هو الإمامُ العلَّامة زين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي المناوي القاهري، ولد سنة 952 بمنى، وهي قرية من قرى مصر. كان أعلَمَ معاصريه بالحديث وأكثَرَهم فيه تصنيفًا وإجادةً وتحريرًا، أخذ التفسير والحديث عن النور علي بن غانم المقدسي، والنجم الغيطي، والشمس الرملي، وأخذ التصوُّفَ عن جماعة، منهم الشيخ منصور الغيطي، والشعراني، وغيرهما. قال عبد الحي الكتاني: "لم يخلُ من طاعنٍ وحاسدٍ حتى دسَّ عليه السمُّ؛ لكون أهل عصره كانوا لا يعرفون مرتبةَ عِلمِه ؛لانزوائه عنهم وانقطاعِه للتصنيف". برعَ في الحديث وله مصنَّفات عديدة، منها: فيض القدير في شرح الجامع الصغير, والفتح السماوي بتخريج أحاديث تفسير القاضي البيضاوي, والجامع الأزهر في حديث النبي الأنور, والإتحافات السَّنية بالأحاديث القدسية, والتوقيف على مهمات التعاريف, والكواكب الدُّرية في تراجم الصوفية, وغيرها من الكتب.
هو القاسِمُ بنُ سلَّام الهروي الأزدِيُّ ولاءً، ولد بمدينة هراة سنة 157هـ, أحد أئمَّة اللُّغة والفقه والحديثِ، والقرآن والأخبار وأيَّام الناس، كان أبوه عبدًا روميًّا, فطلب أبو عبيدٍ العِلمَ وسَمِعَ الحديثَ ودرسَ الأدبَ والفقه، ثم ارتحل إلى العراقِ نحوَ سنة 176هـ، له المصنَّفات المشهورة المنَتِشرة بين الناس، حتى يقال: إنَّ الإمامَ أحمدَ كتب كتابَه الغريبَ بِيَدِه- وهو أشهر كتُبِه- قال هلالُ بن العلاء الرقي: "مَنَّ الله على المسلمينَ بهؤلاء الأربعة: الشافعيُّ، تفَقَّه في الفقه والحديث، وأحمدُ بن حنبل في المحنة، ويحيى بن مَعينٍ في نفي الكَذِب، وأبو عُبَيد في تفسيرِ غَريبِ الحديثِ، ولولا ذلك لاقتحم النَّاسُ المهالِكَ"، وكان أبو عبيدٍ قد ولد بهراة، وأقام في بغداد، ثم انتقل إلى مصر، وكانت وفاتُه بمكَّة- رحمه اللهُ تعالى، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
في يَومِ السبت العشرينَ مِن رمضان قَدِمَ الأمير سيف الدين بكمش الجمدار الظاهريُّ والأمير بدر الدين بيليك السيفي السلاري المعروف بأبي غُدَّة من بلاد أزبك خان مَلِك التتار المُسلِم بهَدِيَّة، ومعهما كتابه، وهو يسأل أن يجهَّزُ له كتابُ (جامِع الأصول في أحاديث الرسول)، وكتاب (شرح السنة) و(البحر) للروياني في الفقه، وعِدَّةُ كُتُبٍ طَلَبها، فجُهِّزَت له.
هو أبو العبَّاس أحمد بن أبي الحسن علي بن أبي العباس أحمد المعروف بالرفاعي، شيخُ الطائفةِ الأحمديَّة الرفاعية البطائحية الصوفيَّة المشهورة، كان أصلُه من العرب فسكن في البطائِحِ بقرية يقال لها: أم عبيدة، وانضم إليه خلقٌ عظيم من الفقراء، وأحسنوا الاعتقادَ فيه وتَبِعوه, حتى عُرِفوا بالطائفة الرفاعيَّة والبطائحية ويقال: إنَّه حَفِظَ التنبيه في الفقه على مذهب الشافعيِّ، قال الذهبي في العِبَر: وقد كَثُرَ الزغل في بعض أصحابه وتجدَّدَت لهم أحوال شيطانيَّة... وهذا ما لم يَعرِفْه الشيخُ ولا صُلَحاءُ أصحابِه، وذكر ابن خَلِّكان: "أنَّه قال: وليس للشيخ أحمد عَقِبٌ، وإنما النسل لأخيه وذريَّته يتوارثون المشيخة بتلك البلاد". مَرِضَ في آخر حياته حتى توفي يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى. والطريقة الرفاعية من الطرُقِ الصوفيَّة المنتشرة في كثيرٍ مِن البلاد، وقد غَلَوا في الرفاعيِّ حتى استغاثوا به من دونِ الله، وزعموا أنَّ لهم أحوالًا وكرامات،كالدخول في النيران، والركوب على السِّباع، واللعب بالحيات، وما إلى ذلك مما يُدَجِّلونَ به على العوامِّ مِمَّا لم يُنزِلْ به الله سلطانًا.
