الموسوعة الحديثية


- كنتُ ممَّن وُلِدَ برامَهُرْمُزَ، وبها نشأْتُ، وأمَّا أبي فمِن أَصْبَهانَ ، وكانتْ أُمِّي لها غِنًى، فأسلَمَتْني إلى الكُتَّابِ، وكنتُ أنطلِقُ مع غِلمانٍ مِن أهلِ قَرْيَتِنا، إلى أنْ دَنا مِنِّي فراغٌ مِنَ الكتابةِ، ولم يَكُنْ في الغِلمانِ أكبَرُ مِنِّي ولا أطوَلُ، وكان ثَمَّ جَبَلٌ فيهِ كَهْفٌ في طريقِنا، فمَرَرْتُ ذاتَ يَومٍ وحْدي، فإذا أنا فيهِ برجُلٍ عليه ثيابُ شَعرٍ، ونَعْلاهُ شَعرٌ، فأشارَ إليَّ، فدَنَوْتُ منهُ، فقال: يا غُلامُ، أَتَعْرِفُ عيسى ابنَ مريمَ؟ قلتُ: لا، قال: هو رسولُ اللهِ، آمِنْ بعيسى وبرسولٍ يأتي مِن بَعْدِهِ اسمُهُ أحمدُ، أخرَجَهُ اللهُ مِن غَمِّ الدُّنيا إلى رَوْحِ الآخِرَةِ ونعيمِها، قلتُ: ما نعيمُ الآخِرَةِ؟ قال: نعيمٌ لا يَفْنَى، فرأيْتُ الحَلاوةَ والنُّورَ يخرُجُ مِن شَفَتَيْهِ، فعَلِقَهُ فُؤادي، وفارقْتُ أصحابي، وجعلْتُ لا أذهَبُ ولا أَجيءُ إلَّا وحْدي، وكانت أُمِّي تُرسِلُني إلى الكُتَّابِ، فأَنقَطِعُ دونَهُ، فعلَّمَني شَهادةَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ عيسى رسولُ اللهِ، ومحمَّدًا بَعدَهُ رسولُ اللهِ، والإيمانَ بالبعثِ، وعلَّمَني القيامَ في الصَّلاةِ، وكان يقولُ لي: إذا قُمْتَ في الصَّلاةِ فاستَقبَلْتَ القِبلةَ فاحتَوَشَتْكَ النَّارُ فلا تَلتَفِتْ، وإنْ دَعَتْكَ أُمُّكَ وأبوكَ فلا تَلتَفِتْ، إلَّا أنْ يَدْعوَكَ رسولٌ مِن رُسُلِ اللهِ، وإنْ دعاكَ وأنتَ في فريضةٍ فاقطَعْها؛ فإنَّهُ لا يَدْعوكَ إلَّا بوَحْيٍ، وأمَرَني بطولِ القُنوتِ، وزعَمَ أنَّ عيسى عليه السَّلامُ قال: طولُ القُنوتِ أمانٌ على الصِّراطِ، وطولُ السُّجودِ أمانٌ مِن عذابِ القَبْرِ، وقال: لا تَكْذِبَنَّ مازِحًا ولا جادًّا؛ حتَّى يُسَلِّمَ عليكَ ملائكةُ اللهِ، ولا تَعْصِيَنَّ اللهَ في طَمَعٍ ولا غَضَبٍ؛ لا تُحجَبُ عنِ الجنَّةِ طَرفةَ عَيْنٍ، ثمَّ قال لي: إنْ أَدرَكْتَ مُحمَّدَ بنَ عبدِ اللهِ الَّذي يخرُجُ مِن جبالِ تِهامةَ فآمِنْ بهِ، واقْرَأْ عليه السَّلامَ مِنِّي؛ فإنَّهُ بَلَغَني أنَّ عيسى ابنَ مريمَ عليه السَّلامُ قال: مَن سَلَّمَ على مُحمَّدٍ، رآهُ أوْ لَمْ يَرَهُ، كان له مُحمَّدٌ شافِعًا ومُصافِحًا؛ فدخَلَ حَلاوةُ الإنجيلِ في صَدري، قال: فأقامَ في مَقامِهِ حَوْلًا ، ثمَّ قال: أيْ بُنَيَّ، إنَّكَ قد أَحبَبْتَني وأَحبَبْتُكَ، وإنَّما قَدِمْتُ بلادَكُم هذهِ: أنَّه كان لي قريبٌ، فمات، فأَحبَبْتُ أنْ أكونَ قريبًا مِن قبرِهِ، أُصَلِّي عليه، وأُسَلِّمُ عليه؛ لِمَا عَظَّمَ اللهُ علينا في الإنجيلِ مِن حقِّ القَرابةِ، يقولُ اللهُ: مَن وَصَلَ قَرابَتَهُ وَصَلَني، ومَن قَطَعَ قَرابَتَهُ فقد قَطَعَني، وإنَّهُ قد بَدا ليَ الشُّخوصُ مِن هذا المكانِ، فإنْ كنتَ تُريدُ صُحبَتي فأنا طَوْعُ يدَيْكَ، قلتُ: عَظَّمْتَ حقَّ القَرابةِ، وهنا أُمِّي وقَرابَتي، قال: إنْ كنتَ تُريدُ أنْ تُهاجِرَ مُهاجَرَ إبراهيمَ عليه السَّلامُ فدَعِ الوالدةَ والقَرابةَ، ثمَّ قال: إنَّ اللهَ يُصْلِحُ بينَكَ وبينَهُم حتَّى لا تَدْعوَ عليكَ الوالدةُ، فخرجْتُ معهُ، فأَتَيْنا نَصِيبِينَ، فاستَقْبَلَهُ اثنا عشَرَ مِنَ الرُّهْبانِ يَبتَدِرونَهُ ويَبسُطونَ له أَرْديَتَهم، وقالوا: مرحبًا بسيِّدِنا وواعي كتابِ ربِّنا، فحَمِدَ اللهَ، ودَمَعَتْ عَيْناهُ، وقال: إنْ كنتُم تُعَظِّموني لتعظيمِ جَلالِ اللهِ، فأَبْشِروا بالنَّظَرِ إلى اللهِ، ثمَّ قال: إنِّي أُريدُ أنْ أَتَعَبَّدَ في مِحرابِكُمْ هذا شهرًا، فاستَوْصوا بهذا الغُلامِ؛ فإنِّي رأيْتُهُ رقيقًا، سريعَ الإجابةِ، فمَكَثَ شهرًا لا يَلتَفِتُ إليَّ، ويَجتَمِعُ الرُّهْبانُ خلْفَهُ يَرْجونَ أنْ يَنصَرِفَ ولا يَنصَرِفُ، فقالوا: لوْ تَعَرَّضْتَ له، فقلتُ: أنتُم أَعْظَمُ عليه حقًّا مِنِّي، قالوا: أنتَ ضعيفٌ، غريبٌ، ابنُ سبيلٍ، وهو نازِلٌ عليْنا، فلا تَقْطَعْ عليه صلاتَهُ مخافةَ أنْ يَرى أنَّا نَستَثْقِلُهُ، فعَرَضْتُ له فارتَعَدَ، ثمَّ جَثا على رُكبَتَيْهِ، ثمَّ قال: ما لَكَ يا بُنَيَّ؟ جائِعٌ أنتَ؟ عطشانُ أنتَ؟ مَقْرورٌ أنتَ؟ اشتَقْتَ إلى أهلِكَ؟ قلتُ: بل أَطَعْتُ هؤلاءِ العُلماءَ، قال: أتدري ما يقولُ الإنجيلُ؟ قلتُ: لا، قال: يقولُ: مَن أطاعَ العُلماءَ فاسِدًا كان أو مُصْلِحًا، فماتَ، فهو صِدِّيقٌ، وقد بَدا لي أنْ أَتَوَجَّهَ إلى بيتِ المَقْدِسِ ، فجاءَ العُلماءُ، فقالوا: يا سيِّدَنا، امكُثْ يَوْمَكَ تُحَدِّثْنا وتُكَلِّمْنا، قال: إنَّ الإنجيلَ حدَّثَني أنَّه مَن هَمَّ بخيرٍ فلا يُؤَخِّرْهُ، فقامَ، فجَعَلَ العُلماءُ يُقَبِّلونَ كَفَّيْهِ وثيابَهُ، كلَّ ذلكَ يقولُ: أوصيكُم ألَّا تحتَقروا معصيةَ اللهِ، ولا تُعجَبوا بحسنةٍ تَعْمَلونَها، فمَشَى ما بينَ نَصِيبِينَ والأرضِ المُقَدَّسةِ شهرًا، يمشي نَهارَهُ، ويقومُ لَيْلَهُ، حتَّى دخَلَ بيتَ المَقْدِسِ ، فقام شهرًا يُصَلِّي اللَّيلَ والنَّهارَ، فاجتَمَعَ إليهِ عُلماءُ بيتِ المَقْدِسِ ، فطَلَبوا إليَّ أنْ أَتَعَرَّضَ له، ففَعَلْتُ، فانصرَفَ إليَّ، فقال لي كما قال في المَرَّةِ الأولى، فلمَّا تكلَّمَ، اجتمَعَ حَوْلَهُ عُلماءُ بيتِ المَقْدِسِ ، فحالوا بيني وبينَهُ يَوْمَهم ولَيْلَتَهم حتَّى أصبَحوا، فمَلُّوا وتَفَرَّقوا، فقال لي: أيْ بُنَيَّ، إنِّي أُريدُ أنْ أضَعَ رأسي قليلًا، فإذا بَلَغَتِ الشَّمسُ قَدَمي فأَيْقِظْني، قال: وبينَه وبينَ الشَّمسِ ذِراعانِ، فبَلَغَتْهُ الشَّمسُ، فرَحِمْتُهُ لطولِ عَنائِهِ وتَعَبِهِ في العِبادةِ، فلمَّا بَلَغَتِ الشَّمسُ سُرَّتَهُ استَيْقَظَ بحَرِّها، فقال: ما لَكَ لم توقِظْني؟ قلتُ: رَحِمْتُكَ لطولِ عَنائِكَ، قال: إنِّي لا أُحِبُّ أنْ تأتيَ عليَّ ساعةٌ لا أذكُرُ اللهَ فيها ولا أعبُدُهُ، أفلا رَحِمْتَني مِن طولِ الموقفِ؟ أيْ بُنَيَّ، إنِّي أُريدُ الشُّخوصَ إلى جبلٍ فيه خمسونَ ومئةُ رجُلٍ أَشَرُّهُمْ خَيْرٌ مِنِّي، أَتَصْحَبُني؟ قلتُ: نعم، فقام، فتعلَّقَ به أعمى على البابِ، فقال: يا أبا الفضْلِ، تخرُجُ ولم أُصِبْ مِنكَ خَيْرًا؟! فمسَحَ يَدَهُ على وجْهِهِ، فصار بصيرًا، فوَثَبَ مُقْعَدٌ إلى جنبِ الأعمى، فتعلَّقَ بهِ، فقال: مُنَّ عليَّ، مَنَّ اللهُ عليكَ بالجنَّةِ، فمسَحَ يَدَهُ عليه، فقام، فمَضَى -يعني: الرَّاهِبَ-، فقُمْتُ أنظُرُ يمينًا وشِمالًا لا أرَى أحَدًا، فدخَلْتُ بيتَ المَقْدِسِ ، فإذا أنا برجُلٍ في زاويةٍ عليه المُسوحُ، فجلسْتُ حتَّى انصرَفَ، فقلتُ: يا عبدَ اللهِ، ما اسمُكَ؟ قال: فذكَرَ اسمَهُ، فقلتُ: أَتَعْرِفُ أبا الفضْلِ؟ قال: نعم، ووَدِدْتُ أنِّي لا أَموتُ حتَّى أَراهُ، أَمَا إنَّه هو الذي مَنَّ عليَّ بهذا الدِّينِ، فأنا أنتظِرُ نبيَّ الرَّحمةِ الذي وَصَفَهُ لي، يخرُجُ مِن جبالِ تِهامةَ ، يُقالُ لهُ: مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ، يركَبُ الجَمَلَ والحِمارَ والفَرَسَ والبَغلةَ، ويكونُ الحُرُّ والمملوكُ عِندَهُ سواءً، وتكونُ الرَّحمةُ في قلْبِهِ وجَوارِحِهِ، لو قُسِّمَتْ بينَ الدُّنيا كلِّها لم يَكُنْ لها مَكانٌ، بينَ كَتِفَيْهِ كبَيضةِ الحمامةِ عليها مكتوبٌ باطِنَها: اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ له، محمَّدٌ رسولُ اللهِ، وظاهِرَها: تَوَجَّهْ حيثُ شِئْتَ فإنَّكَ المنصورُ، يأكُلُ الهَديَّةَ، ولا يأكُلُ الصَّدَقةَ، ليس بحَقودٍ ولا حَسودٍ، ولا يظلِمُ مُعاهَدًا ولا مُسْلِمًا، فقُمْتُ مِن عِندِهِ فقلتُ: لعلِّي أَقْدِرُ على صاحِبي، فمَشَيْتُ غيرَ بعيدٍ، فالْتَفَتُّ يمينًا وشِمالًا لا أَرَى شيئًا، فمَرَّ بي أعرابٌ مِن كَلْبٍ، فاحتَمَلوني حتَّى أَتَوْا بي يَثْرِبَ ، فسَمَّوْني مَيْسَرةَ، فجَعَلْتُ أُناشِدُهم فلا يَفْقَهونَ كلامي، فاشتَرَتْني امرأةٌ يُقالُ لها: خُلَيْسَةُ، بثلاثِ مئةِ دِرهمٍ، فقالتْ: ما تُحْسِنُ؟ قلتُ: أُصَلِّي لربِّي وأعبُدُهُ، وأَسِفُّ الخوصَ، قالتْ: ومَن رَبُّكَ؟ قلتُ: ربُّ مُحمَّدٍ، قالتْ: وَيْحَكَ! ذاكَ بمكَّةَ، ولكنْ عليكَ بهذهِ النَّخلةِ، وصَلِّ لربِّكَ لا أَمنَعُكَ، وسِفَّ الخوصَ، واسْعَ على بناتي؛ فإنَّ ربَّكَ يَعْني إنْ تُناصِحْهُ في العبادةِ يُعْطِكَ سُؤْلَكَ، فمَكَثْتُ عندَها سِتَّةَ عشَرَ شهرًا، حتَّى قَدِمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المدينةَ، فبَلَغَني ذلكَ وأنا في أقصى المدينةِ في زمنِ الخِلالِ، فانتَقيْتُ شيئًا مِنَ الخِلالِ، فجَعَلْتُهُ في ثَوْبي، وأَقبَلْتُ أسألُ عنه، حتَّى دخلْتُ عليه وهو في منزلِ أبي أيُّوبَ، وقد وَقَعَ حُبٌّ لهُم فانكَسَرَ، وانصَبَّ الماءُ، فقام أبو أيُّوبَ وامرأتُهُ يَلتَقِطانِ الماءَ بقَطيفةٍ لهُما لا يَكِفُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فخرَجَ رسولُ اللهِ فقال: ما تَصنَعُ يا أبا أيُّوبَ؟ فأخبَرَهُ، فقال: لكَ ولزَوْجَتِكَ الجنَّةُ، فقلتُ: هذا واللهِ مُحمَّدٌ رسولُ الرَّحمةِ، فسلَّمْتُ عليه، ثمَّ أَخَذْتُ الخِلالَ فوَضَعْتُهُ بينَ يدَيْهِ، فقال: ما هذا يا بُنَيَّ؟ قلتُ: صدقةٌ، قال: إنَّا لا نأكُلُ الصَّدَقةَ، فأخذْتُهُ، وتناوَلْتُ إزاري وفيهِ شيءٌ آخَرُ، فقلتُ: هذهِ هَديَّةٌ، فأكَلَ وأَطْعَمَ مَن حَوْلَهُ، ثمَّ نَظَرَ إليَّ، فقال: أَحُرٌّ أنتَ أَمْ مملوكٌ؟ قلتُ: مملوكٌ، قال: ولِمَ وَصَلْتَني بهذهِ الهَديَّةِ؟ قلتُ: كان لي صاحبٌ مِن أَمْرِهِ كذا، وصاحبٌ مِن أَمْرِهِ كذا، فأَخبَرْتُهُ بأَمْرِهما، قال: أَمَا إنَّ صاحِبَيْكَ مِنَ الذينَ قال اللهُ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ...} [القصص: 52، 53] الآيةَ، ما رأيْتَ فيَّ ما خَبَّرَكَ؟ قلتُ: نعم، إلَّا شيئًا بينَ كَتِفَيْكَ، فألْقَى ثَوْبَهُ، فإذا الخاتَمُ، فقَبَّلْتُهُ، وقلتُ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّكَ رسولُ اللهِ، فقال: يا بُنيَّ، أنتَ سَلْمانُ، ودَعا عليًّا، فقال: اذهَبْ إلى خُلَيْسَةَ، فقُلْ لها: يقولُ لكِ مُحمَّدٌ: إمَّا أنْ تُعتِقي هذا، وإمَّا أنْ أُعْتِقَهُ؛ فإنَّ الحِكمةَ تُحَرِّمُ عليكِ خِدْمَتَهُ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَشْهَدُ أنَّها لم تُسْلِمْ، قال: يا سَلْمانُ، أَوَ لَا تدري ما حدَثَ بَعْدَكَ؟ دخَلَ عليها ابنُ عمِّها، فعرَضَ عليها الإسلامَ فأَسلَمَتْ، فانطلَقَ عليٌّ، وإذا هي تذكُرُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخبَرَها عليٌّ، فقالتْ: انطلِقْ إلى أخي -تَعْني: النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فقُلْ لهُ: إنْ شِئْتَ فأَعْتِقْهُ، وإنْ شِئْتَ فهو لكَ، قال: فكنتُ أَغْدو وأَروحُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَعولُني خُلَيْسَةُ، فقال ليَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يومٍ: انطلِقْ بنا نُكافِئْ خُلَيْسَةَ، فكنتُ معه خمسةَ عشَرَ يومًا في حائِطِها يُعَلِّمُني وأُعينُهُ، حتَّى غَرَسْنا لها ثلاثَ مئةِ فَسيلةٍ، فكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا اشتَدَّ عليه حَرُّ الشَّمسِ وَضَعَ على رأسهِ مِظَلَّةٌ لي مِن صوفٍ، فعَرِقَ فيها مِرارًا، فما وَضَعْتُها بَعْدُ على رأسي إعظامًا له، وإبقاءً على ريحِهِ، وما زِلْتُ أَخْبَؤُها ويَنْجابُ منها حتَّى بَقِيَ منها أربعُ أصابِعَ، فغَزَوْتُ مَرَّةً فسَقَطَتْ مِنِّي.
خلاصة حكم المحدث : شبه موضوع وأبو معاذ مجهول
الراوي : سلمان الفارسي | المحدث : الذهبي | المصدر : سير أعلام النبلاء الصفحة أو الرقم : 1/515
التخريج : أخرجه أبو الشيخ في ((طبقات المحدثين بأصبهان)) (1/ 218)، وأبو نعيم الأصبهاني في ((تاريخ أصبهان)) (1/ 76) كلاهما مطولا.
التصنيف الموضوعي: أنبياء - عيسى فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - خاتم النبوة في ظهره فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - صفة النبي وأمته في كتب أهل الكتاب مناقب وفضائل - سلمان الفارسي صدقة - كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

أصول الحديث:


سير أعلام النبلاء للذهبي (1/ 515)
أبو إسماعيل الترمذي ، وإسحاق بن إبراهيم بن جميل وغيرهما ، قالوا : أنبأنا عبد الله بن أبي زياد القطواني، حدثنا سيار بن حاتم ، حدثنا موسى بن سعيد الراسبي ، حدثنا أبو معاذ ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن سلمان الفارسي كنت ممن ولد برامهرمز، وبها نشأت، وأما أبي فمن أصبهان. وكانت أمي لها غنى، فأسلمتني إلى الكتاب، وكنت أنطلق مع غلمان من أهل قريتنا، إلى أن دنا مني فراغ من الكتابة، ولم يكن في الغلمان أكبر مني ولا أطول، وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا، فمررت ذات يوم وحدي، فإذا أنا فيه برجل عليه ثياب شعر، ونعلاه شعر، فأشار إلي، فدنوت منه، فقال: يا غلام، أتعرف عيسى ابن مريم؟ قلت: لا، قال: هو رسول الله، آمن بعيسى وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد، أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها. قلت: ما نعيم الآخرة؟ قال: نعيم لا يفنى. فرأيت الحلاوة والنور يخرج من شفتيه، فعلقه فؤادي، وفارقت أصحابي، وجعلت لا أذهب ولا أجيء إلا وحدي. وكانت أمي ترسلني إلى الكتاب، فأنقطع دونه، فعلمني شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن عيسى رسول الله، ومحمدا بعده رسول الله، والإيمان بالبعث، وعلمني القيام في الصلاة، وكان يقول لي: إذا قمت في الصلاة فاستقبلت القبلة فاحتوشتك النار فلا تلتفت، وإن دعتك أمك وأبوك فلا تلتفت، إلا أن يدعوك رسول من رسل الله، وإن دعاك وأنت في فريضة فاقطعها؛ فإنه لا يدعوك إلا بوحي. وأمرني بطول القنوت، وزعم أن عيسى عليه السلام قال: طول القنوت أمان على الصراط، وطول السجود أمان من عذاب القبر. وقال: لا تكذبن مازحا ولا جادا حتى يسلم عليك ملائكة الله، ولا تعصين الله في طمع ولا غضب، لا تحجب عن الجنة طرفة عين. ثم قال لي: إن أدركت محمد بن عبد الله الذي يخرج من جبال تهامة فآمن به، واقرأ عليه السلام مني؛ فإنه بلغني أن عيسى ابن مريم عليه السلام قال: من سلم على محمد، رآه أو لم يره؛ كان له محمد شافعا ومصافحا. فدخل حلاوة الإنجيل في صدري. قال: فأقام في مقامه حولا، ثم قال: أي بني، إنك قد أحببتني وأحببتك، وإنما قدمت بلادكم هذه: أنه كان لي قريب، فمات، فأحببت أن أكون قريبا من قبره، أصلي عليه، وأسلم عليه؛ لما عظم الله علينا في الإنجيل من حق القرابة، يقول الله: من وصل قرابته وصلني، ومن قطع قرابته فقد قطعني. وإنه قد بدا لي الشخوص من هذا المكان، فإن كنت تريد صحبتي فأنا طوع يديك. قلت: عظمت حق القرابة، وهنا أمي وقرابتي. قال: إن كنت تريد أن تهاجر مهاجر إبراهيم عليه السلام فدع الوالدة والقرابة، ثم قال: إن الله يصلح بينك وبينهم حتى لا تدعو عليك الوالدة. فخرجت معه، فأتينا نصيبين، فاستقبله اثنا عشر من الرهبان يبتدرونه ويبسطون له أرديتهم، وقالوا: مرحبا بسيدنا وواعي كتاب ربنا. فحمد الله، ودمعت عيناه، وقال: إن كنتم تعظموني لتعظيم جلال الله؛ فأبشروا بالنظر إلى الله. ثم قال: إني أريد أن أتعبد في محرابكم هذا شهرا، فاستوصوا بهذا الغلام؛ فإني رأيته رقيقا، سريع الإجابة. فمكث شهرا لا يلتفت إلي، ويجتمع الرهبان خلفه يرجون أن ينصرف ولا ينصرف، فقالوا: لو تعرضت له، فقلت: أنتم أعظم عليه حقا مني، قالوا: أنت ضعيف، غريب، ابن سبيل، وهو نازل علينا، فلا تقطع عليه صلاته مخافة أن يرى أنا نستثقله. فعرضت له فارتعد، ثم جثا على ركبتيه، ثم قال: ما لك يا بني؟ جائع أنت؟ عطشان أنت؟ مقرور أنت؟ اشتقت إلى أهلك؟ قلت: بل أطعت هؤلاء العلماء. قال: أتدري ما يقول الإنجيل؟ قلت: لا، قال: يقول: من أطاع العلماء فاسدا كان أو مصلحا، فمات؛ فهو صديق. وقد بدا لي أن أتوجه إلى بيت المقدس. فجاء العلماء، فقالوا: يا سيدنا، امكث يومك تحدثنا وتكلمنا، قال: إن الإنجيل حدثني أنه من هم بخير فلا يؤخره. فقام، فجعل العلماء يقبلون كفيه وثيابه، كل ذلك يقول: أوصيكم ألا تحتقروا معصية الله، ولا تعجبوا بحسنة تعملونها. فمشى ما بين نصيبين والأرض المقدسة شهرا، يمشي نهاره، ويقوم ليله، حتى دخل بيت المقدس، فقام شهرا يصلي الليل والنهار. فاجتمع إليه علماء بيت المقدس، فطلبوا إلي أن أتعرض له، ففعلت، فانصرف إلي، فقال لي كما قال في المرة الأولى. فلما تكلم، اجتمع حوله علماء بيت المقدس، فحالوا بيني وبينه يومهم وليلتهم حتى أصبحوا، فملوا وتفرقوا، فقال لي: أي بني، إني أريد أن أضع رأسي قليلا، فإذا بلغت الشمس قدمي فأيقظني. قال: وبينه وبين الشمس ذراعان، فبلغته الشمس، فرحمته لطول عنائه وتعبه في العبادة، فلما بلغت الشمس سرته استيقظ بحرها، فقال: ما لك لم توقظني؟ قلت: رحمتك لطول عنائك. قال: إني لا أحب أن تأتي علي ساعة لا أذكر الله فيها ولا أعبده، أفلا رحمتني من طول الموقف؟ أي بني، إني أريد الشخوص إلى جبل فيه خمسون ومئة رجل أشرهم خير مني، أتصحبني؟ قلت: نعم. فقام، فتعلق به أعمى على الباب، فقال: يا أبا الفضل، تخرج ولم أصب منك خيرا! فمسح يده على وجهه، فصار بصيرا. فوثب مقعد إلى جنب الأعمى، فتعلق به، فقال: من علي، من الله عليك بالجنة. فمسح يده عليه، فقام. فمضى- يعني: الراهب-، فقمت أنظر يمينا وشمالا لا أرى أحدا، فدخلت بيت المقدس فإذا أنا برجل في زاوية عليه المسوح، فجلست حتى انصرف، فقلت: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فذكر اسمه، فقلت: أتعرف أبا الفضل؟ قال: نعم، ووددت أني لا أموت حتى أراه، أما أنه هو الذي من علي بهذا الدين، فأنا أنتظر نبي الرحمة الذي وصفه لي، يخرج من جبال تهامة، يقال له: محمد بن عبد الله، يركب الجمل والحمار والفرس والبغلة، ويكون الحر والمملوك عنده سواء، وتكون الرحمة في قلبه وجوارحه، لو قسمت بين الدنيا كلها لم يكن لها مكان، بين كتفيه كبيضة الحمامة عليها مكتوب باطنها: الله وحده لا شريك له، محمد رسول الله، وظاهرها: توجه حيث شئت فإنك المنصور. يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، ليس بحقود ولا حسود، ولا يظلم معاهدا ولا مسلما. فقمت من عنده فقلت: لعلي أقدر على صاحبي، فمشيت غير بعيد، فالتفت يمينا وشمالا لا أرى شيئا، فمر بي أعراب من كلب، فاحتملوني حتى أتوا بي يثرب، فسموني ميسرة، فجعلت أناشدهم فلا يفقهون كلامي، فاشترتني امرأة يقال لها: خليسة، بثلاث مئة درهم. فقالت: ما تحسن؟ قلت: أصلي لربي وأعبده، وأسف الخوص. قالت: ومن ربك؟ قلت: رب محمد، قالت: ويحك! ذاك بمكة، ولكن عليك بهذه النخلة، وصل لربك لا أمنعك، وسف الخوص، واسع على بناتي، فإن ربك يعني إن تناصحه في العبادة يعطك سؤلك. فمكثت عندها ستة عشر شهرا، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فبلغني ذلك وأنا في أقصى المدينة في زمن الخلال، فانتقيت شيئا من الخلال، فجعلته في ثوبي، وأقبلت أسأل عنه، حتى دخلت عليه وهو في منزل أبي أيوب، وقد وقع حب لهم فانكسر، وانصب الماء، فقام أبو أيوب وامرأته يلتقطان الماء بقطيفة لهما لا يكف على النبي صلى الله عليه وسلم. فخرج رسول الله فقال: ما تصنع يا أبا أيوب؟ فأخبره، فقال: لك ولزوجتك الجنة. فقلت: هذا والله محمد رسول الرحمة. فسلمت عليه، ثم أخذت الخلال فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا يا بني؟ قلت: صدقة، قال: إنا لا نأكل الصدقة. فأخذته، وتناولت إزاري وفيه شيء آخر، فقلت: هذه هدية. فأكل وأطعم من حوله، ثم نظر إلي، فقال: أحر أنت أم مملوك؟ قلت: مملوك. قال: ولم وصلتني بهذه الهدية؟ قلت: كان لي صاحب من أمره كذا، وصاحب من أمره كذا، فأخبرته بأمرهما. قال: أما إن صاحبيك من الذين قال الله: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم...} [القصص: 52، 53] الآية، ما رأيت في ما خبرك؟ قلت: نعم، إلا شيئا بين كتفيك. فألقى ثوبه، فإذا الخاتم، فقبلته، وقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال: يا بني، أنت سلمان, ودعا عليا، فقال: اذهب إلى خليسة، فقل لها: يقول لك محمد: إما أن تعتقي هذا، وإما أن أعتقه، فإن الحكمة تحرم عليك خدمته. قلت: يا رسول الله، أشهد أنها لم تسلم. قال: يا سلمان، أولا تدري ما حدث بعدك؟ دخل عليها ابن عمها فعرض عليها الإسلام فأسلمت. فانطلق علي، وإذا هي تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرها علي، فقالت: انطلق إلى أخي- تعني: النبي صلى الله عليه وسلم-، فقل له: إن شئت فأعتقه، وإن شئت فهو لك. قال: فكنت أغدو وأروح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعولني خليسة. فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: انطلق بنا نكافئ خليسة. فكنت معه خمسة عشر يوما في حائطها يعلمني وأعينه، حتى غرسنا لها ثلاث مئة فسيلة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد عليه حر الشمس وضع على رأسه مظلة لي من صوف، فعرق فيها مرارا، فما وضعتها بعد على رأسي إعظاما له، وإبقاء على ريحه، وما زلت أخبأها وينجاب منها حتى بقي منها أربع أصابع، فغزوت مرة فسقطت مني. هذا الحديث شبه موضوع ، وأبو معاذ مجهول وموسى.

طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها (1/ 218)
حدثنا القاسم بن فورك , قال: ثنا عبد الله بن أبي زياد , قال: ثنا سيار بن حاتم العنزي , قال: ثنا موسى بن سعيد الراسبي , قال: ثنا أبو معاذ , عن أبي سلمة بن عبد الرحمن , عن سلمان الفارسي, قال " إني كنت ممن ولد برامهرمز وبها نشأت , وأما أبي فمن أهل أصبهان وكانت أمي لها غنى وعيش فأسلمتني أمي إلى الكتاب , فكنت أنطلق مع غلمان من قريتنا إلى أن دنا مني فراغ من كتاب الفارسية ولم يكن في الغلمان أكبر مني ولا أطول وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا فمررت ذات يوم وحدي فإذا أنا فيه برجل طويل عليه ثياب شعر , نعلاه من شعر فأشار إلي فدنوت منه فقال: يا غلام تعرف عيسى ابن مريم؟ فقلت: لا ولا سمعت به , فقال: أتدري من عيسى ابن مريم؟ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم , آمن بعيسى إنه رسول الله , وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد , أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها قلت: ما نعيم الآخرة؟ قال: نعيمها لا يفنى وهوانها لا يفنى , فرأيت الحلاوة والنور يخرج من شفتيه فعلقه فؤادي وفارقت أصحابي وجعلت لا أذهب ولا أجيء إلا وحدي وكانت أمي ترسلني إلى الكتاب فأنقطع دونه وكان أول ما علمني شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن عيسى ابن مريم رسول الله , ومحمد صلى الله عليه وسلم بعده رسول الله والإيمان بالبعث بعد الموت فأعطيته ذلك , وعلمني القيام في الصلاة وكان يقول إذا قمت في الصلاة فاستقبلت القبلة فإن احتوشتك النار فلا تلتفت وإن دعتك أمك وأبوك في الصلاة