ عبد الحفيظ صانَعَ فرنسا التي اتَّفَقت سنة 1911 مع إسبانيا على إعطائِها الريفَ مقابِلَ السكوت على الاحتلال الفرنسي، وثار الشعبُ مرة أخرى، ففُرِضَت الحماية الفرنسية، وعَمَّت الثورةُ أرجاء المغرب وقامت الحربُ العالمية الأولى، والشعبُ المغربي يقاوِمُ الفرنسيين في الأطلس الأوسط والأطلس الكبير، وفي تافيلالت وآية عطا، وتسلَّم تطبيقَ المخطَّطات الاستعمارية في مراكش قائِدٌ فرنسيٌّ مِن زبانية الاستعماريين، هو المارشال ليوتي، الذي عقَدَ معاهدةَ الحماية، وحكَمَ المغربَ كمُقيمٍ عام، وأخمد ثوراته، ووجه الاستثماراتِ الفرنسيةَ لنَهبِ ثروات المغرب، وقد ثار الريفُ الذي احتلَّته إسبانيا سنة 1922م، وتزعم الثورةَ الأمير عبد الكريم الخطابي واستطاع النجاحَ في حصار طنجة، وامتدت الثورةُ إلى المناطق التي تحتلُّها فرنسا، فاتفق ليوتي مع الإسبان على قتال الثائرين، وخُنِقَت الثورة سنة 1925م، واستسلم الأمير عبد الكريم للفرنسيين الذين نفوه إلى مدغشقر في جُزُر ريئونيون.
أصدر السلطان العثماني مراد الرابع أمرًا بمنع تناول المشروبات الكحولية في أرجاء الدولة العثمانية، وحظَر تناولها على المسلمين حتى في بيوتهم، وأُغلقت الحانات، وهَدَّدت الدولة العثمانية بإعدامِ كلِّ من يشرب الخمر في محلِّ ارتكاب الجريمة.
هو السلطان نور الدين محمد جهانكير بن أكبر بن همايون بن بابر الكوركاني المغولي، من سلالة تيمورلنك سلطان الهند، ولِدَ في ربيع الأول سنة 977 بأكبر آباد، وتولى المملكة بعد والده يوم الخميس لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة 1014، وكان اسمُه سليمًا، سماه به والده على اسم الشيخ سليم بن بهاء الدين السيكروي؛ لأن الشيخ بشَّر به والده قبل ولادته ودعا له، فلما استقلَّ بالملك لقَّب نفسَه نور الدين محمد جهانكير، وافتتح أمرَه بالعدل والسخاء، وقرَّب إليه العلماء، وكان صحيح العقيدة خلافًا لوالده، سمع الحديث من الشيخ محمد سعيد الهروي المشهور بمير كلان، وقرأ عليه شيئًا من العلم بأمر والده، وسمع أيضًا من المفتي صدر جهان البهانوي. تزوج بمهر النساء بنت غياث الدين الطهراني، وكانت عشيقته، فخطبها بعد ما قَتَل بعلها شيرافكن خان، فأبت ثم رضيت، فتزوج بها ولقَّبها نور جهان بيكم، فحُبِّبت إليه وملكت فؤادَه حتى ألقى زمام السلطنة بيدها، فدبَّرت لخَتنها شهريار بن جهانكير من زوجته الأخرى ليولِّيه الملك، ورغَّبت زوجها جهانكير عن ابنه شاهجهان الذي دبَّر الملك لولايته بالمُلك بعده، فوقع الخلافُ بينهما وآل إلى الحرب، وتوفي جهانكير ساخطًا عنه. وكان جهانكير رحيمًا حليمًا كريمًا شاعرًا لطيف الطبع، حسن المعاشرة ظريف المحاضرة، حسن الصورة سليم الذهن، باهر الذكاء فصيح العبارة، له يد بيضاء في التحرير والتحبير، صنَّف كتابًا في أخباره وسماه "تزك جهانكيري" وهو مقبول متداول في أيدي الناس، وصنف في أخباره معتمد خان كتابَه: إقبال نامه، ومرزا كامكار الملقب بعزت خان كتابه مآثر جهانكيري، ومن مصنفات جهانكير بندنامه بالفارسية في أوراق عديدة صنفه لأبنائه، وأمر الشيخ محمد ابن الجلال الحسيني الكجراتي أن يترجم القرآن الكريم بالفارسية ولا يباشر فيه التصنع، ولا يزيد على الترجمة اللفظية حرفًا من جانبه. توفي لثلاث بقين من صفر سنة ست وثلاثين وألف، وكانت مدت حكمه إحدى وعشرين سنة وثمانية أشهر وثلاثة عشر يومًا.
سار بَعضُ المُرابِطينَ مِن المُلَثَّمينَ إلى دكالة، فاجتمَعَ إليه قبائِلِها، وصاروا يُغيرُونَ على أعمالِ مَراكشَ، وعبدُ المؤمِنِ لا يلتَفِتُ إليهم، فلمَّا كَثُرَ ذلك منهم سار إليهم سنةَ أربعٍ وأربعين وخمسمئة، فلمَّا سَمِعَت دكالة بذلك انحشَروا كُلُّهم إلى ساحِلِ البَحرِ في مئتي ألف راجلٍ وعشرين ألفَ فارسٍ، وكانوا مَوصوفين بالشَّجاعةِ، وكان مع عبدِ المؤمِنِ من الجيوشِ ما يخرج عن الحَصرِ، وكان الموضِعُ الذي فيه دكالةُ كَثيرَ الحَجَرِ والحزونة، فكَمَنوا فيه كُمَناءَ ليَخرُجوا على عبدِ المؤمِنِ إذا سلكه، فمِن الاتِّفاقِ الحَسَنِ له أنَّه قَصَدَهم من غيرِ الجِهةِ التي فيها الكُمَناءُ، فانحَلَّ عليهم ما قَدَّروه، وفارقوا ذلك الموضِعَ، فأخذهم السَّيفُ، فدخلوا البَحرَ، فقُتِلَ أكثَرُهم، وغُنِمَت إبِلُهم وأغنامُهم وأموالُهم، وسُبِيَت نساؤُهم وذراريُّهم، فبِيعَت الجاريةُ الحَسناءُ بدراهِمَ يَسيرةٍ، وعاد عبدُ المؤمِنِ إلى مراكِشَ مُنتَصِرًا، وثبَت مُلكُه، وخافه الناسُ في جميعِ المَغرِبِ، وأذعَنوا له بالطَّاعةِ.
لَمَّا قُتِلَ عِمادُ الدين زنكي أخذَ نورُ الدين محمود ولَدُه خاتَمَه مِن يَدِه، وكان حاضِرًا معه، وسار إلى حَلَب فمَلَكَها، وكان حينئذٍ يتوَلَّى ديوانَ زنكي، ويحكُمُ في دولتِه مِن أصحابِ العمائِمِ جَمالُ الدين محمَّدُ بنُ علي وهو المنفَرِدُ بالحكم، ومعه أمير حاجِب صلاح الدين محمد الياغيسياني، فاتَّفَقا على حِفظِ الدولة، وكان مع الشَّهيدِ أتابك المَلِكُ ألب أرسلان بن السُّلطان محمود، فرَكِبَ ذلك اليومَ، وأجمعت العساكِرُ عليه، وحَضَرَ عنده جمالُ الدين وصلاح الدين، وأدخلاه الرقَّة، فبَقِيَ فيها أيامًا لا يَظهَرُ، ثم سار إلى ماكسين، فدخَلَها، وأقام بها أيامًا، وجمالُ الدين يُحَلِّفُ الأمراءَ لِسَيفِ الدين غازي بن أتابك زنكي، ويُسَيِّرُهم إلى المَوصِل، ثمَّ سار من ماكسين إلى سنجار، فاجتمَعَ أكابِرُ الدولة، وفيهم الوزيرُ جمال الدين محمَّد الأصبهاني، المعروفُ بالجواد، والقاضي كمالُ الدين أبو الفضل محمد بن الشهروزي, وقَصَدوا خيمةَ ألب أرسلان، وقالوا له: كان عِمادُ الدين زنكي غُلامَك ونحن غِلمانُك، والبِلادُ لك، وطَمَّنوا الناسَ بهذا الكلامِ, ثمَّ إنَّ العَسكَرَ افتَرَق فِرقَتَين: فطائفةٌ منهم توجَّهت بصُحبة نور الدين محمودِ بنِ عماد الدين زنكي إلى الشَّام، والطائفة الثانيةُ سارت مع ألب أرسلان وعساكِرِ الموصِلِ وديار ربيعة إلى المَوصِل، فلمَّا انتهوا إلى سنجار تخيَّلَ ألب أرسلان منهم الغَدْرَ فتَرَكَهم وهَرَب، فلَحِقَه بعضُ العَسكَرِ ورَدُّوه، فلمَّا وصلوا إلى المَوصِل وصَلَهم سيفُ الدين غازي، وكان مُقيمًا بشهرزور؛ لأنَّها كانت إقطاعَه مِن جِهةِ السُّلطان مسعود السلجوقي، مَلِك المَوصِل وما كان لأبيه من ديار ربيعة، وترتَّبَت أحوالُه، وأخذ أخوه نورُ الدين محمود حَلَب وما والاها مِن بلادِ الشَّامِ، ولم تكُنْ دمشقُ يومئذٍ لهم.
أثار الرُّكود الاقتصاديُّ موجةً من الاضطراباتِ الاجتماعية التي تمثَّلت في المظاهراتِ التي تجوبُ الشوارعَ، وإضراباتِ العُمَّال، والاغتيالاتِ السِّياسية، كما تمَّ تَشكيلُ حركاتٍ عُمَّالية وطُلابية يساريةٍ تُعارِضُها الجماعاتُ اليَمِينية القوميةُ المسلَّحة والإسلاميَّة، وبحُلولِ يناير 1971 عَمَّت الفوضى أرجاءَ تركيا، وتوقَّفت الجامعاتُ عن العملِ، وأضربت المصانع، وقام الطُّلاب بسَرِقة البنوكِ، وخطْف الجُنود الأمريكانِ، ومُهاجَمة أهدافٍ أمريكية، وأصبَحت الحركةُ الإسلاميَّة أكثَرَ نشاطًا، وقام حِزْبُها -حزبُ النِّظام الوطني- برفْض فِكرة عَلْمانيةِ أتاتورك، والفِكْر الكَماليِّ بشَكْل عَلَني؛ مما أثار غضَب القواتِ المسلَّحةَ، فقام رئيسُ هيئة الأركان العامة التُّركية مَمدوح تاجماك بتَسليمِ رئيس الوزراءِ مُذكِّرةً تصِلُ إلى حَدِّ إنذارٍ أخير من القواتِ المسلَّحة، وطالَبَ فيها "بتَشكيل حُكومةٍ قويةٍ ذاتِ مِصداقيةٍ في إطار المبادئِ الديمقراطية تضَعُ حدًّا للوضْعِ الفَوضوي الحاليِّ، وتُطبَّق من خلال وجهاتِ نَظَر أتاتورك القوانينُ الإصلاحية المنصوصُ عليها في الدُّستور، وإذا لم تتِمَّ تلبيةُ هذه المطالِب فإنَّ الجيش سوف يُمارِس واجِبَه الدُّستوري ويَتولى السُّلطة"، فقدَّمَ الرئيسُ سليمان ديميريل استقالتَه بعد اجتماعٍ استمرَّ ثلاثَ ساعات مع حُكومته، واستنكَر زعيمُ المعارَضة والسياسيُّ المخضْرم عصمت إينونو بشِدةٍ أيَّ تدخُّل عسكريٍّ في السِّياسة، وكان بعض كبارِ الضُّباط يروا أنه مِن المستحيلِ أن يَحدُثَ تقدُّم في نِظام ديمقراطي لِيبراليٍّ، وأنَّ التسلُّطَ سيَجعلُ مِن تركيا أكثرَ مُساواةً واستِقْلالية و"عصْرية"، بينما رأى ضُباط آخَرون ضَرورةَ التدخُّل، ولو لإحباطِ هذه العناصر فقط، وعُرِف هذا الانقلابُ (بانقلاب المذكِّرة)؛ نَتيجةً لِما أحدَثَته المذكِّرةُ التي سلَّمها رئيسُ هيئة الأركان العامة لِرَئيس الوزراء التُّركي، فحدَث الانقلابُ دونَ تدخُّلٍ عَسْكري.
لمَّا احْتَرَقت الكَعبةُ حين غَزا أهلُ الشَّامِ عبدَ الله بن الزُّبير أيَّام يَزيدَ تَرَكها ابنُ الزُّبير يُشَنِّع بذلك على أهلِ الشَّام، فلمَّا مات يَزيدُ واسْتَقَرَّ الأمرُ لابنِ الزُّبير شرَع في بِنائِها، فأَمَر بِهَدْمِها حتَّى أُلْحِقَت بالأرضِ، وكانت قد مالت حيطانُها مِن حِجارَةِ المَنْجنيقِ، وجَعَل الحَجَرَ الأسودَ عنده، وكان النَّاسُ يَطوفون مِن وراءِ الأساسِ، وضرَب عليها السُّورَ وأدخل فيها الحِجْرَ، واحْتَجَّ بأنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لعائشةَ: (لولا حَدَثانُ عَهْدِ قَومِك بالكُفْرِ لرَدَدْتُ الكَعبةَ على أساسِ إبراهيمَ، وأَزيدُ فيها الحِجْرَ). فحفَر ابنُ الزُّبير فوجَد أساسًا أمثال الجِمالِ، فحَرَّكوا منها صَخرةً فبَرِقَت بارِقَة، فقال: أَقِرُّوها على أساسِها وبِنائِها، وجعَل لها بابَيْنِ يُدْخَل مِن أحدِهما ويُخْرَج مِن الآخر.