الموسوعة الحديثية

نتائج البحث

1 - كان من دَلالاتِ حَملِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ كُلَّ دابَّةٍ كانت لقُرَيشٍ نَطَقتْ تلك اللَّيلَةَ، وقالت: حُمِلَ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وربِّ الكَعبَةِ، وهو أمانُ الدُّنيا وسِراجُ أهلِها، ولم تَبْقَ كاهِنَةٌ في قُرَيشٍ، ولا في قَبيلَةٍ من قَبائِلِ العَرَبِ إلَّا حُجِبَتْ عن صاحِبَتِها، وانتُزِعَ عِلمُ الكَهَنةِ منها، ولم يَبْقَ سَريرُ مَلِكٍ من مُلوكِ الدُّنيا إلَّا أصبَحَ مَنكوسًا، والمَلِكُ مُخرَسًا لا يَنطِقُ يَومَه ذلك، ومرَّتْ وَحْشُ المَشرِقِ إلى وَحْشِ المَغرِبِ بالبِشاراتِ، وكذلك أهلُ البِحارِ يُبشِّرُ بعضُهم بعضًا، له في كُلِّ شَهرٍ من شُهورِه نِداءٌ في الأرضِ، ونِداءٌ في السَّماءِ أنْ أَبْشِروا، فقد آنَ لأبي القاسِمِ أنْ يَخرُجَ إلى الأرضِ مَيمونًا مُباركًا، قال: وبَقيَ في بَطنِ أُمِّه تِسعةَ أشهُرٍ كُمَّلًا، لا تَشكو وَجَعًا، ولا ريحًا، ولا مَغَصًا، ولا ما يَعرِضُ للنِّساءِ ذواتِ الحَمْلِ، وهَلَكَ أبوه عبدُ اللهِ وهو في بَطنِ أُمِّه ، فقالتِ الملائكةُ: إلَهُنا وسيِّدُنا بَقِيَ نبيُّك هذا يتيمًا، فقال اللهُ: أنا له وليٌّ وحافِظٌ ونَصيرٌ، وتبرَّكوا بمَولِدِه، فمَولِدُه مَيمونٌ مُباركٌ، وفَتَحَ اللهُ لمَولِدِه أبوابَ السَّماءِ وجِنانِه، فكانت آمِنَةُ تُحدِّثُ عن نَفْسِها، وتقول: أتاني آتٍ حين مرَّ بي من حَمْلِه سِتَّةُ أشهُرٍ فوَكَزني برِجْلِه في المنامِ، وقال لي: يا آمِنَةُ، إنَّك قد حَمَلتِ بخَيرِ العالَمين طُرًّا، فإذا وَلَدتيهِ فسَمِّيهِ مُحمَّدًا، فكانت تُحدِّثُ عن نِفاسِها وتقولُ: لقد أخَذَني ما يَأخُذُ النِّساءَ، ولم يَعلَمْ بي أحَدٌ من القَومِ، فسَمِعتُ وَجبَةً شَديدةً وأمْرًا عَظيمًا، فهالَني ذلك، فرَأيتُ كأنَّ جَناحَ طَيرٍ أبيضَ قد مَسَحَ على فُؤادي، فذَهَبَ عنِّي كُلُّ رُعبٍ، وكُلُّ وَجَعٍ كُنتُ أجِدُ، ثم التَفَتُّ فإذا أنا بشَربَةٍ بَيضاءَ لَبَنًا، وكُنتُ عَطْشى فتَناوَلْتُها فشَرِبتُها، فأضاءَ منِّي نورٌ عالٍ، ثم رَأيتُ نِسوَةً كالنَّخلِ الطِّوالِ كأنَّهن من بَناتِ عبدِ مَنافٍ يُحدِقْنَ بي، فبينا أنا أعجَبُ وإذا بدِيباجٍ أبيَضَ قد مُدَّ بين السَّماءِ والأرضِ، وإذا بقائِلٍ يقولُ: خُذوه من أعيُنِ النَّاسِ، قالت: ورَأيتُ رِجالًا قد وَقَفوا في الهَواءِ بأيْديهم أبارِيقُ فِضَّةٍ، ورَأيتُ قِطعَةً من الطَّيرِ قد أقبَلَتْ حتى غطَّتْ حِجْري، مَناقيرُها من الزُّمُرُّدِ وأجْنِحَتُها من اليَواقيتِ، فكَشَفَ اللهُ عن بَصَري، وأبْصَرتُ تلك الساعَةَ مَشارِقَ الأرضِ ومَغارِبَها، ورَأيتُ ثَلاثةَ أعْلامٍ مَضروباتٍ: عَلَمًا في المَشرِقِ، وعَلَمًا في المَغرِبِ، وعَلَمًا على ظَهرِ الكَعبَةِ، فأخَذَني المَخاضُ، فوَلَدتُ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا خَرَجَ مِن بَطني، نَظَرتُ إليه فإذا أنا به ساجِدًا، قد رَفَعَ إصبَعيهِ كالمُتضرِّعِ المُبتَهِلِ، ثم رَأيتُ سَحابَةً بَيضاءَ قد أقبَلَتْ من السَّماءِ حتى غَشِيَتْه، فغُيِّبَ عن وَجْهي وسَمِعتُ مُناديًا يُنادي: طوفوا بمُحمَّدٍ شَرقَ الأرضِ وغَرْبَها، وأدْخِلوه البِحارَ لِيَعرِفوه باسْمِه ونَعْتِه وصورَتِه، ويَعلَمون أنَّه سُمِّيَ فيها الماحي، لا يَبقى شَيءٌ من الشِّركِ إلَّا مُحِيَ في زَمَنِه، ثم تجَلَّتْ عنه في أسرع وَقتٌ، فإذا أنا به مُدرَجٌ في ثَوبِ صوفٍ أبيضَ، وتحته حَريرةٌ خَضراءُ، وقد قَبَضَ على ثلاثةِ مَفاتيحَ من اللُّؤلُؤِ الرَّطِبِ، وإذا قائلٌ يقولُ: قَبَضَ مُحمَّدٌ على مَفاتيحِ النُّصرَةِ، ومَفاتيحِ الرِّيحِ، ومَفاتيحِ النُّبوَّةِ، ثم أقبَلَتْ سَحابَةٌ أخرى يُسمَعُ منها صَهيلُ الخَيلِ، وخَفَقانُ الأجنِحَةِ حتى غَشِيَتْه؛ فغُيِّبَ عن عَيْني، فسَمِعتُ مُناديًا يُنادي: طوفوا بمُحمَّدٍ الشَّرقَ والغَربَ، وعلى مَواليدِ النَّبيِّينَ، واعْرِضوه على كُلِّ رُوحانيٍّ من الجِنِّ والإنسِ والطَّيرِ والسِّباعِ، وأعْطوه صَفاءَ آدَمَ، ورِقَّةَ نوحٍ، وخُلَّةَ إبراهيمَ، ولِسانَ إسماعيلَ، وبُشرى يَعقوبَ، وجَمالَ يوسُفَ، وصَوتَ داودَ، وصَبرَ أيُّوبَ، وزُهدَ يَحيى، وكَرَمَ عيسى، واعْمُروه في أخلاقِ الأنبياءِ، ثم تجَلَّتْ عنه، فإذا أنا به قد قَبَضَ على حرَيرةٍ خَضْراءَ مَطويَّةٍ، وإذا قائِلٌ يقولُ: بَخٍ بَخٍ ، قَبَضَ مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الدُّنيا كُلِّها، لم يَبْقَ خَلْقٌ من أهلِها إلَّا دَخَلَ في قَبضَتِه، وإذا أنا بثَلاثَةِ نَفَرٍ في يَدِ أحدِهم إبريقٌ من فِضَّةٍ، وفي يَدِ الثاني طَسْتٌ من زُمُرُّدٍ أخضَرَ، وفي يَدِ الثَّالثِ حَريرةٌ بَيضاءُ، فنَشَرَها، فأخرَجَ منها خاتَمًا تَحارُ أبصارُ النَّاظرِينَ دونَه، فغَسَلَه من ذلك الإبريقِ سَبعَ مرَّاتٍ ثم خُتِمَ بين كَتِفَيهِ بالخاتَمِ، ولَفَّه في الحَريرةِ ثم حَمَلَه، فأدخَلَه بين أجنِحَتِه ساعَةً ثم رَدَّه إليَّ.
 

1 - كان من دَلالاتِ حَملِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ كُلَّ دابَّةٍ كانت لقُرَيشٍ نَطَقتْ تلك اللَّيلَةَ، وقالت: حُمِلَ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وربِّ الكَعبَةِ، وهو أمانُ الدُّنيا وسِراجُ أهلِها، ولم تَبْقَ كاهِنَةٌ في قُرَيشٍ، ولا في قَبيلَةٍ من قَبائِلِ العَرَبِ إلَّا حُجِبَتْ عن صاحِبَتِها، وانتُزِعَ عِلمُ الكَهَنةِ منها، ولم يَبْقَ سَريرُ مَلِكٍ من مُلوكِ الدُّنيا إلَّا أصبَحَ مَنكوسًا، والمَلِكُ مُخرَسًا لا يَنطِقُ يَومَه ذلك، ومرَّتْ وَحْشُ المَشرِقِ إلى وَحْشِ المَغرِبِ بالبِشاراتِ، وكذلك أهلُ البِحارِ يُبشِّرُ بعضُهم بعضًا، له في كُلِّ شَهرٍ من شُهورِه نِداءٌ في الأرضِ، ونِداءٌ في السَّماءِ أنْ أَبْشِروا، فقد آنَ لأبي القاسِمِ أنْ يَخرُجَ إلى الأرضِ مَيمونًا مُباركًا، قال: وبَقيَ في بَطنِ أُمِّه تِسعةَ أشهُرٍ كُمَّلًا، لا تَشكو وَجَعًا، ولا ريحًا، ولا مَغَصًا، ولا ما يَعرِضُ للنِّساءِ ذواتِ الحَمْلِ، وهَلَكَ أبوه عبدُ اللهِ وهو في بَطنِ أُمِّه ، فقالتِ الملائكةُ: إلَهُنا وسيِّدُنا بَقِيَ نبيُّك هذا يتيمًا، فقال اللهُ: أنا له وليٌّ وحافِظٌ ونَصيرٌ، وتبرَّكوا بمَولِدِه، فمَولِدُه مَيمونٌ مُباركٌ، وفَتَحَ اللهُ لمَولِدِه أبوابَ السَّماءِ وجِنانِه، فكانت آمِنَةُ تُحدِّثُ عن نَفْسِها، وتقول: أتاني آتٍ حين مرَّ بي من حَمْلِه سِتَّةُ أشهُرٍ فوَكَزني برِجْلِه في المنامِ، وقال لي: يا آمِنَةُ، إنَّك قد حَمَلتِ بخَيرِ العالَمين طُرًّا، فإذا وَلَدتيهِ فسَمِّيهِ مُحمَّدًا، فكانت تُحدِّثُ عن نِفاسِها وتقولُ: لقد أخَذَني ما يَأخُذُ النِّساءَ، ولم يَعلَمْ بي أحَدٌ من القَومِ، فسَمِعتُ وَجبَةً شَديدةً وأمْرًا عَظيمًا، فهالَني ذلك، فرَأيتُ كأنَّ جَناحَ طَيرٍ أبيضَ قد مَسَحَ على فُؤادي، فذَهَبَ عنِّي كُلُّ رُعبٍ، وكُلُّ وَجَعٍ كُنتُ أجِدُ، ثم التَفَتُّ فإذا أنا بشَربَةٍ بَيضاءَ لَبَنًا، وكُنتُ عَطْشى فتَناوَلْتُها فشَرِبتُها، فأضاءَ منِّي نورٌ عالٍ، ثم رَأيتُ نِسوَةً كالنَّخلِ الطِّوالِ كأنَّهن من بَناتِ عبدِ مَنافٍ يُحدِقْنَ بي، فبينا أنا أعجَبُ وإذا بدِيباجٍ أبيَضَ قد مُدَّ بين السَّماءِ والأرضِ، وإذا بقائِلٍ يقولُ: خُذوه من أعيُنِ النَّاسِ، قالت: ورَأيتُ رِجالًا قد وَقَفوا في الهَواءِ بأيْديهم أبارِيقُ فِضَّةٍ، ورَأيتُ قِطعَةً من الطَّيرِ قد أقبَلَتْ حتى غطَّتْ حِجْري، مَناقيرُها من الزُّمُرُّدِ وأجْنِحَتُها من اليَواقيتِ، فكَشَفَ اللهُ عن بَصَري، وأبْصَرتُ تلك الساعَةَ مَشارِقَ الأرضِ ومَغارِبَها، ورَأيتُ ثَلاثةَ أعْلامٍ مَضروباتٍ: عَلَمًا في المَشرِقِ، وعَلَمًا في المَغرِبِ، وعَلَمًا على ظَهرِ الكَعبَةِ، فأخَذَني المَخاضُ، فوَلَدتُ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا خَرَجَ مِن بَطني، نَظَرتُ إليه فإذا أنا به ساجِدًا، قد رَفَعَ إصبَعيهِ كالمُتضرِّعِ المُبتَهِلِ، ثم رَأيتُ سَحابَةً بَيضاءَ قد أقبَلَتْ من السَّماءِ حتى غَشِيَتْه، فغُيِّبَ عن وَجْهي وسَمِعتُ مُناديًا يُنادي: طوفوا بمُحمَّدٍ شَرقَ الأرضِ وغَرْبَها، وأدْخِلوه البِحارَ لِيَعرِفوه باسْمِه ونَعْتِه وصورَتِه، ويَعلَمون أنَّه سُمِّيَ فيها الماحي، لا يَبقى شَيءٌ من الشِّركِ إلَّا مُحِيَ في زَمَنِه، ثم تجَلَّتْ عنه في أسرع وَقتٌ، فإذا أنا به مُدرَجٌ في ثَوبِ صوفٍ أبيضَ، وتحته حَريرةٌ خَضراءُ، وقد قَبَضَ على ثلاثةِ مَفاتيحَ من اللُّؤلُؤِ الرَّطِبِ، وإذا قائلٌ يقولُ: قَبَضَ مُحمَّدٌ على مَفاتيحِ النُّصرَةِ، ومَفاتيحِ الرِّيحِ، ومَفاتيحِ النُّبوَّةِ، ثم أقبَلَتْ سَحابَةٌ أخرى يُسمَعُ منها صَهيلُ الخَيلِ، وخَفَقانُ الأجنِحَةِ حتى غَشِيَتْه؛ فغُيِّبَ عن عَيْني، فسَمِعتُ مُناديًا يُنادي: طوفوا بمُحمَّدٍ الشَّرقَ والغَربَ، وعلى مَواليدِ النَّبيِّينَ، واعْرِضوه على كُلِّ رُوحانيٍّ من الجِنِّ والإنسِ والطَّيرِ والسِّباعِ، وأعْطوه صَفاءَ آدَمَ، ورِقَّةَ نوحٍ، وخُلَّةَ إبراهيمَ، ولِسانَ إسماعيلَ، وبُشرى يَعقوبَ، وجَمالَ يوسُفَ، وصَوتَ داودَ، وصَبرَ أيُّوبَ، وزُهدَ يَحيى، وكَرَمَ عيسى، واعْمُروه في أخلاقِ الأنبياءِ، ثم تجَلَّتْ عنه، فإذا أنا به قد قَبَضَ على حرَيرةٍ خَضْراءَ مَطويَّةٍ، وإذا قائِلٌ يقولُ: بَخٍ بَخٍ ، قَبَضَ مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الدُّنيا كُلِّها، لم يَبْقَ خَلْقٌ من أهلِها إلَّا دَخَلَ في قَبضَتِه، وإذا أنا بثَلاثَةِ نَفَرٍ في يَدِ أحدِهم إبريقٌ من فِضَّةٍ، وفي يَدِ الثاني طَسْتٌ من زُمُرُّدٍ أخضَرَ، وفي يَدِ الثَّالثِ حَريرةٌ بَيضاءُ، فنَشَرَها، فأخرَجَ منها خاتَمًا تَحارُ أبصارُ النَّاظرِينَ دونَه، فغَسَلَه من ذلك الإبريقِ سَبعَ مرَّاتٍ ثم خُتِمَ بين كَتِفَيهِ بالخاتَمِ، ولَفَّه في الحَريرةِ ثم حَمَلَه، فأدخَلَه بين أجنِحَتِه ساعَةً ثم رَدَّه إليَّ.

2 - حدَّثَني سَلمانُ الفارسيُّ، قال: كنتُ رَجُلًا فارسيًّا مِن أهل أصبَهانَ ، مِن أهلِ قَريةٍ منها، يُقال لها: جَيُّ، وكان أبي دِهْقانَها، وكنتُ أحَبَّ خَلقِ اللهِ إليه، فلمْ يَزَلْ بي حُبُّه إيَّاي حتى حبَسَني في بَيْتِه كما تُحبَسُ الجاريةُ، فاجتهَدتُ في المَجوسيَّةِ، حتى كنتُ قاطِنَ النَّارِ الذي يُوقِدُها، لا يَترُكُها تَخبو ساعةً، وكانتْ لأبي ضَيعةٌ عَظيمةٌ، فشُغِلَ في بُنْيانٍ له يومًا، فقال لي: يا بُنَيَّ، إنِّي قد شُغِلتُ في بُنْياني هذا اليومَ عن ضَيعَتي، فاذهَبْ، فاطَّلِعْها. وأمَرَني ببَعضِ ما يُريدُ، فخرَجتُ، ثُمَّ قال: لا تَحتبِسْ علَيَّ؛ فإنَّكَ إنِ احتبَستَ علَيَّ كنتَ أهَمَّ إلَيَّ مِن ضَيعَتي، وشغَلتَني عن كلِّ شيءٍ مِن أمْري. فخرَجتُ أُريدُ ضَيعَتَه، فمرَرتُ بكَنيسةٍ مِن كَنائسِ النَّصارى، فسمِعتُ أصْواتَهم فيها وهم يُصلُّونَ -وكنتُ لا أدري ما أمْرُ النَّاسِ بحَبسِ أبي إيَّاي في بَيْتِه-، فلمَّا مرَرتُ بهم، وسمِعتُ أصْواتَهم، دخَلتُ إليهم أنظُرُ ما يَصنَعونَ، فلمَّا رَأيْتُهم، أعجَبَتْني صَلَواتُهم، ورغِبتُ في أمْرِهم، وقُلتُ: هذا -واللهِ- خيرٌ مِن الدِّينِ الذي نحن عليه. فواللهِ ما ترَكتُهم حتى غرَبَتِ الشَّمسُ، وترَكتُ ضَيعةَ أبي، ولم آتِها، فقُلتُ لهم: أين أصْلُ هذا الدِّينِ؟ قالوا: بالشَّامِ. قال: ثُمَّ رجَعتُ إلى أبي، وقد بعَثَ في طَلَبي، وشغَلتُه عن عَملِه كلِّه. فلمَّا جِئتُه، قال: أيْ بُنَيَّ، أين كنتَ؟ ألمْ أكُنْ عهِدتُ إليك ما عهِدتُ؟ قُلتُ: يا أبَةِ، مرَرتُ بناسٍ يُصلُّونَ في كَنيسةٍ لهم، فأعجَبَني ما رَأيْتُ مِن دِينِهم، فواللهِ ما زِلتُ عندَهم حتى غرَبَتِ الشَّمسُ. قال: أيْ بُنَيَّ، ليس في ذلك الدِّينِ خيرٌ، دِينُكَ ودِينُ آبائِكَ خيرٌ منه. قُلتُ: كلا -واللهِ-! إنَّه لخَيرٌ مِن دِينِنا. قال: فخافني، فجعَلَ في رِجْلي قَيدًا، ثُمَّ حبَسَني في بَيْتِه. قال: وبعَثتُ إلى النَّصارى، فقُلتُ: إذا قدِمَ عليكم رَكبٌ مِن الشَّامِ، تُجَّارٌ مِن النَّصارى، فأخبِروني بهم. فقدِمَ عليهم رَكبٌ مِن الشَّامِ، قال: فأخبَروني بهم. فقُلتُ: إذا قضَوْا حَوائجَهم، وأرادوا الرَّجعةَ، فأخبِروني. قال: ففعَلوا، فألقَيتُ الحَديدَ مِن رِجْلي، ثُمَّ خرَجتُ معهم حتى قدِمتُ الشَّامَ، فلمَّا قدِمتُها، قُلتُ: مَن أفضَلُ أهلِ هذا الدِّينِ؟ قالوا: الأُسقُفُ في الكَنيسةِ. فجِئتُه، فقُلتُ: إنِّي قد رغِبتُ في هذا الدِّينِ، وأحبَبتُ أنْ أكونَ معك، أخدُمُكَ في كَنيستِكَ، وأتعلَّمُ منك، وأُصلِّي معك. قال: فادخُلْ. فدخَلتُ معه، فكان رَجُلَ سُوءٍ، يَأمُرُهم بالصَّدقةِ، ويُرغِّبُهم فيها، فإذا جمَعوا إليه منها شيئًا، اكتنَزَه لنَفْسِه، ولم يُعطِه المَساكينَ، حتى جمَعَ سَبعَ قِلالٍ مِن ذَهبٍ ووَرِقٍ، فأبغَضتُه بُغضًا شَديدًا لمَا رَأيْتُه يَصنَعُ، ثُمَّ مات، فاجتمَعَتْ إليه النَّصارى ليَدفِنوه، فقُلتُ لهم: إنَّ هذا رَجُلُ سُوءٍ، يَأمُرُكم بالصَّدقةِ، ويُرغِّبُكم فيها، فإذا جِئتُم بها كنَزَها لنَفْسِه، ولم يُعطِ المَساكينَ. وأرَيتُهم مَوضِعَ كَنزِه سَبعَ قِلالٍ مَملوءةٍ، فلمَّا رَأوْها قالوا: واللهِ لا نَدفِنُه أبدًا. فصَلَبوه، ثُمَّ رمَوْه بالحِجارةِ، ثُمَّ جاؤوا برَجُلٍ جعَلوه مَكانَه، فما رَأيْتُ رَجُلًا -يَعني لا يُصلِّي الخَمسَ- أُرى أنَّه أفضَلُ منه، أزهَدُ في الدُّنْيا، ولا أرغَبُ في الآخِرةِ، ولا أدْأبُ لَيلًا ونَهارًا، ما  أعلَمُني أحبَبتُ شيئًا قَطُّ قبلَه حُبَّه، فلمْ أزَلْ معه حتى حضَرَتْه الوَفاةُ. فقُلتُ: يا فُلانُ، قد حضَرَكَ ما تَرى مِن أمْرِ اللهِ، وإنِّي -واللهِ- ما أحبَبتُ شيئًا قَطُّ حُبَّكَ، فماذا تَأمُرُني؟ وإلى مَن تُوصِيني؟ قال لي: يا بُنَيَّ، واللهِ ما أعلَمُه إلَّا رَجُلًا بالمَوصِلِ، فائْتِه؛ فإنَّكَ ستَجِدُه على مِثلِ حالي. فلمَّا مات وغُيِّبَ، لَحِقتُ بالمَوصِلِ، فأتَيتُ صاحِبَها، فوَجَدتُه على مِثلِ حالِه مِن الاجتهادِ والزُّهدِ، فقُلتُ له: إنَّ فُلانًا أوْصاني إليك أنْ آتيَكَ، وأكونَ معك. قال: فأقِمْ، أيْ بُنَيَّ. فأقَمتُ عندَه على مِثلِ أمْرِ صاحِبِه، حتى حضَرَتْه الوَفاةُ، فقُلتُ له: إنَّ فُلانًا أوْصى بي إليك، وقد حضَرَكَ مِن أمْرِ اللهِ ما تَرى، فإلى مَن تُوصي بي؟ وما تَأمُرُني به؟ قال: واللهِ ما أعلَمُ -أيْ بُنَيَّ- إلَّا رَجُلًا بنَصيبينَ. فلمَّا دفَنَّاه، لَحِقتُ بالآخَرِ، فأقَمتُ عندَه على مِثلِ حالِهم، حتى حضَرَه المَوتُ، فأوْصى بي إلى رَجُلٍ مِن أهلِ عَمُّوريَّةَ بالرُّومِ، فأتَيتُه، فوَجَدتُه على مِثلِ حالِهم، واكتسَبتُ حتى كان لي غُنَيمةٌ وبُقَيراتٌ. ثُمَّ احتُضِرَ، فكَلَّمتُه إلى مَن يُوصي بي؟ قال: أيْ بُنَيَّ، واللهِ ما أعلَمُه بَقيَ أحدٌ على مِثلِ ما كنَّا عليه آمُرُكَ أنْ تَأتيَه، ولكنْ قد أظَلَّكَ زَمانُ نَبيٍّ يُبعَثُ مِن الحَرَمِ، مُهاجَرُه بيْنَ حَرَّتَينِ إلى أرضٍ سَبْخةٍ ذاتِ نَخلٍ، وإنَّ فيه عَلاماتٍ لا تَخفى: بيْنَ كَتِفَيه خاتَمُ النُّبوَّةِ، يَأكُلُ الهَديَّةَ، ولا يَأكُلُ الصَّدقةَ؛ فإنِ استطَعتَ أنْ تَخلُصَ إلى تلكَ البِلادِ، فافعَلْ؛ فإنَّه قد أظَلَّكَ زَمانُه. فلمَّا وارَيْناه، أقَمتُ حتى مَرَّ بي رِجالٌ مِن تُجَّارِ العَربِ مِن كَلبٍ، فقُلتُ لهم: تَحمِلوني إلى أرضِ العَربِ، وأُعطيكم غُنَيمَتي وبَقراتي هذه؟ قالوا: نعمْ. فأعطَيتُهم إيَّاها، وحمَلوني، حتى إذا جاؤوا بي وادي القُرى ظلَموني؛ فباعوني عَبدًا مِن رَجُلٍ يَهوديٍّ بوادي القُرى ، فواللهِ لقد رَأيْتُ النَّخلَ، وطمِعتُ أنْ يَكونَ البَلدَ الذي نعَتَ لي صاحِبي! وما حَقَّتْ عِندي، حتى قدِمَ رَجُلٌ مِن بَني قُرَيظةَ وادي القُرى ، فابتاعَني مِن صاحِبي، فخرَجَ بي حتى قدِمْنا المدينةَ، فواللهِ ما هو إلَّا أنْ رَأيْتُها، فعرَفتُ نَعْتَها. فأقَمتُ في رِقِّي، وبعَثَ اللهُ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمكَّةَ، لا يُذكَرُ لي شيءٌ مِن أمْرِه، مع ما أنا فيه مِن الرِّقِّ، حتى قدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قُباءً، وأنا أعمَلُ لصاحِبي في نخلةٍ له، فواللهِ إنِّي لَفِيها إذ جاءه ابنُ عَمٍّ له، فقال: يا فُلانُ، قاتَلَ اللهُ بَني قَيلةَ، واللهِ إنَّهم الآن لفي قُباءٍ مُجتمِعونَ على رَجُلٍ جاء مِن مكَّةَ، يَزعُمونَ أنَّه نَبيٌّ. فواللهِ ما هو إلَّا أنْ سمِعتُها، فأخَذَتْني العُرَواءُ -يقولُ: الرِّعْدةُ- حتى ظنَنتُ لأسقُطَنَّ على صاحِبي، ونزَلتُ أقولُ: ما هذا الخَبرُ؟ فرفَعَ مَولايَ يَدَه، فلكَمَني لَكمةً شَديدةً، وقال: ما لك ولهذا، أقبِلْ على عَملِكَ. فقُلتُ: لا شيءَ، إنَّما سمِعتُ خَبرًا، فأحبَبتُ أنْ أعلَمَه. فلمَّا أمسَيتُ، وكان عِندي شيءٌ مِن طَعامٍ، فحمَلتُه وذهَبتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو بقُباءٍ، فقُلتُ له: بلَغَني أنَّكَ رَجُلٌ صالحٌ، وأنَّ معك أصحابًا لك غُرَباءَ، وقد كان عِندي شيءٌ مِن الصَّدقةِ، فرَأيْتُكم أحَقَّ مَن بهذه البِلادِ، فهاكَ هذا، فكُلْ منه. قال: فأمسَكَ، وقال لأصحابِه: كُلوا. فقُلتُ في نَفْسي: هذه خَلَّةٌ ممَّا وصَفَ لي صاحِبي. ثُمَّ رجَعتُ، وتَحوَّلَ رسولُ اللهِ إلى المدينةِ، فجمَعتُ شيئًا كان عِندي، ثُمَّ جِئتُه به، فقُلتُ: إنِّي قد رَأيْتُكَ لا تَأكُلُ الصَّدقةَ، وهذه هَديَّةٌ. فأكَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأكَلَ أصحابُه، فقُلتُ: هذه خَلَّتانِ . ثُمَّ جِئتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَتبَعُ جِنازةً، وعلَيَّ شَملَتانِ لي، وهو في أصحابِه، فاستدَرتُ أنظُرُ إلى ظَهرِه، هل أرى الخاتَمَ الذي وَصَفَ؟ فلمَّا رَآني استَدبَرتُه، عرَفَ أنِّي أستَثبِتُ في شيءٍ وُصِفَ لي، فألقى رِداءَه عن ظَهرِه، فنظَرتُ إلى الخاتَمِ، فعرَفتُه؛ فانكَبَبتُ عليه أُقبِّلُه وأبكي!! فقال لي: تَحوَّلْ. فتَحوَّلتُ، فقَصَصتُ عليه حَديثي كما حدَّثتُكَ يا ابنَ عَبَّاسٍ، فأعجَبَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَسمَعَ ذلك أصحابُه. ثُمَّ شغَلَ سَلمانَ الرِّقُّ حتى فاته مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَدرٌ وأُحُدٌ. ثُمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كاتِبْ يا سَلمانُ. فكاتَبتُ صاحِبي على ثَلاثِ مِئةِ نَخلةٍ، أُحييها له بالفَقيرِ وأربعينَ أُوقيَّةً . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَعينوا أخاكم. فأعانوني بالنَّخلِ؛ الرَّجُلُ بثَلاثينَ وَدِيَّةً، والرَّجُلُ بعِشرينَ، والرَّجُلُ بخَمسَ عَشْرةَ، حتى اجتمَعَتْ ثَلاثُ مِئةِ وَدِيَّةٍ. فقال: اذهَبْ يا سَلمانُ، ففَقِّرْ لها، فإذا فرَغتَ فائْتِني أكونُ أنا أضَعُها بيَدي. ففَقَّرتُ لها، وأعانَني أصحابي، حتى إذا فرَغتُ منها، جِئتُه وأخبَرتُه، فخرَجَ معي إليها نُقرِّبُ له الوَدِيَّ، ويَضَعُه بيَدِه، فوالذي نَفْسُ سَلمانَ بيَدِه، ما ماتتْ منها وَدِيَّةٌ واحدةٌ. فأدَّيتُ النَّخلَ، وبَقيَ علَيَّ المالُ، فأُتيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمِثلِ بَيضةِ دَجاجةٍ مِن ذَهبٍ مِن بَعضِ المَغازي. فقال: ما فعَلَ الفارسيُّ المُكاتَبُ؟ فدُعِيتُ له، فقال: خُذْها، فأدِّ بها ما عليك. قُلتُ: وأين تَقَعُ هذه يا رسولَ اللهِ ممَّا علَيَّ؟ قال: خُذْها؛ فإنَّ اللهَ سيُؤَدِّي بها عنك. فأخَذتُها، فوَزَنتُ لهم منها أربعينَ أُوقيَّةً ، وأوْفَيتُهم حَقَّهم، وعُتِقتُ، فشهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الخَندَقَ حُرًّا، ثُمَّ لم يَفُتْني معه مَشهَدٌ.
خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات وإسناده قوي
الراوي : سلمان الفارسي | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سير أعلام النبلاء
الصفحة أو الرقم : 1/506-511 التخريج : أخرجه أحمد (23737)، والبزار (2500)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (6/ 222) (6065) واللفظ لهم.
التصنيف الموضوعي: عتق وولاء - المكاتب فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - خاتم النبوة في ظهره مناقب وفضائل - سلمان الفارسي صدقة - كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - ما كان عند أهل الكتاب في أمر نبوته صلى الله عليه وسلم
|أصول الحديث | شرح حديث مشابه