الموسوعة الحديثية


- ثمَّ رجع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجاءه أبو بصيرٍ رجلٌ من قريشٍ وهو مسلمٌ، فأرسلت قريشٌ في طلبِه رجلَيْن، فقالا لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : العهدُ الَّذي جُعِلت لنا أن ترُدَّ إلينا كلُّ من جاءك مسلمًا. فدفعه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الرَّجلَيْن، فخرجا حتَّى بلغا ذا الحُلَيفةِ، فنزلوا يأكلون من تمرٍ لهم، فقال أبو بصيرٍ لأحدِ الرَّجلَيْن : واللهِ إنِّي لأرَى سيفَك هذا جيِّدًا يا فلانُ ! فاستلَّه الآخرُ، وقال : أجل واللهِ إنَّه لجيِّدٌ، لقد جرَّبتُ به ثمَّ جرَّبتُ، فقال له أبو بصيرٍ أرِني أنظُرْ إليه، فأمكنه منه، فضربه به حتَّى برد وفرَّ الآخرُ حتَّى أتَى المدينةَ، فدخل المسجدَ بعده، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين رآه : لقد رأَى هذا ذُعرًا ، فلمَّا انتهَى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : قُتِل واللهِ صاحبي، وإنِّي لمقتولٌ. فجاء أبو بصيرٍ، فقال يا رسولَ اللهِ قد واللهِ وفَّى اللهُ ذمَّتَك : قد رددتَني إليهم فأنجاني اللهُ منهم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " ويلُ أمِّه مِسعَرُ حربٍ، لو كان معه أحدٌ " فلمَّا سمِع ذلك علِم أنَّه سيرُدُّه إليهم فخرج حتَّى أتَى سيفَ البحرِ ، قال : وانفلت منهم أبو جندلِ بنِ سُهيلِ بنِ عمرِو فلحِق بأبي بصيرٍ... وذكر موسَى بنُ عقبةَ هذا الخبرَ في أبي بصيرٍ بأتمَّ ألفاظًا وأكملَ سِياقةً قال :... وكتب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أبي جندلٍ وأبي بصيرٍ ليقدُما عليه ومن معهما من المسلمين، فقدِم كتابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أبي جندلٍ، وأبو بصيرٍ يموتُ، فمات وكتابُ رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيدِه يقرؤُه، فدفنه أبو جندلٍ مكانَه، وصلَّى عليه، وبنَى على قبرِه مسجدًا
خلاصة حكم المحدث : منكر
الراوي : طارق بن شهاب | المحدث : الألباني | المصدر : تحذير الساجد الصفحة أو الرقم : 106
التخريج : أخرجه البخاري (2731)، وأحمد (18928)، وعبد الرزاق (9720)، وابن حبان (4872) واللفظ لهم مطولا.
التصنيف الموضوعي: صلح - الصلح مع المشركين مساجد ومواضع الصلاة - بناء المساجد على القبور
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

أصول الحديث:


[صحيح البخاري] (3/ 193)
: 2731 - حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، قال: أخبرني الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حل حل فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت، قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب، وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة، ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر: فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن هم أبوا، فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره "، فقال بديل: سأبلغهم ما تقول، قال: فانطلق حتى أتى قريشا، قال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول، قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد، اقبلوها ودعوني آتيه، قالوا: ائته، فأتاه، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك، وإن تكن الأخرى، فإني والله لأرى وجوها، وإني لأرى أوشابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر الصديق: امصص ببظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما تكلم أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف، وقال له: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه، فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر، ألست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء، ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه، قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر، وكسرى، والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فقال رجل من بني كنانة: دعوني آتيه، فقالوا: ائته، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له فبعثت له، واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه، قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت، فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص، فقال: دعوني آتيه، فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا مكرز، وهو رجل فاجر، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو، قال معمر: فأخبرني أيوب، عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سهل لكم من أمركم قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، قال سهيل: أما الرحمن، فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله إني لرسول الله، وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله - قال الزهري: وذلك لقوله: لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على أن تخلوا بيننا وبين البيت، فنطوف به، فقال سهيل : والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، قال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقض الكتاب بعد، قال: فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأجزه لي، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بل قد أجزناه لك، قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله، قال: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقا، قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل، قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام، قال: قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، - قال الزهري: قال عمر -: فعملت لذلك أعمالا، قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا، فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما، ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} [الممتحنة: 10] حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر يومئذ امرأتين، كانتا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: ‌العهد ‌الذي ‌جعلت ‌لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر، فقال: أجل، والله إنه لجيد، لقد جربت به، ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل أمه مسعر حرب، لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده بالله والرحم، لما أرسل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل الله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} [الفتح: 24] حتى بلغ {الحمية حمية الجاهلية} [الفتح: 26] وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت، قال أبو عبد الله: " معرة العر: الجرب، تزيلوا: تميزوا، وحميت القوم: منعتهم حماية، وأحميت الحمى: جعلته حمى لا يدخل، وأحميت الحديد وأحميت الرجل: إذا أغضبته إحماء " ‌‌

[مسند أحمد] (31/ 243 ط الرسالة)
: 18928 - حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، قال الزهري: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة، قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريب من عسفان، أتاه عينه الخزاعي، فقال: إني قد تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابش، - وقال يحيى بن سعيد عن ابن المبارك وقال: ق‍د جمعوا لك الأحابيش - وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أشيروا علي، أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين، وإن نجوا "، وقال يحيى بن سعيد: عن ابن المبارك: " محزونين، وإن يحنون تكن عنقا قطعها الله، أو ترون أن نؤم البيت، فمن صدنا عنه قاتلناه "، فقال أبو بكر: الله ورسوله أعلم، يا نبي الله، إنما جئنا معتمرين، ولم نجئ نقاتل أحدا، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فروحوا إذا ". قال الزهري: وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الزهري: في حديث المسور بن مخرمة، ومروان: فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين "، فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هو بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته، وقال يحيى بن سعيد، عن ابن المبارك: بركت بها راحلته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " حل حل "، فألحت، فقالوا: خلأت القصواء خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل ". ثم قال: " والذي نفسي بيده، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ". ثم زجرها، فوثبت به، قال: فعدل عنها حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس أن نزحوه، فشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، قال: فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه. قال: فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه، وكانوا عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهل تهامة، وقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب، فأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا وإن هم أبوا، فوالذي نفسي بيده، لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره "، قال يحيى، عن ابن المبارك: " حتى تنفرد "، قال: " فإن شاءوا ماددناهم مدة ". قال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشا فقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم نعرضه عليكم. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا في أن تحدثنا عنه بشيء، وقال ذو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: قد سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فقام عروة بن مسعود الثقفي، فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي، ومن أطاعني؟ قالوا: بلى، فقال: إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد، فاقبلوها، ودعوني آته. فقالوا: ائته، فأتاه، قال: فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له نحوا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت إن استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فوالله إني لأرى وجوها، وأرى أوباشا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه: امصص بظر اللات، نحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما كلمه، أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه السيف وعليه المغفر، وكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنصل السيف، وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه، فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة. قال: أي غدر، أولست أسعى في غدرتك. وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية، فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء، فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما الإسلام فأقبل، وأما المال، فلست منه في شيء ". ثم إن عروة جعل يرمق النبي صلى الله عليه وسلم بعينه، قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا، خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له. فرجع إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا صلى الله عليه وسلم والله إن يتنخم نخامة، إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آتيه، فقالوا: ائته. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له ". فبعثت له، واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك، قال: " سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ". قال: فلما رجع إلى أصحابه، قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فلم أر أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص، فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا مكرز، وهو رجل فاجر ". فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا هو يكلمه، إذ جاءه سهيل بن عمرو. قال معمر : وأخبرني أيوب، عن عكرمة، أنه لما جاء سهيل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " سهل من أمركم " قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو، فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا الكاتب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل: أما الرحمن، فوالله ما أدري ما هو، وقال ابن المبارك: ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله ما نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اكتب باسمك اللهم "، ثم قال: " هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله " فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله، ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله " قال الزهري: وذلك لقوله: " لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به " فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل. فكتب، فقال سهيل: على أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك، إلا رددته إلينا. فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينا هم كذلك، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف، وقال يحيى عن ابن المبارك: يرصف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل: هذا يا محمد، أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنا لم نقض الكتاب بعد " قال: فوالله إذا لا نصالحك على شيء أبدا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فأجزه لي " قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: " بلى، فافعل " قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بلى قد أجزناه لك. فقال أبو جندل: أي معاشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله. فقال عمر رضي الله عنه: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله؟ قال: " بلى " قلت: ألسنا على الحق؟ وعدونا على الباطل؟ قال: " بلى " قال: قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: " إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري ". قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: " بلى " قال: " أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟ " قلت: لا. قال: " فإنك آتيه، ومتطوف به "، قال: فأتيت أبا بكر رضي الله عنه، فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل، إنه رسول الله، ولن يعصي ربه عز وجل، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، وقال يحيى بن سعيد: تطوف بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق. قلت: أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى. قال: أفأخبرك أنه يأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه، ومتطوف به. قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " قوموا، فانحروا، ثم احلقوا " قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، قام، فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا رسول الله، أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فيحلقك. فقام، فخرج، فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك: نحر هديه، ودعا حالقه. فلما رأوا ذلك قاموا، فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. ثم جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} [الممتحنة: 10] حتى بلغ {بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] ، قال: فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية. ثم رجع إلى المدينة، فجاءه أبو بصير، رجل من قريش، وهو مسلم، وقال يحيى، عن ابن المبارك: فقدم عليه أبو بصير بن أسيد الثقفي مسلما مهاجرا، فاستأجر الأخنس بن شريق رجلا كافرا من بني عامر بن لؤي ومولى معه، وكتب معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله الوفاء فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فيه. فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك يا فلان هذا جيدا. فاستله الآخر، فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به، ثم جربت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه. فأمكنه منه، فضربه به حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد رأى هذا ذعرا ". فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي، وإني لمقتول. فجاء أبو بصير، فقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد ". فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وينفلت أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة، قال: فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم، وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل الله عز وجل: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} [الفتح: 24] حتى بلغ: {حمية الجاهلية} [الفتح: 26] ، وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينه وبين البيت.

مصنف عبد الرزاق (5/ 330 ت الأعظمي)
: 9720- عن معمر قال: أخبرني الزهري: قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، ـ صدق كل واحد منهما صاحبه ـ قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانوا بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال: إني قد تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أترون أن نميل إلى ذراري، هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين، وإن يجيئوا تكن عنقا قطعها الله، أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا قاتلناه فقالوا: رسول الله أعلم يا نبي الله إنما جئنا معتمرين، ولم نجئ لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فروحوا إذا، قال معمر: قال الزهري: وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الزهري في حديث مسور بن مخرمة، ومروان: فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد إذا هو بقترة الجيش فانطلق فإذا هو يركض نذيرا لقريش، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانوا بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس: حل حل فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكنها حبسها حابس الفيل ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله، إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت به قال: فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس أن نزحوه، فشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه قال: فوالله مازال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينا هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال: إني تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك، عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب، وأضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم لهم مدة، ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإن لا فقد جموا، وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفدن الله أمره فقال بديل: سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشا فقال: إنا جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا. فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته يقول (قال: سمعته يقول) كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال: أي قومي ألستم بالولد؟ قالوا: بلى قال: أو لست بالوالد؟ قالوا: بلى قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي، ومن أطاعني؟ قالوا: بلى قال: فإن هذا قد عرض عليكم خصلة رشد فاقبلوها، ودعوني آته فقالوا: فأته، فأتاه قال: فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك : أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فإني لأرى وجوها، وأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا عنك، فقال أبو بكر رحمه الله ورضي عنه: امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قال أبو بكر قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف، وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة يده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف، وقال أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ فقالوا: المغيرة بن شعبة فقال: أي غدر أو لست أسعى في غدرتك، وكان المغيرة بن شعبة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء ثم إن عروة جعل يرمق صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في يد رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له قال فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فقال رجل من كنانة دعوني آته فقالوا: ائته ، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثوها له، واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت قال: فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت فقال رجل منهم يقال له مكرز بن حفص: دعوني آته قالوا ائته، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا مكرز، وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فبينا هو يكلمه إذ جاءه سهيل بن عمرو. قال معمر: فأخبرني أيوب، عن عكرمة أنه لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد سهل لكم من أمركم قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو؟ ولكن اكتب باسمك اللهم، كما كنت تكتب فقال المسلمون: والله لا يكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب: باسمك اللهم ثم قال: هذا ما فاصل عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله إني لرسول الله، وإن كذبتموني، اكتب: محمد بن عبد الله قال الزهري: وذلك لقوله: لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمة الله إلا أعطيتهم إياها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أن تخلوا بيننا وبين البيت، فنطوف به فقال سهيل: لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، فقال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقض الكتاب بعد قال: فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأجزه لي فقال: ما أنا بمجيزه لك قال: بلى فافعل قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بلى قد أجزناه لك، فقال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت، وكان قد عذب عذابا شديدا في الله، فقال عمر بن الخطاب: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى قال: قلت ألسنا على الحق؟ وعدونا على الباطل؟ قال: بلى قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا؟ فقال: إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري قلت: أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنك تأتيه العام قلت: لا قال: فإنك آتيه ومطوف به قال: فأتيت أبا بكر: فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: فأخبرك أنه سيأتيه العام، قلت: لا، قال فإنك آتيه، ومطوف به قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا، ثم احلقوا قال فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات قال: فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام، فخرج، فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد يقتل بعضهم بعضا غما. ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} [الممتحنة: 10] حتى بلغ {بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج أحدهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية . ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه ‌أبو ‌بصير، رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا حتى إذا بلغا به ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال ‌أبو ‌بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت فقال ‌أبو ‌بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه، فضربه به حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي، وإني لمقتول، فجاء ‌أبو ‌بصير فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سيهل فلحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة قال: فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم إلا أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل الله {هو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} [الفتح: 24] حتى بلغ {حمية الجاهلية} [الفتح: 26] وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينه وبين البيت "

صحيح ابن حبان - مخرجا (11/ 225)
4872 - أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا محمد بن المتوكل بن أبي السري، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال أخبرنا معمر، عن الزهري، قال أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما حديثه حديث صاحبه، قالا: خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة، قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشعر، ثم أحرم بالعمرة وبعث بين يديه عينا له رجلا من خزاعة يجيئه، بخبر قريش، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بغدير الأشطاط، قريبا من عسفان، أتاه عينه الخزاعي، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعا كثيرة وهم مقاتلوك وصادوك، عن البيت الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن نجوا يكونوا عنقا قطعها الله أم ترون، أن نؤم البيت، فمن صدنا عنه قاتلناه؟ ، فقال أبو بكر الصديق رضوان الله عليه: الله ورسوله أعلم يا نبي الله، إنما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فروحوا إذا قال الزهري في حديثه، وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الزهري في حديثه عن عروة عن المسور، ومروان في حديثهما فراحوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين، فوالله ما شعر بهم خالد بن الوليد، حتى إذا هو بقترة الجيش فأقبل يركض نذيرا لقريش، وسار النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بالثنية، التي يهبط عليهم منها، فلما انتهى إليها، بركت راحلته ، فقال الناس حل، حل فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يسألوني خطة، يعظمون فيها حرمات الله، إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها، فوثبت به ، قال: فعدل عنهم، حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبث بالناس، أن نزحوه، فشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، قال: فما زال يجيش لهم بالري، حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك، إذ جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي، في نفر من قومه من خزاعة، وكانت عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهل تهامة، فقال إني تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت الحرام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، فإن قريشا، قد نهكتهم الحرب، وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة، ويخلوا بيني، وبين الناس، فإن ظهرنا، وشاءوا أن يدخلوا فيما دخل، فيه الناس، فعلوا وقد جموا، وإن هم أبوا، فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا، حتى تنفرد سالفتي، أو ليبدين الله أمره ، قال بديل بن ورقاء سأبلغهم، ما تقول، فانطلق، حتى أتى قريشا، فقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم، فعلنا، فقال: سفهاؤهم لا حاجة لنا في أن تخبرونا عنه بشيء، وقال ذو الرأي: هات ما سمعته، يقول: قال: سمعته يقول كذا، وكذا، فأخبرتهم بما قال: النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عند ذلك أبو مسعود، عروة بن مسعود الثقفي، فقال: يا قوم ألستم بالولد؟، قالوا: بلى، قال: ألست بالوالد، قالوا: بلى قال: فهل تتهموني، قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي، وولدي، ومن أطاعني قالوا: بلى، قال: فإن هذا امرؤ عرض عليكم، خطة رشد، فاقبلوها، ودعوني آته، قالوا: ائته، فأتاه قال: فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحوا من قوله، لبديل بن ورقاء، فقال عروة بن مسعود: ذلك يا محمد أرأيت إن استأصلت قومك، هل سمعت أحدا من العرب اجتاح أصله قبلك، وإن تكن الأخرى، فوالله إني أرى وجوها، وأرى أشوابا من الناس خلقاء أن يفروا ويدعوك، فقال أبو بكر الصديق رضوان الله عليه: امصص ببظر اللات أنحن نفر وندعه، فقال أبو مسعود: من هذا، قالوا: أبو بكر بن أبي قحافة، فقال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة الثقفي قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه ال سيف، والمغفر، فكلما أهوى عروة بيده، إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه، وقال من هذا؟، فقالوا: المغيرة بن شعبة الثقفي، فقال: أي غدر، أولست أسعى في غدرتك، وكان المغيرة بن شعبة صحب قوما في الجاهلية، فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء، فأسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام، فأقبل، وأما المال، فلست منه في شيء ، قال: ثم إن عروة جعل يرمق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعينه، فوالله ما يتنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نخامة، إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه، وجلده، وإذا أمرهم انقادوا لأمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر، تعظيما له، فرجع عروة بن مسعود إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت إلى الملوك، ووفدت إلى كسرى، وقيصر، والنجاشي، والله ما رأيت ملكا قط، يعظمه أصحابه، ما يعظم أصحاب محمد محمدا، ووالله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه، وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ اقتتلوا على وضوئه، وإذ تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر، تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد، فقبلوها، فقال رجل من بني كنانة دعوني آته، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا فلان من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له ، قال فبعثت، واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله، لا ينبغي لهؤلاء، أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه، قال: رأيت البدن، قد قلدت، وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت، فقام رجل منهم، يقال له مكرز، فقال دعوني آته، فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا مكرز، وهو رجل فاجر ، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يكلمه، إذ جاءه سهيل بن عمرو، قال معمر، فأخبرني أيوب السختياني، عن عكرمة، قال: فلما جاء سهيل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا سهيل، قد سهل الله لكم أمركم ، قال معمر في حديثه عن الزهري عن عروة عن المسور، ومروان فلما جاء سهيل، قال هات اكتب بيننا، وبينكم كتابا، فدعا الكاتب، فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل أما الرحمن، فلا أدري والله ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب هذا، ما قاضى عليه محمد رسول الله ، فقال سهيل بن عمرو لو كنا نعلم أنك رسول الله، ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله إني لرسول الله، وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله ، قال الزهري، وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله، إلا أعطيتهم إياها، وقال في حديثه عن عروة، عن المسور، ومروان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أن تخلوا بيننا، وبين البيت، فنطوف به ، فقال سهيل بن عمرو، إنه لا يتحدث العرب، أنا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل، فكتب فقال سهيل بن عمرو: على أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك، أو يريد دينك إلا رددته إلينا، فقال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين، وقد جاء مسلما، فبينما هم على ذلك، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف، في قيوده، قد خرج من أسفل مكة، حتى رمى بنفسه بين المسلمين، فقال سهيل بن عمرو يا محمد هذا أول من نقاضيك عليه، أن ترده إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نمض الكتاب بعد ، فقال والله لا أصالحك على شيء أبدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأجزه لي ، فقال ما أنا بمجيزه لك، قال: فافعل قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بل قد أجزناه لك، فقال أبو جندل بن سهيل بن عمرو: يا معشر المسلمين، أرد إلى المشركين، وقد جئت مسلما، ألا ترون إلى ما قد لقيت، وكان قد عذب عذابا شديدا في الله، فقال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، والله ما شككت منذ أسلمت، إلا يومئذ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت ألست رسول الله حقا، قال: بلى ، قلت ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟، قال: بلى ، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا، إذا قال: إني رسول الله، ولست أعصي ربي، وهو ناصري ، قلت: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت، فنطوف به؟، قال: بلى ، فخبرتك أنك تأتيه العام، قال: لا، قال: فإنك تأتيه، فتطوف به، قال: فأتيت أبا بكر الصديق رضوان الله عليه، فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا، قال: بلى، قلت: أو لسنا على الحق، وعدونا على الباطل، قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا، إذا قال: أيها الرجل إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، حتى تموت، فوالله إنه على الحق، قلت: أو ليس كان يحدثنا، أنا سنأتي البيت، ونطوف به؟، قال: بلى، قال: فأخبرك أنا نأتيه العام، قلت: لا، قال: فإنك آتيه، وتطوف به، قال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه: فعملت في ذلك أعمالا، يعني في نقض الصحيفة، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الكتاب، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال: انحروا الهدي، واحلقوا ، قال: فوالله ما قام رجل، منهم رجاء، أن يحدث الله أمرا، فلما لم يقم أحد منهم، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل على أم سلمة، فقال: ما لقيت من الناس ، قالت أم سلمة أو تحب ذاك اخرج، ولا تكلمن أحدا، منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج، ولم يكلم أحدا منهم، حتى نحر، بدنه، ثم دعا حالقه، فحلقه، فلما رأى ذلك الناس جعل بعضهم، يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا، قال: ثم جاء نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} [الممتحنة: 10] إلى آخر الآية، قال: فطلق عمر رضوان الله عليه امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية، قال: رجع صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة، فجاءه أبو بصير، رجل من قريش، وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، وقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا، حتى بلغا به ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين، والله لأرى سيفك هذا، يا فلان جيدا، فقال أجل، والله إنه لجيد، لقد جربت به، ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه، حتى برد، وفر الآخر، حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأى هذا ذعرا ، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قتل والله صاحبي، وإني لمقتول، فجاء أبو بصير، فقال يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل أمه لو كان معه أحد ، فلما سمع بذلك، عرف أنه سيرده إليهم مرة أخرى، فخرج، حتى أتى سيف البحر، قال وتفلت، منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش، رجل أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة قال: فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش، إلى الشام، إلا اعترضوا لها، فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، تناشده الله، والرحم لما أرسل إليهم، ممن أتاه، فهو آمن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل الله جل وعلا {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة} [الفتح: 24] ، حتى بلغ حمية الجاهلية، وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم