الموسوعة الحديثية


- ثم خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في اثنيْ عشر ألفًا من المهاجرين والأنصارِ وأسلمَ وغفارٍ وجهينةَ وبني سليمٍ وقادوا الخيولَ حتى نزلوا بمرِّ الظهرانِ ولم تعلم بهم قريشٌ وبعثوا بحكيمِ بنِ حزامٍ وأبي سفيانَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقالوا خذ لنا منه جوارًا أو آذَنُوه بالحربِ فخرج أبو سفيانَ بنُ حربٍ وحكيمُ بنُ حزامٍ فلقيا بديلَ بنَ ورقاءَ فاستصحباهُ حتى إذا كانا بالأراكِ من مكةَ وذلك عشاءًا رأوا الفساطيطَ والعسكرَ وسمعوا صهيلَ الخيلِ فراعَهُم ذلك وفزعوا منه وقالوا هؤلاءِ بنو كعبٍ حاشتها الحربُ فقال بديلُ هؤلاءِ أكبرُ من بني كعبٍ ما بلغ تأليبُها هذا أفتنتجعُ هوازنُ أرضَنَا واللهِ ما نعرفُ هذا أيضًا أنَّ هذا لمثلِ حاجِّ الناسِ وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد بعث بين يديْهِ خيلًا تقبضُ العيونَ وخزاعةُ على الطريقِ لا يتركون أحدًا يمضي فلما دخل أبو سفيانَ وأصحابُه عسكر المسلمين أخذتهم الخيلُ تحت الليلِ وأتوا بهم خائفينَ القتلَ فقام عمرُ بنُ الخطابِ إلى أبي سفيانَ فوجأَ في عنقِه والتزمَه القومُ وخرجوا به ليُدخلوهُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فخاف القتلَ وكان العباسُ بنُ عبدِ المطلبِ خالصةً له في الجاهليةِ فصاح بأعلى صوتِه ألا تأمروا لي إلى عباسٍ فأتاه عباسُ فدفع عنه وسأل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يقبضَه إليه ومشى في القومِ مكانَه فركب به عباسُ تحتَ الليلِ فسار به في عسكرِ القومِ حتى أبصروهُ أجمعُ وقد كان عمرُ قد قال لأبي سفيانَ حين وجأ عنقَه واللهِ لا تدنو من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى تموتَ فاستغاث بعباسٍ فقال إني مقتولٌ فمنعَه من الناسِ أن ينتهبوهُ فلما رأى كثرةَ الناسِ وطاعتَهم قال لم أرَ كالليلةِ جمعًا لقومٍ فخلَّصَه العباسُ من أيديهم وقال إنك مقتولٌ إن لم تُسْلِمْ وتشهدَ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ فجعل يريدُ يقول الذي يأمرُه العباسُ فلا ينطلقُ لسانُه فبات مع عباسٍ وأما حكيمُ بنُ حزامٍ وبديلُ بنُ ورقاءَ فدخلا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأسلما وجعل يستخبِرُهما عن أهلِ مكةَ فلما نُودِيَ بالصلاةِ صلاةِ الصبحِ تحيَّنَ القومُ ففزع أبو سفيانَ فقال يا عباسُ ماذا تريدون قال هم المسلمون يتيَّسرونَ لحضورِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فخرج به عباسُ فلما أبصرهم أبو سفيانَ قال يا عباسُ أما يأمُرهم بشيٍء إلا فعلوهُ فقال عباسٌ لو نهاهم عن الطعامِ والشرابِ لأطاعوهُ قال عباسٌ فكلِّمْهُ في قومِك هل عندَه من عفوٍ عنهم فأتى العباسُ بأبي سفيانَ حتى أدخلَه على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال عباسٌ يا رسولَ اللهِ هذا أبو سفيانَ فقال أبو سفيانَ يا محمدُ إني قد استنصرتُ إلهي واستنصرتُ إلهك فواللهِ ما رأيتُك إلا قد ظهرتَ عليَّ فلو كان إلهي محقًّا وإلهك مبطلًا لظهرتُ عليك فشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ فقال عباسٌ يا رسولَ اللهِ إني أحبُّ أن تأذنَ لي آتيَ قومَك فأُنذرهم ما نزل وأدعوهم إلى اللهِ ورسوله فأذنَ له فقال عباسٌ كيف أقولُ لهم يا رسولَ اللهِ بيِّنْ لي من ذلك أمانًا يطمئنون إليهِ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تقول لهم من شهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه فهو آمنٌ ومن جلس عند الكعبةِ فوضع سلاحَه فهو آمنٌ ومن أغلق عليه بابَه فهو آمنٌ فقال عباسٌ يا رسولَ اللهِ أبو سفيانَ بنُ عمِّنا وأُحبُّ أن يرجعَ معي فلو اختصصتَه بمعروفٍ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من دخل دارَ أبي سفيانَ فهو آمنٌ فجعل أبو سفيانَ يستفقِهُه ودارُ أبي سفيانَ بأعلى مكةَ ومن دخل دارَ حكيمِ بنِ حزامٍ وكفَّ يدَه فهو آمنٌ ودارُ حكيمٍ بأسفلِ مكةَ وحمل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عباسًا على بغلتِه البيضاءَ التي كان أهداها إليه دحيةُ الكلبيُّ فانطلق عباسٌ بأبي سفيانَ قد أردفَه فلما سار عباسٌ بعث النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أثرِه فقال أدرِكُوا عباسًا فرُدُّوهُ عليَّ وحدَّثهم بالذي خاف عليه فأدرَكَه الرسولُ فكره عباسٌ الرجوعَ وقال أيرهبُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يرجعَ أبو سفيانَ راغبًا في قِلَّةِ الناسِ فيكفرَ بعد إسلامِه فقال احبِسْهُ فحبسَه فقال أبو سفيانَ أغدرًا يا بني هاشمٍ فقال عباسٌ إنَّا لسنا نغدِرُ ولكن لي إليك بعضَ الحاجةِ قال وما هي أقضيها لك قال نفاذُها حين يقدمُ عليك خالدُ بنُ الوليدِ والزبيرُ بنُ العوامِ فوقف عباسٌ بالمضيقِ دون الأراكِ من مرٍّ وقد وعى أبو سفيانَ منه حديثَه ثم بعث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الخيلَ بعضَها على أثرِ بعضٍ وقسم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الخيلَ شطريْنِ فبعث الزبيرَ وردَفَه خيلًا بالجيشِ من أسلمَ وغفارٍ وقضاعةَ فقال أبو سفيانَ رسولُ اللهِ هذا يا عباسُ قال لا ولكن خالدُ بنُ الوليدِ وبعث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سعدَ بنَ عبادةَ بين يديْهِ في كتيبةٍ للأنصارِ فقال اليومَ يومُ الملحمةِ اليومَ تستحلُّ الحرمةُ ثم دخل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كتيبةِ الإيمانِ المهاجرين والأنصارِ فلما رأى أبو سفيانَ وجوهًا كثيرةً لا يعرفُها فقال يا رسولَ اللهِ أكثرتَ أو اخترتَ هذه الوجوهَ على قومِك فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنت فعلتَ ذلك وقومُك إنَّ هؤلاءِ صدَّقوني إذ كذَّبتموني ونصروني إذ أخرجتموني ومع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومئذٍ الأقرعُ بنُ حابسٍ وعباسُ بنُ مرداسٍ وعيينةُ بنُ حصنِ بنِ بدرٍ الفزاريِّ فلما أبصرهم حول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال من هؤلاءِ يا عباسُ قال هذه كتيبةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومع هذه الموتُ الأحمرُ هؤلاء المهاجرون والأنصارُ قال امضِ يا عباسُ فلم أرَ كاليومِ جنودًا قط ولا جماعةً فسار الزبيرُ في الناسِ حتى وقف بالحجونِ واندفع خالدٌ حتى دخل من أسفلِ مكةَ فلقيَهُ أوباشُ بني بكرٍ فقاتلوهم فهزمهم اللهُ عزَّ وجلَّ وقتلوا بالحزورةِ حتى دخلوا الدورَ وارتفع طائفةٌ منهم على الخيلِ على الخندمةِ واتَّبعَه المسلمون فدخل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أخرياتِ الناسِ ونادى منادٍ من أغلق عليه دارَه وكفَّ يدَه فإنَّهُ آمنٌ ونادى أبو سفيانَ بمكةَ أسلِمُوا تَسْلَمُوا وكفَّهم اللهُ عزَّ وجلَّ عن عباسٍ وأقبلت هندُ بنتُ عتبةَ فأخذت بلحيةِ أبي سفيانَ ثم نادت يا آلَ غالبٍ اقتلوا هذا الشيخَ الأحمقَ قال فأرسلي لحيَتِي فأقسم باللهِ إن أنتِ لم تُسلمي لتُضربَنَّ عُنُقُكِ ويلَكِ جاء بالحقِّ فادخلي أريكَتَكِ أحسبُه قال واسكتي
خلاصة حكم المحدث : مرسلا وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف
الراوي : عروة بن الزبير | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد الصفحة أو الرقم : 6/173
التخريج : أخرجه الطبراني (8/7) (7263)، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (5/35)
التصنيف الموضوعي: إسلام - حرمة المسلم إسلام - قتال الناس حتى يسلموا مغازي - فتح مكة مناقب وفضائل - أبو سفيان بن حرب مناقب وفضائل - فضائل الأنصار
|أصول الحديث

أصول الحديث:


 [المعجم الكبير – للطبراني] (8/ 6)
