الموسوعة الحديثية


- عن أُناسٍ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لما فرغ اللهُ من خلقِ ما أَحبَّ استوى على العرشِ فجعل إبليسَ على ملَكِ السماءِ الدنيا وكان من قبيلةٍ من الملائكةِ يقالُ لهم الجِنُّ وإنما سُمُّوا الجِنَّ لأنهم خُزَّانُ الجنَّةِ وكان إبليسُ مع مُلكِه خازنًا فوقع في صدرِه كِبْرٌ وقال ما أعطاني اللهُ هذا إلا لِمَزِيَّةٍ لي على الملائكةِ فلما وقع ذلك الكِبْرُ في نفسِه اطَّلعَ اللهُ على ذلك منه فقال اللهُ للملائكةِ { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } قالوا ربَّنا وما يكونُ ذلك الخليفةُ قال يكون له ذُرِّيَّةٌ يُفسدونَ في الأرضِ وَيَتَحَاسِدُونَ وَيَقتُلُ بَعضُهم بعضًا قالوا ربَّنا {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} يعني من شأنِ إبليسَ فبعث اللهُ جبريلَ إلى الأرضِ ليأتيَه بطِينٍ منها فقالت الأرضُ إني أعوذُ باللهِ منك أن تقبضَ مني أو تَشِيني فرجع ولم يأخُذْ وقال ربِّ مني عاذَتْ بك فأَعَذْتُها فبعث ميكائيلَ فعاذَتْ منه فأعاذَها فرجع فقال كما قال جبريلُ فبعث ملكَ الموتِ فعاذَتْ منه فقال وأنا أعوذُ باللهِ أن أرجِعَ ولم أنفذُ أمرَه فأخذ من وجه الأرضِ وخلطَ ولم يأخذْ من مكانٍ واحدٍ وأخذ من تُربةٍ حمراءَ وبيضاءَ وسوداءَ فلذلك خرج بنو آدمَ مُختلِفِينَ فصعِدَ به فبَلَّ الترابَ حتى عاد طِينًا لازِبًا والَّلازِبُ هو الذي يَلتزِقُ بعضُه ببعضٍ ثم قال للملائكةِ { إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } فخلَقه اللهُ بيدِه لئلا يتكبَّرَ إبليسُ عنه ليقولَ له تتكبَّرُ عما عملتُ بيديَّ ولم أَتكبِّرْ أنا عنه فخلقَه بشرًا فكان جسدًا من طينٍ أربعينَ سنةً من مقدارِ يومِ الجمعةِ فمرَّتْ به الملائكةُ ففزِعوا منه لما رَأَوه وكان أشدَّهم فزعًا منه إبليسُ فكان يمرُّ به فيضربُه فيُصَوِّتُ الجسدُ كما يُصَوِّتُ الفَخَّارُ وتكون له صَلصلةٌ فذلك حين يقولُ { مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ } ويقول لأمرٍ ما خُلِقتَ ودخل من فيه فخرج من دُبُرِه وقال للملائكةِ لا تَرهبوا من هذا فإنَّ ربَّكم صمدٌ وهذا أجوفٌ لئن سُلِّطتُ عليه لأُهلِكَنَّه فلما بلغ الحينُ الذي يريد اللهُ عزَّ وجلَّ أن ينفخَ فيه الرُّوحَ قال للملائكةِ إذا نفختُ فيه من رُّوحي فاسجُدوا له فلما نفخ فيه الرُّوحُ فدخل الروحُ في رأسِه عطسَ فقالت الملائكةُ قل الحمدُ للهِ فقال الحمدُ للهِ فقال له اللهُ رحِمَك ربُّك فلما دخلتِ الروحُ في عينَيه نظر إلى ثمارِ الجنَّةِ فلما دخل الرُّوحُ في جَوْفِه اشتهى الطعامَ فوثَب قبل أن تبلُغَ الرُّوحَ رجلَيه عَجَلانَ إلى ثِمارِ الجنَّةِ فذلك حين يقولُ تعالى { خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَجَلٍ } { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ, إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} أبى واستكبر وكان من الكافرينَ قال اللهُ له ما منعَك أن تسجدَ إذ أَمَرتُك لما خلقتُ بيديَّ ؟ قال أنا خيرٌ منه لم أكن لأسجدَ لمن خلقتَه من طينٍ قال اللهُ له { اخْرُجْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ } يعني ما ينبغي لك { أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ } والصَّغارُ هو الذُّلُّ قال { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا } ثم عرض الخلقَ على الملائكةِ { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أنَّ بني آدمَ يفسدون في الأرض ويسفكون الدماءَ فقالوا {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} قال اللهُ { قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تَبْدُوَنْ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} قال قولُهم { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} فهذا الذي أبدوا { وَأَعْلَمُ مَا تَكْتَمُونَ } يعني ما أسرَّ إبليسُ في نفسِه من الكِبرِ
خلاصة حكم المحدث : فيه إسرائيليات كثيرة فلعل بعضها مدرج
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : ابن كثير | المصدر : تفسير القرآن العظيم
الصفحة أو الرقم : 1/109 التخريج : أخرجه الطبري في ((التفسير)) (607)
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة البقرة جن - صفة إبليس وجنوده خلق - خلق آدم خلق - صفة بني آدم إيمان - استواء الله على العرش
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

أصول الحديث:


تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (1/ 458)
607- حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:"لما فرغ الله من خلق ما أحب، استوى على العرش، فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن - وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة. وكان إبليس مع ملكه خازنا، فوقع في صدره كبر، وقال: ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي - هكذا قال موسى بن هارون، وقد حدثني به غيره، وقال: لمزية لي على الملائكة - فلما وقع ذلك الكبر في نفسه، اطلع الله على ذلك منه، فقال الله للملائكة:"إني جاعل في الأرض خليفة". قالوا: ربنا، وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. قالوا: ربنا،"أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون". يعني من شأن إبليس. فبعث جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها فقالت الأرض: إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني. فرجع، ولم يأخذ. وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتها. فبعث الله ميكائيل، فعاذت منه، فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل. فبعث ملك الموت فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره. فأخذ من وجه الأرض، وخلط فلم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين. فصعد به، فبل التراب حتى عاد طينا لازبا -واللازب: هو الذي يلتزق بعضه ببعض- ثم ترك حتى أنتن وتغير. وذلك حين يقول: (من حمإ مسنون) [سورة الحجر: 28] . قال: منتن - ثم قال للملائكة: (إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) [سورة ص: 71-72] . فخلقه الله بيديه لكيلا يتكبر إبليس عنه، ليقول له: تتكبر عما عملت بيدي، ولم أتكبر أنا عنه؟ فخلقه بشرا، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة: فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه. وكان أشدهم منه فزعا إبليس، فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار وتكون له صلصلة، فذلك حين يقول: (من صلصال كالفخار) [سورة الرحمن: 14] ويقول لأمر ما خلقت! ودخل من فيه فخرج من دبره. فقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا، فإن ربكم صمد وهذا أجوف. لئن سلطت عليه لأهلكنه. فلما بلغ الحين الذي يريد الله جل ثناؤه أن ينفخ فيه الروح، قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له. فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس، فقالت له الملائكة: قل الحمد لله. فقال: الحمد لله، فقال له الله: رحمك ربك. فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة. فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، فذلك حين يقول: (خلق الإنسان من عجل) [سورة الأنبياء: 37] . فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين -أي استكبر - وكان من الكافرين. قال الله له: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي؟ قال: أنا خير منه، لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين. قال الله له: أخرج منها فما يكون لك -يعني ما ينبغي لك- أن تتكبر فيها، فاخرج إنك من الصاغرين - والصغار: هو الذل -. قال: وعلم آدم الأسماء كلها، ثم عرض الخلق على الملائكة، فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. فقالوا له: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال الله: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال: ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون. قال قولهم:"أتجعل فيها من يفسد فيها"، فهذا الذي أبدوا،"وأعلم ما كنتم تكتمون"، يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر. قال أبو جعفر: فهذا الخبر أوله مخالف معناه معنى الرواية التي رويت عن ابن عباس من رواية الضحاك التي قد قدمنا ذكرها قبل، وموافق معنى آخره معناها. وذلك أنه ذكر في أوله أن الملائكة سألت ربها: ما ذاك الخليفة؟ حين قال لها: إني جاعل في الأرض خليفة. فأجابها أنه تكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. فقالت الملائكة حينئذ: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ فكان قول الملائكة ما قالت من ذلك لربها، بعد إعلام الله إياها أن ذلك كائن من ذرية الخليفة الذي يجعله في الأرض. فذلك معنى خلاف أوله معنى خبر الضحاك الذي ذكرناه. وأما موافقته إياه في آخره، فهو قولهم في تأويل قوله:"أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين": أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، وأن الملائكة قالت إذ قال لها ربها ذلك، تبريا من علم الغيب -:"سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم". وهذا إذا تدبره ذو الفهم، علم أن أوله يفسد آخره، وأن آخره يبطل معنى أوله. وذلك أن الله جل ثناؤه إن كان أخبر الملائكة أن ذرية الخليفة الذي يجعله في الأرض تفسد فيها وتسفك الدماء، فقالت الملائكة لربها:"أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"؛ فلا وجه لتوبيخها على أن أخبرت عمن أخبرها الله عنه أنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء، بمثل الذي أخبرها عنهم ربها، فيجوز أن يقال لها فيما طوي عنها من العلوم: إن كنتم صادقين فيما علمتم بخبر الله إياكم أنه كائن من الأمور فأخبرتم به، فأخبرونا بالذي قد طوى الله عنكم علمه، كما قد أخبرتمونا بالذي قد أطلعكم الله عليه - بل ذلك خلف من التأويل، ودعوى على الله ما لا يجور أن يكون له صفة. وأخشى أن يكون بعض نقلة هذا الخبر هو الذي غلط على من رواه عنه من الصحابة، وأن يكون التأويل منهم كان على ذلك:"أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين فيما ظننتم أنكم أدركتموه من العلم بخبري إياكم أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، حتى استجزتم أن تقولوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء". فيكون التوبيخ حينئذ واقعا على ما ظنوا أنهم قد أدركوا بقول الله لهم:"إنه يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء"، لا على إخبارهم بما أخبرهم الله به أنه كائن. وذلك أن الله جل ثناؤه، وإن كان أخبرهم عما يكون من بعض ذرية خليفته في الأرض، ما يكون منه فيها من الفساد وسفك الدماء، فقد كان طوى عنهم الخبر عما يكون من كثير منهم ما يكون من طاعتهم ربهم، وإصلاحهم في أرضه، وحقن الدماء، ورفعه منزلتهم، وكرامتهم عليه، فلم يخبرهم بذلك. فقالت الملائكة:"أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"، على ظن منها -على تأويل هذين الخبرين اللذين ذكرت وظاهرهما- أن جميع ذرية الخليفة الذي يجعله في الأرض يفسدون فيها ويسفكون فيها الدماء، فقال الله لهم -إذ علم آدم الأسماء كلها -: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين أنكم تعلمون أن جميع بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، على ما ظننتم في أنفسكم - إنكارا منه جل ثناؤه لقيلهم ما قالوا من ذلك على الجميع والعموم، وهو من صفة خاص ذرية الخليفة منهم. وهذا الذي ذكرناه هو صفة منا لتأويل الخبر، لا القول الذي نختاره في تأويل الآية.