الموسوعة الحديثية

نتائج البحث
no-result لا توجد نتائج

1 - عن أُمِّ سَلَمةَ ابنةِ أبي أُمَيَّةَ بنِ المُغيرةِ، زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: لَمَّا نَزَلنا أرضَ الحَبَشةِ جاورنا بها خَيرَ جارٍ، النَّجاشيَّ، أمِنَّا على دينِنا، وعَبَدنا اللهَ لا نُؤذى، ولا نَسمَعُ شَيئًا نَكرَههُ، فلَمَّا بَلَغَ ذلك قُرَيشًا ائتَمَروا أن يَبعَثوا إلى النَّجاشيِّ فينا رَجُلَينِ جَلْدَينِ، وأن يُهدوا للنَّجاشيِّ هَدايا مِمَّا يُستَطرَفُ مِن مَتاعِ مَكَّةَ، وكان مِن أعجَبِ ما يَأتيه مِنها إليه الأَدَمُ، فجَمَعوا له أدَمًا كَثيرًا، ولَم يَترُكوا مِن بَطارِقَتِه بِطريقًا إلَّا أهدَوا له هَديَّةً، ثُمَّ بَعَثوا بذلك مَعَ عَبدِ اللهِ بنِ أبي رَبيعةَ بنِ المُغيرةِ المَخزوميِّ، وعَمرِو بنِ العاصِ بنِ وائِلٍ السَّهميِّ، وأمَروهُما أمرَهم، وقالوا لهما: ادفَعوا إلى كُلِّ بِطريقٍ هَديَّتَه قَبلَ أن تُكَلِّموا النَّجاشيَّ فيهم، ثُمَّ قدِّموا للنَّجاشيِّ هَداياه، ثُمَّ سَلوه أن يُسلِمَهم إليكُم قَبلَ أن يُكَلِّمَهم، قالت: فخَرَجا فقدِما على النَّجاشيِّ، ونَحنُ عِندَه بخَيرِ دارٍ، وعِندَ خَيرِ جارٍ، فلَم يَبقَ مِن بَطارِقَتِه بِطريقٌ إلَّا دَفَعا إليه هَديَّتَه قَبلَ أن يُكَلِّما النَّجاشيَّ، ثُمَّ قالا لكُلِّ بِطريقٍ مِنهم: إنَّه قد صَبا إلى بَلَدِ المَلِكِ مِنَّا غِلمانٌ سُفَهاءُ، فارَقوا دينَ قَومِهم ولَم يَدخُلوا في دينِكُم، وجاؤوا بدينٍ مُبتَدَعٍ لا نَعرِفُه نَحنُ ولا أنتُم، وقد بَعَثَنا إلى المَلِكِ فيهم أشرافُ قَومِهم لنَرُدَّهم إليهم، فإذا كَلَّمنا المَلِكَ فيهم، فتُشيروا عليه بأن يُسلِمَهم إلينا ولا يُكَلِّمَهم؛ فإنَّ قَومَهم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نَعَم، ثُمَّ إنَّهما قَرَّبا هَداياهُم إلى النَّجاشيِّ فقَبِلَها مِنهما، ثُمَّ كَلَّماه، فقالا له: أيُّها المَلِكُ، إنَّه قد صَبا إلى بَلَدِكَ مِنَّا غِلمانٌ سُفَهاءُ، فارَقوا دينَ قَومِهم، ولَم يَدخُلوا في دينِكَ، وجاؤوا بدينٍ مُبتَدَعٍ لا نَعرِفُه نَحنُ ولا أنتَ، وقد بَعَثَنا إليكَ فيهم أشرافُ قَومِهم مِن آبائِهم وأعمامِهم وعَشائِرِهم، لتَرُدَّهم إليهم، فهُم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم وعاتَبوهُم فيه. قالت: ولَم يَكُنْ شَيءٌ أبغَضَ إلى عَبدِ اللهِ بنِ أبي رَبيعةَ، وعَمرِو بنِ العاصِ مِن أن يَسمَعَ النَّجاشيُّ كَلامَهم، فقالت بَطارِقَتُه حَولَه: صَدَقوا أيُّها المَلِكُ، قَومُهم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم، فأسلِمْهم إليهما، فليَرُدَّاهُم إلى بلادِهم