: 7263 - حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني، ثنا أبي، ثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من: المهاجرين، والأنصار، وغفار، وأسلم، ومزينة، وجهينة، وبني سليم، وقادوا الخيول حتى نزلوا بمر الظهران، ولم تعلم بهم قريش، فبعثوا بأبي سفيان، وحكيم بن حزام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: خذوا لنا منه جوارا، أو آذنوه بالحرب، فخرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، فلقيا بديل بن ورقاء، فاستصحباه حتى إذا كانوا بالأراك من مكة، وذلك عشاء رأوا الفساطيط والعسكر، وسمعوا صهيل الخيل، فراعهم ذلك، وفزعوا منه، وقالوا: هؤلاء بنو كعب جاشتها الحرب، قال بديل: هؤلاء أكثر من بني كعب، ما بلغ تأليبها هذا، أفتنتجع هوازن أرضنا؟ والله ما نعرف هذا أيضا، إن هذا لمثل حاج الناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث بين يديه خيلا يقبض العيون، وخزاعة على الطريق لا يتركون أحدا يمضي، فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل، وأتوا بهم خائفين للقتل فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إلى أبي سفيان، فوجأ عنقه، والتزمه القوم، وخرجوا به ليدخلوا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحبسه الحرس أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاف القتل، وكان العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه خالصه له في الجاهلية، فنادى بأعلى صوته: ألا تأموا بي إلى عباس، فأتاه ودفع عنه، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبضه إليه، ومشى في القوم مكانه، فركب به عباس تحت الليل، فسار به في عسكر القوم حتى أبصروه أجمع، وكان عمر رضي الله عنه قد قال لأبي سفيان حين وجأ عنقه: والله لا تدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تموت، فاستغاث بعباس، فقال: إني مقتول فمنعه من الناس أن ينتهبوه، فلما رأى كثرة الجيش وطاعتهم قال: لم أر كالليلة جمعا لقوم فخلصه عباس من أيديهم، وقال: إنك مقتول إن لم تسلم وتشهد أن محمدا رسول الله، فجعل يريد أن يقول الذي يأمره عباس به، ولا ينطلق لسانه، فبات مع عباس، وأما حكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلما وجعل يستخبرهما على أهل مكة، فلما نودي لصلاة الصبح تخشخش القوم، ففزع أبو سفيان فقال: يا عباس، ماذا تريدون؟ قال: هم المسلمون تيسروا لحضور النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج به عباس، فلما أبصرهم أبو سفيان يمرون إلى الصلاة في صلاتهم يركعون ويسجدون إذا سجد، قال: يا عباس، أما يأمرهم بشيء إلا فعلوه؟ فقال عباس: لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه. فقال: يا عباس، فكلمه في قومك هل عنده من عفو عنهم؟ فانطلق عباس بأبي سفيان، حتى أدخله على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عباس: يا رسول الله، هذا أبو سفيان فقال أبو سفيان: يا محمد، إني قد استنصرت إلهي، واستنصرت إلهك فوالله، ما لقيتك من مرة إلا ظهرت علي، فلو كان إلهي محقا، وإلهك مبطلا لظهرت عليك، فشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فقال عباس: يا رسول الله، إني أحب أن تأذن لي إلى قومك، فأنذرهم ما نزل، وأدعوهم إلى الله وإلى رسوله، فأذن له. فقال عباس: كيف أقول لهم يا رسول الله بين لي من ذلك أمانا يطمئنون إليه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقول لهم: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وشهد أن محمدا رسول الله، وكف يده فهو آمن، ومن جلس عند الكعبة فوضع سلاحه فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن قال عباس: يا رسول الله، أبو سفيان ابن عمنا، وأحب أن يرجع معي، ولو أخصصته بمعروف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن فجعل أبو