الموسوعة الحديثية

نتائج البحث
 
2 - لمَّا نزَلْنا أرضَ الحَبشةِ، جاوَرْنا بها خيرَ جارٍ النَّجاشيَّ، أمِنَّا على دِينِنا، وعبَدْنا اللهَ تَعالى لا نُؤذَى، ولا نَسمَعُ شيئًا نَكرَهُه. فلمَّا بلَغَ ذلك قُرَيشًا، ائتَمَروا أنْ يَبعَثوا إلى النَّجاشيِّ فينا رَجُلَينِ جَلدَينِ ، وأنْ يُهدوا للنَّجاشيِّ هَدايا ممَّا يُستَطرَفُ مِن مَتاعِ مكَّةَ، وكان مِن أعجَبِ ما يَأتيه منها إليه الأَدَمُ. فجَمَعوا له أَدَمًا كَثيرًا، ولم يَترُكوا مِن بَطارِقَتِه بِطريقًا إلَّا أهدَوا إليه هَديَّةً، ثُمَّ بَعَثوا بذلك عبدَ اللهِ بنَ أبي رَبيعةَ بنِ المُغيرةَ المَخزوميَّ، وعَمرَو بنَ العاصِ السَّهْميَّ، وأمَّروهما أمْرَهم، وقالوا لهما: ادفَعوا إلى كلِّ بِطريقٍ هَديَّتَه قبلَ أنْ تُكلِّموا النَّجاشيَّ فيهم، ثُمَّ قَدِّموا له هَداياه، ثُمَّ سَلُوه أنْ يُسلِمَهم إليكم قبلَ أنْ يُكلِّمَهم. قالتْ: فخَرَجا، فقَدِما على النَّجاشيِّ، ونحن عندَه بخَيرِ دارٍ، عندَ خيرِ جارٍ، فلمْ يَبقَ مِن بَطارِقَتِه بِطريقٌ إلَّا دَفَعا إليه هَديَّتَه، وقالا له: إنَّه قد ضَوَى إلى بَلدِ المَلِكَ منَّا غِلمانٌ سُفَهاءُ، فارَقوا دِينَ قَومِهم، ولم يَدخُلوا في دِينِكم، وجاؤوا بدِينٍ مُبتدَعٍ، لا نَعرِفُه نحن ولا أنتم، وقد بَعَثَنا إلى المَلِكِ فيهم أشرافُ قَومِهم، ليَرُدَّهم إليهم، فإذا كَلَّمْنا المَلِكَ فيهم، فأشيروا عليه بأنْ يُسلِمَهم إلينا، ولا يُكلِّمَهم؛ فإنَّ قَومَهم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم. فقالوا لهم: نعمْ. ثُمَّ إنَّهما قَرَّبا هَدايا النَّجاشيِّ، فقبِلَها منهم، ثُمَّ كَلَّماه، فقالا له: أيُّها المَلِكُ، إنَّه ضَوَى إلى بَلدِكَ منَّا غِلمانٌ سُفَهاءُ، فارَقوا دِينَ قَومِهم، ولم يَدخُلوا في دِينِكَ، وجاؤوا بدِينٍ مُبتدَعٍ، لا نَعرِفُه نحن ولا أنت، وقد بعَثَنا إليك أشرافُ قَومِهم مِن آبائِهم وأعمامِهم وعَشائرِهم؛ لتَرُدَّهم إليهم، فهم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم فيه. قالتْ: ولم يَكُنْ شيءٌ أبغَضَ إلى عبدِ اللهِ وعَمرٍو مِن أنْ يَسمَعَ النَّجاشيُّ كَلامَهم. فقالتْ بَطارِقَتُه حَولَه: صدَقوا أيُّها المَلِكُ، فأسلِمْهم إليهما. فغضِبَ النَّجاشيُّ، ثُمَّ قال: لا ها اللهِ، إذَنْ لا أُسلِمُهم إليهما، ولا أُكادُ قَومًا جاوَروني، ونزَلوا بِلادي، واختاروني على مَن سِواي حتى أدْعُوهم، فأسألَهم. ثُمَّ أرسَلَ إلى أصحابِ رسولِ اللهِ، فدَعاهم، فلمَّا جاءهم رسولُه اجتَمَعوا، ثُمَّ قال بَعضُهم لبَعضٍ: ما تقولونَ للرَّجُلِ إذا جِئتُموه؟ قالوا: نقولُ -واللهِ- ما علِمْنا، وما أمَرَنا به نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كائنًا في ذلك ما كان. فلمَّا جاؤوه وقد دَعا النَّجاشيُّ أساقِفَتَه، فنشَروا مَصاحِفَهم حَولَه، سألَهم فقال: ما هذا الدِّينُ الذي فارَقتُم فيه قَومَكم، ولم تَدخُلوا في دِيني، ولا في دِينِ أحدٍ مِن هذه الأُمَمِ؟ قالتْ: وكان الذي يُكلِّمُه جَعفَرُ بنُ أبي طالبٍ، فقال له: أيُّها المَلِكُ، إنَّا كنَّا قَومًا أهلَ جاهليَّةٍ؛ نَعبُدُ الأصنامَ، ونَأكُلُ المَيْتةَ، ونَأتي الفَواحشَ، ونَقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجِوارَ، ويَأكُلُ القَويُّ منَّا الضَّعيفَ، فكنَّا على ذلك حتى بعَثَ اللهُ إلينا رسولًا منَّا، نَعرِفُ نَسَبَه وصِدقَه وأمانتَه وعَفافَه، فدَعانا إلى اللهِ لنُوَحِّدَه ونَعبُدَه، ونَخلَعَ ما كنَّا نَعبُدُ وآباؤنا مِن دونِه مِن الحِجارةِ والأوْثانِ ، وأمَرَنا بصِدقِ الحَديثِ، وأداءِ الأمانة، وصِلةِ الرَّحمِ، وحُسنِ الجِوارِ، والكَفِّ عن المَحارِمِ والدِّماءِ، ونَهانا عن الفَواحشِ، وقَولِ الزُّورِ، وأكلِ مالِ اليَتيمِ، وقَذفِ المُحصَنةِ، وأمَرَنا أنْ نَعبُدَ اللهَ لا نُشرِكُ به شيئًا، وأمَرَنا بالصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والصِّيامِ -قالتْ: فعَدَّدَ له أُمورَ الإسلامِ-؛ فصَدَّقْناه، وآمَنَّا به، واتَّبَعْناه، فعَدا علينا قَومُنا، فعَذَّبونا، وفَتَنونا عن دِينِنا ليَرُدُّونا إلى عِبادةِ الأوْثانِ ، وأنْ نَستحِلَّ ما كنَّا نَستحِلُّ مِن الخَبائثِ، فلمَّا قَهَرونا وظَلَمونا، وشَقُّوا علينا، وحالُوا بيْنَنا وبيْنَ دِينِنا؛ خرَجْنا إلى بَلدِكَ، واختَرْناكَ على مَن سِواكَ، ورغِبْنا في جِوارِكَ، ورَجَوْنا ألَّا نُظلَمَ عندَكَ أيُّها المَلِكُ. قالتْ: فقال: هل معك ممَّا جاء به عن اللهِ مِن شيءٍ؟ قال: نعمْ. قال: فاقرَأْه علَيَّ. فقرَأَ عليه صَدرًا مِن: {كهيعص}، فبَكى -واللهِ- النَّجاشيُّ حتى أخضَلَ لِحيَتَه، وبكَتْ أساقِفَتُه حتى أخضَلوا مَصاحِفَهم حينَ سَمِعوا ما تُليَ عليهم. ثُمَّ قال النَّجاشيُّ: إنَّ هذا والذي جاء به موسى ليَخرُجُ مِن مِشْكاةٍ واحدةٍ، انطَلِقا، فواللهِ لا أُسلِمُهم إليكم أبدًا، ولا أُكادُ. فلمَّا خَرَجا، قال عَمرٌو: واللهِ لأُنبِئَنَّه غَدًا عَيبَهم، ثُمَّ أستأصِلُ خَضراءَهم. فقال له عَبدُ اللهِ بنُ أبي رَبيعةَ -وكان أتقى الرَّجُلَينِ فينا-: لا تَفعَلْ؛ فإنَّ لهم أرحامًا، وإنْ كانوا قد خالَفونا. قال: واللهِ لأُخبِرَنَّه أنَّهم يَزعُمونَ أنَّ عيسى عَبدٌ. ثُمَّ غَدَا عليه، فقال: أيُّها المَلِكُ، إنَّهم يقولونَ في عيسى ابنِ مَريَمَ قَولًا عَظيمًا، فأرسِلْ إليهم، فسَلْهم عما يقولونَ فيه. فأرسَلَ يَسألُهم. قالتْ: ولم يَنزِلْ بنا مِثلُها، فاجتمَعَ القَومُ، ثُمَّ قالوا: نقولُ -واللهِ- فيه ما قال اللهُ تَعالى، كائنًا ما كان. فلمَّا دَخَلوا عليه، قال لهم: ما تقولونَ في عيسى؟ فقال له جَعفَرٌ: نقولُ فيه الذي جاء به نَبيُّنا، هو عَبدُ اللهِ، ورسولُه، ورُوحُه، وكَلِمتُه ألقاها إلى مَريَمَ العَذراءِ البَتولِ . فضَرَبَ النَّجاشيُّ يَدَه إلى الأرضِ، فأخَذَ عُودًا، ثُمَّ قال: ما عَدا عيسى ما قُلتَ هذا العُودَ. فتَناخَرَتْ بَطارِقَتُه حَولَه، فقال: وإنْ نَخَرتُم واللهِ، اذهَبوا فأنتم سُيومٌ بأرضي -والسُّيومُ: الآمِنونَ-، مَن سَبَّكم غرِمَ، ثُمَّ مَن سَبَّكم غرِمَ، ما أُحِبُّ أنَّ لي دَبْرى ذَهبًا، وأنِّي آذَيتُ رَجُلًا منكم -والدَّبْرُ بلِسانِهم: الجَبلُ-، رُدُّوا عليهما هَداياهما، فواللهِ ما أخَذَ اللهُ منِّي الرِّشْوةَ حينَ رَدَّ علَيَّ مُلكي، فآخُذَ الرِّشْوةَ فيه، وما أطاعَ النَّاسَ فيَّ، فأُطيعَهم فيه. فخَرَجا مَقبوحَيْنِ! مَردودًا عليهما ما جاءا به، وأقَمْنا عندَه بخَيرِ دارٍ مع خيرِ جارٍ. فواللهِ إنَّا على ذلك، إذ نزَلَ به -يَعني: مَن يُنازِعُه في مُلكِه- فواللهِ ما علِمْنا حَربًا قَطُّ كان أشَدَّ مِن حَربٍ حربناه، تَخوُّفًا أنْ يَظهَرَ ذلك على النَّجاشيِّ، فيَأتيَ رَجُلٌ لا يَعرِفُ مِن حَقِّنا ما كان النَّجاشيُّ يَعرِفُ منه. وسار النَّجاشيُّ، وبينهما عَرضُ النِّيلِ. فقال أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن رَجُلٌ يَخرُجُ حتى يَحضُرَ وَقعةَ القَومِ، ثُمَّ يَأتيَنا بالخَبرِ؟ فقال الزُّبَيرُ: أنا. -وكان مِن أحدَثِ القَومِ سِنًّا- فنَفَخوا له قِربةً، فجَعَلها في صَدرِه، ثُمَّ سَبَحَ عليها حتى خرَجَ إلى مَكانِ المُلتقى، وحضَرَ. فدَعَوْنا اللهَ للنَّجاشيِّ بالظُّهورِ على عَدوِّه، والتَّمكينِ له في بِلادِه، واستَوسَقَ له أمْرُ الحَبشةِ، فكنَّا عندَه في خيرِ مَنزِلٍ حتى قدِمْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو بمكَّةَ.
 

1 - مَن أحدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ.
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن الدارقطني
الصفحة أو الرقم : 4534 التخريج : أخرجه البخاري (2550)، ومسلم (1718) وأحمد (26329) بلفظه.
التصنيف الموضوعي: اعتصام بالسنة - إثم من دعا إلى ضلالة اعتصام بالسنة - لزوم السنة اعتصام بالسنة - ما يكره من التعمق والغلو والبدع اعتصام بالسنة - إنكار السنة اعتصام بالسنة - مخالفة السنة
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه

2 - مَن أحدَث في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ
خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان
الصفحة أو الرقم : 27 التخريج : أخرجه البخاري (2550)، ومسلم (1718) وأحمد (26329) بلفظه.
التصنيف الموضوعي: اعتصام بالسنة - إثم من دعا إلى ضلالة اعتصام بالسنة - لزوم السنة اعتصام بالسنة - ما يكره من التعمق والغلو والبدع اعتصام بالسنة - إنكار السنة اعتصام بالسنة - مخالفة السنة
|أصول الحديث | شرح حديث مشابه

3 - قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ.
خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم : 26329 التخريج : أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718) واللفظ له
التصنيف الموضوعي: اعتصام بالسنة - لزوم السنة اعتصام بالسنة - ما يكره من التعمق والغلو والبدع اعتصام بالسنة - مجانبة أهل الأهواء اعتصام بالسنة - الأمر بالتمسك بها علم - الحث على الأخذ بالسنة
|أصول الحديث | شرح حديث مشابه

4 - أنَّ رجلًا أوصى بوصايا أبَرُّها في مالِه فذهَبْتُ إلى القاسمِ بنِ محمَّدٍ أستشيرُه فقال القاسمُ: سمِعْتُ عائشةَ تقولُ: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( مَن أحدَث في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ
خلاصة حكم المحدث : [فيه] محمد بن خالد بن عبد الله وهو الواسطي الطحان؛ ضعفه غير واحد، ولكن تابعه محمد بن الصباح الدولابي
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان
الصفحة أو الرقم : 26 التخريج : أخرجه ابن حبان (26) بلفظه، ومسلم (1718)، وابن ماجه (14)، وأحمد (26329) جميعهم بغير ذكر أوله.
