في هذا الحديثِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم "اضْطَبَعَ"، أي: أَخْرَجَ ذِراعَهُ الأَيْمَنَ من الرِّدَاءِ بحيث يَظْهَرُ الذِّراعُ والكَتِفُ الأَيْمَنُ، ويُغَطَّى الكَتِفُ الأَيْسَرُ، "فاسْتَلَمَ"، أي: اسْتَلَمَ الحَجَرَ الأَسْوَدَ فَلَمَسَهُ وقَبَّلَهُ، "وكَبَّرَ"، أي: قال: الله أكبر. عند المُرورِ على الحَجَرِ الأَسْوَدِ، "ثُمَّ رَمَلَ"، أي: مَشى مَشْيًا سَريعًا دون الجَرْيِ، "ثلاثة أَطْوافٍ"، أي: ثلاثة من السَّبْعِ حول الكعبةِ، وذلك أنَّه لَمَّا قَدِمَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مَكَّةَ لأَداءِ عُمْرَةِ القَضاءِ، قال المُشركون: إنَّه يَقْدَمُ عليكم وقد أَضْعَفَتْهُم حُمَّى يَثْرِبَ، فَرَمَلَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثةَ أَشْواطٍ من السَّبْعِ؛ لإظهارِ قُوَّةِ المسلِمين.
"وكانوا"، أي: المُسلِمون، "إذا بَلَغوا الرُّكْنَ اليَمانِيَّ"، أي: إذا جاؤوا عِندَه ووصَلوا إليه، "وتَغَيَّبوا من قُرَيْشٍ"، أي: أَصبحتْ قُرَيْشٌ لا تراهم؛ لأنَّهم خَلْفَ الكعبةِ، "مَشَوْا"، أي: مَشَوْا مَشْيًا عادِيًّا وتَرَكوا الرَّمَلَ، "ثُمَّ يَطْلُعونَ عليهم يَرْمُلُونَ"، أي: إذا ظَهَروا لهم من الجانِبِ الآخَرِ من الكعبةِ في مُقابِل قُرَيْشٍ أَسْرَعوا المَشْيَ مَرَّةً أُخرى، "تَقولُ قُرَيْشٌ"، أي: تقول على المُسلِمين: "كأنَّهم الغِزْلانُ"، أي: في سُرْعَتِهم وخِفَّةِ حَرَكَتِهم وقُوَّتِهم.
قال ابنُ عَبَّاسٍ: "فكانتْ سُنَّةً"، أي: فصارَ الرَّمَلُ في الطَّوافِ سُنَّةً.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على اتِّباعِ هَدْيِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أداءِ المَناسِكِ.
وفيه: الاضْطِباعُ عند بِدايَةِ طوافِ العُمرةِ، والرَّمَلُ ثلاثةَ أشواطٍ مِن طوافِ العُمرةِ.
وفيه: إظْهارُ قُوَّةِ المُسلِمين في مَواضِعِ إِظْهارِ العِزَّةِ وَقُوَّةِ الدِّينِ.