الموسوعة الحديثية


- بينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حلقةٍ من أصحابِه، إذ قال : ليصلِّينَّ معكم غدا رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ. قال أبو هريرةَ : فطمِعتُ أن أكونَ أنا ذلك الرَّجلَ، فغدوْتُ فصلَّيتُ خلف النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأقمتُ في المسجدِ حتَّى انصرف النَّاسُ وبقيتُ وهو، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجلٌ أسودُ متَّزرٌ بخرقةٍ، مرْتدٍ برُقعةٍ، فجاء حتَّى وضع يدَه في يدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثمَّ قال : يا نبيَّ اللهِ ! ادْعُ اللهَ لي. فدعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له بالشَّهادةِ، وإنَّا لنجدُ منه ريحَ المسكِ الأذفرِ ، فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ! أهو هو ؟ قال : نعم. إنَّه لمملوكٌ لبني فلانٍ، قلتُ : أفلا تشتريه فتعتقَه يا نبيَّ اللهِ ؟ قال : وأنَّى لي ذلك إن كان اللهُ تعالَى يريدُ أن يجعلَه من ملوكِ الجنَّةِ، يا أبا هريرةَ ! إنَّ لأهلِ الجنَّةِ ملوكًا وسادةً، وإنَّ هذا الأسودَ أصبح من ملوكِ الجنَّةِ وسادتِهم، يا أبا هريرةَ ! إنَّ اللهَ تعالَى يحبُّ من خلقِه الأصفياءَ الأخفياءَ الأبرياءَ الشَّعثةَ رؤوسُهم، المُغْبرَّةَ وجوهُهم، الخمِصةَ بطونُهم إلَّا من كسبِ الحلالِ، الَّذين إذا استأذنوا على الأمراءِ لم يُؤذنْ لهم، وإن خطبوا المتنعِّماتِ لم يُنكحوا، وإن غابوا لم يُفتقدوا، وإن حضروا لم يُدعَوْا، وإن طلعوا لم يُفرحْ بطلعتِهم، وإن مرِضوا لم يُعادوا، وإن ماتوا لم يُشهدوا. قالوا : يا رسولَ اللهِ ! كيف لنا برجلٍ منهم ؟ قال : ذاك أُويسٌ القَرنيُّ. قالوا : وما أُويسٌ القَرنيُّ ؟ قال : أشهلُ ذو صهوبةٍ، بعيد ما بين المنكِبَيْن، معتدلُ القامةِ، آدمُ شديدُ الأدمةِ ، ضاربٌ بذقنِه إلى صدرِه، رامٍ بذقنِه موضعَ سجودِه، واضعٌ يمينَه على شمالِه، يتلو القرآنَ يبكي على نفسِه، ذو طِمرَيْن لا يُؤبَهُ له ، مُتَّزِرٌ بإزارِ صوفٍ، ورداءِ صوفٍ، مجهولٌ في أهلِ الأرضِ معروفٌ في أهلِ السَّماءِ، لو أقسم على اللهِ لأبرَّ قسمَه، ألا وإنَّ تحت منكبِه الأيسرِ لمعةً بيضاءَ، ألا وإنَّه إذا كان يومُ القيامةِ قيل للعبادِ : ادخلوا الجنَّةَ، ويُقالُ لأويسٍ : قفْ فاشفعْ. فيشفعُ اللهُ عزَّ وجلَّ في مثلِ عددِ ربيعةَ ومُضَرَ، يا عمرُ ! ويا عليُّ ! إذا أنتما لقيتماه فاطلُبا إليه أن يستغفرَ لكما يغفرِ اللهُ تعالَى لكما. قال : فمكثا يطلُبانه عشرَ سنين لا يقدِران عليه، فلمَّا كان في آخرِ سنةٍ الَّتي هلك فيها عمرُ في ذلك العامِ قام على أبي قُبَيسٍ فنادَى بأعلَى صوتِه : يا أهلَ الحجيجِ من أهلِ اليمنِ ! أفيكم أُويسٌ من مُرادٍ ؟ فقام شيخٌ كبيرٌ طويلُ اللِّحيةِ فقال : إنَّا لا ندري ما أويسٌ ؟ ولكنَّ ابنَ أخٍ لي يُقالُ له : أُويسٌ، وهو أخملُ ذِكْرًا، وأقلُّ مالًا، وأهونُ أمرًا من أن نرفعَه إليك، وإنَّه ليرعَى إبلَنا، حقيرٌ بين أظهُرِنا، فعمَّى عليه عمرُ كأنَّه لا يريدُه، قال : أين ابنُ أخيك هذا، أبحرَمِنا هو ؟ قال : نعم. قال : وأين يُصابُ ؟ قال : بأراكِ عرفاتٍ، قال : فركِب عمرُ وعليٌّ سِراعًا إلى عرفاتٍ فإذا هو قائمٌ يُصلِّي إلى شجرةٍ والإبلُ حوله ترعَى، فشدَّا حمارَيْهما ثمَّ أقبلا إليه، فقالا : السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ ، فخفَّف أُويسٌ الصَّلاةَ ثمَّ قال : السَّلامُ عليكما ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، قالا : من الرَّجلُ ؟ قال : راعي إبلٍ وأجيرُ قومٍ، قالا : لسنا نسألُك عن الرِّعايةِ ولا الإجارةِ؛ ما اسمُك ؟ قال : عبدُ اللهِ، قالا : قد علِمنا أنَّ أهلَ السَّماواتِ والأرضِ كلُّهم عبيدُ اللهِ، فما اسمُك الَّذي سمَّتك أمُّك ؟ قال : يا هذان ! ما تريدان إليَّ ؟ قالا : وصف لنا محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُويسًا القَرنيَّ، فقد عرَّفنا الصُّهوبةَ والشُّهولةَ، وأخبرنا أن تحت منكبِك الأيسرِ لمعةً بيضاءَ فأوضِحْها لنا، فإن كان بك فأنت هو. فأوضح منكبَه فإذا اللَّمعةُ، فابتدراه يُقبِّلانه، قالا : نشهدُ أنَّك أُويسٌ القَرنيُّ، فاستغفِرْ لنا يغفرِ اللهُ لك، قال : ما أخصُّ باستغفاري نفسي ولا أحدًا من ولدِ آدمَ، ولكنَّه من في البرِّ والبحرِ، في المؤمنين والمؤمناتِ، والمسلمين والمسلماتِ، يا هذان ! قد أشهر اللهُ لكما حالي وعرَّفكما أمري فمن أنتما ؟ قال عليٌّ رضِي اللهُ عنه : أمَّا هذا فعمرُ أميرُ المؤمنين، وأمَّا أنا فعليُّ بنُ أبي طالبٍ، فاستوَى أُويسٌ قائمًا وقال : السَّلامُ عليك يا أميرَ المؤمنين ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وأنت يا بنَ أبي طالبٍ، فجزاكما اللهُ من هذه الأمَّةِ خيرًا، قال : وأنت جزاك اللهُ من نفسِك خيرًا، فقال له عمرُ : مكانَك يرحمْك اللهُ حتَّى أدخلَ مكَّةَ فآتيك بنفقةٍ من عطائي، وفضلَ كسوةٍ من ثيابي، هذا المكانُ ميعادُ بيني وبينك، قال : يا أميرَ المؤمنين ! لا ميعادَ بيني وبينك، لا أراك بعد اليومِ تعرفُني، ما أصنعُ بالنَّفقةِ ؟ ما أصنعُ بالكسوةِ ؟ أما ترَى أن نعلَيَّ مخصوفتان متَى تُراني أبليهما ؟ أما تراني أنِّي قد أخذتُ من رعايتي أربعةَ دراهمَ، متى تُراني آكلُها ؟ يا أميرَ المؤمنين ! إنَّ بين يدي ويدِك عقبةً كئودًا لا يجاوزُها إلَّا ضامرٌ مُخفٌّ مهزولٌ، فأخِفَّ يرحمْك اللهُ. فلمَّا سمِع عمرُ ذلك من كلامِه ضرب بدِرَّتِه الأرضَ، ثمَّ نادَى بأعلَى صوتِه : ألا ليت أنَّ أمَّ عمرَ لم تلدْه، يا ليتها كانت عاقرًا لم تعالِجْ حملَها، ألا من يأخذُها بما فيها ؟ ثمَّ قال : يا أميرَ المؤمنين ! خذْ أنت ها هنا حتَّى آخذَ أنا ها هنا، فولَّى عمرُ ناحيةَ مكَّةَ وساق أُويسٌ إبلَه فوافَى القومَ إبلَهم، وخلَّى عن الرِّعايةِ وأقبل على العبادةِ حتَّى لحِق باللهِ عزَّ وجلَّ
خلاصة حكم المحدث : تفرد به مجالد، وفيه ألفاظ رواها الضحاك لم يتابعه عليها أحد
الراوي : أبو هريرة | المحدث : أبو نعيم | المصدر : حلية الأولياء الصفحة أو الرقم : 2/97
التخريج : أخرجه ابن عساكر (9/ 423)، والرافعي في ((التدوين في أخبار قزوين)) (1/ 91) واللفظ لهما.
التصنيف الموضوعي: إجارة - الحث على الحلال واجتناب الحرام زينة اللباس - التواضع في اللباس قيامة - الشفاعة مناقب وفضائل - أويس القرني أدعية وأذكار - طلب الدعاء

أصول الحديث:


[حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - ط السعادة] (2/ 81)
: الحراني ثنا محمد بن إبراهيم بن عبيد حدثني مجالد بن يزيد عن نوفل بن عبد الله عن الضحاك بن مزاحم عن أبي هريرة. قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقة من أصحابه إذ قال: ‌ليصلين ‌معكم ‌غدا ‌رجل ‌من أهل الجنة قال أبو هريرة فطمعت أن أكون أنا ذلك الرجل، فغدوت فصليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فأقمت في المسجد حتى انصرف الناس وبقيت أنا وهو، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل أسود متزر بخرقة، مرتد برقعة، فجاء حتى وضع يده في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا نبي الله ادع الله لي، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم له بالشهادة وإنا لنجد منه ريح المسك الأذفر، فقلت يا رسول الله أهو هو؟ قال نعم! إنه لمملوك لبني فلان قلت أفلا تشتريه فتعتقه يا نبي الله؟ قال وأنى لي ذلك، إن كان الله تعالى يريد أن يجعله من ملوك الجنة يا أبا هريرة، إن لأهل الجنة ملوكا وسادة، وإن هذا الأسود أصبح من ملوك الجنة وسادتهم يا أبا هريرة إن الله تعالى يحب من خلفه الأصفياء الأخفياء الأبرياء الشعثة رءوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم إلا من كسب الحلال، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا قالوا يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال: ذاك أويس القرني قالوا وما أويس القرنى؟ قال أشهل ذا صهوبة، بعيد ما بين المنكبين معتدل القامة، آدم شديد الأدمة، ضارب بذقنه إلى صدره، رام بذقنه إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلو القرآن يبكي على نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، متزر بإزار صوف، ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض، معروف في أهل السماء، لو أقسم على الله لأبر قسمه، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد ادخلوا الجنة، ويقال لأويس: قف فاشفع فيشفع الله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومضر، يا عمر ويا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما يغفر الله تعالى لكما قال فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر في ذلك العام قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته، يا أهل الحجيج من أهل اليمن؛ أفيكم أويس من مراد؟ فقام شيخ كبير طويل اللحية فقال: إنا لا ندري ما أويس؟ ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكرا؛ وأقل مالا، وأهون أمرا من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعى إبلنا، حقير بين أظهرنا، فعمى عليه عمر كأنه لا يريده. قال: أين ابن أخيك هذا أبحرمنا هو؟ قال نعم! قال وأين يصاب؟ قال: بأراك عرفات، قال فركب عمر وعلي سراعا إلى عرفات فإذا هو قائم يصلى إلى شجرة والإبل حوله ترعى؛ فشدا حماريهما ثم أقبلا إليه فقالا: السلام عليك ورحمة الله؛ فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله وبركاته. قالا: من الرجل؟ قال راعي إبل وأجير قوم. قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا الإجارة؛ ما اسمك؟ قال: عبد الله. قالا: قد علمنا أن أهل السموات والأرض كلهم عبيد الله فما اسمك الذي سمتك أمك؟ قال: يا هذان ما تريدان إلي. قالا: وصف لنا محمد صلى الله عليه وسلم أويسا القرني فقد عرفنا الصهوبة والشهولة؛ وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا؛ فإن كان بك فأنت هو. فأوضح منكبه فاذا اللمعة فابتدراه يقبلانه. قالا: نشهد أنك أويس القرني؛ فاستغفر لنا يغفر الله لك. قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحدا من ولد آدم؛ ولكنه في البر والبحر؛ في المؤمنين والمؤمنات؛ والمسلمين والمسلمات؛ يا هذان قد أشهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما! قال علي رضي الله عنه: أما هذا فعمر أمير المؤمنين وأما أنا فعلي بن أبي طالب. فاستوى أويس قائما وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته؛ وأنت يا ابن أبى طالب فجزا كما الله عن هذه الأمة خيرا قالا: وأنت جزاك الله عن نفسك خيرا؛ فقال له عمر: مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي، وفضل كسوة من ثيابي هذا المكان ميعاد بيني وبينك. قال: يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم تعرفني، ما أصنع بالنفقة؟ ما أصنع بالكسوة؟ أما ترى على إزارا من صوف، ورداء من صوف، متى ترانى أخرقهما. أما ترى أن نعلى مخصوفتان متى تراني أبليهما؟ أما تراني إني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن [[بين]] يدى ويديك عقبة كئودا لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول، فأخف يرحمك الله. فلما سمع عمر ذلك من كلامه ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته ألا ليت أن أم عمر لم تلده يا ليتها كانت عاقرا لم تعالج حملها، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟ ثم قال يا أمير المؤمنين خذ أنت هاهنا حتى آخذ أنا هاهنا، فولى عمر ناحية مكة وساق أويس ابله فوافى القوم إبلهم وخلى عن الرعاية وأقبل على العبادة حتى لحق بالله عز وجل. فهذا ما أتانا عن أويس خير التابعين. قال: سلمة بن شبيب: كتبنا غير حديث في قصة أويس ما كتبنا أتم منه.