التصنيف الموضوعي: اعتصام بالسنة - لزوم السنة اعتصام بالسنة - ما يكره من التعمق والغلو والبدع اعتصام بالسنة - مخالفة السنة علم - حسن السؤال ونصح العالم
|أصول الحديث

5 - لمَّا نزَلْنا أرضَ الحَبشةِ، جاوَرْنا بها خيرَ جارٍ النَّجاشيَّ، أمِنَّا على دِينِنا، وعبَدْنا اللهَ تَعالى لا نُؤذَى، ولا نَسمَعُ شيئًا نَكرَهُه. فلمَّا بلَغَ ذلك قُرَيشًا، ائتَمَروا أنْ يَبعَثوا إلى النَّجاشيِّ فينا رَجُلَينِ جَلدَينِ ، وأنْ يُهدوا للنَّجاشيِّ هَدايا ممَّا يُستَطرَفُ مِن مَتاعِ مكَّةَ، وكان مِن أعجَبِ ما يَأتيه منها إليه الأَدَمُ. فجَمَعوا له أَدَمًا كَثيرًا، ولم يَترُكوا مِن بَطارِقَتِه بِطريقًا إلَّا أهدَوا إليه هَديَّةً، ثُمَّ بَعَثوا بذلك عبدَ اللهِ بنَ أبي رَبيعةَ بنِ المُغيرةَ المَخزوميَّ، وعَمرَو بنَ العاصِ السَّهْميَّ، وأمَّروهما أمْرَهم، وقالوا لهما: ادفَعوا إلى كلِّ بِطريقٍ هَديَّتَه قبلَ أنْ تُكلِّموا النَّجاشيَّ فيهم، ثُمَّ قَدِّموا له هَداياه، ثُمَّ سَلُوه أنْ يُسلِمَهم إليكم قبلَ أنْ يُكلِّمَهم. قالتْ: فخَرَجا، فقَدِما على النَّجاشيِّ، ونحن عندَه بخَيرِ دارٍ، عندَ خيرِ جارٍ، فلمْ يَبقَ مِن بَطارِقَتِه بِطريقٌ إلَّا دَفَعا إليه هَديَّتَه، وقالا له: إنَّه قد ضَوَى إلى بَلدِ المَلِكَ منَّا غِلمانٌ سُفَهاءُ، فارَقوا دِينَ قَومِهم، ولم يَدخُلوا في دِينِكم، وجاؤوا بدِينٍ مُبتدَعٍ، لا نَعرِفُه نحن ولا أنتم، وقد بَعَثَنا إلى المَلِكِ فيهم أشرافُ قَومِهم، ليَرُدَّهم إليهم، فإذا كَلَّمْنا المَلِكَ فيهم، فأشيروا عليه بأنْ يُسلِمَهم إلينا، ولا يُكلِّمَهم؛ فإنَّ قَومَهم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم. فقالوا لهم: نعمْ. ثُمَّ إنَّهما قَرَّبا هَدايا النَّجاشيِّ، فقبِلَها منهم، ثُمَّ كَلَّماه، فقالا له: أيُّها المَلِكُ، إنَّه ضَوَى إلى بَلدِكَ منَّا غِلمانٌ سُفَهاءُ، فارَقوا دِينَ قَومِهم، ولم يَدخُلوا في دِينِكَ، وجاؤوا بدِينٍ مُبتدَعٍ، لا نَعرِفُه نحن ولا أنت، وقد بعَثَنا إليك أشرافُ قَومِهم مِن آبائِهم وأعمامِهم وعَشائرِهم؛ لتَرُدَّهم إليهم، فهم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم فيه. قالتْ: ولم يَكُنْ شيءٌ أبغَضَ إلى عبدِ اللهِ وعَمرٍو مِن أنْ يَسمَعَ النَّجاشيُّ كَلامَهم. فقالتْ بَطارِقَتُه حَولَه: صدَقوا أيُّها المَلِكُ، فأسلِمْهم إليهما. فغضِبَ النَّجاشيُّ، ثُمَّ قال: لا ها اللهِ، إذَنْ لا أُسلِمُهم إليهما، ولا أُكادُ قَومًا جاوَروني، ونزَلوا بِلادي، واختاروني على مَن سِواي حتى أدْعُوهم، فأسألَهم. ثُمَّ أرسَلَ إلى أصحابِ رسولِ اللهِ، فدَعاهم، فلمَّا جاءهم رسولُه اجتَمَعوا، ثُمَّ قال بَعضُهم لبَعضٍ: ما تقولونَ للرَّجُلِ إذا جِئتُموه؟ قالوا: نقولُ -واللهِ- ما علِمْنا، وما أمَرَنا به نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كائنًا في ذلك ما كان. فلمَّا جاؤوه وقد دَعا النَّجاشيُّ أساقِفَتَه، فنشَروا مَصاحِفَهم حَولَه، سألَهم فقال: ما هذا الدِّينُ الذي فارَقتُم فيه قَومَكم، ولم تَدخُلوا في دِيني، ولا في دِينِ أحدٍ مِن هذه الأُمَمِ؟ قالتْ: وكان الذي يُكلِّمُه جَعفَرُ بنُ أبي طالبٍ، فقال له: أيُّها المَلِكُ، إنَّا كنَّا قَومًا أهلَ جاهليَّةٍ؛ نَعبُدُ الأصنامَ، ونَأكُلُ المَيْتةَ، ونَأتي الفَواحشَ، ونَقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجِوارَ، ويَأكُلُ القَويُّ منَّا الضَّعيفَ، فكنَّا على ذلك حتى بعَثَ اللهُ إلينا رسولًا منَّا، نَعرِفُ نَسَبَه وصِدقَه وأمانتَه وعَفافَه، فدَعانا إلى اللهِ لنُوَحِّدَه ونَعبُدَه، ونَخلَعَ ما كنَّا نَعبُدُ وآباؤنا مِن دونِه مِن الحِجارةِ والأوْثانِ ، وأمَرَنا بصِدقِ الحَديثِ، وأداءِ الأمانة، وصِلةِ الرَّحمِ، وحُسنِ الجِوارِ، والكَفِّ عن المَحارِمِ والدِّماءِ، ونَهانا عن الفَواحشِ، وقَولِ الزُّورِ، وأكلِ مالِ اليَتيمِ، وقَذفِ المُحصَنةِ، وأمَرَنا أنْ نَعبُدَ اللهَ لا نُشرِكُ به شيئًا، وأمَرَنا بالصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والصِّيامِ -قالتْ: فعَدَّدَ له أُمورَ الإسلامِ-؛ فصَدَّقْناه، وآمَنَّا به، واتَّبَعْناه، فعَدا علينا قَومُنا، فعَذَّبونا، وفَتَنونا عن دِينِنا ليَرُدُّونا إلى عِبادةِ الأوْثانِ ، وأنْ نَستحِلَّ ما كنَّا نَستحِلُّ مِن الخَبائثِ، فلمَّا قَهَرونا وظَلَمونا، وشَقُّوا علينا، وحالُوا بيْنَنا وبيْنَ دِينِنا؛ خرَجْنا إلى بَلدِكَ، واختَرْناكَ على مَن سِواكَ، ورغِبْنا في جِوارِكَ، ورَجَوْنا ألَّا نُظلَمَ عندَكَ أيُّها المَلِكُ. قالتْ: فقال: هل معك ممَّا جاء به عن اللهِ مِن شيءٍ؟ قال: نعمْ. قال: فاقرَأْه علَيَّ. فقرَأَ عليه صَدرًا مِن: {كهيعص}، فبَكى -واللهِ- النَّجاشيُّ حتى أخضَلَ لِحيَتَه، وبكَتْ أساقِفَتُه حتى أخضَلوا مَصاحِفَهم حينَ سَمِعوا ما تُليَ عليهم. ثُمَّ قال النَّجاشيُّ: إنَّ هذا والذي جاء به موسى ليَخرُجُ مِن مِشْكاةٍ واحدةٍ، انطَلِقا، فواللهِ لا أُسلِمُهم إليكم أبدًا، ولا أُكادُ. فلمَّا خَرَجا، قال عَمرٌو: واللهِ لأُنبِئَنَّه غَدًا عَيبَهم، ثُمَّ أستأصِلُ خَضراءَهم. فقال له عَبدُ اللهِ بنُ أبي رَبيعةَ -وكان أتقى الرَّجُلَينِ فينا-: لا تَفعَلْ؛ فإنَّ لهم أرحامًا، وإنْ كانوا قد خالَفونا. قال: واللهِ لأُخبِرَنَّه أنَّهم يَزعُمونَ أنَّ عيسى عَبدٌ. ثُمَّ غَدَا عليه، فقال: أيُّها المَلِكُ، إنَّهم يقولونَ في عيسى ابنِ مَريَمَ قَولًا عَظيمًا، فأرسِلْ إليهم، فسَلْهم عما يقولونَ فيه. فأرسَلَ يَسألُهم. قالتْ: ولم يَنزِلْ بنا مِثلُها، فاجتمَعَ القَومُ، ثُمَّ قالوا: نقولُ -واللهِ- فيه ما قال اللهُ تَعالى، كائنًا ما كان. فلمَّا دَخَلوا عليه، قال لهم: ما تقولونَ في عيسى؟ فقال له جَعفَرٌ: نقولُ فيه الذي جاء به نَبيُّنا، هو عَبدُ اللهِ، ورسولُه، ورُوحُه، وكَلِمتُه ألقاها إلى مَريَمَ العَذراءِ البَتولِ . فضَرَبَ النَّجاشيُّ يَدَه إلى الأرضِ، فأخَذَ عُودًا، ثُمَّ قال: ما عَدا عيسى ما قُلتَ هذا العُودَ. فتَناخَرَتْ بَطارِقَتُه حَولَه، فقال: وإنْ نَخَرتُم واللهِ، اذهَبوا فأنتم سُيومٌ بأرضي -والسُّيومُ: الآمِنونَ-، مَن سَبَّكم غرِمَ، ثُمَّ مَن سَبَّكم غرِمَ، ما أُحِبُّ أنَّ لي دَبْرى ذَهبًا، وأنِّي آذَيتُ رَجُلًا منكم -والدَّبْرُ بلِسانِهم: الجَبلُ-، رُدُّوا عليهما هَداياهما، فواللهِ ما أخَذَ اللهُ منِّي الرِّشْوةَ حينَ رَدَّ علَيَّ مُلكي، فآخُذَ الرِّشْوةَ فيه، وما أطاعَ النَّاسَ فيَّ، فأُطيعَهم فيه. فخَرَجا مَقبوحَيْنِ! مَردودًا عليهما ما جاءا به، وأقَمْنا عندَه بخَيرِ دارٍ مع خيرِ جارٍ. فواللهِ إنَّا على ذلك، إذ نزَلَ به -يَعني: مَن يُنازِعُه في مُلكِه- فواللهِ ما علِمْنا حَربًا قَطُّ كان أشَدَّ مِن حَربٍ حربناه، تَخوُّفًا أنْ يَظهَرَ ذلك على النَّجاشيِّ، فيَأتيَ رَجُلٌ لا يَعرِفُ مِن حَقِّنا ما كان النَّجاشيُّ يَعرِفُ منه. وسار النَّجاشيُّ، وبينهما عَرضُ النِّيلِ. فقال أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن رَجُلٌ يَخرُجُ حتى يَحضُرَ وَقعةَ القَومِ، ثُمَّ يَأتيَنا بالخَبرِ؟ فقال الزُّبَيرُ: أنا. -وكان مِن أحدَثِ القَومِ سِنًّا- فنَفَخوا له قِربةً، فجَعَلها في صَدرِه، ثُمَّ سَبَحَ عليها حتى خرَجَ إلى مَكانِ المُلتقى، وحضَرَ. فدَعَوْنا اللهَ للنَّجاشيِّ بالظُّهورِ على عَدوِّه، والتَّمكينِ له في بِلادِه، واستَوسَقَ له أمْرُ الحَبشةِ، فكنَّا عندَه في خيرِ مَنزِلٍ حتى قدِمْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو بمكَّةَ.

6 - عن أُمِّ سَلَمةَ ابنةِ أبي أُمَيَّةَ بنِ المُغيرةِ، زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: لَمَّا نَزَلنا أرضَ الحَبَشةِ جاورنا بها خَيرَ جارٍ، النَّجاشيَّ، أمِنَّا على دينِنا، وعَبَدنا اللهَ لا نُؤذى، ولا نَسمَعُ شَيئًا نَكرَههُ، فلَمَّا بَلَغَ ذلك قُرَيشًا ائتَمَروا أن يَبعَثوا إلى النَّجاشيِّ فينا رَجُلَينِ جَلْدَينِ، وأن يُهدوا للنَّجاشيِّ هَدايا مِمَّا يُستَطرَفُ مِن مَتاعِ مَكَّةَ، وكان مِن أعجَبِ ما يَأتيه مِنها إليه الأَدَمُ، فجَمَعوا له أدَمًا كَثيرًا، ولَم يَترُكوا مِن بَطارِقَتِه بِطريقًا إلَّا أهدَوا له هَديَّةً، ثُمَّ بَعَثوا بذلك مَعَ عَبدِ اللهِ بنِ أبي رَبيعةَ بنِ المُغيرةِ المَخزوميِّ، وعَمرِو بنِ العاصِ بنِ وائِلٍ السَّهميِّ، وأمَروهُما أمرَهم، وقالوا لهما: ادفَعوا إلى كُلِّ بِطريقٍ هَديَّتَه قَبلَ أن تُكَلِّموا النَّجاشيَّ فيهم، ثُمَّ قدِّموا للنَّجاشيِّ هَداياه، ثُمَّ سَلوه أن يُسلِمَهم إليكُم قَبلَ أن يُكَلِّمَهم، قالت: فخَرَجا فقدِما على النَّجاشيِّ، ونَحنُ عِندَه بخَيرِ دارٍ، وعِندَ خَيرِ جارٍ، فلَم يَبقَ مِن بَطارِقَتِه بِطريقٌ إلَّا دَفَعا إليه هَديَّتَه قَبلَ أن يُكَلِّما النَّجاشيَّ، ثُمَّ قالا لكُلِّ بِطريقٍ مِنهم: إنَّه قد صَبا إلى بَلَدِ المَلِكِ مِنَّا غِلمانٌ سُفَهاءُ، فارَقوا دينَ قَومِهم ولَم يَدخُلوا في دينِكُم، وجاؤوا بدينٍ مُبتَدَعٍ لا نَعرِفُه نَحنُ ولا أنتُم، وقد بَعَثَنا إلى المَلِكِ فيهم أشرافُ قَومِهم لنَرُدَّهم إليهم، فإذا كَلَّمنا المَلِكَ فيهم، فتُشيروا عليه بأن يُسلِمَهم إلينا ولا يُكَلِّمَهم؛ فإنَّ قَومَهم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نَعَم، ثُمَّ إنَّهما قَرَّبا هَداياهُم إلى النَّجاشيِّ فقَبِلَها مِنهما، ثُمَّ كَلَّماه، فقالا له: أيُّها المَلِكُ، إنَّه قد صَبا إلى بَلَدِكَ مِنَّا غِلمانٌ سُفَهاءُ، فارَقوا دينَ قَومِهم، ولَم يَدخُلوا في دينِكَ، وجاؤوا بدينٍ مُبتَدَعٍ لا نَعرِفُه نَحنُ ولا أنتَ، وقد بَعَثَنا إليكَ فيهم أشرافُ قَومِهم مِن آبائِهم وأعمامِهم وعَشائِرِهم، لتَرُدَّهم إليهم، فهُم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم وعاتَبوهُم فيه. قالت: ولَم يَكُنْ شَيءٌ أبغَضَ إلى عَبدِ اللهِ بنِ أبي رَبيعةَ، وعَمرِو بنِ العاصِ مِن أن يَسمَعَ النَّجاشيُّ كَلامَهم، فقالت بَطارِقَتُه حَولَه: صَدَقوا أيُّها المَلِكُ، قَومُهم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم، فأسلِمْهم إليهما، فليَرُدَّاهُم إلى بلادِهم وقَومِهم، قالت: فغَضِبَ النَّجاشيُّ، ثُمَّ قال: لا هَيمُ اللهُ إذًا لا أُسلِمُهم إليهما، ولا أُكادُ قَومًا جاوَروني، ونَزَلوا بلادي، واختاروني على مَن سِوايَ، حَتَّى أدعوَهُم فأسألَهم ماذا يَقولُ هذانِ في أمرِهم، فإن كانوا كما يَقولانِ أسلَمتُهم إليهما ورَدَدتُهم إلى قَومِهم، وإن كانوا على غَيرِ ذلك مَنَعتُهم مِنهما، وأحسَنتُ جِوارَهم ما جاوروني. قالت: ثُمَّ أرسَلَ إلى أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدَعاهُم، فلَمَّا جاءَهم رَسولُه اجتَمَعوا ثُمَّ قال بَعضُهم لبَعضٍ: ما تَقولونَ للرَّجُلِ إذا جِئتُموه؟ قالوا: نَقولُ واللهِ ما عَلِمنا، وما أمَرنا به نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كائِنٌ في ذلك ما هو كائِنٌ. فلَمَّا جاؤوه، وقد دَعا النَّجاشيُّ أساقِفَتَه، فنَشَروا مَصاحِفَهم حَولَه، سَألَهم فقال: ما هذا الدِّينُ الذي فارَقتُم فيه قَومَكُم، ولَم تَدخُلوا في ديني ولا في دينِ أحَدٍ مِن هذه الأُمَمِ؟ قالت: فكان الذي كَلَّمَه جَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ، فقال له: أيُّها المَلِكُ، كُنَّا قَومًا أهلَ جاهِليَّةٍ، نَعبُدُ الأصنامَ، ونَأكُلُ المَيتةَ، ونَأتي الفَواحِشَ، ونَقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجِوارَ، يَأكُلُ القَويُّ مِنَّا الضَّعيفَ، فكُنَّا على ذلك حَتَّى بَعَثَ اللهُ إلينا رَسولًا مِنَّا نَعرِفُ نَسَبَه وصِدقَه وأمانَتَه وعَفافَه، فدَعانا إلى اللهِ لنوحِّدَه ونَعبُدَه، ونَخلَعَ ما كُنَّا نَعبُدُ نَحنُ وآباؤُنا مِن دونِه مِنَ الحِجارةِ والأوثانِ، وأمَرَنا بصِدقِ الحَديثِ، وأداءِ الأمانةِ، وصِلةِ الرَّحِمِ، وحُسنِ الجِوارِ، والكَفِّ عنِ المَحارِمِ والدِّماءِ، ونَهانا عنِ الفَواحِشِ، وقَولِ الزُّورِ، وأكلِ مالِ اليَتيمِ، وقَذفِ المُحصَنةِ، وأمَرَنا أن نَعبُدَ اللهَ وحدَه لا نُشرِكُ به شَيئًا، وأمَرَنا بالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ، قال: فعَدَّدَ عليه أُمورَ الإسلامِ، فصَدَّقناه وآمَنَّا به واتَّبَعناه على ما جاءَ به، فعَبَدنا اللهَ وحدَه، فلَم نُشرِكْ به شَيئًا، وحَرَّمنا ما حَرَّمَ علينا، وأحلَلنا ما أحَلَّ لَنا، فعَدا علينا قَومُنا، فعَذَّبونا وفَتَنونا عن دينِنا ليَرُدُّونا إلى عِبادةِ الأوثانِ مِن عِبادةِ اللهِ، وأن نَستَحِلَّ ما كُنَّا نَستَحِلُّ مِنَ الخَبائِثِ، فلَمَّا قَهَرونا وظَلَمونا، وشَقُّوا علينا، وحالوا بَينَنا وبَينَ دينِنا، خَرَجنا إلى بَلَدِكَ، واختَرناكَ على مَن سِواكَ، ورَغِبنا في جِوارِكَ، ورَجَونا أن لا نُظلَمَ عِندَكَ أيُّها المَلِكُ، قالت: فقال له النَّجاشيُّ: هَل مَعَكَ مِمَّا جاءَ به عنِ اللهِ مِن شَيءٍ؟ قالت: فقال له جَعفَرٌ: نَعَم، فقال له النَّجاشيُّ: فاقرَأْه عَلَيَّ، فقَرَأ عليه صَدرًا مِن (كهيعص)، قالت: فبَكى واللهِ النَّجاشيُّ حَتَّى أخضَلَ لحيَتَه، وبَكَت أساقِفَتُه حَتَّى أخضَلوا مَصاحِفَهم حينَ سَمِعوا ما تَلا عليهم، ثُمَّ قال النَّجاشيُّ: إنَّ هذا والذي جاءَ به موسى لَيَخرُجُ مِن مِشكاةٍ واحِدةٍ، انطَلِقا فواللهِ لا أُسلِمُهم إليكُم أبَدًا، ولا أُكادُ، قالت أُمُّ سَلَمةَ: فلَمَّا خَرَجا مِن عِندِه قال عَمرو بنُ العاصِ: واللهِ لَأُنَبِّئَنَّهم غَدًا عَيبَهم عِندَهم، ثُمَّ أستَأصِلُ به خَضراءَهم، قالت: فقال له عَبدُ اللهِ بنُ أبي رَبيعةَ -وكان أتقى الرَّجُلَينِ فينا-: لا تَفعَلْ؛ فإنَّ لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالَفونا. قال: واللهِ لَأُخبِرَنَّه أنَّهم يَزعُمونَ أنَّ عيسى ابنَ مَريَمَ عَبدٌ، قالت: ثُمَّ غَدا عليه الغَدَ، فقال له: أيُّها المَلِكُ، إنَّهم يَقولونَ في عيسى ابنِ مَريَمَ قَولًا عَظيمًا، فأرسِلْ إليهم فاسألْهم عَمَّا يَقولونَ فيه، قالت: فأرسَلَ إليهم يَسألُهم عنه، قالت: ولَم يَنزِلْ بنا مِثلُه، فاجتَمَعَ القَومُ، فقال بَعضُهم لبَعضٍ: ماذا تَقولونَ في عيسى إذا سَألَكُم عنه؟ قالوا: نَقولُ واللهِ فيه ما قال اللهُ، وما جاءَ به نَبيُّنا كائِنًا في ذلك ما هو كائِنٌ، فلَمَّا دَخَلوا عليه قال لهم: ما تَقولونَ في عيسى ابنِ مَريَمَ؟ فقال له جَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ: نَقولُ فيه الذي جاءَ به نَبيُّنا: هو عَبدُ اللهِ ورَسولُه، ورُوحُه وكَلِمَتُه ألقاها إلى مَريَمَ العَذراءِ البَتولِ، قالت: فضَرَبَ النَّجاشيُّ يَدَه إلى الأرضِ، فأخَذَ مِنها عودًا، ثُمَّ قال: ما عَدا عيسى ابن مَريَمَ ما قُلتَ هذا العودَ! فتَناخَرَت بَطارِقَتُه حَولَه حينَ قال ما قال، فقال: وإن نَخَرتُم واللهِ! اذهَبوا فأنتُم سُيومٌ بأرضي -والسُّيومُ: الآمِنونَ– مَن سَبَّكُم غُرِّمَ، ثُمَّ مَن سَبَّكُم غُرِّمَ، ثُمَّ مَن سَبَّكُم غُرِّمَ، ما أُحِبُّ أن ليَ دَبْرًا ذَهَبًا، وأنِّي آذَيتُ رَجُلًا مِنكُم - والدَّبْرُ بلِسانِ الحَبَشةِ: الجَبَلُ- رُدُّوا عليهما هَداياهُما، فلا حاجةَ لَنا بها، فواللهِ ما أخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشوةَ حينَ رَدَّ عليَّ مُلكي، فآخُذَ الرِّشوةَ فيه، وما أطاعَ النَّاسَ فيَّ فأُطيعَهم فيه. قالت: فخَرَجا مِن عِندِه مَقبوحَينِ مَردودًا عليهما ما جاءا به، وأقَمنا عِندَه بخَيرِ دارٍ مَعَ خَيرِ جارٍ. قالت: فواللهِ إنَّا على ذلك إذ نَزَلَ به -يَعني مَن يُنازِعُه في مُلكِه- قال: فواللهِ ما عَلِمنا حُزنًا قَطُّ كان أشَدَّ مِن حُزنٍ حَزِناه عِندَ ذلك؛ تَخَوُّفًا أن يَظهَرَ ذلك على النَّجاشيِّ، فيَأتيَ رَجُلٌ لا يَعرِفُ مِن حَقِّنا ما كان النَّجاشيُّ يَعرِفُ مِنه. قالت: وسارَ النَّجاشيُّ وبَينَهما عَرضُ النِّيلِ، قالت: فقال أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن رَجُلٌ يَخرُجُ حَتَّى يَحضُرَ وقعةَ القَومِ ثُمَّ يَأتيَنا بالخَبَرِ؟ قالت: فقال الزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ: أنا، قالت: وكان مِن أحدَثِ القَومِ سِنًّا، قالت: فنَفَخوا له قِربةً، فجَعَلَها في صَدرِه ثُمَّ سَبَحَ عليها حَتَّى خَرَجَ إلى ناحيةِ النِّيلِ التي بها مُلتَقى القَومِ، ثُمَّ انطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهم. قالت: ودَعَونا اللهَ للنَّجاشيِّ بالظُّهورِ على عَدوِّهِ، والتَّمكينِ له في بلادِه، واستَوسَقَ عليه أمرُ الحَبَشةِ، فكُنَّا عِندَه في خَيرِ مَنزِلٍ، حَتَّى قدِمنا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو بمَكَّةَ.
خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
الراوي : جعفر بن أبي طالب | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم : 1740 التخريج : -
التصنيف الموضوعي: إسلام - فضل الإسلام فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - أخلاق النبي مغازي - الهجرة إلى الحبشة مناقب وفضائل - جعفر بن أبي طالب مناقب وفضائل - النجاشي وأصحابه

7 - عن أُمِّ سَلَمةَ ابنةِ أبي أُمَيَّةَ بنِ المُغيرةِ زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: لَمَّا نَزَلنا أرضَ الحَبَشةِ جاوَرنا بها خَيرَ جارٍ النَّجاشيَّ أمِنَّا على دينِنا، وعَبَدنا اللهَ تَعالى لا نُؤذى، ولا نَسمَعُ شَيئًا نَكرَهُهُ، فلَمَّا بَلَغَ ذلك قُرَيشًا ائتَمَروا أن يَبعَثوا إلى النَّجاشيِّ فينا رَجُلَينِ جَلْدَينِ، وأن يُهدوا للنَّجاشيِّ هَدايا مِمَّا يُستَطرَفُ مِن مَتاعِ مَكَّةَ، وكان مِن أعجَبِ ما يَأتيه مِنها إليه الأدَمُ، فجَمَعوا له أدَمًا كَثيرًا ولَم يَترُكوا مِن بَطارِقَتِه بِطريقًا إلَّا أهدَوا له هَديَّةً، ثُمَّ بَعَثوا بذلك عَبدَ اللهِ بنَ أبي رَبيعةَ بنِ المُغيرةِ المَخزوميَّ وعَمرَو بنَ العاصِ بنِ وائِلٍ السَّهميَّ، وأمَروهُما أمرَهم وقالوا لهما: ادفَعا إلى كُلِّ بِطريقٍ هَديَّتَه قَبلَ أن تُكَلِّموا النَّجاشيَّ فيهم، ثُمَّ قدِّما للنَّجاشيِّ هَداياهُ، ثُمَّ سَلاهُ أن يُسلِمَهم إليكُم قَبلَ أن يُكَلِّمَهم، قالت: فخَرَجا فقدِما على النَّجاشيِّ ونَحنُ عِندَه بخَيرِ دارٍ، وخَيرِ جارٍ، فلَم يَبقَ مِن بَطارِقَتِه بِطريقٌ إلَّا دَفَعا إليه هَديَّتَه قَبلَ أن يُكَلِّما النَّجاشيَّ، ثُمَّ قالا لكُلِّ بِطريقٍ مِنهم: إنَّه قد صَبا إلى بَلَدِ المَلِكِ مِنَّا غِلمانٌ سُفَهاءُ، فارَقوا دينَ قَومِهم، ولَم يَدخُلوا في دينِكُم، وجاؤوا بدينٍ مُبتَدَعٍ لا نَعرِفُه نَحنُ ولا أنتُم، وقد بَعَثَنا إلى المَلِكِ فيهم أشرافُ قَومِهم لنَرُدَّهم إليهم، فإذا كَلَّمنا المَلِكَ فيهم فأشيروا عليه بأن يُسلِمَهم إلينا ولا يُكَلِّمَهم؛ فإنَّ قَومَهم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نَعَم. ثُمَّ إنَّهما قَرَّبا هَداياهُما إلى النَّجاشيِّ فقَبِلَها مِنهما، ثُمَّ كَلَّماهُ فقالا له: أيُّها المَلِكُ، إنَّه قد صَبا إلى بَلَدِكَ مِنَّا غِلمانٌ سُفَهاءُ، فارَقوا دينَ قَومِهم، ولَم يَدخُلوا في دينِكَ وجاؤوا بدينٍ مُبتَدَعٍ لا نَعرِفُه نَحنُ ولا أنتَ، وقد بَعَثَنا إليكَ فيهم أشرافُ قَومِهم مِن آبائِهم وأعمامِهم وعَشائِرِهم لتَرُدَّهم إليهم، فهُم أعلى بهم عَينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم وعاتَبوهُم فيه. قالت: ولَم يَكُنْ شَيءٌ أبغَضَ إلى عَبدِ اللهِ بنِ أبي رَبيعةَ وعَمرِو بنِ العاصِ مِن أن يَسمَعَ النَّجاشيُّ كَلامَهم، فقالت بَطارِقَتُه حَولَه: صَدَقوا أيُّها المَلِكُ، قَومُهم أعلى بهم عَينًا وأعلَمُ بما عابوا عليهم فأسلِمهم إليهما فليَرُدَّاهُم إلى بلادِهم وقَومِهم. قال: فغَضِبَ النَّجاشيُّ ثُمَّ قال: لا هَيمُ اللهِ إذًا لا أُسلِمُهم إليهما ولا أُكادُ قَومًا جاوروني، ونَزَلوا بلادي واختاروني على مَن سِوايَ، حَتَّى أدعوَهُم فأسألَهم ما يَقولُ هذانِ في أمرِهم، فإن كانوا كما يَقولانِ أسلَمتُهم إليهما ورَدَدتُهم إلى قَومِهم، وإن كانوا على غَيرِ ذلك مَنَعتُهم مِنهما، وأحسَنتُ جِوارَهم ما جاوروني، قالت: ثُمَّ أرسَلَ إلى أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدَعاهُم فلَمَّا جاءَهم رَسولُه اجتَمَعوا. ثُمَّ قال بَعضُهم لبَعضٍ: ما تَقولونَ للرَّجُلِ إذا جِئتُموهُ؟ قالوا: نَقولُ واللهِ ما عَلِمنا وما أمَرَنا به نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كائِنٌ في ذلك ما هو كائِنٌ، فلَمَّا جاؤوهُ، وقد دَعا النَّجاشيُّ أساقِفَتَه، فنَشَروا مَصاحِفَهم حَولَه، سَألَهم فقال: ما هذا الدِّينُ الذي فارَقتُم فيه قَومَكُم ولَم تَدخُلوا في ديني ولا في دينِ أحَدٍ مِن هذه الأُمَمِ؟ قالت: فكان الذي كَلَّمَه جَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ، فقال له: أيُّها المَلِكُ، كُنَّا قَومًا أهلَ جاهِليَّةٍ نَعبُدُ الأصنامَ، ونَأكُلُ المَيتةَ، ونَأتي الفَواحِشَ، ونَقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجِوارَ، يَأكُلُ القَويُّ مِنَّا الضَّعيفَ، فكُنَّا على ذلك حَتَّى بَعَثَ اللهُ إلينا رَسولًا مِنَّا، نَعرِفُ نَسَبَه وصِدقَه وأمانَتَه وعَفافَه، فدَعانا إلى اللهِ تَعالى لنوحِّدَه ونَعبُدَه ونَخلَعَ ما كُنَّا نَعبُدُ نَحنُ وآباؤُنا مِن دونِه مِنَ الحِجارةِ والأوثانِ، وأمَرَ بصِدقِ الحَديثِ، وأداءِ الأمانةِ، وصِلةِ الرَّحِمِ، وحُسنِ الجِوارِ، والكَفِّ عنِ المَحارِمِ والدِّماءِ، ونَهانا عن الفَواحِشِ، وقَولِ الزُّورِ، وأكلِ مالِ اليَتيمِ، وقَذفِ المُحصَنةِ، وأمَرَنا أن نَعبُدَ اللهَ وحدَه لا نُشرِكَ به شَيئًا، وأمَرَنا بالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ. قال: فعَدَّدَ عليه أُمورَ الإسلامِ فصَدَّقناهُ وآمَنَّا به، واتَّبَعناهُ على ما جاءَ به، فعَبَدنا اللهَ وحدَه فلَم نُشرِكْ به شَيئًا، وحَرَّمنا ما حَرَّمَ علينا، وأحلَلنا ما أحَلَّ لَنا، فعَدا علينا قَومُنا فعَذَّبونا ففَتَنونا عن دينِنا ليَرُدُّونا إلى عِبادةِ الأوثانِ مِن عِبادةِ اللهِ، وأن نَستَحِلَّ ما كُنَّا نَستَحِلُّ مِنَ الخَبائِثِ، فلَمَّا قَهَرونا وظَلَمونا، وشَقُّوا علينا، وحالوا بَينَنا وبَينَ دينِنا، خَرَجنا إلى بَلَدِكَ، واختَرناكَ على مَن سِواكَ، ورَغِبنا في جِوارِكَ، ورَجَونا أن لا نُظلَمَ عِندَكَ أيُّها المَلِكُ. قالت: فقال له النَّجاشيُّ: هَل مَعَكَ مِمَّا جاءَ به عنِ اللهِ مِن شَيءٍ؟ قالت: فقال له جَعفَرٌ: نَعَم. فقال له النَّجاشيُّ: فاقرَأْه عليَّ. فقَرَأ عليه صَدرًا مِن {كَهيعص}. قالت: فبَكى واللهِ النَّجاشيُّ حَتَّى أخضَلَ لحيَتَه، وبَكَت أساقِفَتُه حَتَّى أخضَلوا مَصاحِفَهم حينَ سَمِعوا ما تَلا عليهم، ثُمَّ قال النَّجاشيُّ: إنَّ هذا والذي جاءَ به موسى لَيَخرُجُ مِن مِشكاةٍ واحِدةٍ، انطَلِقا فواللهِ لا أُسلِمُهم إليكُم أبَدًا ولا أُكادُ. قالت أُمُّ سَلَمةَ رَضيَ اللهُ عنها: فلَمَّا خَرَجا مِن عِندِه قال عَمرو بنُ العاصِ: واللهِ لَآتيَنَّه غَدًا أعيبُهم عِندَه، ثُمَّ أستَأصِلُ به خَضراءَهم. قالت: فقال له عَبدُ اللهِ بنُ أبي رَبيعةَ -وكان أتقى الرَّجُلَينِ فينا-: لا تَفعَلْ؛ فإنَّ لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالَفونا. قال: واللهِ لَأُخبِرَنَّه أنَّهم يَزعُمونَ أنَّ عيسى ابنَ مَريَمَ عَبدٌ. قالت: ثُمَّ غَدا عليه الغَدَ. فقال له: أيُّها المَلِكُ، إنَّهم يَقولونَ في عيسى ابنِ مَريَمَ قَولًا عَظيمًا، فأرسِلْ إليهم فسَلْهم عَمَّا يَقولونَ فيه. قالت أُمُّ سَلَمةَ: فأرسَلَ إليهم يَسألُهم عنه، قالت: ولَم يَنزِلْ بنا مِثلُها، فاجتَمَعَ القَومُ. فقال بَعضُهم لبَعضٍ: ماذا تَقولونَ في عيسى إذا سَألَكُم عنه؟ قالوا: نَقولُ واللهِ فيه ما قال اللهُ وما جاءَ به نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كائِنًا في ذلك ما هو كائِنٌ، فلَمَّا دَخَلوا عليه قال لهم: ما تَقولونَ في عيسى ابنِ مَريَمَ؟ قال له جَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ: نَقولُ فيه الذي جاءَ به نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، هو عَبدُ اللهِ ورَسولُه ورُوحُه، وكَلِمَتُه ألقاها إلى مَريَمَ العَذراءِ البَتولِ. قالت: فضَرَبَ النَّجاشيُّ يَدَه على الأرضِ، فأخَذَ مِنها عودًا. ثُمَّ قال: ما عَدا عيسى ابنُ مَريَمَ ما قُلتَ هذا العودَ، فتَناخَرَت بَطارِقَتُه حَولَه حينَ قال ما قال، فقال: وإن نَخَرتُم واللهِ، اذهَبوا فأنتُم سُيومٌ بأرضي -والسُّيومُ: الآمِنونَ- مَن سَبَّكُم غُرِّمَ، ثُمَّ مَن سَبَّكُم غُرِّمَ، ثُمَّ مَن سَبَّكُم غُرِّمَ، فما أُحِبُّ أنَّ لي دَيرَ ذَهَبٍ وإنِّي آذَيتُ رَجُلًا مِنكُم، -والدَّيرُ بلِسانِ الحَبَشةِ: الجَبَلُ- رُدُّوا عليهما هَداياهُما، فلا حاجةَ لَنا بها، فواللهِ ما أخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشوةَ حينَ رَدَّ عليَّ مُلكي فآخُذَ الرِّشوةَ فيه، وما أطاعَ النَّاسَ فيَّ فأُطيعَهم فيه! قالت: فخَرَجا مِن عِندِه مَقبوحَينِ مَردودًا عليهما ما جاءا به، وأقَمنا عِندَه بخَيرِ دارٍ مَعَ خَيرِ جارٍ، قالت: فواللهِ إنَّا على ذلك إذ نَزَلَ به يَعني مَن يُنازِعُه في مُلكِه. قالت: فواللهِ ما عَلِمنا حُزنًا قَطُّ كان أشَدَّ مِن حُزنٍ حَزِنَّاهُ عِندَ ذلك؛ تَخَوُّفًا أن يَظهَرَ ذلك على النَّجاشيِّ فيَأتيَ رَجُلٌ لا يَعرِفُ مِن حَقِّنا ما كان النَّجاشيُّ يَعرِفُ مِنه. قالت: وسارَ النَّجاشيُّ وبَينَهما عَرضُ النِّيلِ، قال: فقال أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن رَجُلٌ يَخرُجُ حَتَّى يَحضُرَ وقعةَ القَومِ، ثُمَّ يَأتيَنا بالخَبَرِ. قالت: فقال الزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ: أنا. قالت: وكان مِن أحدَثِ القَومِ سِنًّا، قالت: فنَفَخوا له قِربةً فجَعَلَها في صَدرِه، ثُمَّ سَبَحَ عليها حَتَّى خَرَجَ مِن ناحيةِ النِّيلِ التي بها مُلتَقى القَومِ، ثُمَّ انطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهم. قالت: ودَعَونا اللهَ تَعالى للنَّجاشيِّ بالظُّهورِ على عَدوِّهِ والتَّمكينِ له في بلادِه، واستَوسَقَ عليه أمرُ الحَبَشةِ، فكُنَّا عِندَه في خَيرِ مَنزِلٍ، حَتَّى قدِمنا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو بمَكَّةَ.