هو محمَّدُ بن مُسلِم بن عُبيدِ الله بن شِهاب الزُّهري، أوَّلُ مَن دَوَّنَ الحَديثَ، أَحدُ كِبارِ الحُفَّاظ والفُقَهاء، حَدَّث عن عَددٍ مِن الصَّحابة كَأَنَسٍ وابنِ عُمَر، وأَرسَل عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَحاديثَ كَثيرَة، كان مِن مَشاهير القُرَّاء، له مُؤَلَّفات في المَغازي والتَّاريخ والقُرآن، اسْتَقَرَّ في الشَّام وبَقِيَ إلى أن قِيلَ ليس في الدُّنيا له نَظير، تُوفِّي في قَريَةِ شَغْب أوَّل حُدودِ فِلَسطين مع الحِجاز، فرَحِمَه الله تَعالى وجَزاهُ عن الإسلامِ والمسلمين خَيرًا.
هو الفقيه زين الدين مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد الكرمي المقدسي الحنبلي، وهو كذلك مؤرِّخ وأديب، من أهل طولكرم قرب نابلس، درَّس في القدس والقاهرة، وعمل مدرسًا في الجامع الأزهر والمسجد الطولوني، كان من كبارِ فُقهاء الحنابلة، له سبعون مصنَّفًا، منها: أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات، والآيات والفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة، وتحقيق الخلاف في أصحاب الأعراف، وتوضيح البرهان في الفرق بين الإسلام والإيمان، وغيرها من المصنفات.
هو الشاعر عبد الغني بن إسماعيل النابلسي الشاعر المتصوف، وهو عالم بالأدب والتاريخ، ولد سنة 1050 بدمشق ونشأ بها، ثم رحل إلى بغداد، ثم تنقل بين سوريا وفلسطين ومصر ولبنان، ثم عاد واستقر في دمشق وبها توفي، له مصنفات عديدة، أشهرها: (تعطير الأنام في تعبير المنام)، وله (الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز)، وله (التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية)، وله (كنز الحقائق المبين في أحاديث سيد المرسلين)، وغيرها من الكتب.
هو الفقيه العلامة الإمام محدث الديار المصرية أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف الأزهري، المالكي الناسك النحرير الشهير بالزرقاني نسبة إلى زرقان من قرى المنوفية، المصري الأزهري خاتِمة الحفاظ والمحدِّثين. ولد سنة 1055. كان شغوفًا بالعلم والعلماء منذ صِغَر سنه. أخذ عن والده وعن النور علي الشبراملسي. له مصنفات منها: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، ومختصر المقاصد الحسنة في بيان الأحاديث المشتهرة على الألسنة، والأسئلة المحيرة حول الدنيا والآخرة، وغيرها.
هو الشيخُ محمد فؤاد بن عبد الباقي، باحثٌ ومؤلِّفٌ متخَصِّصٌ في الحديث النبوي، وعالمٌ بتنسيق الأحاديث النبوية ووَضْع الفهارس لها ولآيات القرآن الكريم، وهو مترجِمٌ باللغتين الفرنسية والإنجليزية لكتُبِ المستشرقين في معاجمِ الحديث والقرآن. ولِدَ في إحدى قرى القليوبية في جمادى الأولى 1299هـ / مارس 1882م، ونشأ في القاهرة، وفي سنة 1317 هـ / 1899م عَمِل بمركز تلا التابع لمحافظة المنوفية مدرسًا للُّغة العربية في مدرسة جمعية المساعي المشكورة، وبعد فترة عَمِلَ ناظرًا لإحدى المدارس في قرى الوجه البحري، وظلَّ في هذه الوظيفة سنتين ونصفًا. ولما أعلن البنكُ الزراعي عن وظيفة مترجِم تقدَّم لها وعُيِّن بالبنك في 3 ذي القعدة 1323هـ / 30 ديسمبر 1905م، وقد هيأ له استقرارُه في هذه الوظيفة أن ينصَرِفَ إلى القراءة ومُطالعة أمَّهات كتب الأدب في العربية والفرنسية، وأن يرتبطَ بصداقات مع أعلام عَصرِه. وكان ممن ارتبط بهم بصداقةٍ وتَلمَذة الشيخُ محمد رشيد رضا, فلازمه إلى وفاتِه، ونهل من علمه، وفتح له آفاقًا واسعةً في علوم السنة، فانطلق يخدمُ السنةَ النبوية، سواءٌ فيما يتَّصِلُ بتحقيق أمهاتها، أو التأليف فيها، أو تخريج أحاديثها، ومن أعظَمِ جهودِ عبد الباقي التي خَدَم بها سنة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم ترجمتُه لكتاب ((مفتاح كنوز السنة)) لفنسك أستاذ اللُّغات الشرقية بجامعة لندن، ومن مؤلفاته أيضًا في خدمة السنة: ((اللؤلؤ والمرجان فيما اتَّفَق عليه الشيخان)). توفي رحمه الله بالقاهرة عن عمر ناهز التسعين.
هو الخليفة العثماني مصطفى الثالث بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول، ولِدَ عام 1129. ولِيَ الحُكمَ بعد ابنِ عَمِّه عثمان الثالث، وكان عمُرُه حينذاك 42 عامًا. كان ميالًا للإصلاح محبًّا لتقديم بلاده، خصوصًا وزيره الأول الصدر الأعظم راغب باشا الذي أخذ في إصلاحِ بعضِ الشؤون بمساعدة السلطان وتعضيدِه له، فعَهِد بإدارة الأوقاف العمومية إلى أحد أغوات السراري قيزار أغاسي، وأسَّس مستشفيات للحجر على الواردات الخارجية؛ إذ كانت الأوبئة منتشرة في الخارج؛ لعدم تعديها إلى الممالك المحروسة، وأنشأ مكتبة عمومية على مصاريفه الخاصةِ، وفكَّر في طريقة غريبة لتسهيل المواصلاتِ داخِلَ المملكة منعًا لحصول الغلاء والمجاعات في إحدى الولايات، وذلك أن يصِلَ بين نهر دجلة وبوغاز الأستانة بخليج عظيم تستعمل الأنهار الطبيعية مجرى له على قدر الإمكان، فيسهُل نقلُ الغلالِ مِن أطراف المملكةِ إلى الأستانة فيمتَنِع عنها الغلاء كليةً، وهو مشروعٌ جليلٌ يَقدُره العارفون حقَّ قَدرِه. توفي مريضًا من حزنِه في حروب روسيا، في ربيع الأول بعد أن دام في الملك ست عشرة سنة وثمانية أشهر، وتولى بعده أخوه عبد الحميد الأول الذي كان محجوزًا في قصرِه مدَّةَ حكم أخيه مصطفى الثالث.
هو الشيخ العلامةُ الإمام العالمُ الهُمام الحجَّة الرُّحلة العمدة: أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني، الشهير بالجراحي- نسبة إلى أبي عبيدة بن الجراح- العجلوني الدمشقي، محدِّث الشام في أيامه. وُلِد بعجلون (بالأردن) سنة 1087 نشأ بدمشق وفيها توفي. كان عالِمًا بارعًا صالحًا مفيدًا محدِّثًا مبجَّلًا قدوة سندًا خاشعًا. له يدٌ في العلوم لا سيما الحديث والعربية، وكان شافعيًّا صوفيًّا، له مصنفات كثيرة، أشهرها: كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث, وله عقد اللآلئ والزبرجد في ترجمة الإمام الجليل أحمد، وله شرح على البخاري، وغيرها.