الفريضة لا تلتفت إلا أن يدعوك رسول من رسل الله فإن دعاك وأنت في فريضة فاقطعها فإنه لا يدعوك إلا بوحي من الله وأمرني بطول القنوت وزعم أن عيسى ابن مريم قال: طول القنوت الأمان على الصراط , وأمرني بطول السجود وزعم أن ثواب طول السجود الأمان من عذاب القبر , وقال: لا تكونن مازحا ولا حادا تسلم عليك ملائكة الله أجمعين وقال: لا تعصين في طبع ولا عبث حتى لا تحجب عن الجنة طرفة عين , ثم قال: إذا أدركت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي يخرج من جبال تهامة فآمن به واقرأ عليه السلام مني فإنه بلغني أن عيسى قال من سلم على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رآه أو لم يره كان له محمد صلى الله عليه وسلم شافعا ومصافحا , فدخل حلاوة الإنجيل في صدري وجعلت أزداد قوة , فأقام في مكانه حولها ثم قال: أي بني إنك قد أحببتني وأحببتك وإنما قدمت بلادكم هذه أنه كان لي بها قريب فمات فأحببت أن أكون قريبا من قبره أصلي عليه وأسلم عليه بما عظم الله علينا في الإنجيل من حق القرابة , قلت: فما حق القرابة في الإنجيل؟ قال: يقول الله: من وصل قرابته فقد وصلني ومن قطع قرابته فقد قطعني , وإنه قد بدا لي الشخوص من هذا المكان فإن كنت تريد أن تصحبني فأنا طوع يديك قال: قلت: عظمت حق القرابة وهاهنا والدتي وقرابتي قال: إن كنت تريد أن تهاجر مهاجرة إبراهيم " , فذكر الحديث بطوله

[تاريخ أصبهان] (1/ 76)
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا القاسم بن فورك ح وحدثنا عبد الله بن يعقوب، ثنا جدي إسحاق بن إبراهيم بن جميل، قالا: ثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني، ثنا سيار بن حاتم العنزي، ثنا موسى بن سعيد الراسي، ثنا أبو معاذ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن سلمان الفارسي، قال: " إني كنت فيمن ولد برامهرمز، وبها نشأت، وأما أبي فمن أهل أصبهان، وكانت أمي لها غنى وعيش، فأسلمتني أمي إلى الكتاب، وكنت أنطلق مع غلمان من قريتنا إلى أن دنا مني فراغ من كتاب الفارسية، ولم يكن في الغلمان أكبر مني ولا أطول، وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا، فمررت ذات يوم وحدي، فإذا أنا فيه برجل طويل، عليه ثياب شعر ونعلان من شعر، فأشار إلي، فدنوت منه، فقال: يا غلام، تعرف عيسى ابن مريم؟ فقلت: لا، ولا سمعت به، قال: أتدري من عيسى ابن مريم؟ هو رسول الله، آمن بعيسى أنه رسول الله وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد، أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها، قلت: ما نعيم الآخرة؟ قال: نعيمها لا يفنى، فلما قال: إنها لا تفنى، فرأيت الحلاوة والنور تخرج من شفتيه، فعلقه فؤادي، وفارقت أصحابي، وجعلت لا أذهب ولا أجيء إلا وحدي، وكانت أمي ترسلني إلى الكتاب، فأنقطع دونه، وكان أول ما علمني شهادة أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن عيسى ابن مريم رسول الله ومحمدا بعده رسول الله، والإيمان بالبعث بعد الموت، فأعطيته ذلك، وعلمني القيام في الصلاة، فكان يقول: إذا قمت في الصلاة، فاستقبلت القبلة، فإن احتوشتك النار، فلا تلتفت، وإن دعتك أمك أو أبوك في صلاة الفريضة فلا تلتفت، إلا أن يدعوك رسول من رسل الله، وإن دعاك وأنت في فريضة، فاقطعها، فإنه لا يدعوك إلا بوحي من الله، وأمرني بطول القنوت، وزعم أن عيسى عليه السلام قال: طول القنوت الأمان على الصراط، وأمرني بطول السجود، وزعم أن طول السجود الأمان من عذاب القبر، وقال: لا تكونن مازحا لكن جادا حتى تسلم عليك ملائكة الله أجمعين، وقال: لا تعصين في طمع، ولا عبث، حتى لا تحجب عن الجنة طرفة عين، ثم قال: إذا أدركت محمدا الذي يخرج من جبال تهامة، فآمن به، واقرأ عليه السلام مني "، وذكر إسلامه بطوله