سفيان يستفقهه، ودار أبي سفيان بأعلا مكة، وقال: من دخل دار حكيم بن حزام، وكف يده فهو آمن ودار حكيم بن حزام بأسفل مكة وحمل النبي صلى الله عليه وسلم عليا على بغلته البيضاء التي كان أهداها له دحية الكلبي، فانطلق عباس بأبي سفيان قد أردفه، فلما سار عباس بعث النبي صلى الله عليه وسلم في أثره فقال: أدركوا عباسا، فردوه علي وحدثهم بالذي خاف عليه فأدركه الرسول، فكره عباس الرجوع، وقال: أيرهب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع أبا سفيان راغبا في قلة الناس فيكفر بعد إسلامه؟ فقال: احبسه ، فحبسه فقال أبو سفيان: أغدرا يا بني هاشم فقال عباس: إنا لسنا نغدر، ولكن لي إليك بعض الحاجة. قال: وما هي، فأقضيها لك؟ فقال: يعادها حين يقدم عليك خالد بن الوليد والزبير بن العوام، فوقف عباس بالمضيق دون الأراك من منى، وقد وعى أبو سفيان عنه حديثه، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبور الخيل بعضها على أثر بعض، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل شطرين، فبعث الزبير وردفه خالدا بالجيش من أسلم وغفار وقضاعة، فقال أبو سفيان: رسول الله، هذا يا عباس؟ قال: لا ولكن خالد بن الوليد، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة بين يديه في كتيبة من الأنصار، فقال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة الإيمان من المهاجرين والأنصار، فلما رأى أبو سفيان وجوها كثيرة لا يعرفها قال: يا رسول الله أكثرت إذا، أو اخترت هذه الوجوه على قومك؟ . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت فعلت ذلك وقومك، إن هؤلاء صدقوني إذ كذبتموني، ونصروني إذ أخرجتوني . ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الأقرع بن حابس وعباس بن مرداس وعيينة بن بدر الفزاري، فلما أبصرهم حول النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من هؤلاء يا عباس؟ قال: هذه كتيبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذه الموت الأحمر، هؤلاء المهاجرون والأنصار، قال: امض يا عباس، فلم أر كاليوم جنودا قط، ولا جماعة، فسار الزبير بالناس حتى وقف بالحجون، واندفع خالد حتى دخل من أسفل مكة، فلقيته أوباش بني بكر، فقاتلوهم، فهزمهم الله، وقتلوا بالحزورة حتى دخلوا الدور، وارتفع طائفة منهم على الخيل على الخندمة، واتبعهم المسلمون، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس، ونادى مناد: من أغلق عليه داره وكف يده فإنه آمن، ونادى أبو سفيان بمكة: أسلموا تسلموا، وكفهم الله عز وجل عن عباس، وأقبلت هند بنت عتبة، فأخذت بلحية أبي سفيان، ثم نادت: يا غالب، اقتلوا هذا الشيخ الأحمق، قال: فأرسلي لحيتي فأقسم لك لئن أنت لم تسلمي ليضربن عنقك، ويلك جاءنا بالحق فادخلي أريكتك - أحسبه قال: واسكتي

دلائل النبوة للبيهقي مخرجا (5/ 35)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي، قال: حدثنا أبو علاثة، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار، وغفار، وأسلم، ومزينة، وجهينة، وبني سليم، وقادوا الخيول حتى نزلوا بمر الظهران، فلم تعلم بهم قريش، وبعثوا أبا سفيان وحكيم بن حزام فلقيا بديل بن ورقاء فاستصحباه حتى إذا كانوا بالأراك من مكة وذلك عشاء، وإذا الفساطيط والعسكر وسمعوا صهيل الخيل فراعهم ذلك، وفزعوا منه، وقالوا: هؤلاء بنو كعب حاشتها الحرب، قال بديل بن ورقاء: هؤلاء أكثر من بني كعب، ما بلغ تأليبها هذا، أفتنجع هوازن أرضنا؟ والله ما نعرف هذا أيضا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث بين يديه خيلا تقبض العيون، وخزاعة على الطريق لا يتركون أحدا يمضي، فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل وأتوا بهم خائفين للقتل، فقام عمر بن الخطاب إلى أبي سفيان فوجأ عنقه والتزمه القوم وخرجوا به ليدخلوا به على النبي صلى الله عليه وسلم، فحبسه الحرس أن يخلص إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخاف القتل، وكان عباس بن عبد المطلب خاصة له في الجاهلية فنادى بأعلى صوته: ألا تأمر بي إلى العباس، فأتاه العباس فدفع عنه وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيضه إليه، وفشا في القوم مكانه أنه عند عباس، فركب به عباس تحت الليل وسار به في عسكر القوم حتى أبصروه أجمع، وكان عمر رضي الله عنه قد قال لأبي سفيان حين وجأ عنقه: والله لا تدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تموت، فاستغاث بعباس رضي الله عنه فقال: إني مقتول، فمنعه من الناس أن ينتهبوه، فلما رأى كثرة الجيش وطاعتهم، قال: لم أر كالليلة جمعا لقوم . فخلصه عباس من أيديهم، وقال: إنك مقتول، إن لم تسلم وتشهد أن محمدا رسول الله، فجعل يريد أن يقول الذي يأمره به عباس، فلا ينطلق به لسانه، فبات مع عباس. وأما حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخبرهما عن أهل مكة، فلما نودي بالصلاة صلاة الصبح تحشحش القوم ففزع أبو سفيان فقال: يا عباس، ماذا يريدون؟ فقال: هم المسلمون سمعوا النداء بالصلاة، فسروا بحضور النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج به العباس فلما أبصرهم أبو سفيان يمرون إلى الصلاة، وأبصرهم في صلاتهم يركعون ويسجدون إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا عباس، ما أمرهم بشيء إلا فعلوه، قال له عباس: لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه، قال: يا عباس، فكلمه في قومك هل عنده من عفو عنهم، فانطلق عباس بأبي سفيان حتى أدخله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عباس: يا رسول الله، هذا أبو سفيان وقال أبو سفيان: يا محمد، إني قد استنصرت إلهي واستنصرت إلهك فوالله ما لقيتك مرة إلا ظهرت علي، فلو كان إلهي محقا وإلهك مبطلا لظهرت عليك، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقال عباس: إني أحب أن تأذن لي إلى قومك فأنذرهم وأدعوهم إلى الله ورسوله، فأذن له، فقال عباس: كيف أقول لهم؟ بين لي من ذلك أمنا يطمئنون إليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تقول لهم: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له وشهد أن محمدا رسول الله وكف يده فهو آمن، ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن". قال عباس: يا رسول الله، أبو سفيان ابن عمنا وأحب أن يرجع معي وقد خصصته بمعروف، فقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن . ودار أبي سفيان بأعلى مكة، وقال: من دخل دار حكيم بن حزام وكف يده فهو آمن . ودار حكيم بن حزام بأسفل مكة. وحمل النبي صلى الله عليه وسلم عباسا على بغلته البيضاء التي كان أهداها له دحية بن خليفة الكلبي، فانطلق عباس بأبي سفيان قد أردفه، فلما سار بعث النبي صلى الله عليه وسلم في أثره، فذكر الحديث في وقف أبي سفيان بالمضيق دون الأراك حتى مرت به الخيل، فلما رأى أبو سفيان وجوها كثيرة لا يعرفها قال: يا رسول الله، أكثرت , أو: كثرت هذه الوجوه علي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان: أنت فعلت ذلك وقومك، إن هؤلاء صدقوني إذ كذبتموني، ونصروني إذ أخرجتموني وذكر القصة وذكر فيها قول سعد بن عبادة: اليوم يوم الملحمة. اليوم تستحل الحرمة. إلا أنه لم يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ورده عليه، وقد روى أبو أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه بعض هذه القصة وذكر فيه قول سعد بن عبادة: يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة. اليوم تستحل الكعبة. فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال: ما قال؟ : قال: كذا وكذا، قال: كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة