الموسوعة الحديثية


- عن عائشةَ زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ قال لها أهلُ الإفكِ ما قالوا فبرَّأها اللهُ منه قال الزُّهريُّ : وكلُّهم حدَّثني طائفةً مِن حديثِها وبعضُهم أوعى مِن بعضٍ وأثبَتُ له اقتصاصًا وقد وعَيْتُ عن كلِّ واحدٍ منهم الحديثَ الَّذي حدَّثني عن عائشةَ وبعضُ حديثِهم يُصدِّقُ بعضًا زعَموا أنَّ عائشةَ رضِي اللهُ عنها قالت : كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أراد أنْ يخرُجَ سفَرًا أقرَع بَيْنَ أزواجِه فأيَّتُهنَّ خرَج سهمُها خرَج بها معه فأقرَع بَيْنَنا في غَزاةٍ غزاها فخرَج سهمي فخرَجْتُ معه بعدَما أُنزِل الحجابُ وأنا أُحمَلُ في هَوْدجي وأنزِلُ فيه فسِرْنا حتَّى إذا فرَغ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن غزوتِه تلك قفَل ودنَوْنا مِن المدينةِ فآذَن ليلةً بالرَّحيلِ فقُمْتُ فمشَيْتُ حتَّى جاوَزْتُ الجيشَ فلمَّا قضَيْتُ شأني أقبَلْتُ إلى الرَّحْلِ فلمَسْتُ صدري فإذا عِقْدٌ لي مِن جَزْعِ أظفارٍ قدِ انقطَع فرجَعْتُ فالتمَسْتُ عِقدي فحبَسني ابتغاؤُه فأقبَل الَّذينَ يرحَلونَ بي فاحتمَلوا هَوْدجي فرحَلوه على بعيري الَّذي كُنْتُ أركَبُ وهم يحسَبونَ أنِّي فيه وكان النِّساءُ إذ ذاكَ خِفافًا لَمْ يثقُلْنَ ولَمْ يغشَهنَّ اللَّحمُ وإنَّما يأكُلْنَ العُلقةَ مِن الطَّعامِ فلَمْ يستنكِرِ القومُ حينَ رفَعوه ثِقَلَ الهَوْدجِ فاحتمَلوه وكُنْتُ جاريةً حديثةَ السِّنِّ فبعَثوا الجمَلَ وساروا فوجَدْتُ عِقدي بعدَما استمرَّ الجيشُ فجِئْتُ منزِلَهم وليس فيه أحَدٌ فأقمَتْ منزِلي الَّذي كُنْتُ به وظنَنْتُ أنَّهم سيفقِدوني فيرجِعونَ إلَيَّ فبَيْنا أنا جالسةٌ غلَبَتْني عينايَ فنِمْتُ وكان صفوانُ بنُ المعطَّلِ السُّلَميُّ ثمَّ الذَّكوانيُّ مِن وراءِ الجيشِ فأصبَح عندَ منزلي فرأى سوادَ إنسانٍ نائمٍ وكان يراني قبْلَ الحجابِ فاستيقَظْتُ باسترجاعِه حينَ عرَفني فخمَّرْتُ وجهي بجِلْبابي واللهِ ما تكلَّمْتُ بكلمةٍ ولا سمِعْتُ منه كلمةً غيرَ استرجاعِه حتَّى أناخ راحلتَه فوطِئ يدَها فركِبْتُها فانطلَق يقودُ بي الرَّاحلةَ حتَّى أتَيْنا الجيشَ بعدَما نزَلوا معرِّسينَ في نحرِ الظَّهيرةِ فهلَك مَن هلَك وكان الَّذي تولَّى كِبْرَ الإفكِ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلولٍ فقدِمْنا المدينةَ فاشتكَيْتُ بها شهرًا والنَّاسُ يُفيضونَ في قولِ أصحابِ الإفكِ ويَريبني في وجَعي أنِّي لا أرى مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اللُّطْفَ الَّذي كُنْتُ أرى منه حينَ أمرَضُ إنَّما يدخُلُ فيُسلِّمُ ثمَّ يقولُ : ( كيفَ تِيكُمْ ) ؟ ولا أشعُرُ بشيءٍ مِن ذلك حتَّى نقِهْتُ فخرَجْتُ أنا وأمُّ مِسطَحٍ بنتُ أبي رُهْمٍ قِبَلَ المَناصِعِ وكان مُتبرَّزَنا لا نخرُجُ إلَّا ليلًا إلى ليلٍ وذلكَ قبْلَ أنْ نتَّخِذَ الكُنُفَ قريبًا مِن بيوتِنا وأمرُنا أمرُ العرَبِ الأُوَلِ في البَرِّيَّةِ أو في التَّبرُّزِ فأقبَلْتُ أنا وأمُّ مِسطَحٍ بنتُ أبي رُهْمٍ نمشي فعثَرَتْ في مِرْطِها فقالت : تعِس مِسطَحٌ فقُلْتُ : بِئس ما قُلْتِ أتسُبُّينَ رجُلًا شهِد بدرًا ؟ فقالت : يا هَنْتاه ألَمْ تسمَعي ما قالوا ؟ فأخبَرَتْني بما يقولُ أهلُ الإفكِ فازدَدْتُ مرَضًا على مرضٍ فلمَّا رجَعْتُ إلى بيتي دخَل علَيَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : ( كيف تِيكم ) ؟ فقُلْتُ : ائذَنْ لي آتي أبويَّ قالت : وأنا حينَئذٍ أُريدُ أنْ أستيقِنَ الخبَرَ مِن قِبَلِهما فأذِن لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأتَيْتُ أبويَّ فقُلْتُ لِأُمِّي : ما يتحدَّثُ به النَّاسُ ؟ فقالت : يا بُنيَّةُ هوِّني على نفسِك الشَّأنَ فواللهِ لقلَّما كانتِ امرأةٌ قطُّ وضيئةٌ عندَ رجُلٍ يُحِبُّها ولها ضرائرُ إلَّا أكثَرْنَ عليها فقُلْتُ : سُبحانَ اللهِ لقد تحدَّث النَّاسُ بهذا ؟ قالت : نَعم فبِتُّ تلكَ اللَّيلةَ حتَّى أصبَحْتُ لا يرقَأُ لي دَمْعٌ ولا أكتحِلُ بنومٍ ثمَّ أصبَحْتُ فدعا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علِيَّ بنَ أبي طالبٍ وأُسامةَ بنَ زيدٍ حينَ استَلْبَث الوحيُ يستشيرُهما في فِراقِ أهلِه فأمَّا أُسامةُ فأشار عليه بالَّذي يعلَمُ في نفسِه مِن الوُدِّ لهم فقال : أهلُك يا رسولَ اللهِ ولا نعلَمُ واللهِ إلَّا خيرًا وأمَّا علِيٌّ فقال : يا رسولَ اللهِ لَمْ يُضيِّقِ اللهُ عليكَ والنِّساءُ سواها كثيرٌ وسَلِ الجاريةَ تصدُقْكَ فدعا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَريرةَ فقال : ( يا بَريرةُ هل رأَيْتِ فيها شيئًا ما يريبُكِ ) ؟ فقالت : لا والَّذي بعَثكَ بالحقِّ إنْ رأَيْتُ منها أمرًا أغمِصُه عليها أكثَرَ مِن أنَّها جاريةٌ حديثةُ السِّنِّ تنامُ عنِ العجينِ فتأتي الدَّاجنُ فتأكُلُه فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن يومِه فاستعذَر مِن عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ ابنِ سَلولٍ فقال : ( مَن يعذِرُني مِن رجُلٍ بلَغ أذاه في أهلي وواللهِ ما علِمْتُ على أهلي إلَّا خيرًا وقد ذكَروا رجُلًا ما علِمْتُ عليه إلَّا خيرًا وما كان يدخُلُ على أهلي إلَّا معي ) فقام سعدُ بنُ مُعاذٍ فقال : يا رسولَ اللهِ وأنا واللهِ أعذِرُك منه إنْ كان مِن الأوسِ ضرَبْنا عُنُقَه وإنْ كان مِن إخوانِنا مِن الخَزرجِ أمَرْتَنا ففعَلْنا فيه أمرَك فقام سعدُ بنُ عُبادةَ وكان قبْلَ ذلكَ رجُلًا صالِحًا ولكِنِ احتمَلَتْه الحَميَّةُ فقال : كذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لا تقتُلُه ولا تقدِرُ على ذلكَ فقام أُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ فقال كذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لَنقتُلَنَّه فإنَّكَ مُنافِقٌ تُجادِلُ عنِ المُنافِقينَ فثار الحيَّانِ الأوسُ والخَزرجُ حتَّى همُّوا ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على المِنبَرِ فجعَل يُخفِّضُهم حتَّى سكَتوا ومكَثْتُ يومي لا يرقَأُ لي دمعٌ ولا أكتحِلُ بنومٍ فأصبَح عندي أبواي وقد بكَيْتُ ليلتي ويومي حتَّى أظُنَّ أنَّ البكاءَ فالِقٌ كبِدي قالت : فبَيْنا هما جالسانِ عندي وأنا أبكي إذِ استأذَنَتِ امرأةٌ مِن الأنصارِ فأذِنْتُ لها فجلَسَتْ تبكي معي فبَيْنا نحنُ كذلك إذ دخَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فجلَس ولَمْ يجلِسْ عندي مِن يومِ قيل لي ما قيل قبْلَها وقد مكَث شهرًا لا يُوحَى إليه في شأني شيءٌ قالت : فتشهَّد ثمَّ قال : ( يا عائشةُ أمَّا بعدُ فإنَّه قد بلَغني عنكِ كذا وكذا فإنْ كُنْتِ بريئةً فسيُبرِّئُكِ اللهُ وإنْ كُنْتِ ألمَمْتِ فاستغفِري اللهَ وتُوبي إليه فإنَّ العبدَ إذا اعترَف بذَنبِه ثمَّ تاب تاب اللهُ عليه ) فلمَّا قضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مقالتَه قلَص دمعي حتَّى ما أُحِسُّ منه بقَطرةٍ وقُلْتُ لِأَبي : أجِبْ عنِّي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : واللهِ ما أدري ما أقولُ لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقُلْتُ لِأمِّي : أجيبي عنِّي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما قال قالت : واللهِ ما أدري ما أقولُ لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت : وأنا جاريةٌ حديثةُ السِّنِّ لا أقرَأُ كثيرًا مِن القُرآنِ فقُلْتُ : إي واللهِ لقد علِمْتُ أنَّكم سمِعْتُم ما تحدَّث النَّاسُ ووقَر في أنفسِكم وصدَّقْتُم به ولئِنْ قُلْتُ لكم : إنِّي بريئةٌ واللهُ يعلَمُ أنِّي بريئةٌ ـ لا تُصدِّقوني بذلكَ وإنِ اعترَفْتُ لكم بأمرٍ ـ واللهُ يعلَمُ أنِّي بريئةٌ ـ لَتُصدِّقُنِّي واللهِ ما أجِدُ لي ولكم مَثَلًا إلَّا أبا يوسُفَ إذ قال : {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] ثمَّ تحوَّلْتُ على فِراشي وأنا أرجو أنْ يُبرِّئَني اللهُ ولكِنْ واللهِ ما ظنَنْتُ أنْ ينزِلَ في شأني وحيٌ ولَأنا أحقَرُ في نفسي مِن أنْ يُتكلَّمَ بالقُرآنِ في أمري ولكنِّي كُنْتُ أرجو أنْ يرى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في النَّومِ رؤيا تُبرِّئُني فواللهِ ما رام في مجلسِه ولا خرَج أحَدٌ مِن البيتِ حتَّى أُنزِل عليه فأخَذه ما كان يأخُذُه مِن البُّرَحاءِ حتَّى إنَّه لَينحدِرُ منه مِثلُ الجُمَانِ مِن العَرَقِ في يومٍ شاتٍ فلمَّا سُرِّي عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يضحَكُ فكان أوَّلَ كلمةٍ تكلَّم بها أنْ قال : ( يا عائشةُ احمَدي اللهَ فقد برَّأكِ اللهُ ) فقالت لي أُمِّي : قومي إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقُلْتُ : لا واللهِ لا أقومُ إليه ولا أحمَدُ إلَّا اللهَ فأنزَل اللهُ تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11] الآياتِ فلمَّا أنزَل اللهُ هذا في براءتي قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضِي اللهُ عنه وكان يُنفِقُ على مِسطَحٍ لقَرابتِه منه : واللهِ لا أُنفِقُ على مِسطَحٍ شيئًا أبدًا بعدَما قال لِعائشةَ فأنزَل اللهُ : {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: 22] إلى قولِه : {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] فقال أبو بكرٍ : واللهِ إنِّي لَأُحِبُّ أنْ يغفِرَ اللهُ لي فرجَع إلى مِسطَحٍ بالَّذي كان يُجري عليه وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سأَل زينبَ بنتَ جَحْشٍ عن أمري فقالت : يا رسولَ اللهِ [ أحمي ] سَمْعي وبصَري وكانت تُساميني فعصَمها اللهُ بالوَرَعِ
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان الصفحة أو الرقم : 7099
التخريج : أخرجه ابن حبان (7099)، والبخاري (2661) كلاهما بلفظه، ومسلم (2770) بزيادة في آخره.