وقَومِهم، قالت: فغَضِبَ النَّجاشيُّ، ثُمَّ قال: لا هَيمُ اللهُ إذًا لا أُسلِمُهم إليهما، ولا أُكادُ قَومًا جاوَروني، ونَزَلوا بلادي، واختاروني على مَن سِوايَ، حَتَّى أدعوَهُم فأسألَهم ماذا يَقولُ هذانِ في أمرِهم، فإن كانوا كما يَقولانِ أسلَمتُهم إليهما ورَدَدتُهم إلى قَومِهم، وإن كانوا على غَيرِ ذلك مَنَعتُهم مِنهما، وأحسَنتُ جِوارَهم ما جاوروني. قالت: ثُمَّ أرسَلَ إلى أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدَعاهُم، فلَمَّا جاءَهم رَسولُه اجتَمَعوا ثُمَّ قال بَعضُهم لبَعضٍ: ما تَقولونَ للرَّجُلِ إذا جِئتُموه؟ قالوا: نَقولُ واللهِ ما عَلِمنا، وما أمَرنا به نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كائِنٌ في ذلك ما هو كائِنٌ. فلَمَّا جاؤوه، وقد دَعا النَّجاشيُّ أساقِفَتَه، فنَشَروا مَصاحِفَهم حَولَه، سَألَهم فقال: ما هذا الدِّينُ الذي فارَقتُم فيه قَومَكُم، ولَم تَدخُلوا في ديني ولا في دينِ أحَدٍ مِن هذه الأُمَمِ؟ قالت: فكان الذي كَلَّمَه جَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ، فقال له: أيُّها المَلِكُ، كُنَّا قَومًا أهلَ جاهِليَّةٍ، نَعبُدُ الأصنامَ، ونَأكُلُ المَيتةَ، ونَأتي الفَواحِشَ، ونَقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجِوارَ، يَأكُلُ القَويُّ مِنَّا الضَّعيفَ، فكُنَّا على ذلك حَتَّى بَعَثَ اللهُ إلينا رَسولًا مِنَّا نَعرِفُ نَسَبَه وصِدقَه وأمانَتَه وعَفافَه، فدَعانا إلى اللهِ لنوحِّدَه ونَعبُدَه، ونَخلَعَ ما كُنَّا نَعبُدُ نَحنُ وآباؤُنا مِن دونِه مِنَ الحِجارةِ والأوثانِ، وأمَرَنا بصِدقِ الحَديثِ، وأداءِ الأمانةِ، وصِلةِ الرَّحِمِ، وحُسنِ الجِوارِ، والكَفِّ عنِ المَحارِمِ والدِّماءِ، ونَهانا عنِ الفَواحِشِ، وقَولِ الزُّورِ، وأكلِ مالِ اليَتيمِ، وقَذفِ المُحصَنةِ، وأمَرَنا أن نَعبُدَ اللهَ وحدَه لا نُشرِكُ به شَيئًا، وأمَرَنا بالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ، قال: فعَدَّدَ عليه أُمورَ الإسلامِ، فصَدَّقناه وآمَنَّا به واتَّبَعناه على ما جاءَ به، فعَبَدنا اللهَ وحدَه، فلَم نُشرِكْ به شَيئًا، وحَرَّمنا ما حَرَّمَ علينا، وأحلَلنا ما أحَلَّ لَنا، فعَدا علينا قَومُنا، فعَذَّبونا وفَتَنونا عن دينِنا ليَرُدُّونا إلى عِبادةِ الأوثانِ مِن عِبادةِ اللهِ، وأن نَستَحِلَّ ما كُنَّا نَستَحِلُّ مِنَ الخَبائِثِ، فلَمَّا قَهَرونا وظَلَمونا، وشَقُّوا علينا، وحالوا بَينَنا وبَينَ دينِنا، خَرَجنا إلى بَلَدِكَ، واختَرناكَ على مَن سِواكَ، ورَغِبنا في جِوارِكَ، ورَجَونا أن لا نُظلَمَ عِندَكَ أيُّها المَلِكُ، قالت: فقال له النَّجاشيُّ: هَل مَعَكَ مِمَّا جاءَ به عنِ اللهِ مِن شَيءٍ؟ قالت: فقال له جَعفَرٌ: نَعَم، فقال له النَّجاشيُّ: فاقرَأْه عَلَيَّ، فقَرَأ عليه صَدرًا مِن (كهيعص)، قالت: فبَكى واللهِ النَّجاشيُّ حَتَّى أخضَلَ لحيَتَه، وبَكَت أساقِفَتُه حَتَّى أخضَلوا مَصاحِفَهم حينَ سَمِعوا ما تَلا عليهم، ثُمَّ قال النَّجاشيُّ: إنَّ هذا والذي جاءَ به موسى لَيَخرُجُ مِن مِشكاةٍ واحِدةٍ، انطَلِقا فواللهِ لا أُسلِمُهم إليكُم أبَدًا، ولا أُكادُ، قالت أُمُّ سَلَمةَ: فلَمَّا خَرَجا مِن عِندِه قال عَمرو بنُ العاصِ: واللهِ لَأُنَبِّئَنَّهم غَدًا عَيبَهم عِندَهم، ثُمَّ أستَأصِلُ به خَضراءَهم، قالت: فقال له عَبدُ اللهِ بنُ أبي رَبيعةَ -وكان أتقى الرَّجُلَينِ فينا-: لا تَفعَلْ؛ فإنَّ لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالَفونا. قال: واللهِ لَأُخبِرَنَّه أنَّهم يَزعُمونَ أنَّ عيسى ابنَ مَريَمَ عَبدٌ، قالت: ثُمَّ غَدا عليه الغَدَ، فقال له: أيُّها المَلِكُ، إنَّهم يَقولونَ في عيسى ابنِ مَريَمَ قَولًا عَظيمًا، فأرسِلْ إليهم فاسألْهم عَمَّا يَقولونَ فيه، قالت: فأرسَلَ إليهم يَسألُهم عنه، قالت: ولَم يَنزِلْ بنا مِثلُه، فاجتَمَعَ القَومُ، فقال بَعضُهم لبَعضٍ: ماذا تَقولونَ في عيسى إذا سَألَكُم عنه؟ قالوا: نَقولُ واللهِ فيه ما قال اللهُ، وما جاءَ به نَبيُّنا كائِنًا في ذلك ما هو كائِنٌ، فلَمَّا دَخَلوا عليه قال لهم: ما تَقولونَ في عيسى ابنِ مَريَمَ؟ فقال له جَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ: نَقولُ فيه الذي جاءَ به نَبيُّنا: هو عَبدُ اللهِ ورَسولُه، ورُوحُه وكَلِمَتُه ألقاها إلى مَريَمَ العَذراءِ البَتولِ، قالت: فضَرَبَ النَّجاشيُّ يَدَه إلى الأرضِ، فأخَذَ مِنها عودًا، ثُمَّ قال: ما عَدا عيسى ابن مَريَمَ ما قُلتَ هذا العودَ! فتَناخَرَت بَطارِقَتُه حَولَه حينَ قال ما قال، فقال: وإن نَخَرتُم واللهِ! اذهَبوا فأنتُم سُيومٌ بأرضي -والسُّيومُ: الآمِنونَ– مَن سَبَّكُم غُرِّمَ، ثُمَّ مَن سَبَّكُم غُرِّمَ، ثُمَّ مَن سَبَّكُم غُرِّمَ، ما أُحِبُّ أن ليَ دَبْرًا ذَهَبًا، وأنِّي آذَيتُ رَجُلًا مِنكُم - والدَّبْرُ بلِسانِ الحَبَشةِ: الجَبَلُ- رُدُّوا عليهما هَداياهُما، فلا حاجةَ لَنا بها، فواللهِ ما أخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشوةَ حينَ رَدَّ عليَّ مُلكي، فآخُذَ الرِّشوةَ فيه، وما أطاعَ النَّاسَ فيَّ فأُطيعَهم فيه. قالت: فخَرَجا مِن عِندِه مَقبوحَينِ مَردودًا عليهما ما جاءا به، وأقَمنا عِندَه بخَيرِ دارٍ مَعَ خَيرِ جارٍ. قالت: فواللهِ إنَّا على ذلك إذ نَزَلَ به -يَعني مَن يُنازِعُه في مُلكِه- قال: فواللهِ ما عَلِمنا حُزنًا قَطُّ كان أشَدَّ مِن حُزنٍ حَزِناه عِندَ ذلك؛ تَخَوُّفًا أن يَظهَرَ ذلك على النَّجاشيِّ، فيَأتيَ رَجُلٌ لا يَعرِفُ مِن حَقِّنا ما كان النَّجاشيُّ يَعرِفُ مِنه. قالت: وسارَ النَّجاشيُّ وبَينَهما عَرضُ النِّيلِ، قالت: فقال أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن رَجُلٌ يَخرُجُ حَتَّى يَحضُرَ وقعةَ القَومِ ثُمَّ يَأتيَنا بالخَبَرِ؟ قالت: فقال الزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ: أنا، قالت: وكان مِن أحدَثِ القَومِ سِنًّا، قالت: فنَفَخوا له قِربةً، فجَعَلَها في صَدرِه ثُمَّ سَبَحَ عليها حَتَّى خَرَجَ إلى ناحيةِ النِّيلِ التي بها مُلتَقى القَومِ، ثُمَّ انطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهم. قالت: ودَعَونا اللهَ للنَّجاشيِّ بالظُّهورِ على عَدوِّهِ، والتَّمكينِ له في بلادِه، واستَوسَقَ عليه أمرُ الحَبَشةِ، فكُنَّا عِندَه في خَيرِ مَنزِلٍ، حَتَّى قدِمنا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو بمَكَّةَ.
خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
الراوي : جعفر بن أبي طالب | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم : 1740 التخريج : -

2 - عن أُمِّ سَلَمةَ ابنةِ أبي أُمَيَّةَ بنِ المُغيرةِ زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: لَمَّا نَزَلنا أرضَ الحَبَشةِ جاوَرنا بها خَيرَ جارٍ النَّجاشيَّ أمِنَّا على دينِنا، وعَبَدنا اللهَ تَعالى لا نُؤذى، ولا نَسمَعُ شَيئًا نَكرَهُهُ، فلَمَّا بَلَغَ ذلك قُرَيشًا ائتَمَروا أن يَبعَثوا إلى النَّجاشيِّ فينا رَجُلَينِ جَلْدَينِ، وأن يُهدوا للنَّجاشيِّ هَدايا مِمَّا يُستَطرَفُ مِن مَتاعِ مَكَّةَ، وكان مِن أعجَبِ ما يَأتيه مِنها إليه الأدَمُ، فجَمَعوا له أدَمًا كَثيرًا ولَم يَترُكوا مِن بَطارِقَتِه بِطريقًا إلَّا أهدَوا له هَديَّةً، ثُمَّ بَعَثوا بذلك عَبدَ اللهِ بنَ أبي رَبيعةَ بنِ المُغيرةِ المَخزوميَّ وعَمرَو بنَ العاصِ بنِ وائِلٍ السَّهميَّ، وأمَروهُما أمرَهم وقالوا لهما: ادفَعا إلى كُلِّ بِطريقٍ هَديَّتَه قَبلَ أن تُكَلِّموا النَّجاشيَّ فيهم، ثُمَّ قدِّما للنَّجاشيِّ هَداياهُ، ثُمَّ سَلاهُ أن يُسلِمَهم إليكُم قَبلَ أن يُكَلِّمَهم، قالت: فخَرَجا فقدِما على النَّجاشيِّ ونَحنُ عِندَه بخَيرِ دارٍ، وخَيرِ جارٍ، فلَم يَبقَ مِن بَطارِقَتِه بِطريقٌ إلَّا دَفَعا إليه هَديَّتَه قَبلَ أن يُكَلِّما النَّجاشيَّ، ثُمَّ قالا لكُلِّ بِطريقٍ مِنهم: إنَّه قد صَبا إلى بَلَدِ المَلِكِ مِنَّا غِلمانٌ سُفَهاءُ، فارَقوا دينَ قَومِهم، ولَم يَدخُلوا في دينِكُم، وجاؤوا بدينٍ مُبتَدَعٍ لا نَعرِفُه نَحنُ ولا أنتُم، وقد بَعَثَنا إلى المَلِكِ فيهم أشرافُ قَومِهم لنَرُدَّهم إليهم، فإذا كَلَّمنا المَلِكَ فيهم فأشيروا عليه بأن يُسلِمَهم إلينا ولا يُكَلِّمَهم؛ فإنَّ قَومَهم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نَعَم. ثُمَّ إنَّهما قَرَّبا هَداياهُما إلى النَّجاشيِّ فقَبِلَها مِنهما، ثُمَّ كَلَّماهُ فقالا له: أيُّها المَلِكُ، إنَّه قد صَبا إلى بَلَدِكَ مِنَّا غِلمانٌ سُفَهاءُ، فارَقوا دينَ قَومِهم، ولَم يَدخُلوا في دينِكَ وجاؤوا بدينٍ مُبتَدَعٍ لا نَعرِفُه نَحنُ ولا أنتَ، وقد بَعَثَنا إليكَ فيهم أشرافُ قَومِهم مِن آبائِهم وأعمامِهم وعَشائِرِهم لتَرُدَّهم إليهم، فهُم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم وعاتَبوهُم فيه. قالت: ولَم يَكُنْ شَيءٌ أبغَضَ إلى عَبدِ اللهِ بنِ أبي رَبيعةَ وعَمرِو بنِ العاصِ مِن أن يَسمَعَ النَّجاشيُّ كَلامَهم، فقالت بَطارِقَتُه حَولَه: صَدَقوا أيُّها المَلِكُ، قَومُهم أعلى بهم عَينًا وأعلَمُ بما عابوا عليهم فأسلِمهم إليهما فليَرُدَّاهُم إلى بلادِهم وقَومِهم. قال: فغَضِبَ النَّجاشيُّ ثُمَّ قال: لا هَيمُ اللهِ إذًا لا أُسلِمُهم إليهما ولا أُكادُ قَومًا جاوروني، ونَزَلوا بلادي واختاروني على مَن سِوايَ، حَتَّى أدعوَهُم فأسألَهم ما يَقولُ هذانِ في أمرِهم، فإن كانوا كما يَقولانِ أسلَمتُهم إليهما ورَدَدتُهم إلى قَومِهم، وإن كانوا على غَيرِ ذلك مَنَعتُهم مِنهما، وأحسَنتُ جِوارَهم ما جاوروني، قالت: ثُمَّ أرسَلَ إلى أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدَعاهُم فلَمَّا جاءَهم رَسولُه اجتَمَعوا. ثُمَّ قال بَعضُهم لبَعضٍ: ما تَقولونَ للرَّجُلِ إذا جِئتُموهُ؟ قالوا: نَقولُ واللهِ ما عَلِمنا وما أمَرَنا به نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كائِنٌ في ذلك ما هو كائِنٌ، فلَمَّا جاؤوهُ، وقد دَعا النَّجاشيُّ أساقِفَتَه، فنَشَروا مَصاحِفَهم حَولَه، سَألَهم فقال: ما هذا الدِّينُ الذي فارَقتُم فيه قَومَكُم ولَم تَدخُلوا في ديني ولا في دينِ أحَدٍ مِن هذه الأُمَمِ؟ قالت: فكان الذي كَلَّمَه جَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ، فقال له: أيُّها المَلِكُ، كُنَّا قَومًا أهلَ جاهِليَّةٍ نَعبُدُ الأصنامَ، ونَأكُلُ المَيتةَ، ونَأتي الفَواحِشَ، ونَقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجِوارَ، يَأكُلُ القَويُّ مِنَّا الضَّعيفَ، فكُنَّا على ذلك حَتَّى بَعَثَ اللهُ إلينا رَسولًا مِنَّا، نَعرِفُ نَسَبَه