هو الإمامُ العلَّامة بدرُ الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي المنهاجي، تركي الأصل، ولد بمصر سنة 745, وتعلَّمَ الفِقَه فيها، عُنِيَ بالاشتغال مِن صِغَرِه، فحَفِظَ كُتبًا وأخذ عن الشيخ جمال الدين الإسنوي والشيخ سراج الدين البلقيني ولازمه، حتى أصبح من كبار علماء الشافعيَّة في مصر، وبرع في الأصول، له تصانيفُ عديدة أشهرها: (البرهان في علوم القرآن)، (البحر المحيط في الأصول)، (إعلام الساجد بأحكام المساجد)، (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة)، (المنثور في القواعد الفقهية والأصولية)، (التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح)، وغيرها من الكتب. قال ابن حجر: "رحل إلى دمشقَ فأخذ عن ابن كثير في الحديثِ وقرأ عليه مُختَصَره ومَدَحَه ببيتين، ثم توجه إلى حلب فأخذ عن الأذرعي، ثم جمع الخادم على طريق المهمات، فاستمد من التوسط للأذرعي كثيرًا، لكنه شحنه بالفوائد الزوائد من المطلب وغيره، وجمع في الأصول كتابًا سماه البحر في ثلاثة أسفار، وشرح علوم الحديث لابن الصلاح، وجمع الجوامع للسبكي، وشرع في شرح البخاري فتركه مُسَوَّدة وقفت على بعضها، ولخص منه التنقيح في مجلد، وشرح الأربعين للنووي، وولي مشيخة كريم الدين، وكان منقطعًا في منزله لا يتردَّدُ إلى أحدٍ إلا إلى سوق الكتبِ، وإذا حضره لا يشتري شيئًا، وإنما يطالِعُ في حانوت الكُتبي طول نهارِه ومعه ظهورُ أوراقٍ يُعَلِّقُ فيها ما يُعجِبُه، ثم يرجع فينقِلُه إلى تصانيفِه، وخرَّج أحاديث الرافعي، ومشى فيه على جمع ابن الملَقِّن، لكنه سلك طريق الزيلعي في سَوق الأحاديث بأسانيد خرَّجها، فطال الكتاب بذلك" ولَمَّا ولي البلقيني قضاءَ الشام استعار منه نُسختَه من الروضة مجلدًا بعد مجلدٍ، فعَلَّقَها على الهوامش من الفوائِدِ؛ فهو أول من جمع حواشي الروضة للبُلقيني، توفي في الثالث من رجب في القاهرة عن 50 عامًا.
كان أوَّل ما حضر إلى الإسكندرية في أوَّلِ هذه السنة مراكِب للإنجليز زعموا أنَّهم جاؤوا ليحمُوا الثغر من الفرنسيين، فإنَّهم في طريقهم لاحتلال مصر, ولكنَّ أهل الإسكندرية ظنُّوا أن هذه مخادعة وقالوا: هذه بلاد السلطان، لا سبيل للإنجليز ولا للفرنسيين عليها، فرحل الإنجليزُ، ومع ذلك لم يفعل أمراءُ البلد شيئًا، أما أهل الإسكندرية فجمعوا العُربان وتهيَّأ الناسُ لِمثل هذا الحدَثِ، ثم وصلت مراكبُ الفرنسيين وطلبوا القنصل وبعض أهالي البلد، فلما نزلوا إليهم عوَّقوهم، فلما دخل الليل طلعوا إلى البر ومعهم آلاتُ الحرب والعساكر، ولم يفجأ أهلَ الثغر صباحًا إلا وهم كالجراد المنتَشِر، فلم يستطع أهل الثغر ومن انضم إليهم من العُربان فِعلَ شيء أمامهم، فانهزموا إلى البيوت والحيطان، فطلبوا الأمانَ فأمَّنوهم وطلبوا جمعَ السلاح من الأهالي، ثم سار الفرنسيون إلى البر الغربي ووصلوا دمنهور ورشيد، وكان نابليون نشرَ في أنحاء مصر مع الرسُلِ قبل وصوله إلى كُلِّ بلد أنه ما جاء إلى مصر إلى ليخَلِّصَهم من ظلم المماليك والأتراك، وأنَّه يحترم الدينَ والنبيَّ صلَّى الله عليه وسلم والقرآنَ، ثمَّ في شهر صفر التقى العسكر المصريُّ مع الفرنسيين، فلم تكن ساعة إلا وانهزم مراد بيك ومن معه، وكان هذا في البحرِ، ثم ارتحل الناسُ إلى بولاق لعمل المتاريس، ثم وصل الفرنسيون إلى بر مصر، وسكن بونابرت ببيت محمد بيك الألفي بالأزبكية، ثم ملكوا مدينةَ بلبيس بغير مقاومة ولا قتال، ثم عَمِلوا ديوانًا من ستة أنفار من النصارى القبط وستة تجار من المسلمين للنظر في قضايا التجَّار والعامة.