التصنيف الموضوعي: مناقب وفضائل - عائشة بنت أبي بكر الصديق حدود - التشديد في قذف المحصنات رقائق وزهد - الترهيب من مساوئ الأعمال مناقب وفضائل - أهل البيت صلوات الله عليهم مناقب وفضائل - فضائل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه

أصول الحديث:


صحيح ابن حبان - مخرجا (16/ 13)
7099 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، والحسن بن سفيان، وعدة، قالوا: حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا فليح بن سليمان، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله منه، قال الزهري، وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم أوعى من بعض، وأثبت له اقتصاصا، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضا زعموا أن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، فأقرع بيننا في غزاة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب، وأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك قفل، ودنونا من المدينة، فآذن ليلة بالرحيل، فقمت فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، فأقبل الذين يرحلون بي، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن، ولم يغشهن اللحم، وإنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج، فاحتملوه وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد، فأقمت منزلي الذي كنت به، وظننت أنهم سيفقدوني، فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي والله ما تكلمت بكلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته، فوطئ يدها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة فهلك من هلك وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت بها شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ويريبني في وجعي إني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض إنما يدخل، فيسلم ثم يقول: كيف تيكم، ولا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت، فخرجت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم قبل المناصع، وكان متبرزنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التبرز، فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي، فعثرت في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا، فقالت: يا هنتاه، ألم تسمعي ما قالوا، فأخبرتني بما يقول أهل الإفك، فازددت مرضا على مرض، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف تيكم، فقلت: ائذن لي آتى أبوي، قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت أبوي، فقلت لأمي ما يتحدث به الناس، فقالت: يا بنية، هوني على نفسك الشأن فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، فقلت: سبحان الله لقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: نعم، فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة، فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم، فقال: أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيرا، وأما علي، فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: يا بريرة هل رأيت فيها شيئا ما يريبك؟ ، فقالت: لا، والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين، فتأتي الداجن فتأكله، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال: من يعذرني من رجل بلغ أذاه في أهلي، ووالله ما علمت على أهلي إلا خيرا وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي، فقام سعد بن معاذ، فقال: يا رسول الله، وأنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا، ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة، وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية، فقال: كذبت لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن حضير، فقال: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فجعل يخفضهم حتى سكتوا، ومكثت يومي لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي وقد بكيت ليلتي ويومي حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي معي، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل لي ما قيل قبلها، وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء، قالت: فتشهد، ثم قال: يا عائشة أما بعد، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه بقطرة، وقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن، فقلت: إي والله لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث الناس، ووقر في أنفسكم، وصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم إني بريئة لا تصدقوني بذلك، وإن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18]، ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحي ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا تبرئني، فوالله ما رام في مجلسه، ولا خرج أحد من البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: يا عائشة، احمدي الله فقد برأك الله، فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله فأنزل الله تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم}، فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعدما قال لعائشة، فأنزل الله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة} إلى قوله: {والله غفور رحيم} [البقرة: 218]، فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح بالذي كان يجري عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري، فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، وكانت تساميني، فعصمها الله بالورع

[صحيح البخاري] (معتمد)
(3/ 173) 2661 - حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود، وأفهمني بعضه أحمد، حدثنا فليح بن سليمان، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله منه، قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم أوعى من بعض، وأثبت له اقتصاصا، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضا زعموا أن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها معه، فأقرع بيننا في غزاة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودج، وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك، وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع، فرجعت، فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، فأقبل الذين يرحلون لي، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم، وإنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج، فاحتملوه وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد، فأممت منزلي الذي كنت به، فظننت أنهم سيفقدونني، فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي، فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته فوطئ يدها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت بها شهرا والناس يفيضون من قول أصحاب الإفك، ويريبني في وجعي، أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض، إنما يدخل فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم، لا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت، فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع متبرزنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزه، فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي، فعثرت في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا، فقالت: يا هنتاه، ألم تسمعي ما قالوا؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم فقال: كيف تيكم، فقلت: ائذن لي إلى أبوي، قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت أبوي فقلت لأمي: ما يتحدث به الناس؟ فقالت: يا بنية هوني على نفسك الشأن، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر، إلا أكثرن عليها، فقلت: سبحان الله، ولقد يتحدث الناس بهذا، قالت: فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة، فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم، فقال أسامة: أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيرا، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: يا بريرة هل رأيت فيها شيئا يريبك؟، فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت منها أمرا أغمصه عليها قط، أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن العجين، فتأتي الداجن فتأكله، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، فقام سعد بن معاذ، فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا، ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة - وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية - فقال: كذبت لعمر الله، لا تقتله، ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن حضير فقال: كذبت لعمر الله، والله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس، والخزرج حتى هموا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فنزل، فخفضهم حتى سكتوا، وسكت وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي، وقد بكيت ليلتين ويوما حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينا هما جالسان عندي، وأنا أبكي، إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها، وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء، قالت: فتشهد ثم قال: يا عائشة، فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب تاب الله عليه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، وقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيرا من القرآن، فقلت: إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس، ووقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم إني لبريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة لتصدقني، والله ما أجد لي ولكم مثلا، إلا أبا يوسف إذ قال: {فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18]، ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله، فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أنزل عليه الوحي، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها، أن قال لي: يا عائشة احمدي الله، فقد برأك الله، فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا والله، لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، فأنزل الله تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} الآيات، فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة، فأنزل الله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا} إلى قوله {غفور رحيم} [البقرة: 173] فقال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: يا زينب، ما علمت ما رأيت، فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيرا، قالت: وهي التي كانت تساميني، فعصمها الله بالورع قال: وحدثنا فليح، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة، وعبد الله بن الزبير مثله، قال: وحدثنا فليح، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر مثله

[صحيح مسلم] (4/ 2129)
56 - (2770) حدثنا حبان بن موسى، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا يونس بن يزيد الأيلي، ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، ومحمد بن رافع، وعبد بن حميد - قال ابن رافع: حدثنا، وقال الآخران: أخبرنا - عبد الرزاق، أخبرنا معمر، - والسياق حديث معمر من رواية عبد وابن رافع - قال يونس ومعمر جميعا: عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا: فبرأها الله مما قالوا، وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض، وأثبت اقتصاصا، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني، وبعض حديثهم يصدق بعضا، ذكروا، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعدما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافا، لم يهبلن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش فادلج، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش، بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف، الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم؟ فذاك يريبني، ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع، وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي، حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا قد شهد بدرا، قالت: أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم قال: كيف تيكم؟ قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ فقالت: يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر، إلا كثرن عليها، قالت قلت: سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله، قالت فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا، وأما علي بن أبي طالب، فقال: لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها، أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله، قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: أنا أعذرك منه، يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن اجتهلته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير - وهو ابن عم سعد بن معاذ -، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم، قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي، قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم، ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة، فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب، ثم تاب تاب الله عليه قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما قال فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به، فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني وإني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18] قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا، والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن، والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، في اليوم الشات، من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي، قالت: فأنزل الله عز وجل: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة} منكم عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات براءتي، قالت: فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة فأنزل الله عز وجل: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى} إلى قوله: {ألا تحبون أن يغفر الله لكم} [النور: 22]، قال حبان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله، فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا، قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش، زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري ما علمت؟ أو ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيرا. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها، فهلكت فيمن هلك قال الزهري: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط وقال في حديث يونس: احتملته الحمية،