الموسوعة الحديثية


- لمَّا ذُكِرَ مِن شأني الَّذي ذُكِرَ وما عَلِمْتُ بِهِ، قامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فيَّ خطيبًا فتشَهَّدَ فحمِدَ اللَّهَ وأثنَى علَيهِ بما هوَ أَهْلُهُ ثمَّ قالَ : أمَّا بعدُ : أشيروا علَيَّ في أُناسٍ أبَنوا أَهْلي واللَّهِ ما عَلِمْتُ علَى أَهْلي مِن سوءٍ قطُّ وأبَنوا بمَن واللَّهِ ما عَلِمْتُ علَيهِ من سوءٍ قطُّ ولَا دخلَ بَيتي قطُّ إلَّا وأَنا حاضرٌ ولَا غِبتُ في سفرٍ إلَّا غابَ معي، فقامَ سعدُ بنُ مُعاذٍ فقالَ : ائذَنْ لي يا رسولَ اللَّهِ أن أضربَ أعناقَهُم، وقامَ رجلٌ من الخزرجِ وَكانتْ أمُّ حسَّانَ بنِ ثابتٍ من رَهْطِ ذلِكَ الرَّجلِ، فقالَ : كذبتَ، أما واللَّهِ أن لَو كانوا منَ الأوسِ ما أحببْتَ أن تُضرَبَ أعناقُهُم حتَّى كادَ أن يَكونَ بينَ الأوسِ والخزرجِ شرٌّ في المسجدِ وما عَلِمْتُ بِهِ، فلمَّا كانَ مساءُ ذلِكَ اليومِ خرجتُ لبعضِ حاجَتي ومعي أُمُّ مِسطَحٍ فعثرَتْ، فقالَت : تعِسَ مِسطَحٌ، فقلتُ لَها : أيْ أُمُّ تَسُبِّينَ ابنَكِ ؟ فسَكَتتْ، ثمَّ عثرَتِ الثَّانيةَ فقالَت : تعِسَ مِسطَحٌ، فقلتُ لَها : أيْ أُمُّ تَسُبِّينَ ابنَكِ ؟ فسَكَتتْ، ثمَّ عثرَتِ الثَّالثةَ فقالَت : تعِسَ مِسطَحٌ فانتَهَرتُها، فقلتُ لَها : أيْ أُمُّ تَسُبِّينَ ابنَكِ ؟ فقالَت : واللَّهِ ما أسُبُّهُ إلَّا فيكِ، فقلتُ : في أيِّ شأني ؟ قالت : فبقَرَتْ الحديثَ، وقلتُ قد كانَ هذا ؟ قالت : نعم، واللَّهِِ لقد رجعتُ إلى بَيتي وَكَأنَّ الَّذي خرجتُ لَهُ لم أخرُجْ. لَا أجدُ منهُ قليلًا ولَا كثيرًا، وَوُعِكْتُ، فقلتُ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : أرسِلْني إلى بيتِ أبي، فأرسلَ معي الغُلامَ، فدخلتُ الدَّارَ، فوجدتُ أُمَّ رومانَ في السُّفلِ وأبو بكرٍ فَوقَ البيتِ يقرأُ، فقالَت أُمِّي : ما جاءَ بِكِ يا بُنَيَّةُ ؟ قالت : فأخبرتُها، وذَكَرتُ لَها الحديثَ، فإذا هوَ لم يبلُغْ مِنها ما بلغَ منِّي، فقالَت : يا بُنَيَّةُ خَفِّفي علَيكِ الشَّأنَ، فإنَّهُ واللَّهِ لقلَّما كانت امرأةٌ حَسناءُ عندَ رجلٍ يحبُّها، لَها ضرائرُ إلَّا حسدنَها وقيلَ فيها، فإذا هيَ لم يبلُغْ مِنها ما بلغَ منِّي، قالت : قلتُ : وقد علِمَ بِهِ أبي ؟ قالت : نعم، قلتُ : ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ؟ قالت : نعم، واستعبَرْتُ وبَكَيتُ، فسمِعَ أبو بكرٍ صَوتي وَهوَ فَوقَ البيتِ يقرأُ فنزلَ فقالَ لأُمِّي : ما شأنُها ؟ قالت : بلغَها الَّذي ذُكِرَ مِن شأنِها، ففاضَتْ عَيناهُ، فقالَ : أقسَمتُ علَيكِ يا بُنَيَّةُ إلَّا رجِعْتِ إلى بَيتِكِ، فرجَعْتُ، ولقد جاءَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إلى بَيتي وسألَ عنِّي خادِمَتي فقالت : لَا واللَّهِ ما عَلِمْتُ علَيها عَيبًا إلَّا أنَّها كانت ترقُدُ حتَّى تدخُلَ الشَّاةُ فتأكُلَ خميرتَها أو عجينَتَها، وانتَهَرَها بعضُ أصحابِهِ فقالَ : أَصدِقي رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ حتَّى أسقطوا لَها بِهِ فقالت : سبحانَ اللَّهِ واللَّهِ ما عَلِمْتُ علَيها إلَّا ما يعلمُ الصَّائغُ علَى تبرِ الذَّهبِ الأحمرِ، فبلغَ الأمرُ ذلِكَ الرَّجلَ الَّذي قيلَ لَهُ، فقالَ : سبحانَ اللَّهِ، واللَّهِ ما كشفتُ كنفَ أُنثَى قطُّ، قالت عائشةُ : فقُتِلَ شَهيدًا في سبيلِ اللَّهِ، قالت : وأصبحَ أبَوايَ عندي فلمْ يزالَا عندي حتَّى دخلَ علَيَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وقد صلَّى العصرَ، ثمَّ دخلَ وقد اكتنفَ أبَوايَ عن يميني وعن شمالي، فتشَهَّدَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وحمِدَ اللَّهَ وأثنَى علَيهِ بما هوَ أهْلُهُ، ثمَّ قالَ : أمَّا بعدُ يا عائشةُ، إن كُنتِ قارفْتِ سوءًا أو ظلمْتِ فتوبي إلى اللَّهِ، فإنَّ اللَّهَ يقبلُ التَّوبةَ عن عبادِهِ، قالت : وقد جاءتْ امرأةٌ منَ الأنصارِ وَهيَ جالسةٌ بالبابِ، فقلتُ : ألَا تستَحْيي من هذِهِ المرأةِ أن تذكرَ شيئًا، ووعظَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فالتفَتُّ إلى أبي فقُلتُ : أَجِبْهُ، قالَ : فماذا أقولُ ؟ فالتفَتُّ إلى أُمِّي فقُلتُ : أجيبيهِ، قالت : أقولُ ماذا ؟ قالت : فلمَّا لم يُجيبا تشَهَّدتُ فحَمِدْتُ اللَّهَ وأثنَيتُ علَيهِ بما هوَ أهْلُهُ، ثمَّ قلتُ : أما واللَّهِ لئن قلتُ لَكُم إنِّي لم أفعلْ واللَّهُ يشهدُ إنِّي لصادقةٌ ما ذاكَ بنافِعي عندَكُم لي لقد تَكَلَّمتُمْ وأُشْرِبَتْ قلوبُكُم، ولئن قلتُ إنِّي قد فعلتُ واللَّهُ يعلمُ أنِّي لم أفعلْ لتقولُنَّ إنَّها قد باءتْ بِهِ علَى نفسِها، وإنِّي واللَّهِ ما أجدُ لي ولَكُم مثلًا. قالت : والتمستُ اسمَ يعقوبَ فلمْ أقدِرْ علَيهِ إلَّا أبا يوسفَ حينَ قالَ : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ قالت : وأُنْزِلَ علَى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ من ساعتِهِ، فسَكَتنا، فرُفِعَ عنهُ وإنِّي لأتبَيَّنُ السُّرورَ في وجهِهِ وَهوَ يمسحُ جبينَهُ ويقولُ : أبشِري يا عائشةُ، فقد أنزلَ اللَّهُ براءتَكِ قالت : فَكُنتُ أشدَّ ما كنتُ غضبًا، فقالَ لي أبَوايَ، قومي إليهِ، فقُلتُ : لَا واللَّهِ لَا أقومُ إليهِ ولَا أحمدُهُ ولَا أحمدُكُما، ولَكِن أحمدُ اللَّهَ الَّذي أنزلَ براءَتي، لقد سمِعتُموهُ فما أنكرتُموهُ ولَا غَيَّرتُموهُ، وَكانت عائشةُ تقولُ : أمَّا زينبُ بنتُ جَحشٍ فعصمَها اللَّهُ بدينِها فلم تقُلْ إلَّا خَيرًا، وأمَّا أُختُها حَمنَةُ فَهَلَكَتْ فيمَن هلَكَ، وَكانَ الَّذي يتَكَلَّمُ فيهِ مِسطَحٌ وحسَّانُ بنُ ثابتٍ والمُنافقُ عبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ وَكانَ يستَوشيهِ ويجمعُهُ، وَهوَ الَّذي تَولَّى كِبرَهُ منهُم هوَ وحَمنَةُ، قالت : فحلفَ أبو بكرٍ أن لَا ينفعَ مِسطَحًا بنافعةٍ أبدًا، فأنزلَ اللَّهُ تعالى هذِهِ الآيةَ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ يعني أبا بكرٍ، أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يعني مِسطَحًا، إلى قولِهِ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قالَ أبو بكرٍ : بلَى واللَّهِ يا ربَّنا، إنَّا لنحِبُّ أن تغفرَ لَنا، وعادَ لَهُ بما كانَ يصنعُ
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم : 3180
التخريج : أخرجه البخاري معلقاً (4757)، وأخرجه موصولاً مسلم (2770)، والترمذي (3180) واللفظ له، وأحمد (24317)
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة النور توبة - حادثة الإفك قرآن - أسباب النزول مناقب وفضائل - صفوان بن المعطل مناقب وفضائل - عائشة بنت أبي بكر الصديق
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه

أصول الحديث:


[صحيح البخاري] (6/ 107)
((‌4757- وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن عائشة قالت: لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطيبا فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد؛ أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي، وايم الله ما علمت على أهلي من سوء، وأبنوهم بمن، والله ما علمت عليه من سوء قط، ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي، فقام سعد بن معاذ فقال: ائذن لي يا رسول الله أن نضرب أعناقهم، وقام رجل من بني الخزرج وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل فقال: كذبت، أما والله أن لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم، حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد وما علمت، فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح فعثرت وقالت: تعس مسطح، فقلت: أي أم، تسبين ابنك، وسكتت ثم عثرت الثانية، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: تسبين ابنك؟ ثم عثرت الثالثة فقالت: تعس مسطح، فانتهرتها، فقالت: والله ما أسبه إلا فيك، فقلت: في أي شأني؟ قالت: فبقرت لي الحديث، فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله، فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلا ولا كثيرا، ووعكت، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار فوجدت أم رومان في السفل وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت أمي: ما جاء بك يا بنية، فأخبرتها وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني، فقالت: يا بنية، خفضي عليك الشأن، فإنه والله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا حسدنها، وقيل فيها، وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ مني، قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم، قلت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه. قال: أقسمت عليك أي بنية إلا رجعت إلى بيتك، فرجعت، ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فسأل عني خادمتي فقالت: لا والله ما علمت عليها عيبا، إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة، فتأكل خميرها أو عجينها، وانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان الله، والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر، وبلغ الأمر إلى ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله، والله ما كشفت كنف أنثى قط، قالت عائشة: فقتل شهيدا في سبيل الله، قالت: وأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى العصر، ثم دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، يا عائشة إن كنت قارفت سوءا أو ظلمت فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده، قالت: وقد جاءت امرأة من الأنصار فهي جالسة بالباب، فقلت: ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئا، فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفت إلى أبي، فقلت: أجبه، قال: فماذا أقول، فالتفت إلى أمي، فقلت: أجيبيه، فقالت: أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه، تشهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد؛ فوالله لئن قلت لكم: إني لم أفعل، والله عز وجل يشهد إني لصادقة، ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم، وإن قلت: إني فعلت، والله يعلم أني لم أفعل، لتقولن قد باءت به على نفسها، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا، والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إلا أبا يوسف حين قال: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}، وأنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساعته فسكتنا، فرفع عنه، وإني لأتبين السرور في وجهه، وهو يمسح جبينه، ويقول: أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك، قالت: وكنت أشد ما كنت غضبا، فقال لي أبواي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمده، ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه، وكانت عائشة تقول: أما زينب ابنة جحش فعصمها الله بدينها، فلم تقل إلا خيرا، وأما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك، وكان الذي يتكلم فيه مسطح وحسان بن ثابت والمنافق عبد الله بن أبي وهو الذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره منهم، هو وحمنة، قالت: فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا، فأنزل الله عز وجل: {ولا يأتل أولو الفضل منكم} إلى آخر الآية يعني أبا بكر {والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين} يعني مسطحا إلى قوله {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} حتى قال أبو بكر: بلى والله يا ربنا، إنا لنحب أن تغفر لنا، وعاد له بما كان يصنع)).

[صحيح مسلم] (4/ 2129 )
((56- (‌2770) حدثنا حبان بن موسى. أخبرنا عبد الله بن المبارك. أخبرنا يونس بن يزيد الأيلي. ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومحمد بن رافع وعبد بن حميد. (قال ابن رافع: حدثنا. وقال الآخران: أخبرنا) عبد الرزاق. أخبرنا معمر. والسياق حديث معمر من رواية عبد وابن رافع. قال يونس ومعمر. جميعا عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا. فبرأها الله مما قالوا. وكلهم حدثني طائفة من حديثها. وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض. وأثبت اقتصاصا. وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني. وبعض حديثهم يصدق بعضا. ذكروا؛ أن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيتهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج سهمي. فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل. فقمت حين آذنوا بالرحيل. فمشيت حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب. وهم يحسبون أني فيه. قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافا. لم يهبلن ولم يغشهن اللحم. إنما يأكلن العلقة من الطعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه. وكنت جارية حديثة السن. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيممت منزلي الذي كنت فيه. وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني، قد عرس من وراء الجيش فادلج. فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم. فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمرت وجهي بجلبابي. ووالله! ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتى أناخ راحلته. فوطئ على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الراحلة. حتى أتينا الجيش. بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة. فهلك من هلك في شأني. وكان الذي تولى كبره. عبد الله بن أبي بن سلول. فقدمنا المدينة. فاشتكيت، حين قدمنا المدينة، شهرا. والناس يفيضون في قول أهل الإفك. ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول ((كيف تيكم؟)) فذاك يريبني. ولا أشعر بالشر. حتى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع. وهو متبرزنا. ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه. وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف. وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي. حين فرغنا من شأننا. فعثرت أم مسطح في مرطها. فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبين رجلا قد شهد بدرا. قالت: أي هنتاه! أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت، فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلما رجعت إلى بيتي، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسلم ثم قال ((كيف تيكم؟)) قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت، وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه! ما يتحدث الناس؟ فقالت: يا بنية! هوني عليك. فوالله! لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر، إلا كثرن عليها. قالت قلت: سبحان الله! وقد تحدث الناس بهذا. قالت، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي. يستشيرهما في فراق أهله. قالت فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود. فقال: يا رسول الله! هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عليك. والنساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال ((أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟)) قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق! إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها، أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. فاستعذر من عبد الله بن أبي، ابن سلول. قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ((يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فوالله! ما علمت على أهلي إلا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلا معي)) فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله! إن كان في الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان رجلا صالحا. ولكن اجتهلته الحمية. فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله! لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله! لنقتلنه. فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيان الأوس والخزرج. حتى هموا أن يقتتلوا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم بكيت ليلتي المقبلة. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسلم ثم جلس. قالت ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال ((أما بعد. يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرئك الله. وإن كنت ألممت بذنب. فاستغفري الله وتوبي إليه. فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه)) قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. فقال: والله! ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: والله! ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت، وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني، والله! لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به. فإن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لا تصدقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة، لتصدقونني. وإني، والله! ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي. قالت وأنا، والله! حينئذ أعلم أني بريئة. وأن الله مبرئي ببراءتي. ولكن، والله! ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى. ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها. قالت: فوالله! ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي. حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، في اليوم الشات، من ثقل القول الذي أنزل عليه. قالت، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال ((أبشري. يا عائشة! أما الله فقد برأك))فقالت لي أمي: قومي إليه. فقلت: والله! لا أقوم إليه. ولا أحمد إلا الله. هو الذي أنزل براءتي. قالت فأنزل الله عز وجل: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} [24 /النور /11] عشر آيات. فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات براءتي. قالت فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله! لا أنفق عليه شيئا أبدا. بعد الذي قال لعائشة. فأنزل الله عز وجل: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى} [24 /النور /22] إلى قوله: {ألا تحبون أن يغفر الله لكم}. قال حبان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله! إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش، زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري ((ما علمت؟ أو ما رأيت؟)) فقالت: يا رسول الله! أحمي سمعي وبصري. والله! ما علمت إلا خيرا. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. فعصمها الله بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت حجش تحارب لها. فهلكت فيمن هلك. قال الزهري: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط. وقال في حديث يونس: احتملته الحمية)). 57- (2770) وحدثني أبو الربيع العتكي. حدثنا فليح بن سليمان. ح وحدثنا الحسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد. قالا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد. حدثنا أبي عن صالح بن كيسان. كلاهما عن الزهري. بمثل حديث يونس ومعمر. بإسنادهما. وفي حديث فليح: اجتهلته الحمية. كما قال معمر. وفي حديث صالح: احتملته الحمية كقول يونس. وزاد في حديث صالح: قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان. وتقول: فإنه قال فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء وزاد أيضا: قال عروة: قالت عائشة: والله! إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: سبحان الله! فوالذي نفسي بيده! ما كشفت عن كنف أنثى قط. قالت ثم قتل بعد ذلك شهيدا في سبيل الله. وفي حديث يعقوب بن إبراهيم: موغرين في نحر الظهيرة. وقال عبد الرزاق: موغرين. قال عبد بن حميد: قلت لعبد الرزاق: ما قوله موغرين؟ قال: الوغرة شدة الحر. 58- (2770) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء. قالا: حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت لما ذكر من شأني الذي ذكر، وما علمت به، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فتشهد. فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله. ثم قال ((أما بعد. أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي. وايم الله! ما علمت على أهلي من سوء قط. وأبنوهم، بمن، والله! ما علمت عليه من سوء قط. ولا دخل بيتي قط إلا وأنا حاضر. ولا غبت في سفر إلا غاب معي)). وساق الحديث بقصته. وفيه: ولقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فسأل جاريتي. فقالت: والله! ما علمت عليها عيبا، إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل عجينها. أو قالت خميرها (شك هشام) فانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى أسقطوا لها به. فقالت: سبحان الله! والله! ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر. وقد بلغ الأمر ذلك الرجل الذي قيل له. فقال: سبحان الله! والله! ما كشفت عن كنف أنثى قط. قالت عائشة: وقتل شهيدا في سبيل الله. وفيه أيضا من الزيادة: وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان. وأما المنافق عبد الله ابن أبي فهو الذي كان يستوشيه ويجمعه. وهو الذي تولى كبره، وحمنة.

[سنن الترمذي] (5/ 332)
‌3180- حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي، عن عائشة، قالت لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطيبا فتشهد وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: (( أما بعد: أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي والله ما علمت على أهلي من سوء قط وأبنوا بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ولا دخل بيتي قط إلا وأنا حاضر ولا غبت في سفر إلا غاب معي))، فقام سعد بن معاذ فقال: ائذن لي يا رسول الله أن أضرب أعناقهم، وقام رجل من بني الخزرج وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل، فقال: كذبت، أما والله أن لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد وما علمت به، فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح فعثرت، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: أي أم تسبين ابنك؟ فسكتت، ثم عثرت الثانية فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: أي أم تسبين ابنك؟ فسكتت، ثم عثرت الثالثة فقالت: تعس مسطح فانتهرتها، فقلت لها: أي أم تسبين ابنك؟ فقالت: والله ما أسبه إلا فيك، فقلت: في أي شيء؟ قالت: فبقرت لي الحديث، قلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم، والله لقد رجعت إلى بيتي وكأن الذي خرجت له لم أخرج. لا أجد منه قليلا ولا كثيرا، ووعكت، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار، فوجدت أم رومان في السفل وأبو بكر فوق البيت يقرأ، فقالت أمي: ما جاء بك يا بنية؟ قالت: فأخبرتها، وذكرت لها الحديث، فإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ مني، قالت: يا بنية خففي عليك الشأن، فإنه والله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها، لها ضرائر إلا حسدنها وقيل فيها، فإذا هي لم يبلغ منها ما بلغ مني، قالت: قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم، قلت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، واستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك، فرجعت، ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتي فسأل عني خادمتي فقالت: لا والله ما علمت عليها عيبا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرتها أو عجينتها، وانتهرها بعض أصحابه فقال: أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان الله والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر، فبلغ الأمر ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله، والله ما كشفت كنف أنثى قط، قالت عائشة: فقتل شهيدا في سبيل الله، قالت: وأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى العصر، ثم دخل وقد اكتنف أبواي عن يميني وعن شمالي، فتشهد النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: ((أما بعد يا عائشة، إن كنت قارفت سوءا أو ظلمت فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده))، قالت: وقد جاءت امرأة من الأنصار وهي جالسة بالباب، فقلت: ألا تستحيي من هذه المرأة أن تذكر شيئا، فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفت إلى أبي فقلت: أجبه، قال: فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت: أجيبيه، قالت: أقول ماذا؟ قالت: فلما لم يجيبا تشهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما والله لئن قلت لكم إني لم أفعل والله يشهد إني لصادقة ما ذاك بنافعي عندكم لي لقد تكلمتم وأشربت قلوبكم، ولئن قلت إني قد فعلت والله يعلم أني لم أفعل لتقولن إنها قد باءت به على نفسها، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا. قالت: والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إلا أبا يوسف حين قال: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18] قالت: وأنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساعته، فسكتنا، فرفع عنه وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه ويقول: ((أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك)) قالت: وكنت أشد ما كنت غضبا، فقال لي أبواي، قومي إليه، فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه، وكانت عائشة تقول: أما زينب بنت جحش فعصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيرا، وأما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك، وكان الذي يتكلم فيه مسطح وحسان بن ثابت والمنافق عبد الله بن أبي، وهو الذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة، قالت: فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا، فأنزل الله تعالى هذه الآية ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة إلى آخر الآية- يعني أبا بكر- {أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله} [النور: 22]- يعني مسطحا- إلى قوله {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور: 22] قال أبو بكر: بلى والله يا ربنا، إنا لنحب أن تغفر لنا، وعاد له بما كان يصنع. هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث هشام بن عروة، وقد رواه يونس بن يزيد، ومعمر، وغير واحد عن الزهري، عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عبد الله، عن عائشة، هذا الحديث أطول من حديث هشام بن عروة وأتم.

[مسند أحمد] (40/ 368 ط الرسالة)
((‌24317- حدثنا أبو أسامة، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطيبا وما علمت به، فتشهد، فحمد الله عز وجل، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: (( أما بعد أشيروا علي في ناس أبنوا أهلي، وايم الله ما علمت على أهلي سوءا قط، وأبنوهم بمن؟ والله ما علمت عليه من سوء قط، ولا دخل بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي)). فقام سعد بن معاذ، فقال: نرى يا رسول الله أن تضرب أعناقهم. فقام رجل من بلخزرج- وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل- فقال: كذبت، أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم. حتى كادوا أن يكون بين الأوس والخزرج في المسجد شر، وما علمت به، فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح، فعثرت، فقالت: تعس مسطح. فقلت: علام تسبين ابنك؟ فسكتت، ثم عثرت الثانية، فقالت: تعس مسطح، فقلت: علام تسبين ابنك؟ ثم عثرت الثالثة، فقالت: تعس مسطح. فانتهرتها، فقلت: علام تسبين ابنك؟ فقالت: والله ما أسبه إلا فيك. فقلت: في أي شأني؟ فذكرت لي الحديث فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله. فرجعت إلى بيتي، لكأن الذي خرجت له لم أخرج له لا أجد منه قليلا ولا كثيرا، ووعكت، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني إلى بيت أبي. فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار، فإذا أنا بأم رومان، فقالت: ما جاء بك يا بنية؟ فأخبرتها، فقالت: خفضي عليك الشأن، فإنه والله لقلما كانت امرأة جميلة تكون عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا حسدنها وقلن فيها. قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم. قلت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستعبرت، فبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل، فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذكر من أمرها، ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك. فرجعت وأصبح أبواي عندي، فلم يزالا عندي، حتى دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي، فتشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: (( أما بعد، يا عائشة، إن كنت قارفت سوءا أو ظلمت توبي إلى الله عز وجل، فإن الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده)). وقد جاءت امرأة من الأنصار، فهي جالسة بالباب، فقلت: ألا تستحي من هذه المرأة أن تقول شيئا، فقلت لأبي: أجبه. فقال: أقول ماذا. فقلت لأمي: أجيبيه، فقالت: أقول ماذا. فلما لم يجيباه، تشهدت، فحمدت الله عز وجل، وأثنيت عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد، فوالله لئن قلت لكم: إني لم أفعل- والله جل جلاله يشهد إني لصادقة- ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم، ولئن قلت لكم: إني قد فعلت- والله عز وجل يعلم أني لم أفعل- لتقولن قد باءت به على نفسها، فإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف وما أحفظ اسمه: صبر جميل والله المستعان على ما تصفون. فأنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعتئذ، فرفع عنه، وإني لأستبين السرور في وجهه، وهو يمسح جبينه، وهو يقول: (( أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله عز وجل براءتك)) فكنت أشد ما كنت غضبا. فقال لي أبواي: قومي إليه. قلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي. ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي، فسأل الجارية عني؟ فقالت: لا والله، ما أعلم عليها عيبا إلا أنها كانت تنام حتى تدخل الشاة فتأكل خميرتها أو عجينتها- شك هشام- فانتهرها بعض أصحابه، وقال: اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أسقطوا لها به- قال عروة: فعيب ذلك على من قاله- فقالت: لا والله، ما أعلم عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر. وبلغ ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله، والله ما كشفت كنف أنثى قط، فقتل شهيدا في سبيل الله. قالت عائشة: فأما زينب بنت جحش فعصمها الله عز وجل بدينها، فلم تقل إلا خيرا، وأما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك، وكان الذين تكلموا فيه: المنافق عبد الله بن أبي، كان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره منهم، ومسطح، وحسان بن ثابت، فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا، فأنزل الله عز وجل: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة} يعني: أبا بكر {أن يؤتوا أولي القربى والمساكين} يعني: مسطحا {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور: 22]، فقال أبو بكر: بلى والله، إنا لنحب أن تغفر لنا. وعاد أبو بكر لمسطح بما كان يصنع به)).