الموسوعة الحديثية


- كتب الحسنُ إلى عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ عُرِضت [ أيِ الدُّنيا ] على نبيِّك صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمفاتيحِها وخزائنِها لا ينقصُه ذلك عند اللهِ جناحَ بَعوضةٍ , فأبَى أن يقبلَها. إذ كرِه أن يُخالِفَ على اللهِ أمرَه, أو يحبَّ ما أبغضه خالقُه, أو يرفعَ ما وضع مليكُه فزواها عن الصَّالحين اختيارًا وبسطها لأعدائِه اغترارًا, فيظنُّ المغرورُ بها, المقتدرُ عليها, أنَّه أُكرِم بها, ونسِي ما صنع اللهُ عزَّ وجلَّ بمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين شدَّ الحجرَ على بطنِه.
خلاصة حكم المحدث : مرسل
الراوي : الحسن البصري | المحدث : العراقي | المصدر : تخريج الإحياء للعراقي الصفحة أو الرقم : 3/261
التخريج : أخرجه مطولا الفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (3/338) بنحوه، وابن أبي الدنيا في ((الزهد)) (50)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (6/312) باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: رقائق وزهد - الزهد في الدنيا رقائق وزهد - معيشة النبي صلى الله عليه وسلم فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - زهده صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - الحسن البصري مناقب وفضائل - فضائل التابعين
|أصول الحديث

أصول الحديث:


[المعرفة والتاريخ - ت العمري - ط العراق] (3/ 338)
: وحدثني محمد بن بدر قال ثنا حماد بن مدرك قال ثنا يعقوب بن سفيان قال ثنا محمد بن يزيد الليثي قال: ثنا معن بن عيسى قال ثنا إبراهيم عن عبد الله بن أبي الأسود عن الحسن انه ‌كتب ‌الى ‌عمر ‌بن ‌عبد ‌العزيز- والسياق لابي حميد الشامي-: اعلم ان التفكر يدعو الى الخير والعمل به، والندم على الشر يدعو الى تركه، وليس ما يفنى وان كان كثيرا يعدل ما يبقى وان كان طلبه عزيزا، واحتمال المئونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مئونة باقية، فاحذر هذه الدار الصارعة الخادعة الخاتلة التي قد تزينت بخدعها، وغرت بغرورها، وقتلت أهلها بأملها، وتشوفت لخطابها، فأصبحت كالعروس المجلوة، العيون اليها ناظرة، والنفوس لها عاشقة، والقلوب اليها والهة، ولألبابها دامغة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة. فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر بما رأى من الأول مزدجر، ولا اللبيب بكثرة التجارب منتفع ولا العارف [[بالله]] والمصدق له حين أخبر عنها مدكر. فأبت القلوب لها الا حبا، وأبت النفوس بها الا ضنا. وما هذا منا لها الا عشقا، ومن عشق شيئا لم يعقل غيره، ومات في طلبه أو يظفر به، فهما عاشقان طالبان لها، فعاشق قد ظفر بها واغتر وطغى ونسي بها المبدأ والمعاد، فشغل بها لبه، وذهل فيها عقله، حتى زلت عنها قدمه، وجاءته أسر ما كانت له منيته فعظمت ندامته، وكثرت حسرته، واشتدت كربته مع ما عالج من سكرته. واجتمعت عليه سكرات الموت بألمه، وحسرات الموت بغصته، غير موصوف ما نزل به. وآخر مات قبل ان يظفر منها بحاجته فذهب بكربه وغمه ولم يدرك منها ما طلب، ولم يرح نفسه من التعب والنصب. خرجا جميعا بغير زاد، وقدما على غير مهاد. فاحذرها الحذر كله فأنها مثل الحية لين مسها وسمها يقتل، فاعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما عاينت من فجائعها، وأيقنت به من فراقها، وشدد ما اشتد منها لرخاء ما يصيبك وكن [[أسر]] ما تكون فيها احذر ما تكون لها، فأن صاحبها كلما اطمأن فيها الى سرور له أشخصته عنها بمكروه، وكلما ظفر بشيء منها وثنى رجلا عليه انقلبت به، فالسار فيها غار، والنافع فيها غدا ضار ، وصل الرخاء فيها بالبلاء، وجعل البقاء فيها الى فناء، سرورها مشوب بالحزن، وآخر الحياة فيها الضعف والوهن، فانظر اليها نظر الزاهد المفارق، ولا تنظر نظر العاشق الوامق واعلم انها تزيل الثاوي الساكن وتفجع المغرور الآمن. لا يرجع ما تولى منها فأدبر، ولا يدرى ما هو آت فيها فينتظر. فأحذرها فأن أمانيها كاذبة، وأن آمالها باطلة، عيشها نكد، وصفوها كدر، وأنت منها على خطر. اما نعمة زائلة، واما بلية نازلة، واما مصيبة موجعة، واما منية قاضية، فلقد كدت عليه المعيشة ان عقل، وهو من النعماء على خطر، ومن البلوى على حذر، ومن المنايا على يقين، فلو كان الخالق تعالى لم يخبر عنها بخبر، ولم يضرب لها مثلا، ولم يأمر فيها بزهد، لكانت الدار قد أيقظت النائم، ونبهت الغافل، فكيف وقد جاء من الله تعالى عنها زاجر، وفيها واعظ. فما لها عند الله عز وجل قدر، ولا لها عند الله تعالى وزن من الصغر، ولا تزن عند الله تعالى مقدار حصاة من الحصا، ولا مقدار ثراة في جميع الثرى، ولا خلق خلقا- فيما بلغت- أبغض اليه من الدنيا ولا نظر اليها منذ خلقها مقتا لها، ولقد عرضت على نبينا صلى الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها ولم ينقصه ذلك عنده جناح بعوضة فأبى أن يقبلها وما منعه من القبول لها ولا ينقصه عند الله تعالى شيء الا انه علم ان الله تعالى أبغض شيئا فأبغضه، وصغر شيئا فصغره، ووضع شيئا فوضعه ولو قبلها كان الدليل على حبه إياها قبولها، ولكنه كره ان يحب ما أبغض خالقه، وأن يرفع ما وضع مليكة. ولو لم يدله على صغر هذه الدار الا أن الله تعالى حقرها ان يجعل خيرها ثوابا للمطيعين، وأن يجعل عقوبتها عذابا للعاصين. فاخرج ثواب الطاعة منها واخرج عقوبة المعصية عنها. وقد يدلك على شر هذه الدار ان الله تعالى زواها عن أنبيائه وأحبائه اختبارا، وبسطها لغيرهم اعتبارا واغترارا، ويظن المغرور بها والمفتون عليها أنه انما أكرمه بها، ونسي ما صنع بمحمد المصطفى صلى الله عليه وسلم وموسى المختار عليه السلام بالكلام له وبمناجاته. فأما محمد صلى الله عليه وسلم فشد الحجر على بطنه من الجوع، واما موسى عليه السلام فرئي خضرة البقل من صفاق بطنه من هزاله، ما سأل الله تعالى يوم أوى الى الظل الا طعاما يأكله من جوعه. ولقد جاءت الروايات عنه ان الله تعالى اوحى اليه، أن يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى قد اقبل فقل ذنب عجلت عقوبته. وان شئت ثلثته بصاحب الروح والكلمة ففي امره عجيبة، كان يقول أدمي الجوع، وشعاري الخوف ولباسي الصوف، ودابتي رجلي، وسراجي بالليل القمر، وصلايتي في الشتاء الشمس، وفاكهتي وريحاني ما أنبت الأرض للسباع والانعام. أبيت وليس لي شيء واحد اغنى مني. ولو شئت ربعت بسليمان بن داود عليهما السلام، فليس دونهم في العجب. يأكل خبز الشعير في خاصته ويطعم اهله الخشكار والناس الدرمك فإذا جنه الليل لبس المسوح وغل اليد الى العنق وبات باكيا حتى يصبح، يأكل الخشن من الطعام ويلبس الشعر من الثياب. كل هذا يبغضون ما أبغض الله عز وجل، ويصغرون ما صغر الله تعالى، يزهدون فيما فيه زهد. ثم اقتص الصالحون بعد منهاجهم وأخذوا بآثارهم والزموا الكد والعير ، والطفوا التفكير وصبروا في مدة الأجل القصير، عن متاع الغرور الذي الى الفناء يصير، ونظروا الى آخر الدنيا ولم ينظروا الى أولها، ونظروا الى عاقبة مرارتها ولم ينظروا الى عاجلة حلاوتها ثم الزموا أنفسهم الصبر أنزلوها من أنفسهم بمنزلة الميتة التي لا يحل الشبع منها الا في حال الضرورة اليها، فأكلوا منها بقدر ما يرد النفس ويقي الروح. ومكن اليوم ، وجعلوها بمنزلة الجيفة التي قد اشتد نتن ريحها فكل من مر بها أمسك على انفه منها، فهم يصيبون منها لحال الضر ولا ينتهون منها الى الشبع من النتن، فقرنت عنهم وكانت هذه منزلتها من أنفسهم، فهم يعجبون من الآكل منها شبعا، والمتلذذ بها أشرا. ويقولون في أنفسهم أما ترى هؤلاء لا يخافون من الأكل، أما يجدون ريح النتن؟ وهي والله يا أخي في العاقبة والآجلة أنتن من الجيفة المرصوفة، غير أن أقواما استعجلوا الصبر فلا يجدون ريح النتن، والذي نشأ في ريح الإهاب النتن لا يجد نتنه، ولا يجد من ريحه ما يؤذي المارة والجالس عنده ، وقد يكفي العاقل منها انه من مات عنها وترك مالا كثيرا سره أنه كان فيها فقيرا، أو شريفا أنه كان فيها وضيعا، أو كان فيها معافى سره انه كان فيها مبتلى، أو كان مسلطنا سره انه كان فيها سوقة. وان فارقتها سرك انك كنت أوضع أهلها منعة، وأشدهم فيها فاقة، أليس ذلك الدليل على خزيها لمن يعقل أمرها. والله لو كانت الدنيا من أراد منها شيئا وجده الى جنبه من غير طلب ولا نصب غير انه إذا أخذ منها شيئا لزمته حقوق الله فيه وسأله عنه ووقفه ما قد أضعت. وان ألحقت الآخر بالأول فما أخلقك ان تهلك بشهادتهما عليك. ان الذي بقي من العمر لا ثمن له ولا عدل، فلو جمعت الدنيا كلها ما عدلت يوما بقي من عمر صاحبه، فلا تبع اليوم ولا تعد له من الدنيا بغير ثمنه، ولا يكونن المقبور أعظم تعظيما لما في يديك منك وهو لك، فلعمري لو أن مدفونا في قبره قيل له هذه الدنيا أولها الى آخرها تجعلها لولدك من بعدك يتنعمون فيها من ورائك فقد كنت وليس لك هم غيرهم أحب إليك أم يوم تترك فيه وتعمل لنفسك لاختار ذلك، وما كان ليجمع مع اليوم شيئا الا اختار اليوم عليه رغبة فيه وتعظيما له، بل لو اقتصر على ساعة خيرها وما بين أضعاف ما وصفت لك وأضعافه [[يكون لسواه الا اختار الساعة لنفسه على أضعاف ذلك يكون لغيره بل لو اقتصر على كلمة يقولها تكتب له وبين ما وصفت لك وأضعافه]] لاختار الكلمة الواحدة عليه، فانتقد اليوم لنفسك وأبصر الساعة وأعظم الكلمة واحذر الحسرة عند نزول السكرة، ولا تأمن ان تكون لهذا الكلام حجة نفعنا الله وإياك بالموعظة، ورزقنا وإياك خير العواقب والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

الزهد لابن أبي الدنيا (ص40)
: ‌50 - حدثني أبو جعفر، عن محمد بن يزيد الأدمي، قال: ثنا معن بن عيسى، قال: حدثني إبراهيم بن عبد الله بن أبي الأسود، عن الحسن، أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد فإن‌‌ الدنيا دار ظعن وليست بدار إقامة، وإنما أنزل آدم عليه السلام إليها عقوبة، فاحذرها يا أمير المؤمنين؛ فإن الزاد منها تركها، والغنى منها فقرها؛ لها في كل حين قتيل، تذل من أعزها، وتفقر من جمعها، هي كالسم يأكله من لا يعرفه وهو حتفه، فكن فيها كالمداوي جراحته، يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا، ويصبر على شدة الأدواء مخافة طول البلاء فاحذر هذه الدار الغرارة، الختالة، الخداعة، التي قد زينت بخدعها، وفتنت بغرورها، وحلت بأمانيها، وتشوفت لخطابها فأصبحت كالعروس المجلوة، فالعيون إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة، والنفوس لها عاشقة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر على الأول مزدجر، ولا العارف بالله عز وجل حين أخبره عنها مدكر، فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغتر وطغى ونسي المعاد، فشغل فيها لبه حتى زالت عنها قدمه، فعظمت ندامته، وكثرت حسرته، واجتمعت عليه سكرات الموت بألمه، وحسرات الفوت بغصته، فذهب بكمده، ولم يدرك منها ما طلب، ولم يروح نفسه من التعب، فخرج بغير زاد، وقدم على غير مهاد، فاحذرها يا أمير المؤمنين، وكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه إلى مكروه، السار فيها لأهلها غار، والنافع فيها غدا ضار، وقد وصل الرخاء منها بالبلاء وجعل البقاء فيها إلى فناء، فسرورها مشوب بالحزن، لا يرجع منها ما ولى فأدبر، ولا يدرى ما هو آت فينتظر، أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها كدر، وعيشها نكد، وابن آدم فيها على خطر، وإن غفل فهو من النعماء على خطر، ومن البلاء على حذرفلو كان الخالق لم يخبر عنها خبرا، ولم يضرب لها مثلا، لكانت الدنيا قد أيقظت النائم، ونبهت الغافل، فكيف وقد جاء من الله عز وجل عنها زاجر، وفيها واعظ، فما لها عند الله قدر ولا وزر، وما نظر إليها منذ خلقها ولقد عرضت على نبيك صلى الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها، لا ينقصه ذلك عند الله عز وجل جناح بعوضة، فأبى أن يقبلها إذ كره أن يخالف على الله أمره، أو يحب ما أبغض خالقه، أو يرفع ما وضع مليكه، فزواها عن الصالحين اختيارا، وبسطها لأعدائه اغترارا، فيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه أكرم بها، ونسي ما صنع الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم حين شد الحجر على بطنه، ولقد جاءت الرواية عنه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال لموسى عليه السلام: إذا رأيت الغنى مقبلا فقل: ذنب عجلت عقوبته، وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصالحين، وإن شئت اقتديت بصاحب الروح والكلمة عيسى ابن مريم عليه السلام فإنه كان يقول: إدامي الجوع، وشعاري الخوف ولباسي الصوف، وصلائي في الشتاء مشارق الشمس، وسراجي القمر ودابتي رجلاي، وطعامي وفاكهتي ما أنبتت الأرض، أبيت وليس لي شيء، وأصبح وليس لي شيء، وليس على الأرض أحد أغنى مني "

[حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - ط السعادة] (6/ 312)
: • حدثنا محمد بن بدر ثنا حماد بن مدرك ثنا يعقوب بن سفيان ثنا محمد ابن يزيد الأدمي ثنا معن بن عيسى ثنا إبراهيم بن عبد الله بن أبي الأسود عن الحسن: أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد! فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة، وإنما أنزل إليها آدم عقوبة، فاحذرها يا أمير المؤمنين، فان الزاد منها تركها، والعنى فيها فقرها، لها في كل حين قتيل، تذل من أعزها، وتفقر من جمعها، هي كالسم يأكله من لا يعرفه وهو حتفه، فكن فيها كالمداوي لجراحته، يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا، ويصبر على شدة الأذى مخافة طول البلاء، واحذر هذه الدار الغرارة التي قد زينت بخدعها، وتحلت بآمالها وتشوقت لخطابها، وفتنت بغرورها، فأصبحت كالعروس المحلاة، العيون إليها ناظرة، والقلوب إليها والهة، والنفوس لها عاشقة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر على الأول مزدجر، ولا العارف بالله حين أخبره عنها مدكر. فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته واغتر وطغى ونسي المعاد، شغل فيها لبه حتى زلت عنه قدمه، وعظمت ندامته، وكبرت حسرته وجمعت عليه سكرات الموت بألمه، حسرات الفوت بغصته، فذهب بكمده، فلم يدرك منها ما طلب، ولم يروح نفسه من التعب، خرج بغير زاد وقدم على غير مهاد، فاحذرها يا أمير المؤمنين، وكن أسر ما تكون أحذر ما تكون لها، فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه إلى مكروه، فالسار فيها بأهلها غار، والنافع منها غدا ضار، قد وصل الرجاء فيها بالبلاء وجعل البقاء فيها إلى فناء. فسرورها مشوب بالحزن، لا يرجع منها ما ولى فأدبر ولا يدرى ما هو آت فيستنظر، أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها كدر وعيشها نكد، وابن آدم منها على خطر، إن عقل فهو من النعماء على حظر ومن البلاء على حذر، لو أن الخالق لم يخبر عنها خبرا، ولم يضرب لها مثلا لكانت الدنيا فد أيقظت النائم، ونبهت الغافل، فكيف وقد جاء من الله عنها زاجر، وفيها واعظ، ما لها عند الله قدر ولا وزن، ولا نظر إليها منذ خلقها ولقد عرضت على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم بمفاتيح خزائنها ولا ينقصه ذلك عند الله جناح بعوضة فأبى أن يقبلها، كره أن يخالف على ربه أمره، أو يحب ما أبغض خالقه، أو يرفع ما وضع مليكه، فزواها عن الصالحين اختبارا وبسطها لأعدائه اغترارا، فيظن المغرور بها القادر عليها أنه أكرم بها، ونسي ما صنع الله لمحمد صلى الله عليه وسلم حين وضع الحجر على بطنه، ولقد جاءت الرواية عن الله عز وجل أنه قال لموسى عليه السلام: إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، وإن شئت ثنيت بصاحب الروح والكلمة عيسى ابن مريم، كان يقول إدامي الجوع وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، وصلائي في الشتاء مشارق الشمس وسراجي القمر، ودابتي رجلاي، وطعامي وفاكهتي ما أنبتت الأرض أبيت وليس عندي شيء، وأصبح وليس عندي شيء وما على الأرض أغنى مني.