الموسوعة الحديثية

نتائج البحث

1 - لما خرجتِ الحروريةُ اعتزلوا في دارٍ وكانوا ستةَ آلافٍ فقلتُ لعليٍّ : يا أميرَ المؤمنين أبردْ بالصلاةِ لعلي أكلِّمُ هؤلاء القومَ. قال : إني أخافهم عليك، قلتُ : كلا، فلبستُ وترجلتُ ودخلتُ عليهم في دارٍ نصفَ النهارِ وهم يأكلون فقالوا : مرحبًا بك يا ابنَ عبَّاسٍ فما جاء بك ؟ قلتُ لهم : أتيتكم من عند أصحابِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - المهاجرين والأنصارِ ومن عندِ ابنِ عمِّ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - وصهرِه، وعليهم نزل القرآنُ. فهم أعلمُ بتأويلِه منكم وليس فيكم منهم أحدٌ لأبلِّغَكُم ما يقولون وأبلغَهُم ما تقولون. فانتحى لي نفرٌ منهم، قلتُ : هاتوا ما نقمتم على أصحابِ رسولِ اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - وابنِ عمِّه ؟ قالوا : ثلاثٌ، قلتُ : ما هنَّ ؟ قال : أما إحداهنَّ فإنه حكَّم الرجالَ في أمرِ اللهِ وقال اللهُ : { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } [ الأنعام : 57، يوسف : 40، 67 ] ما شأنُ الرِّجالِ والحكم ؟ قلتُ : هذه واحدةٌ. قالوا : وأمَّا الثانيةُ فإنه قاتَل ولم يَسبِ ولم يَغنمْ إن كانوا كفَّارًا لقد حل سبيُهم ولئن كانوا مؤمنين ما حلَّ سبيُهُم ولا قتالُهم. قلتُ : هذه ثنتان فما الثالثةُ ؟ وذكر كلمةً معناها. قالوا : محى نفسَه من أميرِ المؤمنين فإن لم يكن أميرَ المؤمنين فهو أميرُ الكافرين. قلتُ : هل عندكم شيءٌ غيرُ هذا ؟ قالوا : حسبُنا هذا، قلتُ لهم : أرأيتُكم إنْ قرأتُ عليكم من كتابِ اللهِ جل ثناؤُه وسنةِ نبيِّه - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - ما يردُّ قولَكم أترجعون ؟ قالوا : نعم قلتُ : أما قولُكم : حكَّم الرجالَ في أمرِ اللهِ فإني أقرأ عليكم في كتابِ اللهِ أنْ قد صيَّرَ اللهُ حكمَه إلى الرجالِ في ثمنِ ربعِ درهمٍ فأمر اللهُ تبارك وتعالى أن يحكُمُوا فيه. أرأيتَ قولَ اللهِ تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } [ المائدة : 95 ] وكان من حُكم اللهِ أنْ صيرَه إلى الرجالِ يحكمون فيه، ولو شاء يحكمُ فيه فجاز من حكمِ الرجالِ، أنشدُكم باللهِ أحكمُ الرجالِ في صلاحِ ذات البينِ وحقنِ دمائِهم أفضلُ أو في أرنبٍ ؟ قالوا : بلى، بل هذا أفضلُ. وفي المرأةِ وزوجِها {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [ النساء : 35 ] فنشدتُكم اللهَ، حكمُ الرجالِ في صلاحِ ذات بينهم وحقنِ دمائِهم أفضلُ من حكمِهم في بُضعِ امرأةٍ ؟ خرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم. قلتُ : وأما قولُكم : قاتلَ ولم يسبِ ولم يغنمْ أفتسبون أمَّكم عائشةَ، تستحلُّون ما تستحلُّون من غيرها وهي أمُّكم ؟ فإن قلتم : إنا نستحلُّ منها ما نستحلُّ من غيرِها فقد كفرتم، وإن قلتم : ليست بأمِّنا فقدْ كفرتم : { االنَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [ الأحزاب : 6 ] فأنتم بين ضلالتين فأتوا منها بمخرجٍ أفخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم. وأما محيُ نفسِه من أميرِ المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون. أنَّ نبيَّ اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - يومَ الحديبيةِ صالحَ المشركين فقال لعليٍّ : ( اكتبْ يا عليُّ : هذا ما صالح عليه محمدٌ رسولُ اللهِ ) قالوا : لو نعلمُ أنك رسولُ اللهِ ما قاتلناك. فقال رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - : ( امحْ يا عليُّ : اللهمَّ إنك تعلمُ أني رسولُ اللهِ امحْ يا عليُّ واكتبْ : هذا ما صالح عليه محمدُ بنُ عبدِ اللهِ ) واللهِ لَرسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - خيرٌ من عليٍّ، وقد محى نفسَه، ولم يكن محوُهُ نفسَه ذلك محاه مِن النبوةِ أخرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم, فرجع منهم ألفان, وخرج سائرُهم فقُتلوا على ضلالتِهم, قتلهم المهاجرون والأنصارُ.

2 - كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنَ المُهَاجِرِينَ، منهمْ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، فَبيْنَما أنَا في مَنْزِلِهِ بمِنًى، وهو عِنْدَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، في آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، إذْ رَجَعَ إلَيَّ عبدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: لو رَأَيْتَ رَجُلًا أتَى أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اليَومَ، فَقَالَ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هلْ لكَ في فُلَانٍ؟ يقولُ: لو قدْ مَاتَ عُمَرُ لقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا، فَوَاللَّهِ ما كَانَتْ بَيْعَةُ أبِي بَكْرٍ إلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: إنِّي -إنْ شَاءَ اللَّهُ- لَقَائِمٌ العَشِيَّةَ في النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ. قَالَ عبدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلتُ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لا تَفْعَلْ؛ فإنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وغَوْغَاءَهُمْ؛ فإنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ علَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ في النَّاسِ، وأَنَا أخْشَى أنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وأَنْ لا يَعُوهَا، وأَنْ لا يَضَعُوهَا علَى مَوَاضِعِهَا، فأمْهِلْ حتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ؛ فإنَّهَا دَارُ الهِجْرَةِ والسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بأَهْلِ الفِقْهِ وأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ ما قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِي أهْلُ العِلْمِ مَقَالَتَكَ، ويَضَعُونَهَا علَى مَوَاضِعِهَا.فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا واللَّهِ -إنْ شَاءَ اللَّهُ- لَأَقُومَنَّ بذلكَ أوَّلَ مَقَامٍ أقُومُهُ بالمَدِينَةِ. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ في عُقْبِ ذِي الحَجَّةِ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ عَجَّلْتُ الرَّوَاحَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ ؛ حتَّى أجِدَ سَعِيدَ بنَ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إلى رُكْنِ المِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أنْشَبْ أنْ خَرَجَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا، قُلتُ لِسَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ: لَيَقُولَنَّ العَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، فأنْكَرَ عَلَيَّ وقَالَ: ما عَسَيْتَ أنْ يَقُولَ ما لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ؟! فَجَلَسَ عُمَرُ علَى المِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ المُؤَذِّنُونَ قَامَ، فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ؛ فإنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قدْ قُدِّرَ لي أنْ أقُولَهَا، لا أدْرِي لَعَلَّهَا بيْنَ يَدَيْ أجَلِي، فمَن عَقَلَهَا ووَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بهَا حَيْثُ انْتَهَتْ به رَاحِلَتُهُ ، ومَن خَشِيَ أنْ لا يَعْقِلَهَا فلا أُحِلُّ لأحَدٍ أنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحَقِّ، وأَنْزَلَ عليه الكِتَابَ، فَكانَ ممَّا أنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وعَقَلْنَاهَا ووَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَجَمْنَا بَعْدَهُ، فأخْشَى إنْ طَالَ بالنَّاسِ زَمَانٌ أنْ يَقُولَ قَائِلٌ: واللَّهِ ما نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ في كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بتَرْكِ فَرِيضَةٍ أنْزَلَهَا اللَّهُ، والرَّجْمُ في كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ علَى مَن زَنَى إذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ، إذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أوْ كانَ الحَبَلُ، أوْ الِاعْتِرَافُ. ثُمَّ إنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيما نَقْرَأُ مِن كِتَابِ اللَّهِ: أنْ لا تَرْغَبُوا عن آبَائِكُمْ ؛ فإنَّه كُفْرٌ بكُمْ أنْ تَرْغَبُوا عن آبَائِكُمْ، أوْ: إنَّ كُفْرًا بكُمْ أنْ تَرْغَبُوا عن آبَائِكُمْ.ألَا ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: لا تُطْرُونِي كما أُطْرِيَ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ، وقُولوا: عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ. ثُمَّ إنَّه بَلَغَنِي أنَّ قَائِلًا مِنكُم يقولُ: واللَّهِ لو قدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا، فلا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أنْ يَقُولَ: إنَّما كَانَتْ بَيْعَةُ أبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وتَمَّتْ ، ألَا وإنَّهَا قدْ كَانَتْ كَذلكَ، ولَكِنَّ اللَّهَ وقَى شَرَّهَا، وليسَ مِنكُم مَن تُقْطَعُ الأعْنَاقُ إلَيْهِ مِثْلُ أبِي بَكْرٍ، مَن بَايَعَ رَجُلًا عن غيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فلا يُبَايَعُ هو ولَا الذي بَايَعَهُ؛ تَغِرَّةً أنْ يُقْتَلَا، وإنَّه قدْ كانَ مِن خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّ الأنْصَارَ خَالَفُونَا، واجْتَمَعُوا بأَسْرِهِمْ في سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ والزُّبَيْرُ ومَن معهُمَا، واجْتَمع المُهَاجِرُونَ إلى أبِي بَكْرٍ، فَقُلتُ لأبِي بَكْرٍ: يا أبَا بَكْرٍ، انْطَلِقْ بنَا إلى إخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الأنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا منهمْ، لَقِيَنَا منهمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا ما تَمَالَأَ عليه القَوْمُ، فَقَالَا: أيْنَ تُرِيدُونَ يا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَا: لا علَيْكُم أنْ لا تَقْرَبُوهُمْ، اقْضُوا أمْرَكُمْ، فَقُلتُ: واللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَانْطَلَقْنَا حتَّى أتَيْنَاهُمْ في سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلتُ: مَن هذا؟ فَقالوا: هذا سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ، فَقُلتُ: ما له؟ قالوا: يُوعَكُ ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ؛ فَنَحْنُ أنْصَارُ اللَّهِ وكَتِيبَةُ الإسْلَامِ، وأَنْتُمْ مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ رَهْطٌ، وقدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِن قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أنْ يَخْتَزِلُونَا مِن أصْلِنَا، وأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأمْرِ. فَلَمَّا سَكَتَ أرَدْتُ أنْ أتَكَلَّمَ، وكُنْتُ قدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أنْ أُقَدِّمَهَا بيْنَ يَدَيْ أبِي بَكْرٍ، وكُنْتُ أُدَارِي منه بَعْضَ الحَدِّ، فَلَمَّا أرَدْتُ أنْ أتَكَلَّمَ، قَالَ أبو بَكْرٍ: علَى رِسْلِكَ ، فَكَرِهْتُ أنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ، فَكانَ هو أحْلَمَ مِنِّي وأَوْقَرَ، واللَّهِ ما تَرَكَ مِن كَلِمَةٍ أعْجَبَتْنِي في تَزْوِيرِي، إلَّا قَالَ في بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أوْ أفْضَلَ منها حتَّى سَكَتَ؛ فَقَالَ: ما ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِن خَيْرٍ فأنتُمْ له أهْلٌ، ولَنْ يُعْرَفَ هذا الأمْرُ إلَّا لِهذا الحَيِّ مِن قُرَيْشٍ؛ هُمْ أوْسَطُ العَرَبِ نَسَبًا ودَارًا، وقدْ رَضِيتُ لَكُمْ أحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أيَّهُما شِئْتُمْ، فأخَذَ بيَدِي وبِيَدِ أبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ، وهو جَالِسٌ بيْنَنَا، فَلَمْ أكْرَهْ ممَّا قَالَ غَيْرَهَا، كانَ واللَّهِ أنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي، لا يُقَرِّبُنِي ذلكَ مِن إثْمٍ؛ أحَبَّ إلَيَّ مِن أنْ أتَأَمَّرَ علَى قَوْمٍ فيهم أبو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ تُسَوِّلَ إلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ المَوْتِ شيئًا لا أجِدُهُ الآنَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأنْصَارِ: أنَا جُذَيْلُهَا المُحَكَّكُ ، وعُذَيْقُهَا المُرَجَّبُ ؛ مِنَّا أمِيرٌ، ومِنكُم أمِيرٌ يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. فَكَثُرَ اللَّغَطُ ، وارْتَفَعَتِ الأصْوَاتُ، حتَّى فَرِقْتُ مِنَ الِاخْتِلَافِ، فَقُلتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يا أبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، وبَايَعَهُ المُهَاجِرُونَ ثُمَّ بَايَعَتْهُ الأنْصَارُ. ونَزَوْنَا علَى سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ منهمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ، فَقُلتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ. قَالَ عُمَرُ: وإنَّا واللَّهِ ما وجَدْنَا فِيما حَضَرْنَا مِن أمْرٍ أقْوَى مِن مُبَايَعَةِ أبِي بَكْرٍ؛ خَشِينَا إنْ فَارَقْنَا القَوْمَ ولَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا منهمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ علَى ما لا نَرْضَى، وإمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكونُ فَسَادٌ، فمَن بَايَعَ رَجُلًا علَى غيرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فلا يُتَابَعُ هو ولَا الذي بَايَعَهُ؛ تَغِرَّةً أنْ يُقْتَلَا.

3 - عن ابن عباس قال: لم أزَلْ حريصًا أنْ أسأَلَ عمرَ بنَ الخطَّابِ عن المرأتينِ اللَّتينِ مِن أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال اللهُ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] حتَّى حجَّ عمرُ فحجَجْتُ معه فلمَّا كان في بعضِ الطَّريقِ عدَل ليتوضَّأَ وعدَلْتُ معه بالإداوةِ فتبرَّز ثمَّ أتاني فسكَبْتُ على يديه فتوضَّأ فقُلْتُ: يا أميرَ المؤمنينَ مَن المرأتانِ مِن أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اللَّتانِ قال اللهُ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ؟ فقال عمرُ: واعجبًا لك يا ابنَ عبَّاسٍ ثمَّ قال: هي عائشةُ وحفصةُ ثمَّ أنشَأ يسوقُ الحديثَ فقال: كنَّا معشرَ قريشٍ قومًا نغلِبُ النِّساءَ فلمَّا قدِمْنا المدينةَ وجَدْناهم قومًا تغلِبُهم نساؤُهم فطفِق نساؤُنا يتعلَّمْنَ مِن نسائِهم وكان منزلي في بني أميَّةَ بنِ زيدٍ في العوالي قال: فتغضَّبْتُ يومًا على امرأتي فإذا هي تُراجِعُني فأنكَرْتُ أنْ تُراجِعَني فقالت: ما تُنكِرُ أنْ أُراجِعَك فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لتُراجِعْنَه، وتهجُرُه إحداهنَّ اليومَ إلى اللَّيلِ قال: فانطلَقْتُ فدخَلْتُ على حفصةَ فقُلْتُ: أتُراجِعينَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قالت: نَعم وتهجُرُه إحدانا اليومَ إلى اللَّيلِ قال: قد قُلْتُ: قد خاب مَن فعَل ذلك منكنَّ وخسِر، أفتأمَنُ إحداكنَّ أنْ يغضَبَ اللهُ عليها لغضبِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا هي قد هلَكتْ لا تُراجِعي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا تسأَليه شيئًا وسَليني ما بدا لكِ، ولا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارتُك هي أوسمَ وأحبَّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منكِ ـ يُريدُ عائشةَ قال: وكان لي جارٌ مِن الأنصارِ وكنَّا نتناوَبُ النُّزولَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فينزِلُ يومًا وأنزِلُ يومًا فيأتيني بخبرِ الوحيِ وغيرِه وأنزِلُ فآتيه بمثلِ ذلك، وكنَّا نتحدَّثُ أنَّ غسَّانَ تنعَلُ الخيلَ لتغزوَنا قال: فنزَل صاحبي يومًا، ثمَّ أتاني فضرَب على بابي ثمَّ ناداني فخرَجْتُ إليه فقال: حدَث أمرٌ عظيمٌ فقُلْتُ: ماذا أجاءتْ غسَّانُ ؟ قال: بل أعظمُ مِن ذلك وأطولُ، طلَّق رسولُ اللهِ نساءَه فقُلْتُ: خابت حفصةُ وخسِرت قد كُنْتُ أظُنَّ هذا كائنًا فلمَّا صلَّيْتُ الصُّبحَ شدَدْتُ علَيَّ ثيابي ثمَّ نزَلْتُ فدخَلْتُ على حفصةَ فإذا هي تبكي فقُلْتُ: أَطلَّقكنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ فقالت: لا أدري هو ذا هو مُعتزِلٌ في هذه المَشرُبةِ قال: فأتَيْتُ غلامًا له أسودَ فقُلْتُ: استأذِنْ لعُمرَ فدخَل الغلامُ ثمَّ خرَج إليَّ وقال: قد ذكَرْتُكَ له فلم يقُلْ شيئًا فانطلَقْتُ حتَّى أتَيْتُ المسجدَ فإذا قومٌ حولَ المنبرِ جلوسٌ يبكي بعضُهم إلى بعضٍ قال: فجلَسْتُ قليلًا ثمَّ غلَبني ما أجِدُ فأتَيْتُ الغلامَ فقُلْتُ: استأذِنْ لعمرَ فدخَل ثمَّ خرَج إليَّ فقال: قد ذكَرْتُكَ له فصمَت فرجَعْتُ فجلَسْتُ إلى المنبرِ ثمَّ غلَبني ما أجِدُ فأتَيْتُ الغلامَ فقُلْتُ: استأذِنْ لعمرَ فدخَل ثمَّ خرَج إليَّ فقال: قد ذكَرْتُك له فسكَت فولَّيْتُ مدبِرًا فإذا الغلامُ يدعوني ويقولُ: ادخُلْ فقد أذِن لكَ فدخَلْتُ فسلَّمْتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا هو متَّكئٌ على رملِ حصيرٍ قد أثَّر بجَنبِه فقُلْتُ: أطلَّقْتَ يا رسولَ اللهِ نساءَك ؟ قال: فرفَع رأسَه إليَّ وقال: ( لا ) فقُلْتُ: اللهُ أكبرُ لو رأيتَنا يا رسولَ اللهِ وكنَّا معشرَ قريشٍ قومًا نغلِبُ النِّساءَ فلمَّا قدِمْنا المدينةَ وجَدْنا قومًا تغلِبُهم نساؤُهم فطفِق نساؤُنا يتعلَّمْنَ مِن نسائِهم فتغضَّبْتُ على امرأتي يومًا فإذا هي تُراجِعُني فأنكَرْتُ ذلك عليها فقالت: أتُنكِرُ أنْ أُراجِعَكَ ؟ فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيُراجِعْنُه، وتهجُرُه إحداهنَّ اليومَ إلى اللَّيلِ قال: فقُلْتُ: قد خاب مَن فعَل ذلك منهنَّ وخسِرت أتأمَنُ إحداهنَّ أنْ يغضَبَ اللهُ عليها لغضبِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا هي قد هلَكتْ ؟ ! قال: فتبسَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ فدخَلْتُ على حفصةَ فقُلْتُ لها: لا تُراجِعي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا تسأَليه شيئًا وسَليني ما بدا لكِ ولا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارتُك هي أوسمَ وأحبَّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منكِ قال: فتبسَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخرى فقُلْتُ: أستأنِسُ يا رسولَ اللهِ ؟ قال: ( نَعم ) فجلَسْتُ فرفَعْتُ رأسي في البيتِ فواللهِ ما رأَيْتُ فيه شيئًا يرُدُّ البصرَ إلَّا أُهُبًا ثلاثةً فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ أنْ يوسِّعَ على أمَّتِك فقد وسَّع اللهُ على فارسَ والرُّومِ وهم لا يعبُدونَه قال: فاستوى جالسًا وقال: ( أفي شكٍّ أنتَ يا ابنَ الخطَّابِ أولئكَ قومٌ عُجِّلتْ لهم طيِّباتُهم في الحياةِ الدُّنيا ) فقُلْتُ: استغفِرْ لي يا رسولَ اللهِ، وكان أقسَم لا يدخُلُ عليهنَّ شهرًا مِن شدَّةِ مَوْجِدتِه عليهنَّ حتَّى عاتَبه اللهُ قال الزُّهريُّ: فأخبَرني عروةُ عن عائشةَ قالت: فلمَّا مضى تسعٌ وعشرونَ دخَل عليَّ رسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بدَأ بي فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ إنَّكَ أقسَمْتَ ألَّا تدخُلَ علينا شهرًا وإنَّك دخَلْتَ تسعًا وعشرينَ أعُدُّهنَّ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( إنَّ الشَّهرَ تسعٌ وعشرونَ ) ثمَّ قال: ( يا عائشةُ إنِّي ذاكرٌ لكِ أمرًا فلا أُريدُ أنْ تعجَلي فيه حتَّى تستأمِري أبويكِ ) قالت: ثمَّ قرَأ عليَّ الآيةَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29] قالت عائشةُ: قد علِم واللهِ أنَّ أبويَّ لم يكونا يأمُراني بفِراقِه فقُلْتُ: أفي هذا أستأمِرُ أبويَّ فإنِّي أُريدُ اللهَ ورسولَه والدَّارَ الآخرةَ

4 - قدِم الجارودُ بنُ عبدِ اللهِ وكان سيِّدًا في قومِه مطاعًا عظيمًا في عشيرتِه مطاعَ الأمرِ رفيعَ القدرِ عظيمَ الخطرِ ظاهرَ الأدبِ شامخَ الحسبِ بديعَ الجمالِ حسنَ الفِعالِ ذا منْعةٍ ومالٍ في وفدِ عبدِ القيسِ من ذَوِي الأخطارِ والأقدارِ والفضلِ والإحسانِ والفصاحةِ والرُّهبانِ كان رجلٌ منهم كالنَّخلةِ السَّحوقِ على ناقةٍ كالفحلِ العتيقِ قد جنَبوا الجيادَ وأعدُّوا للجِلادِ مُجدِّين في مسيرِهم حازمين في أمرِهم يسيرون ذميلًا يقطعون ميلًا فميلًا حتَّى أناخوا عند مسجدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأقبل الجارودُ على قومِه والمشايخِ من بني عمِّه فقال يا قومِ هذا محمَّدٌ الأغرُّ سيِّدُ العربِ وخيرُ ولدِ عبدِ المطَّلبِ فإذا دخلتم عليه ووقفتم بين يدَيْه فأحسِنوا عنده السَّلامَ وأقلُّوا عنده الكلامَ فقالوا بأجمعِهم أيُّها الملكُ الهمامُ والأسدُ الضُّرغامُ لن نتكلَّمَ إذا حضرتَ ولن نُجاوزَ ما أمرتَ فقُلْ ما شئتَ فإنَّا سامعون اعمَلْ ما شئتَ فإنَّا تابعون وقال الصَّابونيُّ مُبايعون فنظر الجارودُ في كلِّ كَمِيٍّ صِنديدٍ قد دوَّموا العمائمَ وتزيُّوا بالصَّوارمِ يجرُّون أسيافَهم ويستحِبون أذيالَهم يتناشدون الأشعارَ ويتذاكرون مناقبَ الأخيارِ لا يتكلَّمون طويلًا ولا يسكُتون عِيًّا إن أمرهم ائتَمروا وإن زجرهم ازدجروا وقال الصَّابونيُّ انزجروا كأنَّهم أُسدٌ يقدُمُها ذو لبْدةٍ مهولٌ حتَّى مثُلوا بين يديِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلمَّا دخل القومُ المسجدَ وأبصرهم أهلُ المشهدِ دلَف الجارودُ أمامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحسَر لِثامَه وأحسن سلامَه ثمَّ أنشأ يقولُ يا نبيَّ الهدَى أتتك رجالٌ قطعت فدْفدًا وآلًا فآلًا وقال البيهقيُّ مهمهًا وطوت نحوَك الصَّحاصِحَ طُرًّا لا تخالُ الكِلالَ قبلُ كِلالًا كلُّ دهماءَ يقصُرُ الطَّرفُ عنها أرقَلتها قِلاصُنا إرقالًا وطوتها الجيادُ تُحمْحِمُ فيها بكُماةٍ كأنجُمٍ تتلالا تبتغي دفعَ بأسِ يومٍ عبوسٍ أوجَلِ القلبِ ذِكرُه ثمَّ هالا فلمَّا سمِع النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فرِح فرحًا شديدًا وقرَّبه وأدناه ورفع مجلسَه وحيَّاه وأكرمه وقال يا جارودُ لقد تأخَّر بك وبقومِك الموعِدُ وطال بكم الأمَدُ قال واللهِ يا رسولَ اللهِ لقد أخطأ من أخطأك قصدَه وعدِم رُشدَه وتلك أيمُ اللهِ أكبرُ خيبةٍ وأعظمُ حويَةٍ والرَّائدُ لا يكذبُ أهلَه ولا يغُشُّ نفسَه لقد جئتَ بالحقِّ ونطقتَ بالصِّدقِ والَّذي بعثك بالحقِّ نبيًّا واختارك للمؤمنين وليًّا لقد وجدتُ وصفَك في الإنجيلِ ولقد بشَّر بك ابنُ البتولِ فطوَّل التَّحيَّةَ لك والشُّكرَ لمن أكرمك وأرسلك لا أثرَ بعد عينٍ ولا شكَّ بعد يقينٍ مُدَّ يدَك فأنا أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّك محمَّدٌ رسولُ اللهِ قال فآمن الجارودُ وآمن من قومِه كلُّ سيِّدٍ فسُرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سرورًا وابتهج حُبورًا وقال يا جارودُ هل في جماعةِ وفدِ عبدِ القيسِ من يعرِفُ لنا قَسًّا قال كلُّنا نعرفُه يا رسولَ اللهِ وأنا من بين قومي كنتُ أقفو أثرَه وأطلب خبرَه كان قَسٌّ سبطًا من أسباطِ العربِ صحيحَ النَّسبِ فصيحًا إذا خطب ذا شيبةٍ حسنةٍ عُمِّر سبعَمائةِ سنةٍ يتقفَّرُ القِفارَ لا تُكِنُّه دارٌ ولا يُقرُّه قرارٌ يتحسَّى في تقفُّرِه بيضَ النَّعامِ ويأنسُ بالوحشِ والهوامِّ يلبسُ المُسوحَ ويتبَعُ السِّياحَ على منهاجِ المسيحِ لا يفتُرُ من الرَّهبانيَّةِ يُقرُّ للهِ تعالَى بالوحدانيَّةِ يُضرَبُ بحكمتِه الأمثالُ ويُكشفُ به الأهوالُ وتتبعه الأبدالُ أدرك رأسَ الحواريِّين سمعانَ فهو أوَّلُ من تألَّه من العربِ وأعبدُ من تعبَّد في الحِقَبِ وأيقَن بالبعثِ والحسابِ وحذَّر سوءَ المُنقَلَبِ والمآبِ ووعَظ بذِكرِ الموتِ وأمر بالعملِ قبل الفوْتِ الحسنِ الألفاظِ الخاطبِ بسوقِ عُكاظٍ العالمِ بشرقٍ وغربٍ ويابسٍ ورطْبٍ أُجاجٍ وعذبٍ كأنِّي أنظرُ إليه والعربُ بين يدَيْه يُقسِمُ بالرَّبِّ الَّذي هو له ليبلغنَّ الكتابُ أجلَه وليوفينَّ كلُّ عاملٍ عملَه وأنشأ يقولُ هاج للقلبِ من جَواه ادِّكار وليالٍ خلالَهنَّ نهارُ ونجومٌ يحُثُّها قمرُ اللَّيلِ وشمسٌ في كلِّ يومٍ تُدارُ ضوؤُها يطمِسُ العيونَ وإرعادٌ شديدٌ في الخافقَيْن مُطارُ وغلامٌ وأشمطُ ورضيعٌ كلُّهم في التُّرابِ يومًا يُزارُ وقصورٌ مشيدةٌ حوَت الخيرَ وأخرَى خلت لهنَّ قِفارُ وكثيرٌ ممَّا يقصُرُ عنه جوسةُ النَّاظرِ الَّذي لا يحارُ والَّذي قد ذكرتُ دلَّ على اللهِ نفوسًا لها هدًى واعتبارُ فقال النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على رِسلِك يا جارودُ فلستُ أنساه بسوقِ عُكاظٍ على جملٍ له أورقَ وهو يتكلَّمُ بكلامٍ مُوثَّقٌ ما أظنُّ أنِّي أحفظُه فهل فيكم يا معشرَ المهاجرين والأنصارِ من يحفَظُ لنا منه شيئًا وقال الصَّابونيُّ يحفظُه فوثب أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضِي اللهُ تعالَى عنه قائمًا فقال يا رسولَ اللهِ إنِّي أحفظُه وكنتُ حاضرًا ذلك اليومَ بسوقِ عُكاظٍ حين خطب فأطنب ورغَّب ورهَّب وحذَّر وأنذَر وقال في خطبتِه أيُّها النَّاسُ اسمعوا وعُوا وإذا وعيتم فانتفعوا إنَّه من عاش مات ومن مات فات وكلُّ ما هو آتٍ آتٍ نباتٌ ومطرٌ وأرزاقٌ وأقواتٌ وآباءٌ وأمَّهاتٌ وأحياءٌ وأمواتٌ جميعٌ وأشتاتٌ وآياتٌ بعد آياتٍ إنَّ في السَّماءِ لخبرًا وإنَّ في الأرضِ لعِبرًا ليلٌ داجٍ وسماءٌ ذاتُ أبراجٍ وأرضٌ ذاتُ ارتياجٍ وبحارٌ ذاتُ أمواجٍ ما لي أرَى النَّاسَ يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقامِ فأقاموا أم تُرِكوا هناك فناموا أُقسِمُ قسمًا حقًّا لا حانثًا فيه ولا آثمًا إنَّ للهِ دينًا هو أحبُّ إليه من دينِكم الَّذي أنتم عليه ونبيًّا قد حان حينُه وأظلَّكم زمانُه وأدرككم إبَّانُه فطوبَى لمن آمن به فهداه فويلٌ لمن خالفه وعصاه ثمَّ قال تبًّا لأربابِ الغفلةِ من الأممِ الخاليةِ والقرونِ الماضيةِ يا معشرَ إيادٍ من الأبِ والأجدادِ من المريضِ والعُوَّادِ وأين الفراعنةُ الشِّدادُ أين من بنا وشيَّد وزخرف وجدَّد وغرَّه المالُ والولَدُ أين من طغَى وبغَى وجمع فأوعَى وقال أنا ربُّكم الأعلَى ألم يكونوا أكثرَ منكم أموالًا وأبعدَ منكم آمالًا وأطولَ منكم آجالًا طحنهم الثَّرَى بكَلْكَلِه ومزَّقهم بتطاوُلِه فبلت عِظامَهم باليةٌ وبيوتُهم خاليةٌ وعمَرتها الذِّيابُ العاديةُ وقال أبو صالحٍ العاويةُ كلَّا بل هو اللهُ الواحدُ المعبودُ ليس بوالدٍ ولا مولودٍ ثمَّ أنشأ يقولُ في الذَّاهبين الأوَّلين من القرونِ لنا بصائرُ لمَّا رأيتُ مواردَ للموتِ ليس لها مصادرُ ورأيتُ قومي نحوَها تُمضِي الأصاغرَ الأكابرُ لا يرجعُ الماضي إليَّ ولا من الباقين غابرٌ أيقنتُ أنِّي لا محالةَ حيث يصيرُ القومُ صائرٌ قال فجلس ثمَّ قام رجلٌ زاد أبو عبدِ اللهِ من الأنصارِ بعده كأنَّه قطعةُ جبلٍ ثمَّ اتَّفقا فقالا ذو هامةٍ عظيمةٍ وقامةٍ جسيمةٍ قد دوَّم عِمامتَه وأرخَى ذؤابتَه منيفٌ أنوفٌ أشدقُ حسَنُ الصَّوتِ فقال يا سيِّدَ المرسلين وصفوةَ ربِّ العالمين لقد رأيتُ من قَسٍّ عجبَا وشهِدتُ منه مرغبًا فقال وما الَّذي رأيتَه منه وحفِظتَه عنه فقال خرجتُ في الجاهليَّةِ أطلُبُ بعيرًا لي شرد منِّي أقفو أثرَه وأطلُبُ خبرَه في تنائِفَ وقال الصَّابونيُّ وإسماعيلُ في فيافي وقالا حقائفَ ذاتِ دعادعَ وزعازعَ وليس بها الرَّكبُ وقال إسماعيلُ ليس للرَّكبِ فيها مقيلٌ ولا لغيرِ الجنِّ سبيلٌ وإذا بموئلٍ مهولٍ في طودٍ عظيمٍ ليس به إلَّا البُومُ وأدركني اللَّيلُ فولجتُه مذعورًا لا آمنُ فيه حتفي ولا أركنُ إلى غيرِ سيفي فبِتُّ بليلٍ طويلٍ كأنَّه بليلٍ موصولٍ أرقبُ الكوكبَ وأرمُقُ الغيْهبَ حتَّى إذا عسعس اللَّيلُ وكان الصُّبحُ أن يتنفَّسَ هتَف بي هاتفٌ يقولُ : يا أيُّها الراقدُ في اللَّيلِ الأحمْ قد بعث اللهُ نبيًّا في الحرمْ من هاشمٍ أهلِ الوفاءِ والكرمْ يجلو دجِناتِ الدَّياجي والبُهُمْ قال فأدرتُ طرفي فما رأيتُ له شخصًا ولا سمِعتُ له فَحْصًا فأنشأتُ أقولُ : يا أيُّها الهاتفُ في داجي الظُّلَمْ أهلًا وسهلًا بك من طيْفٍ ألمّ بيِّنْ هداك اللهُ في لحنِ الكَلِمْ ماذا الَّذي تدعو إليه يُغتنَمْ قال فإذا أنا بنحنحةٍ وقائلٍ يقولُ ظهر النُّورُ وبطُل الزُّورُ وبعث اللهُ تبارك وتعالَى محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالخيرِ صاحبِ النَّجيبِ الأحمرِ والتَّاجِ والمِغفرِ والوجهِ الأزهرِ والحاجبِ الأقمرِ والطَّرْفِ الأحوَرِ صاحبِ قولِ شهادةِ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ فذلك محمَّدٌ المبعوثُ إلى الأسوَدِ والأبيضِ أهلِ المدَرِ والوبَرِ ثمَّ أنشأ يقولُ : الحمدُ للهِ الَّذي لم يخلُقْ الخلقَ عبثْ لم يُخلِنا حينًا سُدًى من بعد عيسَى واكترثْ أرسل فينا محمَّدًا خيرَ نبيٍّ قد بُعِث صلَّى عليه اللهُ ما حجَّ له ركْبٌّ وحَثْ قال فذُهِلتُ عن البعيرِ وألبسني السُّرورُ ولاح الصَّباحُ واتَّسع الإيضاحُ فتركتُ الموْرَ وأخذتُ الجبلَ فإذا أنا بالعتيقِ يُشقشِقُ إلى النُّوقِ فأخذتُ بخطامِه وعلوتُ سِنامَه فمرح طاعةً وهززتُه ساعةً حتَّى إذا لغَب وذلَّ منه ما صعُب وحَمِيت الوسادةُ وبرَدت المزادةُ فإذا الزَّادُ قد هشَّ له الفؤادُ برَّكتُه فبرِك وأذِنتُ له فترك في روضةٍ خضِرةٍ نضِرةٍ عطِرةٍ ذاتِ حوذانٍ وقُربانٍ وعُنقرانٍ وعَبَيْثرانِ زاد إسماعيلُ نعنعٌ وشيحٌ وقالا وحَلْيٌ وأقاحٌ وجثْجاثٌ وبِرارٌ وشقائقُ وبُهارٌ كأنَّما قد مات الجوُّ بها مطيرًا أو باكرها المُزنُ بُكورًا فخلا لها شجرٌ وقرارُها نهرٌ فجعل يرتعُ أبًّا وأصِيدُ ضبًّا حتَّى إذا أكل وأكلتُ ونهلتُ ونهل وعلَلتُ وعلَّ وحَللتُ عَقالَه وعلوتُ جلالَه وأوسعتُ مجالَه فاغتنم الحملةَ ومرَّ كالنَّبلةِ يسبِقُ الرِّيحَ ويقطعُ عرضَ الفسيحِ حتَّى أشرف بي على وادٍ وشجرٍ من شجرِ عادٍ مُورِقةٌ مُونِقةٌ قد تهدَّل أغصانُها كأنَّها بريرُها حبُّ فُلفُلٍ فدنوْتُ فإذا أنا بقَسِّ بنِ ساعدةَ في ظلِّ شجرةٍ بيدِه قضيبٌ من أراكٍ ينكُتُ به الأرضَ وهو يترنَّمُ ويُشعِرُ زاد البيهقيُّ وأبو صالحٍ وهو يقولُ يا ناعيَ الموتِ والملْحودَ في جدَثٍ علِّمْهم من بقايا بَزِّهم خرَقُ دَعْهم فإنَّ لهم يومًا يُصاحُ لهم فهم إذا انتبهوا من يومِهم فِرَقُ حتَّى يعودوا بحالٍ غيرِ حالِهم خلقًا جديدًا كما من قبلِه خُلِقوا منهم عراةٌ ومنهم في ثيابِهم منها الجديدُ ومنها المنهجُ الخَلِقُ، قال فدنوْتُ منه فسلَّمتُ عليه فردَّ عليَّ السَّلامَ وإذا أنا بعينِ خرَّارةٍ في الأرضِ خوَّارةٍ ومسجدٍ بين قبرَيْن وأسدَيْن عظيمَيْن يلوذان به ويتمسَّحان بأبوابِه وإذا أحدُهما سبق الآخرَ إلى الماءِ فتبِعه الآخرُ يطلبُ الماءَ فضربه بالقضيبِ الَّذي في يدِه وقال ارجَعْ ثكِلتك أمُّك حتَّى يشربَ الَّذي ورد قبلك على الماءِ قال فرجع ثمَّ ورد بعده فقلتُ له ما هذان القبران فقال هذان قبرا أخوَيْن لي كانا يعبدان اللهَ تبارك وتعالَى في هذا المكانِ لا يُشرِكان باللهِ تبارك وتعالَى شيئًا فأدركهما الموتُ فقبرتُهما وها أنا بين قبرَيْهما حقٌّ ألحقُ بهما ثمَّ نظر إليهما فتغرغرت عيناه بالدُّموعِ وانكبَّ عليهما وجعل يقولُ : ألم تريا أنِّي بسَمْعان مُفرَدُ وما لي فيها من خليلٍ سواكما خليليَّ هُبَّا طال ما قد رقدتما أجدُكما لا تقضيان كراكما ألم تريا أنِّي بشَمعانَ مُفرَدُ وما لي فيها من خليلٍ سواكما مقيمٌ على قبرَيْكما لستُ بارحًا طُوالَ اللَّيالي أو يُجيبُ صداكما أبكيكُما طُولَ الحياةِ وما الَّذي يردُّ على ذي عولةٍ إن بكاكما كأنَّكما والموتَ أقربُ غائبٍ بروحي في قبرَيْكما قد أتاكما أمن طُولِ نومٍ لا تُجيبان داعيًا كأنَّ الَّذي يَسقي العقارَ سقاكما فلو جُعِلت نفسٌ لنفسٍ وِقايةً لجُدتُ بنفسي أن تكونَ فِداكما فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رحِمُ اللهُ قَسًّا إنِّي أرجو أن يبعثَه اللهُ عزَّ وجلَّ أمَّةً وحدَه
 

1 - لَمَّا خرَجَتِ الحَروريَّةُ اجتَمَعوا في دارٍ وهُم سِتَّةُ آلافٍ، فأتيتُ عَلِيًّا رَضيَ اللهُ عنه فقُلْتُ: يا أميرَ المؤمنينَ، أبْرِدْ بالصَّلاةِ لعَلِّي آتِي هؤلاءِ القومَ، فأُكَلِّمَهُم، قالَ: إنِّي أخافُ عليكَ، قالَ: كَلَّا، قالَ: فخرَجْتُ إليهِمْ ولبِسْتُ أحسَنَ ما يكونُ مِن حُلَلِ اليَمَنِ -قالَ أبو زُمَيْلٍ: وكان عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ جَمِيلًا جَهِيرًا- قال ابنُ عبَّاسٍ: فأتيْتُهُم وهُم مُجتمِعونَ في دارٍ، وهُم قائلونَ، فسَلَّمْتُ عليْهم، قالوا: مَرحَبًا بكَ يا ابنَ عبَّاسٍ، فما هذه الحُلَّةُ؟ قُلتُ: ما تَعيبونَ عَلَيَّ؟! لقَدْ رَأيتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسَنَ ما يكونُ مِن الحُلَلِ، وقرأْتُ: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]، ثمَّ ذكَرَ مُناظرةَ ابنِ عبَّاسٍ المشهورةَ معَهم.
خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط مسلم
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 7572
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة الأعراف زينة اللباس - لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة - الإبراد بالظهر اعتصام بالسنة - الخوارج والمارقين جهاد - مناظرة البغاة

2 - لما خرجتِ الحروريةُ اعتزلوا في دارٍ وكانوا ستةَ آلافٍ فقلتُ لعليٍّ : يا أميرَ المؤمنين أبردْ بالصلاةِ لعلي أكلِّمُ هؤلاء القومَ. قال : إني أخافهم عليك، قلتُ : كلا، فلبستُ وترجلتُ ودخلتُ عليهم في دارٍ نصفَ النهارِ وهم يأكلون فقالوا : مرحبًا بك يا ابنَ عبَّاسٍ فما جاء بك ؟ قلتُ لهم : أتيتكم من عند أصحابِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - المهاجرين والأنصارِ ومن عندِ ابنِ عمِّ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - وصهرِه، وعليهم نزل القرآنُ. فهم أعلمُ بتأويلِه منكم وليس فيكم منهم أحدٌ لأبلِّغَكُم ما يقولون وأبلغَهُم ما تقولون. فانتحى لي نفرٌ منهم، قلتُ : هاتوا ما نقمتم على أصحابِ رسولِ اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - وابنِ عمِّه ؟ قالوا : ثلاثٌ، قلتُ : ما هنَّ ؟ قال : أما إحداهنَّ فإنه حكَّم الرجالَ في أمرِ اللهِ وقال اللهُ : { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } [ الأنعام : 57، يوسف : 40، 67 ] ما شأنُ الرِّجالِ والحكم ؟ قلتُ : هذه واحدةٌ. قالوا : وأمَّا الثانيةُ فإنه قاتَل ولم يَسبِ ولم يَغنمْ إن كانوا كفَّارًا لقد حل سبيُهم ولئن كانوا مؤمنين ما حلَّ سبيُهُم ولا قتالُهم. قلتُ : هذه ثنتان فما الثالثةُ ؟ وذكر كلمةً معناها. قالوا : محى نفسَه من أميرِ المؤمنين فإن لم يكن أميرَ المؤمنين فهو أميرُ الكافرين. قلتُ : هل عندكم شيءٌ غيرُ هذا ؟ قالوا : حسبُنا هذا، قلتُ لهم : أرأيتُكم إنْ قرأتُ عليكم من كتابِ اللهِ جل ثناؤُه وسنةِ نبيِّه - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - ما يردُّ قولَكم أترجعون ؟ قالوا : نعم قلتُ : أما قولُكم : حكَّم الرجالَ في أمرِ اللهِ فإني أقرأ عليكم في كتابِ اللهِ أنْ قد صيَّرَ اللهُ حكمَه إلى الرجالِ في ثمنِ ربعِ درهمٍ فأمر اللهُ تبارك وتعالى أن يحكُمُوا فيه. أرأيتَ قولَ اللهِ تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } [ المائدة : 95 ] وكان من حُكم اللهِ أنْ صيرَه إلى الرجالِ يحكمون فيه، ولو شاء يحكمُ فيه فجاز من حكمِ الرجالِ، أنشدُكم باللهِ أحكمُ الرجالِ في صلاحِ ذات البينِ وحقنِ دمائِهم أفضلُ أو في أرنبٍ ؟ قالوا : بلى، بل هذا أفضلُ. وفي المرأةِ وزوجِها {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [ النساء : 35 ] فنشدتُكم اللهَ، حكمُ الرجالِ في صلاحِ ذات بينهم وحقنِ دمائِهم أفضلُ من حكمِهم في بُضعِ امرأةٍ ؟ خرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم. قلتُ : وأما قولُكم : قاتلَ ولم يسبِ ولم يغنمْ أفتسبون أمَّكم عائشةَ، تستحلُّون ما تستحلُّون من غيرها وهي أمُّكم ؟ فإن قلتم : إنا نستحلُّ منها ما نستحلُّ من غيرِها فقد كفرتم، وإن قلتم : ليست بأمِّنا فقدْ كفرتم : { االنَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [ الأحزاب : 6 ] فأنتم بين ضلالتين فأتوا منها بمخرجٍ أفخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم. وأما محيُ نفسِه من أميرِ المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون. أنَّ نبيَّ اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - يومَ الحديبيةِ صالحَ المشركين فقال لعليٍّ : ( اكتبْ يا عليُّ : هذا ما صالح عليه محمدٌ رسولُ اللهِ ) قالوا : لو نعلمُ أنك رسولُ اللهِ ما قاتلناك. فقال رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - : ( امحْ يا عليُّ : اللهمَّ إنك تعلمُ أني رسولُ اللهِ امحْ يا عليُّ واكتبْ : هذا ما صالح عليه محمدُ بنُ عبدِ اللهِ ) واللهِ لَرسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - خيرٌ من عليٍّ، وقد محى نفسَه، ولم يكن محوُهُ نفسَه ذلك محاه مِن النبوةِ أخرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم, فرجع منهم ألفان, وخرج سائرُهم فقُتلوا على ضلالتِهم, قتلهم المهاجرون والأنصارُ.
خلاصة حكم المحدث : حسن
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الوادعي | المصدر : الصحيح المسند
الصفحة أو الرقم : 694 التخريج : أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (8575)، والطبراني (10/313) (10598)، والحاكم (2656) باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: صلاة - الإبراد بالظهر مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إيمان - الحكم بما أنزل الله اعتصام بالسنة - الخوارج والمارقين جهاد - مناظرة البغاة
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه

3 - لمَّا خَرَجَت الحَرورِيَّةُ اجتَمَعوا في دارٍ، وهُم ستَّةُ آلافٍ، أَتَيتُ عَليًّا، فقلتُ: يا أَميرَ المؤمنينَ، أَبْرِدْ بالظُّهرِ؛ لعَلِّي آتي هؤلاء القومَ فأُكَلِّمُهم. قالَ: إنِّي أَخافُ عليكَ. قلتُ: كلَّا. قالَ: فخَرَجْتُ إليهم، ولَبِسْتُ أَحسَنَ ما يكونُ مِن حُلَلِ اليمنِ. قالَ أبو زُمَيْلٍ: كان ابنُ عبَّاسٍ جميلًا جَهيرًا . قال ابنُ عبَّاسٍ: فأَتَيْتُهم، وهُم مُجتمِعونَ في دارِهِم قائلونَ، فسَلَّمْتُ عليهم، فقالوا: مَرْحبًا بكَ يا ابنَ عبَّاسٍ، فما هذه الحُلَّةُ؟ قالَ: قلتُ: ما تَعيبونَ عَلَيَّ؛ لقد رأيتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَحسَنَ ما يكونُ مِن الحُلَلِ، ونَزلَتْ: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] قالوا: فما جاءَ بكَ؟ قلتُ: أَتَيْتُكم مِن عندِ صحابةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن المهاجرينَ والأنصارِ لأُبلِّغَكُم ما يَقولونَ المُخبَرونَ بما يقولونَ، فعليهم نَزَلَ القرآنُ، وهُم أَعلمُ بالوَحيِ منكم، وفيهم أُنزِلَ: وليس فيكم مِنهم أَحدٌ، فقالَ بَعضُهُم: لا تُخاصِموا قُريشًا، فإنَّ اللهَ يقولُ: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]، قالَ ابنُ عبَّاسٍ: وأَتيتُ قومًا لمْ أَرَ قومًا قَطُّ أَشَدَّ اجتهادًا مِنْهم مُسَهَّمةٌ وُجوهُهُم مِن السَّهَرِ، كأَنَّ أَيدِيَهُم ورُكَبَهُم تُثْنى، عليهم قُمُصٌ مُرَحَّضَةٌ، فقالَ بعضُهُم: لنُكلِّمنَّهُ ولنَنْظُرنَّ ما يقولُ. قلتُ: أَخْبِروني ماذا نَقَمْتُم على ابنِ عَمِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصِهرِه والمهاجرينَ والأنصارِ؟ قالوا: ثلاثًا. قلتُ: ما هُنَّ؟ قالوا: أمَّا إحداهُنَّ فإنَّه حَكَّمَ الرِّجالَ في أمرِ اللهِ، وقالَ اللهُ: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]، وما للرِّجالِ وما للحُكْمِ؟ فقلتُ: هذه واحِدةٌ، قالوا: وأمَّا الأُخْرى: فإنَّه قاتَلَ، ولمْ يَسْبِ ولمْ يَغْنَمْ، فلئنْ كان الَّذي قاتَلَ كُفَّارًا لقد حَلَّ سَلَبُهُم وغَنيمَتُهُم، ولئن كانوا مؤمنينَ ما حَلَّ قِتالُهُم، قلتُ: هذه ثِنتانِ، فما الثَّالثةُ؟ قالَ: إنَّه محا نفسَهُ مِن أميرِ المؤمنينَ؛ فهو أَميرُ الكافرينَ. قلتُ: أَعِندَكُم سوى هذا؟ قالوا: حَسْبُنا هذا، فقلتُ لهم: أَرَأَيْتُم إنْ قَرأتُ عليكم مِن كتابِ اللهِ ومِن سُنَّةِ نبِيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يَرُدُّ به قَولَكُم أَتَرْضَوْنَ؟ قالوا: نَعَمْ، فقلتُ لهم: أَمَّا قَولُكُم: حَكَّمَ الرِّجالَ في أمرِ اللهِ، فأنا أَقرَأُ عليكم ما قد رَدَّ حُكمُه إلى الرِّجالِ في ثمنِ رُبُعِ دِرهمٍ في أَرْنبٍ، ونحوِها مِن الصَّيدِ، فقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}، إلى قولِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95]، فنَشَدْتُكم باللهِ أَحُكْمُ الرِّجالِ في أَرْنَبٍ ونحوهِا مِن الصَّيدِ أَفضلُ أَمْ حُكْمُهُم في دِمائهِم وصَلاحِ ذاتِ بيْنِهِم؟ وأنْ تَعْلَموا أنَّ اللهَ لوْ شاءَ لحَكَمَ ولمْ يُصيِّرْ ذلك إلى الرِّجالِ، وفي المرأةِ وزَوْجِها قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35]، فجَعَلَ اللهُ حُكْمَ الرِّجالِ سُنَّةً ماضِيةً، أَخَرَجْتُ عنْ هذه؟ قالوا: نَعَمْ. قالَ: وأمَّا قولُكُم: قاتَلَ ولمْ يَسْبِ ولمْ يَغْنَمْ، أَتَسْبونَ أُمَّكُم عائشةَ ثُمَّ تَسْتَحِلُّونَ منها ما يُستَحَلُّ مِن غيرِها؟ فلئن فَعَلْتُم؛ لقد كَفَرْتُم وهي أُمُّكُم، ولئن قُلتُم: ليستْ أُمَّنَا؛ لقد كَفَرْتُم؛ فإنَّ اللهَ يقولُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، فأنتم تَدورونَ بيْنَ ضلالتَيْنِ أَيُّهما صِرْتُم إليها؛ صِرْتُم إلى ضلالةٍ. فنَظَر بعضُهُم إلى بعضٍ، قلتُ: أَخَرَجْتُ مِن هذه؟ قالوا: نَعَمْ، وأمَّا قولُكُم: محا اسمَهُ مِن أميرِ المؤمنينَ، فأنا آتيكُم بمَنْ تَرْضَوْنَ، وأَراكُم قد سَمِعْتُم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ الحُدَيبِيَةِ كاتَبَ سُهَيلَ بنَ عَمرٍو وأبا سُفيانَ بنَ حربٍ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأميرِ المؤمنينَ: اكتُبْ يا عَليُّ: هذا ما اصْطَلَحَ عليه مُحمَّدٌ رسولُ اللهِ، فقالَ المشركونَ: لا واللهِ، ما نَعلمُ إنَّكَ رسولُ اللهِ، لوْ نَعلَمُ إنَّكَ رسولُ اللهِ ما قاتَلْناكَ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعلمُ أنِّي رسولُ اللهِ، اكتُبْ يا عَليُّ: هذا ما اصْطَلَحَ عليه مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ، فواللهِ لرسولُ اللهِ خيرٌ مِن عَليٍّ، وما أَخْرجَه مِن النُّبوَّةِ حين محا نَفسَه. قالَ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ: فرَجَعَ مِن القومِ ألفانِ، وقُتِلَ سائرُهُم على ضَلالةٍ.
خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط مسلم،
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 2692
التصنيف الموضوعي: جهاد - السلب والنفل حج - الحكم في الصيد على المحرم اعتصام بالسنة - الخوارج والمارقين جهاد - مناظرة البغاة غنائم - السلب للقاتل
| شرح حديث مشابه

4 - كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنَ المُهَاجِرِينَ، منهمْ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، فَبيْنَما أنَا في مَنْزِلِهِ بمِنًى، وهو عِنْدَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، في آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، إذْ رَجَعَ إلَيَّ عبدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: لو رَأَيْتَ رَجُلًا أتَى أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اليَومَ، فَقَالَ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هلْ لكَ في فُلَانٍ؟ يقولُ: لو قدْ مَاتَ عُمَرُ لقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا، فَوَاللَّهِ ما كَانَتْ بَيْعَةُ أبِي بَكْرٍ إلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: إنِّي -إنْ شَاءَ اللَّهُ- لَقَائِمٌ العَشِيَّةَ في النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ. قَالَ عبدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلتُ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لا تَفْعَلْ؛ فإنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وغَوْغَاءَهُمْ؛ فإنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ علَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ في النَّاسِ، وأَنَا أخْشَى أنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وأَنْ لا يَعُوهَا، وأَنْ لا يَضَعُوهَا علَى مَوَاضِعِهَا، فأمْهِلْ حتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ؛ فإنَّهَا دَارُ الهِجْرَةِ والسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بأَهْلِ الفِقْهِ وأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ ما قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِي أهْلُ العِلْمِ مَقَالَتَكَ، ويَضَعُونَهَا علَى مَوَاضِعِهَا.فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا واللَّهِ -إنْ شَاءَ اللَّهُ- لَأَقُومَنَّ بذلكَ أوَّلَ مَقَامٍ أقُومُهُ بالمَدِينَةِ. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ في عُقْبِ ذِي الحَجَّةِ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ عَجَّلْتُ الرَّوَاحَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ ؛ حتَّى أجِدَ سَعِيدَ بنَ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إلى رُكْنِ المِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أنْشَبْ أنْ خَرَجَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا، قُلتُ لِسَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ: لَيَقُولَنَّ العَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، فأنْكَرَ عَلَيَّ وقَالَ: ما عَسَيْتَ أنْ يَقُولَ ما لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ؟! فَجَلَسَ عُمَرُ علَى المِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ المُؤَذِّنُونَ قَامَ، فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ؛ فإنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قدْ قُدِّرَ لي أنْ أقُولَهَا، لا أدْرِي لَعَلَّهَا بيْنَ يَدَيْ أجَلِي، فمَن عَقَلَهَا ووَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بهَا حَيْثُ انْتَهَتْ به رَاحِلَتُهُ ، ومَن خَشِيَ أنْ لا يَعْقِلَهَا فلا أُحِلُّ لأحَدٍ أنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحَقِّ، وأَنْزَلَ عليه الكِتَابَ، فَكانَ ممَّا أنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وعَقَلْنَاهَا ووَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَجَمْنَا بَعْدَهُ، فأخْشَى إنْ طَالَ بالنَّاسِ زَمَانٌ أنْ يَقُولَ قَائِلٌ: واللَّهِ ما نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ في كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بتَرْكِ فَرِيضَةٍ أنْزَلَهَا اللَّهُ، والرَّجْمُ في كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ علَى مَن زَنَى إذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ، إذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أوْ كانَ الحَبَلُ، أوْ الِاعْتِرَافُ. ثُمَّ إنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيما نَقْرَأُ مِن كِتَابِ اللَّهِ: أنْ لا تَرْغَبُوا عن آبَائِكُمْ ؛ فإنَّه كُفْرٌ بكُمْ أنْ تَرْغَبُوا عن آبَائِكُمْ، أوْ: إنَّ كُفْرًا بكُمْ أنْ تَرْغَبُوا عن آبَائِكُمْ.ألَا ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: لا تُطْرُونِي كما أُطْرِيَ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ، وقُولوا: عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ. ثُمَّ إنَّه بَلَغَنِي أنَّ قَائِلًا مِنكُم يقولُ: واللَّهِ لو قدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا، فلا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أنْ يَقُولَ: إنَّما كَانَتْ بَيْعَةُ أبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وتَمَّتْ ، ألَا وإنَّهَا قدْ كَانَتْ كَذلكَ، ولَكِنَّ اللَّهَ وقَى شَرَّهَا، وليسَ مِنكُم مَن تُقْطَعُ الأعْنَاقُ إلَيْهِ مِثْلُ أبِي بَكْرٍ، مَن بَايَعَ رَجُلًا عن غيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فلا يُبَايَعُ هو ولَا الذي بَايَعَهُ؛ تَغِرَّةً أنْ يُقْتَلَا، وإنَّه قدْ كانَ مِن خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّ الأنْصَارَ خَالَفُونَا، واجْتَمَعُوا بأَسْرِهِمْ في سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ والزُّبَيْرُ ومَن معهُمَا، واجْتَمع المُهَاجِرُونَ إلى أبِي بَكْرٍ، فَقُلتُ لأبِي بَكْرٍ: يا أبَا بَكْرٍ، انْطَلِقْ بنَا إلى إخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الأنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا منهمْ، لَقِيَنَا منهمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا ما تَمَالَأَ عليه القَوْمُ، فَقَالَا: أيْنَ تُرِيدُونَ يا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَا: لا علَيْكُم أنْ لا تَقْرَبُوهُمْ، اقْضُوا أمْرَكُمْ، فَقُلتُ: واللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَانْطَلَقْنَا حتَّى أتَيْنَاهُمْ في سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلتُ: مَن هذا؟ فَقالوا: هذا سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ، فَقُلتُ: ما له؟ قالوا: يُوعَكُ ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ؛ فَنَحْنُ أنْصَارُ اللَّهِ وكَتِيبَةُ الإسْلَامِ، وأَنْتُمْ مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ رَهْطٌ، وقدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِن قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أنْ يَخْتَزِلُونَا مِن أصْلِنَا، وأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأمْرِ. فَلَمَّا سَكَتَ أرَدْتُ أنْ أتَكَلَّمَ، وكُنْتُ قدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أنْ أُقَدِّمَهَا بيْنَ يَدَيْ أبِي بَكْرٍ، وكُنْتُ أُدَارِي منه بَعْضَ الحَدِّ، فَلَمَّا أرَدْتُ أنْ أتَكَلَّمَ، قَالَ أبو بَكْرٍ: علَى رِسْلِكَ ، فَكَرِهْتُ أنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ، فَكانَ هو أحْلَمَ مِنِّي وأَوْقَرَ، واللَّهِ ما تَرَكَ مِن كَلِمَةٍ أعْجَبَتْنِي في تَزْوِيرِي، إلَّا قَالَ في بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أوْ أفْضَلَ منها حتَّى سَكَتَ؛ فَقَالَ: ما ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِن خَيْرٍ فأنتُمْ له أهْلٌ، ولَنْ يُعْرَفَ هذا الأمْرُ إلَّا لِهذا الحَيِّ مِن قُرَيْشٍ؛ هُمْ أوْسَطُ العَرَبِ نَسَبًا ودَارًا، وقدْ رَضِيتُ لَكُمْ أحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أيَّهُما شِئْتُمْ، فأخَذَ بيَدِي وبِيَدِ أبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ، وهو جَالِسٌ بيْنَنَا، فَلَمْ أكْرَهْ ممَّا قَالَ غَيْرَهَا، كانَ واللَّهِ أنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي، لا يُقَرِّبُنِي ذلكَ مِن إثْمٍ؛ أحَبَّ إلَيَّ مِن أنْ أتَأَمَّرَ علَى قَوْمٍ فيهم أبو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ تُسَوِّلَ إلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ المَوْتِ شيئًا لا أجِدُهُ الآنَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأنْصَارِ: أنَا جُذَيْلُهَا المُحَكَّكُ ، وعُذَيْقُهَا المُرَجَّبُ ؛ مِنَّا أمِيرٌ، ومِنكُم أمِيرٌ يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. فَكَثُرَ اللَّغَطُ ، وارْتَفَعَتِ الأصْوَاتُ، حتَّى فَرِقْتُ مِنَ الِاخْتِلَافِ، فَقُلتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يا أبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، وبَايَعَهُ المُهَاجِرُونَ ثُمَّ بَايَعَتْهُ الأنْصَارُ. ونَزَوْنَا علَى سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ منهمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ، فَقُلتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ. قَالَ عُمَرُ: وإنَّا واللَّهِ ما وجَدْنَا فِيما حَضَرْنَا مِن أمْرٍ أقْوَى مِن مُبَايَعَةِ أبِي بَكْرٍ؛ خَشِينَا إنْ فَارَقْنَا القَوْمَ ولَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا منهمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ علَى ما لا نَرْضَى، وإمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكونُ فَسَادٌ، فمَن بَايَعَ رَجُلًا علَى غيرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فلا يُتَابَعُ هو ولَا الذي بَايَعَهُ؛ تَغِرَّةً أنْ يُقْتَلَا.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 6830 التخريج : أخرجه مسلم (1691) مختصراً
التصنيف الموضوعي: حدود - حد الرجم قرآن - أسباب النزول قرآن - نسخ التلاوة مغازي - ذكر مبايعة أبي بكر وما كان في سقيفة بني ساعدة مناقب وفضائل - أبو بكر الصديق حدود - حد الزنا
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح الحديث

5 - قدم الجارود بن عبد الله - وكان سيدا في قومه، مطاعا عظيما في عشيرته : مطاع الأمر، رفيع القدر، عظيم الخطر، ظاهر الأدب، شامخ الحسب، بديع الجمال، حسن الفعال، ذا منعة ومال - في وفد عبد القيس من ذوي الأخطار والأقدار، والفضل والإحسان، والفصاحة والبرهان، كل رجل منهم كالنخلة السحوق، على ناقة كالفحل الفنيق قد جنبوا الجياد، وأعدوا للجلاد، مجدين في سيرهم، حازمين في أمرهم، يسيرون ذميلا، ويقطعون ميلا فميلا، حتى أناخوا عند مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. فأقبل الجارود على قومه والمشايخ من بني عمه، فقال : يا قوم ! هذا محمد الأغر، سيد العرب، وخير ولد عبد المطلب، فإذا دخلتم عليه، ووقفتم بين يديه، فأحسنوا عليه السلام وأقلوا عنده الكلام. فقالوا : بأجمعهم : أيها الملك الهمام والأسد الضرغام، لن نتكلم إذا حضرت ولن نجاوز إذا أمرت، فقل ما شئت، فإنا سامعون، واعمل ما شئت، فإنا تابعون. فنهض الجارود في كل كمي صنديد، قد دوموا العمائم، وتردوا بًالصمائم، يجرون أسيافهم ويسحبون أذيالهم، يتناشدون الأشعار ويتذاكرون مناقب الأخيار، لا يتكلمون طويلا، ولا يسكتون عيا : إن أمرهم ائتمروا، وإن زجرهم ازدجروا، كأنهم أسد غيل يقدمها ذو لبؤة مهول، حتى مثلوا بين يدي النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما دخل القوم المسجد، وأبصرهم أهل المشهد، دلف الجارود أمام النبي، صلى الله عليه وسلم وحسر لثامه وأحسن سلامه، ثم أنشأ يقول : يا نبي الهدى أتتك رجال قطعت فدفدا وآلا فآلا، وطوت نحوك الصحاصح طرا لا تخال الكلال فيك كلالا، كل دهماء يقصر الطرف عنها أرقلتها قلاصنا إرقالا وطوتها الجياد تجمح فيها بكماة كأنجم تتلالا، تبتغي دفع بأس يوم عبوس أوجل القلب ذكره ثم هالا، فلما سمع رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ذلك فرح فرحا شديدا، وقربه وأدناه، ورفع مجلسه وحبًاه، وأكرمه، وقال : يا جارود، لقد تأخر بك وبقومك الموعد، وطال بكم الأمد. قال : والله يا رسول اللهِ، لقد أخطأ من أخطأك قصده، وعدم رشده، وتلك وأيم الله أكبر خيبة، وأعظم حوبة، والرائد لا يكذب أهله، ولا يغش نفسه. لقد جئت بًالحق، ونطقت بًالصدق، والذي بعثك بًالحق نبيا واختارك للمؤمنين وليا، لقد وجدت وصفك في الإنجيل، ولقد بشر بك ابن البتول ، وطول التحية لك والشكر لمن أكرمك وأرسلك ، لا أثر بعد عين، ولا شك بعد يقين. مد يدك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول اللهِ. قال : فآمن الجارود، وآمن من قومه كل سيد، وسر النبي صلى الله عليه وسلم بهم سرورا، وابتهج حبورا، وقال : يا جارود ! هل في جماعة وفد عبد القيس من يعرف لنا قسا، ؟ قال : كلنا نعرفه يا رسول اللهِ ! وأنا من بين قومي كنت أقفو أثره وأطلب خبره : كان قس سبطا من أسبًاط العرب، صحيح النسب، فصيحا إذا خطب، ذا شيبة حسنة. عمر سبعمائة سنة، يتقفر القفار، لا تكنه دار، ولا يقره قرار، يتحسى في تقفره بيض النعام، ويأنس بًالوحش والهوام، يلبس المسوح ويتبع السياح على منهاج المسيح، لا يفتر من الرهبًانية، مقر لله بًالوحدانية، تضرب بحكمته الأمثال، وتكشف به الأهوال، وتتبعه الأبدال أدرك رأس الحواريين سمعان ! فهو أول من تأله من العرب وأعبد من تعبد في الحقب، وأيقن بًالبعث والحساب، وحذر سوء المنقلب والمآب، ووعظ بذكر الموت، وأمر بًالعمل قبل الفوت. الحسن الألفاظ، الخاطب بسوق عكاظ العالم بشرق وغرب، ويابس ورطب، وأجاج وعذب. كأني أنظر إليه والعرب بين يديه، يقسم بًالرب الذي هو له ليبلغن الكتاب أجله ، وليوفين كل عامل عمله. ثم أنشأ يقول : هاج للقلب من جواه ادكار وليال خلالهن نهار، ونجوم يحثها قمر الليل وشمس في كل يوم تدار، ضوؤها يطمس العيون ورعاد شديد في الخافقين مطار، وغلام وأشمط ورضيع كلهم في التراب يوما يزار، وقصور مشيدة حوت الخير وأخرى خلت فهن قفار، وكثير مما يقصر عنه جوسة الناظر الذي لا يحار، والذي قد ذكرت دل على الله نفوسا لها هدى واعتبًار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، : على رسلك يا جارود، فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل له أورق، وهو يتكلم بكلام مونق، ما أظن أني أحفظه، فهل منكم يا معشر المهاجرين والأنصار من يحفظ لنا منه شيئا ؟ فوثب أبو بكر قائما، وقال : يا رسول اللهِ ! إني أحفظه، وكنت حاضرا ذلك اليوم بسوق عكاظ حين خطب فأطنب، ورغب ورهب، وحذر وأنذر، فقال في خطبته : أيها الناس، اسمعوا وعوا، فإذا وعيتم فانتفعوا : إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ماهو آت آت، مطر ونبًات، وأرزاق وأقوات، وآبًاء وأمهات، وأحياء وأموات، جميع وأشتات، وآيات بعد آيات . إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، ليل داج، وسماء ذات أبراج وأرض ذات رتاج، وبحار ذات أمواج. مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ؟ أرضوا بًالمقام فأقاموا ؟ أم تركوا هناك فناموا ؟ أقسم قس قسما حقا لا حانثا فيه ولا آثما : إن لله تعالى دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه، ونبيا قد حان حينه، وأظلكم أوانه، وأدرككم إبًانه، فطوبى لمن آمن به فهداه، وويل لمن خالفه وعصاه ثم قال : تبًا لأربًاب الغفلة من الأمم الخالية، والقرون الماضية. يا معشر إياد ! أين الآبًاء والأجداد ؟ وأين المريض والعواد ؟ وأين الفراعنة الشداد ؟ أين من بنى وشيد وزخرف ونجد وغره المال والولد ؟ ! أين من بغى وطغى، وجمع فأوعى، وقال : أنا ربكم الأعلى ؟ ! ألم يكونوا أكثر منكم أموالا، وأبعد منكم آمالا، وأطول منكم آجالا ؟ ! طحنهم الثرى بكلكله، ومزقهم بتطاوله، فتلك عظامهم بًالية، وبيوتهم خالية، عمرتها الذئاب العاوية، كلا، بل هو الله الواحد المعبود، ليس بوالد ولا مولود ! ! ثم أنشأ يقول : في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر، لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر، ورأيت قومي نحوها يمضي الأصاغر والأكابر، لا يرجع الماضي إلى ولا من البًاقين غابر، أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر. ثم جلس فقام رجل من الأنصار بعده كأنه قطعة جبل، ذو هامة عظيمة، وقامة جسيمة، قد دوم عمامته، وأرخى ذؤابته، منيف أنوف، أحدق أجش الصوت، فقال : يا سيد المرسلين وصفوة رب العالمين، لقد رأيت من قس عجبًا، وشهدت منه مرغبًا. فقال : وما الذي رأيته منه وحفظته عنه ؟ فقال : خرجت في الجاهلية أطلب بعيرا لي شرد مني كنت أقفو أثره وأطلب خبره، في نتائف حقائف، ذات دعادع وزعازع، ليس بها للركب مقيل، ولا لغير الجن سبيل، وإذا أنا بموئل مهول في طود عظيم ليس به إلا البوم. وأدركني الليل فولجته مذعورا لا آمن فيه حتفي، ولا أركن إلى غير سيفي. فبت بليل طويل كأنه بليل موصول، أرقب الكوكب، وأرمق الغيهب، حتى إذا الليل عسعس، وكاد الصبح أن يتنفس، هتف بي هاتف يقول : يا أيها الراقد في الليل الأحم، قد بعث الله نبيا في الحرم، من هاشم أهل الوفاء والكرم، يجلو دجنات الدياجي والبهم، قال : فأدرت طرفي فما رأيت له شخصا ولا سمعت له فحصا، فأنشأت أقول : يا أيها الهاتف في داجي الظلم أهلا وسهلا بك من طيف ألم، بين هداك الله في لحن الكلم، ماذا الذي تدعو إليه يغتنم ؟ قال : فإذا أنا بنحنحة، وقائل يقول : ظهر النور، وبطل الزور، وبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بًالحبور، صاحب النجيب الأحمر، والتاج والمغفر، ذو الوجه الأزهر، والحاجب الأقمر، والطرف الأحور، صاحب قول شهادة : أن لا إله إلا الله، فذلك محمد المبعوث إلى الأسود والأبيض، أهل المدر والوبر. ثم أنشأ يقول : الحمد لله الذي لم يخلق الخلق عبث لم يخلنا حينا سدى من بعد عيسى واكترث أرسل فينا أحمدا خير نبي قد بعث صلى عليه الله ما حج له ركب وحث، قال : فذهلت عن البعير واكتنفني السرور، ولاح الصبًاح، واتسع الإيضاح، فتركت الموراء، وأخذت الجبل، فإذا أنا بًالفنيق يستنشق النوق، فملكت خطامه، وعلوت سنامه، فمرج طاعة وهززته ساعة، حتى إذا لغب وذل منه ما صعب، وحميت الوسادة، وبردت المزادة ، فإذا الزاد قد هش له الفؤاد ! تركته فترك، وأذنت له فبرك، في روضة خضرة نضرة عطرة، ذات حوذان وقربًان وعنقران وعبيثران وجلى وأقاح وجثجاث وبرار وشقائق ونهار كأنما قد بًات الجو بها مطيرا، وبًاكرها المزن بكورا، فخلالها شجر، وقرارها نهر، فجعل يرتع أبًا، وأصيد ضبًا، حتى إذا أكلت وأكل ! ونهلت ونهل، وعللت وعل - حللت عقاله، وعلوت جلاله، وأوسعت مجاله، فاغتنم الحملة ومر كالنبلة، يسبق الريح، ويقطع عرض الفسيح، حتى أشرف بي على واد وشجر، من شجر عاد مورقة مونقة، قد تهدل أغصانها كأنما بريرها حب فلفل، فدنوت فإذا أنا بقس بن ساعدة في ظل شجرة بيده قضيب من أراك ينكت به الأرض وهو يترنم بشعر، وهو : ياناعي الموت والملحود في جدث عليهم من بقايا بزهم خرق دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم فهم إذا أنبهوا من نومهم فرقوا، حتى يعودوا لحال غير حالهم خلقا جديدا كما من قبله خلقوا، منهم عراة ومنهم في ثيابهم
خلاصة حكم المحدث : روي من وجه آخر منقطعا
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البيهقي | المصدر : دلائل النبوة
الصفحة أو الرقم : 2/105 التخريج : أخرجه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (2/105) واللفظ له، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (3/428)
التصنيف الموضوعي: فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - بعثته للناس كافة فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - صفة النبي وأمته في كتب أهل الكتاب فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - فضل نسب النبي مناقب وفضائل - فضائل القبائل مناقب وفضائل - قس بن ساعدة الإيادي
|أصول الحديث

6 - عن ابن عباس قال: لم أزَلْ حريصًا أنْ أسأَلَ عمرَ بنَ الخطَّابِ عن المرأتينِ اللَّتينِ مِن أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال اللهُ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] حتَّى حجَّ عمرُ فحجَجْتُ معه فلمَّا كان في بعضِ الطَّريقِ عدَل ليتوضَّأَ وعدَلْتُ معه بالإداوةِ فتبرَّز ثمَّ أتاني فسكَبْتُ على يديه فتوضَّأ فقُلْتُ: يا أميرَ المؤمنينَ مَن المرأتانِ مِن أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اللَّتانِ قال اللهُ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ؟ فقال عمرُ: واعجبًا لك يا ابنَ عبَّاسٍ ثمَّ قال: هي عائشةُ وحفصةُ ثمَّ أنشَأ يسوقُ الحديثَ فقال: كنَّا معشرَ قريشٍ قومًا نغلِبُ النِّساءَ فلمَّا قدِمْنا المدينةَ وجَدْناهم قومًا تغلِبُهم نساؤُهم فطفِق نساؤُنا يتعلَّمْنَ مِن نسائِهم وكان منزلي في بني أميَّةَ بنِ زيدٍ في العوالي قال: فتغضَّبْتُ يومًا على امرأتي فإذا هي تُراجِعُني فأنكَرْتُ أنْ تُراجِعَني فقالت: ما تُنكِرُ أنْ أُراجِعَك فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لتُراجِعْنَه، وتهجُرُه إحداهنَّ اليومَ إلى اللَّيلِ قال: فانطلَقْتُ فدخَلْتُ على حفصةَ فقُلْتُ: أتُراجِعينَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قالت: نَعم وتهجُرُه إحدانا اليومَ إلى اللَّيلِ قال: قد قُلْتُ: قد خاب مَن فعَل ذلك منكنَّ وخسِر، أفتأمَنُ إحداكنَّ أنْ يغضَبَ اللهُ عليها لغضبِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا هي قد هلَكتْ لا تُراجِعي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا تسأَليه شيئًا وسَليني ما بدا لكِ، ولا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارتُك هي أوسمَ وأحبَّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منكِ ـ يُريدُ عائشةَ قال: وكان لي جارٌ مِن الأنصارِ وكنَّا نتناوَبُ النُّزولَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فينزِلُ يومًا وأنزِلُ يومًا فيأتيني بخبرِ الوحيِ وغيرِه وأنزِلُ فآتيه بمثلِ ذلك، وكنَّا نتحدَّثُ أنَّ غسَّانَ تنعَلُ الخيلَ لتغزوَنا قال: فنزَل صاحبي يومًا، ثمَّ أتاني فضرَب على بابي ثمَّ ناداني فخرَجْتُ إليه فقال: حدَث أمرٌ عظيمٌ فقُلْتُ: ماذا أجاءتْ غسَّانُ ؟ قال: بل أعظمُ مِن ذلك وأطولُ، طلَّق رسولُ اللهِ نساءَه فقُلْتُ: خابت حفصةُ وخسِرت قد كُنْتُ أظُنَّ هذا كائنًا فلمَّا صلَّيْتُ الصُّبحَ شدَدْتُ علَيَّ ثيابي ثمَّ نزَلْتُ فدخَلْتُ على حفصةَ فإذا هي تبكي فقُلْتُ: أَطلَّقكنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ فقالت: لا أدري هو ذا هو مُعتزِلٌ في هذه المَشرُبةِ قال: فأتَيْتُ غلامًا له أسودَ فقُلْتُ: استأذِنْ لعُمرَ فدخَل الغلامُ ثمَّ خرَج إليَّ وقال: قد ذكَرْتُكَ له فلم يقُلْ شيئًا فانطلَقْتُ حتَّى أتَيْتُ المسجدَ فإذا قومٌ حولَ المنبرِ جلوسٌ يبكي بعضُهم إلى بعضٍ قال: فجلَسْتُ قليلًا ثمَّ غلَبني ما أجِدُ فأتَيْتُ الغلامَ فقُلْتُ: استأذِنْ لعمرَ فدخَل ثمَّ خرَج إليَّ فقال: قد ذكَرْتُكَ له فصمَت فرجَعْتُ فجلَسْتُ إلى المنبرِ ثمَّ غلَبني ما أجِدُ فأتَيْتُ الغلامَ فقُلْتُ: استأذِنْ لعمرَ فدخَل ثمَّ خرَج إليَّ فقال: قد ذكَرْتُك له فسكَت فولَّيْتُ مدبِرًا فإذا الغلامُ يدعوني ويقولُ: ادخُلْ فقد أذِن لكَ فدخَلْتُ فسلَّمْتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا هو متَّكئٌ على رملِ حصيرٍ قد أثَّر بجَنبِه فقُلْتُ: أطلَّقْتَ يا رسولَ اللهِ نساءَك ؟ قال: فرفَع رأسَه إليَّ وقال: ( لا ) فقُلْتُ: اللهُ أكبرُ لو رأيتَنا يا رسولَ اللهِ وكنَّا معشرَ قريشٍ قومًا نغلِبُ النِّساءَ فلمَّا قدِمْنا المدينةَ وجَدْنا قومًا تغلِبُهم نساؤُهم فطفِق نساؤُنا يتعلَّمْنَ مِن نسائِهم فتغضَّبْتُ على امرأتي يومًا فإذا هي تُراجِعُني فأنكَرْتُ ذلك عليها فقالت: أتُنكِرُ أنْ أُراجِعَكَ ؟ فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيُراجِعْنُه، وتهجُرُه إحداهنَّ اليومَ إلى اللَّيلِ قال: فقُلْتُ: قد خاب مَن فعَل ذلك منهنَّ وخسِرت أتأمَنُ إحداهنَّ أنْ يغضَبَ اللهُ عليها لغضبِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا هي قد هلَكتْ ؟ ! قال: فتبسَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ فدخَلْتُ على حفصةَ فقُلْتُ لها: لا تُراجِعي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا تسأَليه شيئًا وسَليني ما بدا لكِ ولا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارتُك هي أوسمَ وأحبَّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منكِ قال: فتبسَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخرى فقُلْتُ: أستأنِسُ يا رسولَ اللهِ ؟ قال: ( نَعم ) فجلَسْتُ فرفَعْتُ رأسي في البيتِ فواللهِ ما رأَيْتُ فيه شيئًا يرُدُّ البصرَ إلَّا أُهُبًا ثلاثةً فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ أنْ يوسِّعَ على أمَّتِك فقد وسَّع اللهُ على فارسَ والرُّومِ وهم لا يعبُدونَه قال: فاستوى جالسًا وقال: ( أفي شكٍّ أنتَ يا ابنَ الخطَّابِ أولئكَ قومٌ عُجِّلتْ لهم طيِّباتُهم في الحياةِ الدُّنيا ) فقُلْتُ: استغفِرْ لي يا رسولَ اللهِ، وكان أقسَم لا يدخُلُ عليهنَّ شهرًا مِن شدَّةِ مَوْجِدتِه عليهنَّ حتَّى عاتَبه اللهُ قال الزُّهريُّ: فأخبَرني عروةُ عن عائشةَ قالت: فلمَّا مضى تسعٌ وعشرونَ دخَل عليَّ رسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بدَأ بي فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ إنَّكَ أقسَمْتَ ألَّا تدخُلَ علينا شهرًا وإنَّك دخَلْتَ تسعًا وعشرينَ أعُدُّهنَّ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( إنَّ الشَّهرَ تسعٌ وعشرونَ ) ثمَّ قال: ( يا عائشةُ إنِّي ذاكرٌ لكِ أمرًا فلا أُريدُ أنْ تعجَلي فيه حتَّى تستأمِري أبويكِ ) قالت: ثمَّ قرَأ عليَّ الآيةَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29] قالت عائشةُ: قد علِم واللهِ أنَّ أبويَّ لم يكونا يأمُراني بفِراقِه فقُلْتُ: أفي هذا أستأمِرُ أبويَّ فإنِّي أُريدُ اللهَ ورسولَه والدَّارَ الآخرةَ
خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه
الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان
الصفحة أو الرقم : 4268 التخريج : أخرجه البخاري (5843)، ومسلم (1479) باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة التحريم قرآن - أسباب النزول مناقب وفضائل - عائشة بنت أبي بكر الصديق وضوء - المساعدة في الوضوء علم - سؤال العالم عما لا يعلم
|أصول الحديث | شرح حديث مشابه

7 - عن ابن عباس قال: لم أزَلْ حريصًا أنْ أسأَلَ عمرَ بنَ الخطَّابِ عن المرأتينِ اللَّتينِ مِن أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال اللهُ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] حتَّى حجَّ عمرُ فحجَجْتُ معه فلمَّا كان في بعضِ الطَّريقِ عدَل ليتوضَّأَ وعدَلْتُ معه بالإداوةِ فتبرَّز ثمَّ أتاني فسكَبْتُ على يديه فتوضَّأ فقُلْتُ: يا أميرَ المؤمنينَ مَن المرأتانِ مِن أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اللَّتانِ قال اللهُ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ؟ فقال عمرُ: واعجبًا لك يا ابنَ عبَّاسٍ ثمَّ قال: هي عائشةُ وحفصةُ ثمَّ أنشَأ يسوقُ الحديثَ فقال: كنَّا معشرَ قريشٍ قومًا نغلِبُ النِّساءَ فلمَّا قدِمْنا المدينةَ وجَدْناهم قومًا تغلِبُهم نساؤُهم فطفِق نساؤُنا يتعلَّمْنَ مِن نسائِهم وكان منزلي في بني أميَّةَ بنِ زيدٍ في العوالي قال: فتغضَّبْتُ يومًا على امرأتي فإذا هي تُراجِعُني فأنكَرْتُ أنْ تُراجِعَني فقالت: ما تُنكِرُ أنْ أُراجِعَك فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لتُراجِعْنَه، وتهجُرُه إحداهنَّ اليومَ إلى اللَّيلِ قال: فانطلَقْتُ فدخَلْتُ على حفصةَ فقُلْتُ: أتُراجِعينَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قالت: نَعم وتهجُرُه إحدانا اليومَ إلى اللَّيلِ قال: قد قُلْتُ: قد خاب مَن فعَل ذلك منكنَّ وخسِر، أفتأمَنُ إحداكنَّ أنْ يغضَبَ اللهُ عليها لغضبِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا هي قد هلَكتْ لا تُراجِعي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا تسأَليه شيئًا وسَليني ما بدا لكِ، ولا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارتُك هي أوسمَ وأحبَّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منكِ ـ يُريدُ عائشةَ قال: وكان لي جارٌ مِن الأنصارِ وكنَّا نتناوَبُ النُّزولَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فينزِلُ يومًا وأنزِلُ يومًا فيأتيني بخبرِ الوحيِ وغيرِه وأنزِلُ فآتيه بمثلِ ذلك، وكنَّا نتحدَّثُ أنَّ غسَّانَ تنعَلُ الخيلَ لتغزوَنا قال: فنزَل صاحبي يومًا، ثمَّ أتاني فضرَب على بابي ثمَّ ناداني فخرَجْتُ إليه فقال: حدَث أمرٌ عظيمٌ فقُلْتُ: ماذا أجاءتْ غسَّانُ ؟ قال: بل أعظمُ مِن ذلك وأطولُ، طلَّق رسولُ اللهِ نساءَه فقُلْتُ: خابت حفصةُ وخسِرت قد كُنْتُ أظُنَّ هذا كائنًا فلمَّا صلَّيْتُ الصُّبحَ شدَدْتُ علَيَّ ثيابي ثمَّ نزَلْتُ فدخَلْتُ على حفصةَ فإذا هي تبكي فقُلْتُ: أَطلَّقكنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ فقالت: لا أدري هو ذا هو مُعتزِلٌ في هذه المَشرُبةِ قال: فأتَيْتُ غلامًا له أسودَ فقُلْتُ: استأذِنْ لعُمرَ فدخَل الغلامُ ثمَّ خرَج إليَّ وقال: قد ذكَرْتُكَ له فلم يقُلْ شيئًا فانطلَقْتُ حتَّى أتَيْتُ المسجدَ فإذا قومٌ حولَ المنبرِ جلوسٌ يبكي بعضُهم إلى بعضٍ قال: فجلَسْتُ قليلًا ثمَّ غلَبني ما أجِدُ فأتَيْتُ الغلامَ فقُلْتُ: استأذِنْ لعمرَ فدخَل ثمَّ خرَج إليَّ فقال: قد ذكَرْتُكَ له فصمَت فرجَعْتُ فجلَسْتُ إلى المنبرِ ثمَّ غلَبني ما أجِدُ فأتَيْتُ الغلامَ فقُلْتُ: استأذِنْ لعمرَ فدخَل ثمَّ خرَج إليَّ فقال: قد ذكَرْتُك له فسكَت فولَّيْتُ مدبِرًا فإذا الغلامُ يدعوني ويقولُ: ادخُلْ فقد أذِن لكَ فدخَلْتُ فسلَّمْتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا هو متَّكئٌ على رملِ حصيرٍ قد أثَّر بجَنبِه فقُلْتُ: أطلَّقْتَ يا رسولَ اللهِ نساءَك ؟ قال: فرفَع رأسَه إليَّ وقال: ( لا ) فقُلْتُ: اللهُ أكبرُ لو رأيتَنا يا رسولَ اللهِ وكنَّا معشرَ قريشٍ قومًا نغلِبُ النِّساءَ فلمَّا قدِمْنا المدينةَ وجَدْنا قومًا تغلِبُهم نساؤُهم فطفِق نساؤُنا يتعلَّمْنَ مِن نسائِهم فتغضَّبْتُ على امرأتي يومًا فإذا هي تُراجِعُني فأنكَرْتُ ذلك عليها فقالت: أتُنكِرُ أنْ أُراجِعَكَ ؟ فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيُراجِعْنُه، وتهجُرُه إحداهنَّ اليومَ إلى اللَّيلِ قال: فقُلْتُ: قد خاب مَن فعَل ذلك منهنَّ وخسِرت أتأمَنُ إحداهنَّ أنْ يغضَبَ اللهُ عليها لغضبِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا هي قد هلَكتْ ؟ ! قال: فتبسَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ فدخَلْتُ على حفصةَ فقُلْتُ لها: لا تُراجِعي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا تسأَليه شيئًا وسَليني ما بدا لكِ ولا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارتُك هي أوسمَ وأحبَّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منكِ قال: فتبسَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخرى فقُلْتُ: أستأنِسُ يا رسولَ اللهِ ؟ قال: ( نَعم ) فجلَسْتُ فرفَعْتُ رأسي في البيتِ فواللهِ ما رأَيْتُ فيه شيئًا يرُدُّ البصرَ إلَّا أُهُبًا ثلاثةً فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ أنْ يوسِّعَ على أمَّتِك فقد وسَّع اللهُ على فارسَ والرُّومِ وهم لا يعبُدونَه قال: فاستوى جالسًا وقال: ( أفي شكٍّ أنتَ يا ابنَ الخطَّابِ أولئكَ قومٌ عُجِّلتْ لهم طيِّباتُهم في الحياةِ الدُّنيا ) فقُلْتُ: استغفِرْ لي يا رسولَ اللهِ، وكان أقسَم لا يدخُلُ عليهنَّ شهرًا مِن شدَّةِ مَوْجِدتِه عليهنَّ حتَّى عاتَبه اللهُ قال الزُّهريُّ: فأخبَرني عروةُ عن عائشةَ قالت: فلمَّا مضى تسعٌ وعشرونَ دخَل عليَّ رسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بدَأ بي فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ إنَّكَ أقسَمْتَ ألَّا تدخُلَ علينا شهرًا وإنَّك دخَلْتَ تسعًا وعشرينَ أعُدُّهنَّ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( إنَّ الشَّهرَ تسعٌ وعشرونَ ) ثمَّ قال: ( يا عائشةُ إنِّي ذاكرٌ لكِ أمرًا فلا أُريدُ أنْ تعجَلي فيه حتَّى تستأمِري أبويكِ ) قالت: ثمَّ قرَأ عليَّ الآيةَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29] قالت عائشةُ: قد علِم واللهِ أنَّ أبويَّ لم يكونا يأمُراني بفِراقِه فقُلْتُ: أفي هذا أستأمِرُ أبويَّ فإنِّي أُريدُ اللهَ ورسولَه والدَّارَ الآخرةَ

8 - أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عبَّاسٍ أخبَره أنَّه كان يُقرئُ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ في خلافةِ عمرَ بنِ الخطَّابِ قال: فلم أرَ رجلًا يجِدُ مِن الِاقْشَعْريرةِ ما يجِدُ عبدُ الرَّحمنِ عندَ القراءةِ قال ابنُ عبَّاسٍ: فجِئْتُ ألتمِسُ عبدَ الرَّحمنِ يومًا فلم أجِدْه فانتظَرْتُه في بيتِه حتَّى رجَع مِن عندِ عمرَ فلمَّا رجَع قال لي: لو رأَيْتَ رجلًا آنفًا قال لعمرَ كذا وكذا وهو يومَئذٍ بمنًى في آخِرِ حجَّةٍ حجَّها عمرُ بنُ الخطَّابِ فذكَر عبدُ الرَّحمنِ لابنِ عبَّاسٍ أنَّ رجلًا أتى إلى عمرَ فأخبَره أنَّ رجلًا قال: واللهِ لو مات عمرُ لقد بايَعْتُ فلانًا قال عمرُ حينَ بلَغه ذلك: إنِّي لَقائمٌ إنْ شاء اللهُ العشيَّةَ في النَّاسِ فمُحذِّرُهم هؤلاء الَّذينَ يغتصِبون الأمَّةَ أمرَهم فقال عبدُ الرَّحمنِ: فقُلْتُ: يا أميرَ المؤمنينَ لا تفعَلْ ذلك يومَك هذا فإنَّ المَوسِمَ يجمَعُ رَعاعَ النَّاسِ وغَوغاءَهم وإنَّهم هم الَّذينَ يغلِبونَ على مجلسِك فأخشى إنْ قُلْتَ فيهم اليومَ مقالًا أنْ يَطيروا بها ولا يَعوها ولا يضَعوها على مواضعِها أمهِلْ حتَّى تقدَمَ المدينةَ فإنَّها دارُ الهجرةِ والسُّنَّةِ، وتخلُصَ لعلماءِ النَّاسِ وأشرافِهم فتقولَ ما قُلْتَ متمكِّنًا فيَعوا مقالتَك ويضَعوها على مواضعِها قال عمرُ: واللهِ لئِنْ قدِمْتُ المدينةَ صالحًا لأُكلِّمَنَّ بها النَّاسَ في أوَّلِ مقامٍ أقومُه قال ابنُ عبَّاسٍ: فلمَّا قدِمْنا المدينةَ في عقِبِ ذي الحجَّةِ وجاء يومُ الجمعةِ هجَّرْتُ صكَّةَ الأعمى لِمَا أخبَرني عبدُ الرَّحمنِ فوجَدْتُ سعيدَ بنَ زيدٍ قد سبَقني بالتَّهجيرِ فجلَس إلى ركنٍ جانبَ المنبرِ الأيمنَ فجلَسْتُ إلى جنبِه تمَسُّ ركبتي ركبتَه فلم ينشَبْ عمرُ أنْ خرَج فأقبَل يؤُمُّ المنبرَ فقُلْتُ لسعيدِ بنِ زيدٍ وعمرُ مُقبِلٌ: واللهِ ليقولَنَّ أميرُ المؤمنينَ على هذا المنبرِ اليومَ مقالةً لم يقُلْها أحدٌ قبْلَه فأنكَر ذلك سعيدُ بنُ زيدٍ وقال: ما عسى أنْ يقولَ ما لم يقُلْه أحدٌ قبْلَه ؟ فلمَّا جلَس على المنبرِ أذَّن المؤذِّنُ فلمَّا أنْ سكَت قام عمرُ فتشهَّد وأثنى على اللهِ بما هو أهلُه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ فإنِّي قائلٌ لكم مقالةً قد قُدِّر لي أنْ أقولَها لعلَّها بينَ يدَيْ أجَلي فمَن عقَلها ووعاها فلْيُحدِّثْ بها حيثُ انتَهتْ به راحلتُه ومَن خشي ألَّا يعيَها فلا أُحِلُّ له أنْ يكذِبَ عليَّ: إنَّ اللهَ جلَّ وعلا بعَث محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنزَل عليه الكتابَ فكان ممَّا أُنزِل عليه آيةُ الرَّجمِ فقرَأْناها وعقَلْناها ووعَيْناها ورجَم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورجَمْنا بعدَه وأخشى إنْ طال بالنَّاسِ زمانٌ أنْ يقولَ قائلٌ: واللهِ ما نجِدُ آيةَ الرَّجمِ في كتابِ اللهِ فيترُكَ فريضةً أنزَلها اللهُ وإنَّ الرَّجمَ في كتابِ اللهِ حقٌّ على مَن زنى إذا أحصَن مِن الرِّجالِ والنِّساءِ إذا قامتِ البيِّنةُ أو كان الحَبَلُ أو الاعترافُ ثم إنَّا قد كنَّا نقرَأُ أنْ: ( لا ترغَبوا عن آبائِكم فإنَّ كفرًا بكم أنْ ترغَبوا عن آبائِكم ) ثم إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ( لا تُطروني كما أُطري ابنُ مريمَ فإنَّما أنا عبدٌ فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه ) ثمَّ إنَّه بلَغني أنَّ فلانًا منكم يقولُ: واللهِ لو قد مات عمرُ لقد بايَعْتُ فلانًا فلا يغُرَّنَّ امرأً أنْ يقولَ: إنَّ بيعةَ أبي بكرٍ كانت فَلْتةً فتمَّتْ فإنَّها قد كانت كذلك إلَّا أنَّ اللهَ وقى شرَّها وليس فيكم مَن تُقطَعُ إليه الأعناقُ مثلُ أبي بكرٍ وإنَّه كان مِن خيرِنا حينَ تُوفِّي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإنَّ عليًّا والزُّبيرَ ومَن معهما تخلَّفوا عنَّا وتخلَّفتِ الأنصارُ عنَّا بأَسرِها واجتمَعوا في سَقيفةِ بني ساعدةَ واجتمَع المهاجرونَ إلى أبي بكرٍ فبَيْنا نحنُ في منزلِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ رجلٌ يُنادي مِن وراءِ الجدارِ: اخرُجْ إليَّ يا ابنَ الخطَّابِ فقُلْتُ: إليك عنِّي فإنَّا مشاغيلُ عنك فقال: إنَّه قد حدَث أمرٌ لا بدَّ منك فيه إنَّ الأنصارَ قد اجتمَعوا في سَقيفةِ بني ساعدةَ فأدرِكوهم قبْلَ أنْ يُحدِثوا أمرًا فيكونَ بينَكم وبينهم فيه حربٌ فقُلْتُ لأبي بكرٍ: انطلِقْ بنا إلى إخوانِنا هؤلاء مِن الأنصارِ فانطلَقْنا نؤُمُّهم فلقيَنا أبو عُبيدةَ بنُ الجرَّاحِ فأخَذ أبو بكرٍ بيدِه فمشى بيني وبينه حتَّى إذا دنَوْنا منهم لقيَنا رجلانِ صالحانِ فذكَرا الَّذي صنَع القومُ وقالا: أين تُريدونَ يا معشرَ المهاجرينَ ؟ فقُلْتُ: نُريدُ إخوانَنا مِن هؤلاء الأنصارِ قالا: لا عليكم ألَّا تقرَبوهم يا معشرَ المهاجرينَ اقضوا أمرَكم فقُلْتُ: واللهِ لنأتيَنَّهم فانطلَقْنا حتَّى أتَيْناهم فإذا هم في سَقيفةِ بني ساعدةَ فإذا بينَ أظهُرِهم رجلٌ مزَّمِّلٌ فقُلْتُ: مَن هذا ؟ قالوا: سعدُ بنُ عُبادةَ قُلْتُ: فما له ؟ قالوا: هو وجِعٌ، فلمَّا جلَسْنا تكلَّم خطيبُ الأنصارِ فأثنى على اللهِ بما هو أهلُه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ فنحنُ أنصارُ اللهِ وكتيبةُ الإسلامِ وأنتم يا معشرَ المهاجرينَ رهطٌ منَّا وقد دفَّت دافَّةٌ مِن قومِكم قال عمرُ: وإذا هم يُريدونَ أنْ يختزِلونا مِن أصلِنا ويحطُّوا بنا [ منه ] قال: فلمَّا قضى مقالتَه أرَدْتُ أنْ أتكلَّمَ وكُنْتُ قد زوَّرْتُ مقالةً أعجَبتْني أُريدُ أنْ أقومَ بها بينَ يدَيْ أبي بكرٍ وكُنْتُ أُداري مِن أبي بكرٍ بعضَ الحدَّةِ فلمَّا أرَدْتُ أنْ أتكلَّمَ قال أبو بكرٍ: على رِسْلِك ، فكرِهْتُ أنْ أُغضِبَه فتكلَّم أبو بكرٍ وهو كان أحلَمَ منِّي وأوقَرَ، واللهِ ما ترَك مِن كلمةٍ أعجَبتْني في تزويري إلَّا تكلَّم بمثلِها أو أفضَلَ في بديهتِه حتَّى سكَت فتشهَّد أبو بكرٍ وأثنى على اللهِ بما هو أهلُه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ أيُّها الأنصارُ فما ذكَرْتُم فيكم مِن خيرٍ فأنتم أهلُه ولن تعرِفَ العربُ هذا الأمرَ إلَّا لهذا الحيِّ مِن قريشٍ هم أوسطُ العربِ نسبًا ودارًا وقد رضيتُ لكم أحدَ هذينِ الرَّجلينِ فبايِعوا أيَّهما شِئْتُم فأخَذ بيدي وبيدِ أبي عُبيدةَ بنِ الجرَّاحِ فلم أكرَهْ مِن مقالتِه غيرَها كان واللهِ أنْ أُقدَّمَ فتُضرَبَ عُنقي لا يُقرِّبُني ذلك إلى إثمٍ أحَبَّ إليَّ مِن أنْ أُؤمَّرَ على قومٍ فيهم أبو بكرٍ إلَّا أنْ تغيَّر نفسي عندَ الموتِ فلمَّا قضى أبو بكرٍ مقالتَه قال قائلٌ مِن الأنصارِ: أنا جُذَيْلُها المُحكَّكُ وعُذَيْقُها المرجَّبُ منَّا أميرٌ ومنكم أميرٌ يا معشرَ قريشٍ قال عمرُ: فكثُر اللَّغطُ وارتفَعتِ الأصواتُ حتَّى أشفَقْتُ الاختلافَ قُلْتُ: ابسُطْ يدَك يا أبا بكرٍ فبسَط أبو بكرٍ يدَه فبايَعْتُه وبايَعه المهاجرونَ والأنصارُ ونزَوْنا على سعدِ بنِ عُبادةَ فقال قائلٌ مِن الأنصارِ: قتَلْتُم سعدًا قال عمرُ: فقُلْتُ وأنا مُغضَبٌ: قتَل اللهُ سعدًا فإنَّه صاحبُ فتنةٍ وشرٍّ وإنَّا واللهِ ما رأَيْنا فيما حضَر مِن أمرِنا أمرًا أقوى مِن بيعةِ أبي بكرٍ فخشينا إنْ فارَقْنا القومَ قبْلَ أنْ تكونَ بيعةٌ أنْ يُحدِثوا بعدَنا بيعةً فإمَّا أنْ نُبايِعَهم على ما لا نرضى وإمَّا أنْ نُخالِفَهم فيكونَ فسادًا فلا يغتَرَّنَّ امرؤٌ أنْ يقولَ: إنَّ بيعةَ أبي بكرٍ كانت فَلْتةً فتمَّتْ فقد كانت فَلْتةً ولكنَّ اللهَ وقى شرَّها ألا وإنَّه ليس فيكم اليومَ مثلُ أبي بكرٍ قال مالكٌ: أخبَرني الزُّهريُّ أنَّ عُروةَ بنَ الزُّبيرِ أخبَره أنَّ الرَّجلينِ الأنصاريَّيْنِ اللَّذينِ لقيا المهاجرينَ هما: عويمُ بنُ ساعدةَ ومعنُ بنُ عديٍّ، وزعَم مالكٌ أنَّ الزُّهريَّ سمِع سعيدَ بنَ المسيَّبِ يزعُمُ أنَّ الَّذي قال يومَئذٍ: ( أنا جُذَيْلُها المُحكَّكُ ) رجلٌ مِن بني سلِمةَ يُقالُ له: حُبابُ بنُ المنذِرِ
خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان
الصفحة أو الرقم : 414 التخريج : أخرجه البخاري (6830) بلفظ مقارب، ومسلم (1691) مختصراً بلفظ مقارب
التصنيف الموضوعي: قرآن - فضل قراءة القرآن قرآن - آداب حملة القران مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - عبد الرحمن بن عوف مناقب وفضائل - فضائل جمع من الصحابة والتابعين
|أصول الحديث | شرح حديث مشابه

9 - أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عبَّاسٍ أخبَره أنَّه كان يُقرئُ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ في خلافةِ عمرَ بنِ الخطَّابِ قال: فلم أرَ رجلًا يجِدُ مِن الِاقْشَعْريرةِ ما يجِدُ عبدُ الرَّحمنِ عندَ القراءةِ قال ابنُ عبَّاسٍ: فجِئْتُ ألتمِسُ عبدَ الرَّحمنِ يومًا فلم أجِدْه فانتظَرْتُه في بيتِه حتَّى رجَع مِن عندِ عمرَ فلمَّا رجَع قال لي: لو رأَيْتَ رجلًا آنفًا قال لعمرَ كذا وكذا وهو يومَئذٍ بمنًى في آخِرِ حجَّةٍ حجَّها عمرُ بنُ الخطَّابِ فذكَر عبدُ الرَّحمنِ لابنِ عبَّاسٍ أنَّ رجلًا أتى إلى عمرَ فأخبَره أنَّ رجلًا قال: واللهِ لو مات عمرُ لقد بايَعْتُ فلانًا قال عمرُ حينَ بلَغه ذلك: إنِّي لَقائمٌ إنْ شاء اللهُ العشيَّةَ في النَّاسِ فمُحذِّرُهم هؤلاء الَّذينَ يغتصِبون الأمَّةَ أمرَهم فقال عبدُ الرَّحمنِ: فقُلْتُ: يا أميرَ المؤمنينَ لا تفعَلْ ذلك يومَك هذا فإنَّ المَوسِمَ يجمَعُ رَعاعَ النَّاسِ وغَوغاءَهم وإنَّهم هم الَّذينَ يغلِبونَ على مجلسِك فأخشى إنْ قُلْتَ فيهم اليومَ مقالًا أنْ يَطيروا بها ولا يَعوها ولا يضَعوها على مواضعِها أمهِلْ حتَّى تقدَمَ المدينةَ فإنَّها دارُ الهجرةِ والسُّنَّةِ، وتخلُصَ لعلماءِ النَّاسِ وأشرافِهم فتقولَ ما قُلْتَ متمكِّنًا فيَعوا مقالتَك ويضَعوها على مواضعِها قال عمرُ: واللهِ لئِنْ قدِمْتُ المدينةَ صالحًا لأُكلِّمَنَّ بها النَّاسَ في أوَّلِ مقامٍ أقومُه قال ابنُ عبَّاسٍ: فلمَّا قدِمْنا المدينةَ في عقِبِ ذي الحجَّةِ وجاء يومُ الجمعةِ هجَّرْتُ صكَّةَ الأعمى لِمَا أخبَرني عبدُ الرَّحمنِ فوجَدْتُ سعيدَ بنَ زيدٍ قد سبَقني بالتَّهجيرِ فجلَس إلى ركنٍ جانبَ المنبرِ الأيمنَ فجلَسْتُ إلى جنبِه تمَسُّ ركبتي ركبتَه فلم ينشَبْ عمرُ أنْ خرَج فأقبَل يؤُمُّ المنبرَ فقُلْتُ لسعيدِ بنِ زيدٍ وعمرُ مُقبِلٌ: واللهِ ليقولَنَّ أميرُ المؤمنينَ على هذا المنبرِ اليومَ مقالةً لم يقُلْها أحدٌ قبْلَه فأنكَر ذلك سعيدُ بنُ زيدٍ وقال: ما عسى أنْ يقولَ ما لم يقُلْه أحدٌ قبْلَه ؟ فلمَّا جلَس على المنبرِ أذَّن المؤذِّنُ فلمَّا أنْ سكَت قام عمرُ فتشهَّد وأثنى على اللهِ بما هو أهلُه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ فإنِّي قائلٌ لكم مقالةً قد قُدِّر لي أنْ أقولَها لعلَّها بينَ يدَيْ أجَلي فمَن عقَلها ووعاها فلْيُحدِّثْ بها حيثُ انتَهتْ به راحلتُه ومَن خشي ألَّا يعيَها فلا أُحِلُّ له أنْ يكذِبَ عليَّ: إنَّ اللهَ جلَّ وعلا بعَث محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنزَل عليه الكتابَ فكان ممَّا أُنزِل عليه آيةُ الرَّجمِ فقرَأْناها وعقَلْناها ووعَيْناها ورجَم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورجَمْنا بعدَه وأخشى إنْ طال بالنَّاسِ زمانٌ أنْ يقولَ قائلٌ: واللهِ ما نجِدُ آيةَ الرَّجمِ في كتابِ اللهِ فيترُكَ فريضةً أنزَلها اللهُ وإنَّ الرَّجمَ في كتابِ اللهِ حقٌّ على مَن زنى إذا أحصَن مِن الرِّجالِ والنِّساءِ إذا قامتِ البيِّنةُ أو كان الحَبَلُ أو الاعترافُ ثم إنَّا قد كنَّا نقرَأُ أنْ: ( لا ترغَبوا عن آبائِكم فإنَّ كفرًا بكم أنْ ترغَبوا عن آبائِكم ) ثم إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ( لا تُطروني كما أُطري ابنُ مريمَ فإنَّما أنا عبدٌ فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه ) ثمَّ إنَّه بلَغني أنَّ فلانًا منكم يقولُ: واللهِ لو قد مات عمرُ لقد بايَعْتُ فلانًا فلا يغُرَّنَّ امرأً أنْ يقولَ: إنَّ بيعةَ أبي بكرٍ كانت فَلْتةً فتمَّتْ فإنَّها قد كانت كذلك إلَّا أنَّ اللهَ وقى شرَّها وليس فيكم مَن تُقطَعُ إليه الأعناقُ مثلُ أبي بكرٍ وإنَّه كان مِن خيرِنا حينَ تُوفِّي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإنَّ عليًّا والزُّبيرَ ومَن معهما تخلَّفوا عنَّا وتخلَّفتِ الأنصارُ عنَّا بأَسرِها واجتمَعوا في سَقيفةِ بني ساعدةَ واجتمَع المهاجرونَ إلى أبي بكرٍ فبَيْنا نحنُ في منزلِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ رجلٌ يُنادي مِن وراءِ الجدارِ: اخرُجْ إليَّ يا ابنَ الخطَّابِ فقُلْتُ: إليك عنِّي فإنَّا مشاغيلُ عنك فقال: إنَّه قد حدَث أمرٌ لا بدَّ منك فيه إنَّ الأنصارَ قد اجتمَعوا في سَقيفةِ بني ساعدةَ فأدرِكوهم قبْلَ أنْ يُحدِثوا أمرًا فيكونَ بينَكم وبينهم فيه حربٌ فقُلْتُ لأبي بكرٍ: انطلِقْ بنا إلى إخوانِنا هؤلاء مِن الأنصارِ فانطلَقْنا نؤُمُّهم فلقيَنا أبو عُبيدةَ بنُ الجرَّاحِ فأخَذ أبو بكرٍ بيدِه فمشى بيني وبينه حتَّى إذا دنَوْنا منهم لقيَنا رجلانِ صالحانِ فذكَرا الَّذي صنَع القومُ وقالا: أين تُريدونَ يا معشرَ المهاجرينَ ؟ فقُلْتُ: نُريدُ إخوانَنا مِن هؤلاء الأنصارِ قالا: لا عليكم ألَّا تقرَبوهم يا معشرَ المهاجرينَ اقضوا أمرَكم فقُلْتُ: واللهِ لنأتيَنَّهم فانطلَقْنا حتَّى أتَيْناهم فإذا هم في سَقيفةِ بني ساعدةَ فإذا بينَ أظهُرِهم رجلٌ مزَّمِّلٌ فقُلْتُ: مَن هذا ؟ قالوا: سعدُ بنُ عُبادةَ قُلْتُ: فما له ؟ قالوا: هو وجِعٌ، فلمَّا جلَسْنا تكلَّم خطيبُ الأنصارِ فأثنى على اللهِ بما هو أهلُه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ فنحنُ أنصارُ اللهِ وكتيبةُ الإسلامِ وأنتم يا معشرَ المهاجرينَ رهطٌ منَّا وقد دفَّت دافَّةٌ مِن قومِكم قال عمرُ: وإذا هم يُريدونَ أنْ يختزِلونا مِن أصلِنا ويحطُّوا بنا [ منه ] قال: فلمَّا قضى مقالتَه أرَدْتُ أنْ أتكلَّمَ وكُنْتُ قد زوَّرْتُ مقالةً أعجَبتْني أُريدُ أنْ أقومَ بها بينَ يدَيْ أبي بكرٍ وكُنْتُ أُداري مِن أبي بكرٍ بعضَ الحدَّةِ فلمَّا أرَدْتُ أنْ أتكلَّمَ قال أبو بكرٍ: على رِسْلِك ، فكرِهْتُ أنْ أُغضِبَه فتكلَّم أبو بكرٍ وهو كان أحلَمَ منِّي وأوقَرَ، واللهِ ما ترَك مِن كلمةٍ أعجَبتْني في تزويري إلَّا تكلَّم بمثلِها أو أفضَلَ في بديهتِه حتَّى سكَت فتشهَّد أبو بكرٍ وأثنى على اللهِ بما هو أهلُه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ أيُّها الأنصارُ فما ذكَرْتُم فيكم مِن خيرٍ فأنتم أهلُه ولن تعرِفَ العربُ هذا الأمرَ إلَّا لهذا الحيِّ مِن قريشٍ هم أوسطُ العربِ نسبًا ودارًا وقد رضيتُ لكم أحدَ هذينِ الرَّجلينِ فبايِعوا أيَّهما شِئْتُم فأخَذ بيدي وبيدِ أبي عُبيدةَ بنِ الجرَّاحِ فلم أكرَهْ مِن مقالتِه غيرَها كان واللهِ أنْ أُقدَّمَ فتُضرَبَ عُنقي لا يُقرِّبُني ذلك إلى إثمٍ أحَبَّ إليَّ مِن أنْ أُؤمَّرَ على قومٍ فيهم أبو بكرٍ إلَّا أنْ تغيَّر نفسي عندَ الموتِ فلمَّا قضى أبو بكرٍ مقالتَه قال قائلٌ مِن الأنصارِ: أنا جُذَيْلُها المُحكَّكُ وعُذَيْقُها المرجَّبُ منَّا أميرٌ ومنكم أميرٌ يا معشرَ قريشٍ قال عمرُ: فكثُر اللَّغطُ وارتفَعتِ الأصواتُ حتَّى أشفَقْتُ الاختلافَ قُلْتُ: ابسُطْ يدَك يا أبا بكرٍ فبسَط أبو بكرٍ يدَه فبايَعْتُه وبايَعه المهاجرونَ والأنصارُ ونزَوْنا على سعدِ بنِ عُبادةَ فقال قائلٌ مِن الأنصارِ: قتَلْتُم سعدًا قال عمرُ: فقُلْتُ وأنا مُغضَبٌ: قتَل اللهُ سعدًا فإنَّه صاحبُ فتنةٍ وشرٍّ وإنَّا واللهِ ما رأَيْنا فيما حضَر مِن أمرِنا أمرًا أقوى مِن بيعةِ أبي بكرٍ فخشينا إنْ فارَقْنا القومَ قبْلَ أنْ تكونَ بيعةٌ أنْ يُحدِثوا بعدَنا بيعةً فإمَّا أنْ نُبايِعَهم على ما لا نرضى وإمَّا أنْ نُخالِفَهم فيكونَ فسادًا فلا يغتَرَّنَّ امرؤٌ أنْ يقولَ: إنَّ بيعةَ أبي بكرٍ كانت فَلْتةً فتمَّتْ فقد كانت فَلْتةً ولكنَّ اللهَ وقى شرَّها ألا وإنَّه ليس فيكم اليومَ مثلُ أبي بكرٍ قال مالكٌ: أخبَرني الزُّهريُّ أنَّ عُروةَ بنَ الزُّبيرِ أخبَره أنَّ الرَّجلينِ الأنصاريَّيْنِ اللَّذينِ لقيا المهاجرينَ هما: عويمُ بنُ ساعدةَ ومعنُ بنُ عديٍّ، وزعَم مالكٌ أنَّ الزُّهريَّ سمِع سعيدَ بنَ المسيَّبِ يزعُمُ أنَّ الَّذي قال يومَئذٍ: ( أنا جُذَيْلُها المُحكَّكُ ) رجلٌ مِن بني سلِمةَ يُقالُ له: حُبابُ بنُ المنذِرِ
خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان
الصفحة أو الرقم : 414 التخريج : أخرجه البخاري (6830) بلفظ مقارب، ومسلم (1691) مختصراً بلفظ مقارب
التصنيف الموضوعي: قرآن - فضل قراءة القرآن قرآن - آداب حملة القران مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - عبد الرحمن بن عوف مناقب وفضائل - فضائل جمع من الصحابة والتابعين
|أصول الحديث | شرح حديث مشابه

10 - قدِم الجارودُ بنُ عبدِ اللهِ وكان سيِّدًا في قومِه مطاعًا عظيمًا في عشيرتِه مطاعَ الأمرِ رفيعَ القدرِ عظيمَ الخطرِ ظاهرَ الأدبِ شامخَ الحسبِ بديعَ الجمالِ حسنَ الفِعالِ ذا منْعةٍ ومالٍ في وفدِ عبدِ القيسِ من ذَوِي الأخطارِ والأقدارِ والفضلِ والإحسانِ والفصاحةِ والرُّهبانِ كان رجلٌ منهم كالنَّخلةِ السَّحوقِ على ناقةٍ كالفحلِ العتيقِ قد جنَبوا الجيادَ وأعدُّوا للجِلادِ مُجدِّين في مسيرِهم حازمين في أمرِهم يسيرون ذميلًا يقطعون ميلًا فميلًا حتَّى أناخوا عند مسجدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأقبل الجارودُ على قومِه والمشايخِ من بني عمِّه فقال يا قومِ هذا محمَّدٌ الأغرُّ سيِّدُ العربِ وخيرُ ولدِ عبدِ المطَّلبِ فإذا دخلتم عليه ووقفتم بين يدَيْه فأحسِنوا عنده السَّلامَ وأقلُّوا عنده الكلامَ فقالوا بأجمعِهم أيُّها الملكُ الهمامُ والأسدُ الضُّرغامُ لن نتكلَّمَ إذا حضرتَ ولن نُجاوزَ ما أمرتَ فقُلْ ما شئتَ فإنَّا سامعون اعمَلْ ما شئتَ فإنَّا تابعون وقال الصَّابونيُّ مُبايعون فنظر الجارودُ في كلِّ كَمِيٍّ صِنديدٍ قد دوَّموا العمائمَ وتزيُّوا بالصَّوارمِ يجرُّون أسيافَهم ويستحِبون أذيالَهم يتناشدون الأشعارَ ويتذاكرون مناقبَ الأخيارِ لا يتكلَّمون طويلًا ولا يسكُتون عِيًّا إن أمرهم ائتَمروا وإن زجرهم ازدجروا وقال الصَّابونيُّ انزجروا كأنَّهم أُسدٌ يقدُمُها ذو لبْدةٍ مهولٌ حتَّى مثُلوا بين يديِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلمَّا دخل القومُ المسجدَ وأبصرهم أهلُ المشهدِ دلَف الجارودُ أمامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحسَر لِثامَه وأحسن سلامَه ثمَّ أنشأ يقولُ يا نبيَّ الهدَى أتتك رجالٌ قطعت فدْفدًا وآلًا فآلًا وقال البيهقيُّ مهمهًا وطوت نحوَك الصَّحاصِحَ طُرًّا لا تخالُ الكِلالَ قبلُ كِلالًا كلُّ دهماءَ يقصُرُ الطَّرفُ عنها أرقَلتها قِلاصُنا إرقالًا وطوتها الجيادُ تُحمْحِمُ فيها بكُماةٍ كأنجُمٍ تتلالا تبتغي دفعَ بأسِ يومٍ عبوسٍ أوجَلِ القلبِ ذِكرُه ثمَّ هالا فلمَّا سمِع النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فرِح فرحًا شديدًا وقرَّبه وأدناه ورفع مجلسَه وحيَّاه وأكرمه وقال يا جارودُ لقد تأخَّر بك وبقومِك الموعِدُ وطال بكم الأمَدُ قال واللهِ يا رسولَ اللهِ لقد أخطأ من أخطأك قصدَه وعدِم رُشدَه وتلك أيمُ اللهِ أكبرُ خيبةٍ وأعظمُ حويَةٍ والرَّائدُ لا يكذبُ أهلَه ولا يغُشُّ نفسَه لقد جئتَ بالحقِّ ونطقتَ بالصِّدقِ والَّذي بعثك بالحقِّ نبيًّا واختارك للمؤمنين وليًّا لقد وجدتُ وصفَك في الإنجيلِ ولقد بشَّر بك ابنُ البتولِ فطوَّل التَّحيَّةَ لك والشُّكرَ لمن أكرمك وأرسلك لا أثرَ بعد عينٍ ولا شكَّ بعد يقينٍ مُدَّ يدَك فأنا أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّك محمَّدٌ رسولُ اللهِ قال فآمن الجارودُ وآمن من قومِه كلُّ سيِّدٍ فسُرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سرورًا وابتهج حُبورًا وقال يا جارودُ هل في جماعةِ وفدِ عبدِ القيسِ من يعرِفُ لنا قَسًّا قال كلُّنا نعرفُه يا رسولَ اللهِ وأنا من بين قومي كنتُ أقفو أثرَه وأطلب خبرَه كان قَسٌّ سبطًا من أسباطِ العربِ صحيحَ النَّسبِ فصيحًا إذا خطب ذا شيبةٍ حسنةٍ عُمِّر سبعَمائةِ سنةٍ يتقفَّرُ القِفارَ لا تُكِنُّه دارٌ ولا يُقرُّه قرارٌ يتحسَّى في تقفُّرِه بيضَ النَّعامِ ويأنسُ بالوحشِ والهوامِّ يلبسُ المُسوحَ ويتبَعُ السِّياحَ على منهاجِ المسيحِ لا يفتُرُ من الرَّهبانيَّةِ يُقرُّ للهِ تعالَى بالوحدانيَّةِ يُضرَبُ بحكمتِه الأمثالُ ويُكشفُ به الأهوالُ وتتبعه الأبدالُ أدرك رأسَ الحواريِّين سمعانَ فهو أوَّلُ من تألَّه من العربِ وأعبدُ من تعبَّد في الحِقَبِ وأيقَن بالبعثِ والحسابِ وحذَّر سوءَ المُنقَلَبِ والمآبِ ووعَظ بذِكرِ الموتِ وأمر بالعملِ قبل الفوْتِ الحسنِ الألفاظِ الخاطبِ بسوقِ عُكاظٍ العالمِ بشرقٍ وغربٍ ويابسٍ ورطْبٍ أُجاجٍ وعذبٍ كأنِّي أنظرُ إليه والعربُ بين يدَيْه يُقسِمُ بالرَّبِّ الَّذي هو له ليبلغنَّ الكتابُ أجلَه وليوفينَّ كلُّ عاملٍ عملَه وأنشأ يقولُ هاج للقلبِ من جَواه ادِّكار وليالٍ خلالَهنَّ نهارُ ونجومٌ يحُثُّها قمرُ اللَّيلِ وشمسٌ في كلِّ يومٍ تُدارُ ضوؤُها يطمِسُ العيونَ وإرعادٌ شديدٌ في الخافقَيْن مُطارُ وغلامٌ وأشمطُ ورضيعٌ كلُّهم في التُّرابِ يومًا يُزارُ وقصورٌ مشيدةٌ حوَت الخيرَ وأخرَى خلت لهنَّ قِفارُ وكثيرٌ ممَّا يقصُرُ عنه جوسةُ النَّاظرِ الَّذي لا يحارُ والَّذي قد ذكرتُ دلَّ على اللهِ نفوسًا لها هدًى واعتبارُ فقال النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على رِسلِك يا جارودُ فلستُ أنساه بسوقِ عُكاظٍ على جملٍ له أورقَ وهو يتكلَّمُ بكلامٍ مُوثَّقٌ ما أظنُّ أنِّي أحفظُه فهل فيكم يا معشرَ المهاجرين والأنصارِ من يحفَظُ لنا منه شيئًا وقال الصَّابونيُّ يحفظُه فوثب أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضِي اللهُ تعالَى عنه قائمًا فقال يا رسولَ اللهِ إنِّي أحفظُه وكنتُ حاضرًا ذلك اليومَ بسوقِ عُكاظٍ حين خطب فأطنب ورغَّب ورهَّب وحذَّر وأنذَر وقال في خطبتِه أيُّها النَّاسُ اسمعوا وعُوا وإذا وعيتم فانتفعوا إنَّه من عاش مات ومن مات فات وكلُّ ما هو آتٍ آتٍ نباتٌ ومطرٌ وأرزاقٌ وأقواتٌ وآباءٌ وأمَّهاتٌ وأحياءٌ وأمواتٌ جميعٌ وأشتاتٌ وآياتٌ بعد آياتٍ إنَّ في السَّماءِ لخبرًا وإنَّ في الأرضِ لعِبرًا ليلٌ داجٍ وسماءٌ ذاتُ أبراجٍ وأرضٌ ذاتُ ارتياجٍ وبحارٌ ذاتُ أمواجٍ ما لي أرَى النَّاسَ يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقامِ فأقاموا أم تُرِكوا هناك فناموا أُقسِمُ قسمًا حقًّا لا حانثًا فيه ولا آثمًا إنَّ للهِ دينًا هو أحبُّ إليه من دينِكم الَّذي أنتم عليه ونبيًّا قد حان حينُه وأظلَّكم زمانُه وأدرككم إبَّانُه فطوبَى لمن آمن به فهداه فويلٌ لمن خالفه وعصاه ثمَّ قال تبًّا لأربابِ الغفلةِ من الأممِ الخاليةِ والقرونِ الماضيةِ يا معشرَ إيادٍ من الأبِ والأجدادِ من المريضِ والعُوَّادِ وأين الفراعنةُ الشِّدادُ أين من بنا وشيَّد وزخرف وجدَّد وغرَّه المالُ والولَدُ أين من طغَى وبغَى وجمع فأوعَى وقال أنا ربُّكم الأعلَى ألم يكونوا أكثرَ منكم أموالًا وأبعدَ منكم آمالًا وأطولَ منكم آجالًا طحنهم الثَّرَى بكَلْكَلِه ومزَّقهم بتطاوُلِه فبلت عِظامَهم باليةٌ وبيوتُهم خاليةٌ وعمَرتها الذِّيابُ العاديةُ وقال أبو صالحٍ العاويةُ كلَّا بل هو اللهُ الواحدُ المعبودُ ليس بوالدٍ ولا مولودٍ ثمَّ أنشأ يقولُ في الذَّاهبين الأوَّلين من القرونِ لنا بصائرُ لمَّا رأيتُ مواردَ للموتِ ليس لها مصادرُ ورأيتُ قومي نحوَها تُمضِي الأصاغرَ الأكابرُ لا يرجعُ الماضي إليَّ ولا من الباقين غابرٌ أيقنتُ أنِّي لا محالةَ حيث يصيرُ القومُ صائرٌ قال فجلس ثمَّ قام رجلٌ زاد أبو عبدِ اللهِ من الأنصارِ بعده كأنَّه قطعةُ جبلٍ ثمَّ اتَّفقا فقالا ذو هامةٍ عظيمةٍ وقامةٍ جسيمةٍ قد دوَّم عِمامتَه وأرخَى ذؤابتَه منيفٌ أنوفٌ أشدقُ حسَنُ الصَّوتِ فقال يا سيِّدَ المرسلين وصفوةَ ربِّ العالمين لقد رأيتُ من قَسٍّ عجبَا وشهِدتُ منه مرغبًا فقال وما الَّذي رأيتَه منه وحفِظتَه عنه فقال خرجتُ في الجاهليَّةِ أطلُبُ بعيرًا لي شرد منِّي أقفو أثرَه وأطلُبُ خبرَه في تنائِفَ وقال الصَّابونيُّ وإسماعيلُ في فيافي وقالا حقائفَ ذاتِ دعادعَ وزعازعَ وليس بها الرَّكبُ وقال إسماعيلُ ليس للرَّكبِ فيها مقيلٌ ولا لغيرِ الجنِّ سبيلٌ وإذا بموئلٍ مهولٍ في طودٍ عظيمٍ ليس به إلَّا البُومُ وأدركني اللَّيلُ فولجتُه مذعورًا لا آمنُ فيه حتفي ولا أركنُ إلى غيرِ سيفي فبِتُّ بليلٍ طويلٍ كأنَّه بليلٍ موصولٍ أرقبُ الكوكبَ وأرمُقُ الغيْهبَ حتَّى إذا عسعس اللَّيلُ وكان الصُّبحُ أن يتنفَّسَ هتَف بي هاتفٌ يقولُ : يا أيُّها الراقدُ في اللَّيلِ الأحمْ قد بعث اللهُ نبيًّا في الحرمْ من هاشمٍ أهلِ الوفاءِ والكرمْ يجلو دجِناتِ الدَّياجي والبُهُمْ قال فأدرتُ طرفي فما رأيتُ له شخصًا ولا سمِعتُ له فَحْصًا فأنشأتُ أقولُ : يا أيُّها الهاتفُ في داجي الظُّلَمْ أهلًا وسهلًا بك من طيْفٍ ألمّ بيِّنْ هداك اللهُ في لحنِ الكَلِمْ ماذا الَّذي تدعو إليه يُغتنَمْ قال فإذا أنا بنحنحةٍ وقائلٍ يقولُ ظهر النُّورُ وبطُل الزُّورُ وبعث اللهُ تبارك وتعالَى محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالخيرِ صاحبِ النَّجيبِ الأحمرِ والتَّاجِ والمِغفرِ والوجهِ الأزهرِ والحاجبِ الأقمرِ والطَّرْفِ الأحوَرِ صاحبِ قولِ شهادةِ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ فذلك محمَّدٌ المبعوثُ إلى الأسوَدِ والأبيضِ أهلِ المدَرِ والوبَرِ ثمَّ أنشأ يقولُ : الحمدُ للهِ الَّذي لم يخلُقْ الخلقَ عبثْ لم يُخلِنا حينًا سُدًى من بعد عيسَى واكترثْ أرسل فينا محمَّدًا خيرَ نبيٍّ قد بُعِث صلَّى عليه اللهُ ما حجَّ له ركْبٌّ وحَثْ قال فذُهِلتُ عن البعيرِ وألبسني السُّرورُ ولاح الصَّباحُ واتَّسع الإيضاحُ فتركتُ الموْرَ وأخذتُ الجبلَ فإذا أنا بالعتيقِ يُشقشِقُ إلى النُّوقِ فأخذتُ بخطامِه وعلوتُ سِنامَه فمرح طاعةً وهززتُه ساعةً حتَّى إذا لغَب وذلَّ منه ما صعُب وحَمِيت الوسادةُ وبرَدت المزادةُ فإذا الزَّادُ قد هشَّ له الفؤادُ برَّكتُه فبرِك وأذِنتُ له فترك في روضةٍ خضِرةٍ نضِرةٍ عطِرةٍ ذاتِ حوذانٍ وقُربانٍ وعُنقرانٍ وعَبَيْثرانِ زاد إسماعيلُ نعنعٌ وشيحٌ وقالا وحَلْيٌ وأقاحٌ وجثْجاثٌ وبِرارٌ وشقائقُ وبُهارٌ كأنَّما قد مات الجوُّ بها مطيرًا أو باكرها المُزنُ بُكورًا فخلا لها شجرٌ وقرارُها نهرٌ فجعل يرتعُ أبًّا وأصِيدُ ضبًّا حتَّى إذا أكل وأكلتُ ونهلتُ ونهل وعلَلتُ وعلَّ وحَللتُ عَقالَه وعلوتُ جلالَه وأوسعتُ مجالَه فاغتنم الحملةَ ومرَّ كالنَّبلةِ يسبِقُ الرِّيحَ ويقطعُ عرضَ الفسيحِ حتَّى أشرف بي على وادٍ وشجرٍ من شجرِ عادٍ مُورِقةٌ مُونِقةٌ قد تهدَّل أغصانُها كأنَّها بريرُها حبُّ فُلفُلٍ فدنوْتُ فإذا أنا بقَسِّ بنِ ساعدةَ في ظلِّ شجرةٍ بيدِه قضيبٌ من أراكٍ ينكُتُ به الأرضَ وهو يترنَّمُ ويُشعِرُ زاد البيهقيُّ وأبو صالحٍ وهو يقولُ يا ناعيَ الموتِ والملْحودَ في جدَثٍ علِّمْهم من بقايا بَزِّهم خرَقُ دَعْهم فإنَّ لهم يومًا يُصاحُ لهم فهم إذا انتبهوا من يومِهم فِرَقُ حتَّى يعودوا بحالٍ غيرِ حالِهم خلقًا جديدًا كما من قبلِه خُلِقوا منهم عراةٌ ومنهم في ثيابِهم منها الجديدُ ومنها المنهجُ الخَلِقُ، قال فدنوْتُ منه فسلَّمتُ عليه فردَّ عليَّ السَّلامَ وإذا أنا بعينِ خرَّارةٍ في الأرضِ خوَّارةٍ ومسجدٍ بين قبرَيْن وأسدَيْن عظيمَيْن يلوذان به ويتمسَّحان بأبوابِه وإذا أحدُهما سبق الآخرَ إلى الماءِ فتبِعه الآخرُ يطلبُ الماءَ فضربه بالقضيبِ الَّذي في يدِه وقال ارجَعْ ثكِلتك أمُّك حتَّى يشربَ الَّذي ورد قبلك على الماءِ قال فرجع ثمَّ ورد بعده فقلتُ له ما هذان القبران فقال هذان قبرا أخوَيْن لي كانا يعبدان اللهَ تبارك وتعالَى في هذا المكانِ لا يُشرِكان باللهِ تبارك وتعالَى شيئًا فأدركهما الموتُ فقبرتُهما وها أنا بين قبرَيْهما حقٌّ ألحقُ بهما ثمَّ نظر إليهما فتغرغرت عيناه بالدُّموعِ وانكبَّ عليهما وجعل يقولُ : ألم تريا أنِّي بسَمْعان مُفرَدُ وما لي فيها من خليلٍ سواكما خليليَّ هُبَّا طال ما قد رقدتما أجدُكما لا تقضيان كراكما ألم تريا أنِّي بشَمعانَ مُفرَدُ وما لي فيها من خليلٍ سواكما مقيمٌ على قبرَيْكما لستُ بارحًا طُوالَ اللَّيالي أو يُجيبُ صداكما أبكيكُما طُولَ الحياةِ وما الَّذي يردُّ على ذي عولةٍ إن بكاكما كأنَّكما والموتَ أقربُ غائبٍ بروحي في قبرَيْكما قد أتاكما أمن طُولِ نومٍ لا تُجيبان داعيًا كأنَّ الَّذي يَسقي العقارَ سقاكما فلو جُعِلت نفسٌ لنفسٍ وِقايةً لجُدتُ بنفسي أن تكونَ فِداكما فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رحِمُ اللهُ قَسًّا إنِّي أرجو أن يبعثَه اللهُ عزَّ وجلَّ أمَّةً وحدَه
خلاصة حكم المحدث : غريب
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن عساكر | المصدر : تاريخ دمشق
الصفحة أو الرقم : 3/428 التخريج : أخرجه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (2/105)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (3/428) واللفظ له
التصنيف الموضوعي: فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - بعثته للناس كافة فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - صفة النبي وأمته في كتب أهل الكتاب فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - فضل نسب النبي مناقب وفضائل - فضائل القبائل مناقب وفضائل - قس بن ساعدة الإيادي
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

11 - انقلَب عبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ إلى منزلِه بمنًى في آخِرِ حجَّةٍ حجَّها عمرُ بنُ الخطَّابِ فقال: إنَّ فلانًا يقولُ: لو قد مات عمرُ بايَعْتُ فلانًا قال عمرُ: إنِّي قائمٌ العشيَّةَ في النَّاسِ وأُحذِّرُهم هؤلاء الَّذينَ يُريدونَ أنْ يغصِبوهم أمرَهم قال عبدُ الرَّحمنِ: فقُلْتُ: لا تفعَلْ يا أميرَ المؤمنينَ فإنَّ المَوسِمَ يجمَعُ رَعاعَ النَّاسِ وغَوْغاءَهم، وإنَّ أولئكَ الَّذينَ يغلِبونَ على مجلسِكَ إذا أقَمْتَ في النَّاسِ فيَطيروا بمقالتِك ولا يضَعوها مواضعَها، أمهِلْ حتَّى تقدَمَ المدينةَ فإنَّها دارُ الهجرةِ فتخلُصَ بعلماءِ النَّاسِ وأشرافِهم وتقولَ ما قُلْتَ متمكِّنًا، ويَعونَ مقالتَك ويضَعونها مواضعَها فقال عمرُ: لئِنْ قدِمْتُ المدينةَ سالِمًا إنْ شاء اللهُ لأتكلَّمَنَّ في أوَّلِ مقامٍ أقومُه فقدِم المدينةَ في عقِبِ ذي الحجَّةِ فلمَّا كان يومُ الجمعةِ عجَّلْتُ الرَّواحَ في شدَّةِ الحرِّ فوجَدْتُ سعيدَ بنَ زيدٍ قد سبَقني فجلَس إلى ركنِ المنبرِ الأيمنِ وجلَسْتُ إلى جنبِه تمَسُّ ركبتي ركبتَه فلم أنشَبْ أنْ طلَع عمرُ فقُلْتُ لسعيدٍ: أمَا إنَّه سيقولُ اليومَ على هذا المنبرِ مقالةً لم يقُلْها منذُ استُخلِف قال: وما عسى أنْ يقولَ ؟ فجلَس عمرُ على المنبرِ فحمِد اللهَ وأثنى عليه بما هو أهلُه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ فإنِّي قائلٌ لكم مقالةً قُدِّر لي أنْ أقولَها لا أدري لعلَّها بينَ يدَيْ أجَلي فمَن عقَلها ووعاها فلْيُحدِّثْ بها حيث انتَهتْ به راحلتُه ومَن لم يعقِلْها فلا يحِلُّ لمسلمٍ أنْ يكذِبَ عليَّ: إنَّ اللهَ تبارَك وتعالى بعَث محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنزَل عليه الكتابَ فكان فيما أُنزِل عليه آيةُ الرَّجمِ فقرَأ بها ورجَم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورجَمْنا بعدَه، وأخافُ إنْ طال بالنَّاسِ زمانٌ أنْ يقولَ قائلٌ: ما نجِدُ آيةَ الرَّجمِ في كتابِ اللهِ فيضِلُّوا بتركِ فريضةٍ أنزَلها اللهُ، والرَّجمُ حقٌّ على مَن زنى مِن الرِّجالِ والنِّساءِ إذا قامتِ البيِّنةُ أو كان حَملٌ أو اعترافٌ، وايمُ اللهِ لولا أنْ يقولَ النَّاسُ: زاد عمرُ في كتابِ اللهِ لكتَبْتُها ألا وإنَّا كنَّا نقرَأُ ( لا ترغَبوا عن آبائِكم فإنَّ كفرًا بكم أنْ ترغَبوا عن آبائِكم ) ثمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ( لا تُطروني كما أطَرتِ النَّصارى عيسى ابنَ مريمَ فإنَّما أنا عبدٌ فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه ) ألا وإنَّه بلَغني أنَّ فلانًا قال: لو قد مات عمرُ بايَعْتُ فلانًا فمَن بايَع امرأً مِن غيرِ مشورةٍ مِن المسلِمينَ فإنَّه لا بيعةَ له ولا للَّذي بايَعه فلا يغتَرَّنَّ أحدٌ فيقولَ: إنَّ بيعةَ أبي بكرٍ كانت فَلتةً ألا وإنَّها كانت فلتةً إلَّا أنَّ اللهَ وقى شرَّها وليس منكم اليومَ مَن تُقطَعُ إليه الأعناقُ مِثلُ أبي بكرٍ ألا وإنَّه كان مِن خيرِنا يومَ توفَّى اللهُ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّ المهاجرينَ اجتمَعوا إلى أبي بكرٍ وتخلَّف عنَّا الأنصارُ في سَقيفةِ بني ساعدةَ فقُلْتُ لأبي بكرٍ: انطلِقْ بنا إلى إخوانِنا مِن الأنصارِ ننظُرْ ما صنَعوا فخرَجْنا نؤُمُّهم فلقيَنا رجلانِ صالحانِ منهم فقالا: أين تذهَبون يا معشرَ المهاجرينَ ؟ فقُلْتُ: نُريدُ إخوانَنا مِن الأنصارِ قال: فلا عليكم ألَّا تأتوهم اقضوا أمرَكم يا معشرَ المهاجرينَ فقُلْتُ: واللهِ لا نرجِعُ حتَّى نأتيَهم فجِئْناهم فإذا هم مجتمعونَ في سَقيفةِ بني ساعدةَ وإذا رجلٌ مزَّمِّلٌ بينَ ظَهْرانَيْهم فقُلْتُ: مَن هذا ؟ فقالوا: سعدُ بنُ عُبادةَ قُلْتُ: ما له ؟ قالوا: وجِعٌ، فلمَّا جلَسْنا قام خطيبُهم فحمِد اللهَ وأثنى عليه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ فنحنُ أنصارُ اللهِ وكتيبةُ الإسلامِ وقد دفَّت إلينا - يا معشرَ المسلِمينَ - منكم دافَّةٌ وإذا هم قد أرادوا أنْ يختصُّوا بالأمرِ ويُخرِجونا مِن أصلِنا قال عمرُ: فلمَّا سكَت أرَدْتُ أنْ أتكلَّمَ وقد كُنْتُ زوَّرْتُ مقالةً قد أعجَبتْني أُريدُ أنْ أقولَها بينَ يدَيْ أبي بكرٍ وكُنْتُ أُداري منه بعضَ الحَدِّ وكان أحلَمَ منِّي وأوقَرَ فأخَذ بيدي وقال: اجلِسْ فكرِهْتُ أنْ أُغضِبَه فتكلَّم فواللهِ ما ترَك ممَّا زوَّرْتُه في مقالتي إلَّا قال مثلَه في بديهتِه أو أفضَلَ فحمِد اللهَ وأثنى عليه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ فما ذكَرْتُم مِن خيرٍ فأنتم أهلُه ولن يعرِفَ العربُ هذا الأمرَ إلَّا لهذا الحيِّ مِن قريشٍ هم أوسطُ العربِ دارًا ونسبًا وقد رضيتُ لكم أحدَ هذينِ الرَّجلينِ فبايِعوا أيَّهما شِئْتُم وأخَذ بيدي ويدِ أبي عُبيدةَ بنِ الجرَّاحِ وهو جالسٌ بيننا فلم أكرَهْ شيئًا مِن مقالتِه غيرَها كان واللهِ لَأنْ أُقدَّمَ فتُضرَبَ عنقي في أمرٍ لا يُقرِّبُني ذلك إلى إثمٍ أحَبَّ إليَّ مِن أنْ أُؤمَّرَ على قومٍ فيهم أبو بكرٍ فقال فتى الأنصارِ: أنا جُذَيْلُها المحكَّكُ وعُذَيْقُها المرجَّبُ منَّا أميرٌ ومنكم أميرٌ يا معشرَ قريشٍ فكثُر اللَّغطُ وخشيتُ الاختلافَ فقُلْتُ: ابسُطْ يدَك يا أبا بكرٍ فبسَطها فبايَعْتُه وبايَعه المهاجرونَ والأنصارُ ونزَوْنا على سعدٍ فقال قائلٌ: قتَلْتُم سعدًا فقُلْتُ: قتَل اللهُ سعدًا فلم نجِدْ شيئًا هو أفضلَ مِن مبايعةِ أبي بكرٍ خشيتُ إنْ فارَقْنا القومَ أنْ يُحدِثوا بعدَنا بيعةً فإمَّا أنْ نُبايِعَهم على ما لا نرضى وإمَّا أنْ نُخالِفَهم فيكونَ فسادًا واختلافًا فبايَعْنا أبا بكرٍ جميعًا ورضينا به
خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان
الصفحة أو الرقم : 413 التخريج : أخرجه البخاري (6830) بلفظ مقارب، ومسلم (1691) مختصراً باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: اعتصام بالسنة - لزوم السنة حدود - حد الرجم فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - تواضعه صلى الله عليه وسلم حدود - حد الزنا حدود - رجم الزاني المحصن وجلد البكر وتغريبه
|أصول الحديث | شرح حديث مشابه

12 - انقلَب عبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ إلى منزلِه بمنًى في آخِرِ حجَّةٍ حجَّها عمرُ بنُ الخطَّابِ فقال: إنَّ فلانًا يقولُ: لو قد مات عمرُ بايَعْتُ فلانًا قال عمرُ: إنِّي قائمٌ العشيَّةَ في النَّاسِ وأُحذِّرُهم هؤلاء الَّذينَ يُريدونَ أنْ يغصِبوهم أمرَهم قال عبدُ الرَّحمنِ: فقُلْتُ: لا تفعَلْ يا أميرَ المؤمنينَ فإنَّ المَوسِمَ يجمَعُ رَعاعَ النَّاسِ وغَوْغاءَهم، وإنَّ أولئكَ الَّذينَ يغلِبونَ على مجلسِكَ إذا أقَمْتَ في النَّاسِ فيَطيروا بمقالتِك ولا يضَعوها مواضعَها، أمهِلْ حتَّى تقدَمَ المدينةَ فإنَّها دارُ الهجرةِ فتخلُصَ بعلماءِ النَّاسِ وأشرافِهم وتقولَ ما قُلْتَ متمكِّنًا، ويَعونَ مقالتَك ويضَعونها مواضعَها فقال عمرُ: لئِنْ قدِمْتُ المدينةَ سالِمًا إنْ شاء اللهُ لأتكلَّمَنَّ في أوَّلِ مقامٍ أقومُه فقدِم المدينةَ في عقِبِ ذي الحجَّةِ فلمَّا كان يومُ الجمعةِ عجَّلْتُ الرَّواحَ في شدَّةِ الحرِّ فوجَدْتُ سعيدَ بنَ زيدٍ قد سبَقني فجلَس إلى ركنِ المنبرِ الأيمنِ وجلَسْتُ إلى جنبِه تمَسُّ ركبتي ركبتَه فلم أنشَبْ أنْ طلَع عمرُ فقُلْتُ لسعيدٍ: أمَا إنَّه سيقولُ اليومَ على هذا المنبرِ مقالةً لم يقُلْها منذُ استُخلِف قال: وما عسى أنْ يقولَ ؟ فجلَس عمرُ على المنبرِ فحمِد اللهَ وأثنى عليه بما هو أهلُه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ فإنِّي قائلٌ لكم مقالةً قُدِّر لي أنْ أقولَها لا أدري لعلَّها بينَ يدَيْ أجَلي فمَن عقَلها ووعاها فلْيُحدِّثْ بها حيث انتَهتْ به راحلتُه ومَن لم يعقِلْها فلا يحِلُّ لمسلمٍ أنْ يكذِبَ عليَّ: إنَّ اللهَ تبارَك وتعالى بعَث محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنزَل عليه الكتابَ فكان فيما أُنزِل عليه آيةُ الرَّجمِ فقرَأ بها ورجَم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورجَمْنا بعدَه، وأخافُ إنْ طال بالنَّاسِ زمانٌ أنْ يقولَ قائلٌ: ما نجِدُ آيةَ الرَّجمِ في كتابِ اللهِ فيضِلُّوا بتركِ فريضةٍ أنزَلها اللهُ، والرَّجمُ حقٌّ على مَن زنى مِن الرِّجالِ والنِّساءِ إذا قامتِ البيِّنةُ أو كان حَملٌ أو اعترافٌ، وايمُ اللهِ لولا أنْ يقولَ النَّاسُ: زاد عمرُ في كتابِ اللهِ لكتَبْتُها ألا وإنَّا كنَّا نقرَأُ ( لا ترغَبوا عن آبائِكم فإنَّ كفرًا بكم أنْ ترغَبوا عن آبائِكم ) ثمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ( لا تُطروني كما أطَرتِ النَّصارى عيسى ابنَ مريمَ فإنَّما أنا عبدٌ فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه ) ألا وإنَّه بلَغني أنَّ فلانًا قال: لو قد مات عمرُ بايَعْتُ فلانًا فمَن بايَع امرأً مِن غيرِ مشورةٍ مِن المسلِمينَ فإنَّه لا بيعةَ له ولا للَّذي بايَعه فلا يغتَرَّنَّ أحدٌ فيقولَ: إنَّ بيعةَ أبي بكرٍ كانت فَلتةً ألا وإنَّها كانت فلتةً إلَّا أنَّ اللهَ وقى شرَّها وليس منكم اليومَ مَن تُقطَعُ إليه الأعناقُ مِثلُ أبي بكرٍ ألا وإنَّه كان مِن خيرِنا يومَ توفَّى اللهُ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّ المهاجرينَ اجتمَعوا إلى أبي بكرٍ وتخلَّف عنَّا الأنصارُ في سَقيفةِ بني ساعدةَ فقُلْتُ لأبي بكرٍ: انطلِقْ بنا إلى إخوانِنا مِن الأنصارِ ننظُرْ ما صنَعوا فخرَجْنا نؤُمُّهم فلقيَنا رجلانِ صالحانِ منهم فقالا: أين تذهَبون يا معشرَ المهاجرينَ ؟ فقُلْتُ: نُريدُ إخوانَنا مِن الأنصارِ قال: فلا عليكم ألَّا تأتوهم اقضوا أمرَكم يا معشرَ المهاجرينَ فقُلْتُ: واللهِ لا نرجِعُ حتَّى نأتيَهم فجِئْناهم فإذا هم مجتمعونَ في سَقيفةِ بني ساعدةَ وإذا رجلٌ مزَّمِّلٌ بينَ ظَهْرانَيْهم فقُلْتُ: مَن هذا ؟ فقالوا: سعدُ بنُ عُبادةَ قُلْتُ: ما له ؟ قالوا: وجِعٌ، فلمَّا جلَسْنا قام خطيبُهم فحمِد اللهَ وأثنى عليه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ فنحنُ أنصارُ اللهِ وكتيبةُ الإسلامِ وقد دفَّت إلينا - يا معشرَ المسلِمينَ - منكم دافَّةٌ وإذا هم قد أرادوا أنْ يختصُّوا بالأمرِ ويُخرِجونا مِن أصلِنا قال عمرُ: فلمَّا سكَت أرَدْتُ أنْ أتكلَّمَ وقد كُنْتُ زوَّرْتُ مقالةً قد أعجَبتْني أُريدُ أنْ أقولَها بينَ يدَيْ أبي بكرٍ وكُنْتُ أُداري منه بعضَ الحَدِّ وكان أحلَمَ منِّي وأوقَرَ فأخَذ بيدي وقال: اجلِسْ فكرِهْتُ أنْ أُغضِبَه فتكلَّم فواللهِ ما ترَك ممَّا زوَّرْتُه في مقالتي إلَّا قال مثلَه في بديهتِه أو أفضَلَ فحمِد اللهَ وأثنى عليه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ فما ذكَرْتُم مِن خيرٍ فأنتم أهلُه ولن يعرِفَ العربُ هذا الأمرَ إلَّا لهذا الحيِّ مِن قريشٍ هم أوسطُ العربِ دارًا ونسبًا وقد رضيتُ لكم أحدَ هذينِ الرَّجلينِ فبايِعوا أيَّهما شِئْتُم وأخَذ بيدي ويدِ أبي عُبيدةَ بنِ الجرَّاحِ وهو جالسٌ بيننا فلم أكرَهْ شيئًا مِن مقالتِه غيرَها كان واللهِ لَأنْ أُقدَّمَ فتُضرَبَ عنقي في أمرٍ لا يُقرِّبُني ذلك إلى إثمٍ أحَبَّ إليَّ مِن أنْ أُؤمَّرَ على قومٍ فيهم أبو بكرٍ فقال فتى الأنصارِ: أنا جُذَيْلُها المحكَّكُ وعُذَيْقُها المرجَّبُ منَّا أميرٌ ومنكم أميرٌ يا معشرَ قريشٍ فكثُر اللَّغطُ وخشيتُ الاختلافَ فقُلْتُ: ابسُطْ يدَك يا أبا بكرٍ فبسَطها فبايَعْتُه وبايَعه المهاجرونَ والأنصارُ ونزَوْنا على سعدٍ فقال قائلٌ: قتَلْتُم سعدًا فقُلْتُ: قتَل اللهُ سعدًا فلم نجِدْ شيئًا هو أفضلَ مِن مبايعةِ أبي بكرٍ خشيتُ إنْ فارَقْنا القومَ أنْ يُحدِثوا بعدَنا بيعةً فإمَّا أنْ نُبايِعَهم على ما لا نرضى وإمَّا أنْ نُخالِفَهم فيكونَ فسادًا واختلافًا فبايَعْنا أبا بكرٍ جميعًا ورضينا به
خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان
الصفحة أو الرقم : 413 التخريج : أخرجه البخاري (6830) بلفظ مقارب، ومسلم (1691) مختصراً باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: اعتصام بالسنة - لزوم السنة حدود - حد الرجم فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - تواضعه صلى الله عليه وسلم حدود - حد الزنا حدود - رجم الزاني المحصن وجلد البكر وتغريبه
|أصول الحديث | شرح حديث مشابه