رأى السنوسيون في برقةَ مؤازرةَ الدولة العثمانية استجابةً لدواعي الجهاد الديني والتضامن الإسلامي، وذلك بالهجوم على القوات البريطانية في مصر، وكان كلٌّ من العثمانيين والإنجليز يحاولون كسبَ السيد أحمد الشريف السنوسي لصَفِّه، ولكن رغم ما قدَّمه هنري مكماهون للسنوسي من أجل كسبِه إلى طرفه إلَّا أنه آثر البقاءَ مع العثمانيين، فقام بمهاجمة الحدود المصرية الغربية، وتوغَّل داخِلَ الأراضي المصرية، ونازل القوات البريطانية المنتشِرة في المنطقة وبنفس الوقت كان العثمانيون يحاولونَ التوغل على الحدود الشرقية، واستطاع السنوسي مع عددٍ مِن المقاتلين قرابة الخمسة آلاف من القوات النظامية وبعض القوَّات التركية أن يستولوا على مدينة السلُّوم وسيدي براني بمصر، وتوغلوا حتى وصلوا زاوية أم الوخم غربي مرسى مطروح، واعتصم البريطانيون في المرسى واتخذوه مقرًّا لقيادتهم، وانضمَّ بعضُ الضباط المصريين إلى السنوسيين في هذا القتال، وانتشرت الثورة من قِبَل هؤلاء الضباط؛ مما فاجأ البريطانيين، ودارت المعارك العنيفة بين السنوسيين والبريطانيين من طرَفٍ، وبين المصريين ومعهم السودانيين من جهة أخرى على البريطانيين، حتى لقي البريطانيون الهزيمةَ في وقعة وادي ماجد، وكانت الحرب سِجالًا؛ فقد هُزم السنوسيون في وقعة بير تونس، ومما حقَّقته الحملة السنوسية أنها احتجزت قوات بريطانية كبيرة على الحدود الغربية لمصر وفي صحراء مصر في وقت كانت تحتاجُهم فيه بريطانيا في أماكن أخرى، ولكِنَّ المجاهدين لم يكن لهم من الإمدادات ما يؤهِّلُهم للبقاء طويلًا في القتال فبدأ انسحابهم تدريجيًّا، وانسحب السنوسيون إلى الجفرة، ثم تحولوا إلى مقاتلة الإيطاليين.
أَسلَم أبو هُريرةَ سنةَ خَيبرَ، ولَزِمَ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى وَفاتِه، فكان ذلك ذُخْرًا له، فلا ضَيْرَ أن يكونَ أكثرَ الصَّحابةِ رِوايةً عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فهو مِن حُفَّاظِهم، ودَعا له النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالحِفْظِ فقارَبَت الأحاديثُ التي مِن رِوايَتِه إلى خمسةِ آلاف حديثٍ، وقد اخْتُلِف في اسمِه، وكان يدعو الله ألَّا تُدْرِكَه سَنَةُ سِتِّين فتُوفِّي قَبلَها، وصلَّى عليه الوَليدُ بن عُتبةَ بن أبي سُفيان نائبُ المدينةِ، وفي القَوْمِ ابنُ عُمَر، وأبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ، وخَلْقٌ مِن الصَّحابَةِ غيرُهم، وكان ذلك عند صلاةِ العصرِ، وكانت وَفاتُه في دارِه بالعَقيقِ، فحُمِلَ إلى المدينةِ فصُلِّيَ عليه، ثمَّ دُفِنَ بالبَقيعِ رحمه الله ورضِي عنه وجَزاهُ عن الإسلام والمسلمين خيرًا.