وصِدقَه وأمانَتَه وعَفافَه، فدَعانا إلى اللهِ تَعالى لنوحِّدَه ونَعبُدَه ونَخلَعَ ما كُنَّا نَعبُدُ نَحنُ وآباؤُنا مِن دونِه مِنَ الحِجارةِ والأوثانِ، وأمَرَ بصِدقِ الحَديثِ، وأداءِ الأمانةِ، وصِلةِ الرَّحِمِ، وحُسنِ الجِوارِ، والكَفِّ عنِ المَحارِمِ والدِّماءِ، ونَهانا عن الفَواحِشِ، وقَولِ الزُّورِ، وأكلِ مالِ اليَتيمِ، وقَذفِ المُحصَنةِ، وأمَرَنا أن نَعبُدَ اللهَ وحدَه لا نُشرِكَ به شَيئًا، وأمَرَنا بالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ. قال: فعَدَّدَ عليه أُمورَ الإسلامِ فصَدَّقناهُ وآمَنَّا به، واتَّبَعناهُ على ما جاءَ به، فعَبَدنا اللهَ وحدَه فلَم نُشرِكْ به شَيئًا، وحَرَّمنا ما حَرَّمَ علينا، وأحلَلنا ما أحَلَّ لَنا، فعَدا علينا قَومُنا فعَذَّبونا ففَتَنونا عن دينِنا ليَرُدُّونا إلى عِبادةِ الأوثانِ مِن عِبادةِ اللهِ، وأن نَستَحِلَّ ما كُنَّا نَستَحِلُّ مِنَ الخَبائِثِ، فلَمَّا قَهَرونا وظَلَمونا، وشَقُّوا علينا، وحالوا بَينَنا وبَينَ دينِنا، خَرَجنا إلى بَلَدِكَ، واختَرناكَ على مَن سِواكَ، ورَغِبنا في جِوارِكَ، ورَجَونا أن لا نُظلَمَ عِندَكَ أيُّها المَلِكُ. قالت: فقال له النَّجاشيُّ: هَل مَعَكَ مِمَّا جاءَ به عنِ اللهِ مِن شَيءٍ؟ قالت: فقال له جَعفَرٌ: نَعَم. فقال له النَّجاشيُّ: فاقرَأْه عليَّ. فقَرَأ عليه صَدرًا مِن {كَهيعص}. قالت: فبَكى واللهِ النَّجاشيُّ حَتَّى أخضَلَ لحيَتَه، وبَكَت أساقِفَتُه حَتَّى أخضَلوا مَصاحِفَهم حينَ سَمِعوا ما تَلا عليهم، ثُمَّ قال النَّجاشيُّ: إنَّ هذا والذي جاءَ به موسى لَيَخرُجُ مِن مِشكاةٍ واحِدةٍ، انطَلِقا فواللهِ لا أُسلِمُهم إليكُم أبَدًا ولا أُكادُ. قالت أُمُّ سَلَمةَ رَضيَ اللهُ عنها: فلَمَّا خَرَجا مِن عِندِه قال عَمرو بنُ العاصِ: واللهِ لَآتيَنَّه غَدًا أعيبُهم عِندَه، ثُمَّ أستَأصِلُ به خَضراءَهم. قالت: فقال له عَبدُ اللهِ بنُ أبي رَبيعةَ -وكان أتقى الرَّجُلَينِ فينا-: لا تَفعَلْ؛ فإنَّ لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالَفونا. قال: واللهِ لَأُخبِرَنَّه أنَّهم يَزعُمونَ أنَّ عيسى ابنَ مَريَمَ عَبدٌ. قالت: ثُمَّ غَدا عليه الغَدَ. فقال له: أيُّها المَلِكُ، إنَّهم يَقولونَ في عيسى ابنِ مَريَمَ قَولًا عَظيمًا، فأرسِلْ إليهم فسَلْهم عَمَّا يَقولونَ فيه. قالت أُمُّ سَلَمةَ: فأرسَلَ إليهم يَسألُهم عنه، قالت: ولَم يَنزِلْ بنا مِثلُها، فاجتَمَعَ القَومُ. فقال بَعضُهم لبَعضٍ: ماذا تَقولونَ في عيسى إذا سَألَكُم عنه؟ قالوا: نَقولُ واللهِ فيه ما قال اللهُ وما جاءَ به نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كائِنًا في ذلك ما هو كائِنٌ، فلَمَّا دَخَلوا عليه قال لهم: ما تَقولونَ في عيسى ابنِ مَريَمَ؟ قال له جَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ: نَقولُ فيه الذي جاءَ به نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، هو عَبدُ اللهِ ورَسولُه ورُوحُه، وكَلِمَتُه ألقاها إلى مَريَمَ العَذراءِ البَتولِ. قالت: فضَرَبَ النَّجاشيُّ يَدَه على الأرضِ، فأخَذَ مِنها عودًا. ثُمَّ قال: ما عَدا عيسى ابنُ مَريَمَ ما قُلتَ هذا العودَ، فتَناخَرَت بَطارِقَتُه حَولَه حينَ قال ما قال، فقال: وإن نَخَرتُم واللهِ، اذهَبوا فأنتُم سُيومٌ بأرضي -والسُّيومُ: الآمِنونَ- مَن سَبَّكُم غُرِّمَ، ثُمَّ مَن سَبَّكُم غُرِّمَ، ثُمَّ مَن سَبَّكُم غُرِّمَ، فما أُحِبُّ أنَّ لي دَيرَ ذَهَبٍ وإنِّي آذَيتُ رَجُلًا مِنكُم، -والدَّيرُ بلِسانِ الحَبَشةِ: الجَبَلُ- رُدُّوا عليهما هَداياهُما، فلا حاجةَ لَنا بها، فواللهِ ما أخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشوةَ حينَ رَدَّ عليَّ مُلكي فآخُذَ الرِّشوةَ فيه، وما أطاعَ النَّاسَ فيَّ فأُطيعَهم فيه! قالت: فخَرَجا مِن عِندِه مَقبوحَينِ مَردودًا عليهما ما جاءا به، وأقَمنا عِندَه بخَيرِ دارٍ مَعَ خَيرِ جارٍ، قالت: فواللهِ إنَّا على ذلك إذ نَزَلَ به يَعني مَن يُنازِعُه في مُلكِه. قالت: فواللهِ ما عَلِمنا حُزنًا قَطُّ كان أشَدَّ مِن حُزنٍ حَزِنَّاهُ عِندَ ذلك؛ تَخَوُّفًا أن يَظهَرَ ذلك على النَّجاشيِّ فيَأتيَ رَجُلٌ لا يَعرِفُ مِن حَقِّنا ما كان النَّجاشيُّ يَعرِفُ مِنه. قالت: وسارَ النَّجاشيُّ وبَينَهما عَرضُ النِّيلِ، قال: فقال أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن رَجُلٌ يَخرُجُ حَتَّى يَحضُرَ وقعةَ القَومِ، ثُمَّ يَأتيَنا بالخَبَرِ. قالت: فقال الزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ: أنا. قالت: وكان مِن أحدَثِ القَومِ سِنًّا، قالت: فنَفَخوا له قِربةً فجَعَلَها في صَدرِه، ثُمَّ سَبَحَ عليها حَتَّى خَرَجَ مِن ناحيةِ النِّيلِ التي بها مُلتَقى القَومِ، ثُمَّ انطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهم. قالت: ودَعَونا اللهَ تَعالى للنَّجاشيِّ بالظُّهورِ على عَدوِّهِ والتَّمكينِ له في بلادِه، واستَوسَقَ عليه أمرُ الحَبَشةِ، فكُنَّا عِندَه في خَيرِ مَنزِلٍ، حَتَّى قدِمنا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو بمَكَّةَ.
خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
الراوي : جعفر بن أبي طالب | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم : 22498 التخريج : -