الموسوعة الحديثية


- لمَّا سمِع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأبي سفيانَ مُقبِلًا من الشَّامِ ندب المسلمين إليهم، وقال : هذه عيرُ قريشٍ فيها أموالُهم، فاخرجوا إليها لعلَّ اللهَ أن يُنفِلَكموها. فانتدب النَّاسُ، فخفَّ بعضُهم وثقُل بعضُهم، وذلك أنَّهم لم يظنُّوا أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَلقَى حربًا، وكان أبو سفيانَ قد استنفر حين دنا من الحجازِ يتجسَّسُ الأخبارَ، ويسألُ من لقي من الرُّكبانِ ، تخوُّفًا على أمرِ النَّاسِ، حتَّى أصاب خبرًا من بعضِ الرُّكبانِ : أنَّ محمَّدًا قد استنفر أصحابَه لك ولعيرِك، فحذِر عند ذلك، فاستأجر ضمضمَ بنَ عمرٍو الغفاريَّ، فبعثه إلى أهلِ مكَّةَ، وأمره أن يأتيَ قريشًا فيستنفرَهم في أموالِهم، ويخبرَهم أنَّ محمَّدًا قد عرض لها في أصحابِه، فخرج ضمضمُ بنُ عمرٍو سريعًا إلى مكَّةَ، وخرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أصحابِه حتَّى بلغ واديًا يقال له : ذَفِرانُ، فخرج منه حتَّى إذا كان ببعضِه نزل، وأتاه الخبرُ عن قريشٍ بمسيرِهم ليمنعوا عيرَهم فاستشار رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ، وأخبرهم عن قريشٍ، فقام أبو بكرٍ، رضِي اللهُ عنه، فقال فأحسن، ثمَّ قام عمرُ فقال فأحسن، ثمَّ قام المقدادُ بنُ عمرٍو فقال : يا رسولَ اللهِ، امضِ لما أمرك اللهُ به، فنحن معك، واللهِ لا نقولُ لك كما قالت بنو إسرائيلَ لموسَى : { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المائدة : 24 ] ولكن اذهبْ أنت وربُّك فقاتلا إنَّا معكما مقاتلون، فوالَّذي بعثك بالحقِّ، لو سِرتَ بنا إلى بَرْكِ الغَمادِ – يعني مدينةَ الحبشةِ – لجالدنا معك مَن دونَه حتَّى تبلُغَه، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خيرًا، ودعا له بخيرٍ، ثمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أشيروا عليَّ أيُّها النَّاسُ – وإنَّما يريدُ الأنصارَ – وذلك أنَّهم كانوا عددَ النَّاسِ، وذلك أنَّهم حين بايعوه بالعَقبةِ قالوا : يا رسولَ اللهِ، إنَّا برآءٌ من ذمامِك حتَّى تصلَ إلى دارِنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذممِنا نمنعُك ممَّا نمنعُ منه أبناءَنا ونساءَنا، فكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتخوَّفُ ألَّا تكونَ الأنصارُ ترَى عليها نصرتَه إلَّا ممَّن دهمه بالمدينة، من عدوِّه، وأن ليس عليهم أن يسيرَ بهم إلى عدوٍّ من بلادِهم، فلمَّا قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك، قال له سعدُ بنُ معاذٍ : واللهِ لكأنَّك تريدُنا يا رسولَ اللهِ ؟ قال : أجل. قال : فقد آمنَّا بك، وصدَّقناك، وشهِدنا أنَّ ما جئت به هو الحقُّ، وأعطيناك على ذلك عهودَنا ومواثيقَنا على السَّمعِ والطَّاعةِ، فامضِ يا رسولَ اللهِ لما أمرك اللهُ. فوالَّذي بعثك بالحقِّ، إن استعرضتَ بنا هذا البحرّ فخضتَه لخضناه معك، ما يتخلَّفُ منَّا رجلٌ واحدٌ، وما نكرهُ أن تَلقَى بنا عدوَّنا غدًا، إنَّا لصُبُرٌ في الحربِ، صُدُقٌ عند اللِّقاءِ، ولعلَّ اللهَ يريك منَّا ما تقرُّ به عينُك، فسِرْ بنا على بركةِ اللهِ. فسُرَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقولِ سعدٍ، ونشَّطه ذلك، ثمَّ قال : سيروا على بركةِ اللهِ وأبشروا، فإنَّ اللهَ قد وعدني إحدَى الطَّائفتين، واللهِ لكأنِّي الآن أنظرُ إلى مصارعِ القومِ
خلاصة حكم المحدث : [أشار في المقدمة إلى صحته]
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : عمدة التفسير الصفحة أو الرقم : 2/103
التخريج : أخرجه ابن إسحق وابن المنذر كما في ((الدر المنثور)) للسيوطي (4/26)، والطبري في ((التفسير)) (15720) باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة المائدة جهاد - مشورة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه مغازي - غزوة بدر مناقب وفضائل - المقداد بن الأسود مناقب وفضائل - فضائل الأنصار
|أصول الحديث

أصول الحديث:


تفسير الطبري (13/ 399 ط التربية والتراث)
: ‌15720- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا، عن عبد الله بن عباس، كل قد حدثني بعض هذا الحديث، فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر، قالوا: لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشأم، ندب المسلمين إليهم وقال: هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها! فانتدب الناس، فخف بعضهم وثقل بعض، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا. وكان أبو سفيان يستيقن حين دنا من الحجاز ويتحسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان، تخوفا على أموال الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان: "أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك"! فحذر عند ذلك، واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشا يستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه. فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى بلغ واديا يقال له "ذفران"، فخرج منه، حتى إذا كان ببعضه، نزل، وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس، وأخبرهم عن قريش. فقام أبو بكر رضوان الله عليه، فقال فأحسن. ثم قام عمر رضي الله عنه، فقال فأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض إلى حيث أمرك الله، فنحن معك، والله، لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) ، [[سورة المائدة: 24]] ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون! فوالذي بعثك بالحق، لئن سرت بنا إلى برك الغماد = يعني: مدينة الحبشة = لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ثم دعا له بخير، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أيها الناس! = وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم كانوا عدد الناس، وذلك أنهم حين بايعوه على العقبة قالوا: "يا رسول الله، إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا، نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا"، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم= قال: فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له سعد بن معاذ: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل! قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله! فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: سيروا على بركة الله وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر الآن إلى مصارع القوم غدا".