[تاريخ دمشق لابن عساكر] (9/ 423)
: أخبرناه أبو إسماعيل سهل بن سعدوية أنا أبو الفضل الرازي أنا جعفر بن عبد الله حدثنا محمد بن هارون الروياني حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا الوليد بن إسماعيل الحراني حدثنا محمد بن إبراهيم بن عبيد حدثنا مخلد بن يزيد عن نوفل بن عبد الله عن الضحاك بن مزاحم عن أبي هريرة قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقة من أصحابه إذ قال ‌ليصلين ‌معكم ‌غدا ‌رجل ‌من أهل الجنة قال أبو هريرة فطمعت أن أكون أنا ذلك فغدوت وصليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقمت في المسجد حتى أنصرف الناس وبقيت أنا وهو فبينما نحن كذلك إذ أقبل رجل اسود متزر بخرقة مرتد بقباطي حتى وضع يده في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا نبي الله ادع الله لي فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهادة وإنا لنجمنه ريح المسك الآذقر فقلت يا رسول الله أهو هو قال نعم وإنه لمملوك بني فلا فقلت ألا تشتريه فتعتقه يا نبي الله قال وأرى ذلك أن كان الله يريد أن يجعله مملوك أهل الجنة يا أبا هريرة إن لأهل الجنة ملوكا وسادة وإن هذا الأسود أصبح من ملوك أهل الجنة وسادتهم يا أبا هريرة إن الله يحب من خلقه الأصفياء الأتقياء الشعثة رؤوسهم المغبرة وجوههم الخمصة بطونهم من كسب الحلال الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا وإن غابوا لم يفتقدوا وإن حضروا لم يدعوا وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم وإن مرضوا لم يعادوا وإن ماتوا لم يشهدوا قالوا يا رسول الله كيف لنا برجل منهم قال ذاك أويس القرني قالوا وما أويس القرني قال أشهل ذو صهوبة بعيد ما بين المنكبين معتدل القامة آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه إلى صدره رام ببصره موضع سجوده واضع يمينه على شماله يتلوا القرآن يبكي على نفسه ذو طمرين لا يؤبه له متزر بإزار صوف ورداء تحت منكبه لمعه بيضاء ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد ادخلوا الجنة ويقال لأويس قف لتشفع فيشفعه الله في مثل عدد ربيعة ومضر يا عمر ويا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما يغفر الله لكما قال فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه فلما كان في آخر سنة قبض فيها عمر في ذلك العام صعد على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته يا أهل الحجيج من أهل اليمن أفيكم أويس القرني فقال شيخ طويل كبير طويل اللحية فقال إنا لا ندري ما أويس ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكرا وأقل مالا وأهون أمرا فينا نرفعه إليك وإنه ليرعى إبلنا حقيرا بين أظهرنا فعمى عليه عمر كأنه لا يريده فقال ابن أخيك هذا بحرمنا هو قال نعم قال وأين يصاب قال بأراك عرفات قال فركب عمر وعلي سراعا إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى فشدا حماريهما ثم أقبلا إليه فقالا السلام عليك ورحمة الله فخفف أويس الصلاة ثم قال السلام عليكما ورحمة الله وبركاته قالا من الرجل قال راعي إبل وأجير لقوم قالا لسنا نسألك عن الرعاية ولا عن الإجارة قالا ما اسمك قال عبد الله قالا قد علمنا أن أهل السموات والله كلهم عبيد الله فما اسمك الذي سمتك أمك قال يا هذان ما تريدان إلى هذا قالا وصف لنا محمد صلى الله عليه وسلم أويس القرني فقد عرفنا الصهوبة والشهولة وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا فإن كانت بك فأنت هو فأوضح منكبة فإذا اللمعة فابتدراه يقبلانه وقالا نشهد أنك أويس القرني فاستغفر لنا يغفر الله لك قال ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحدا من ولد آدم ولكنه في البر والبحر في المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما فقال علي أنا علي بن أبي طالب وهذا عمر أمير المؤمنين فاستوى أويس قائما فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فجزاكم الله عن هذه الأمة خيرا وقالا وأنت فجزاك الله عن نفسك خير الجزاء فقال له عمر مكانك حتى أدخل مكة فأتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي هذا المكان ميعاد بيني وبينك قال يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك ولا أعرفك بعد اليوم ما أصنع بالنفقة ما أصنع بالكسوة أما ترى علي إزار من صوف ورداء من صوف متى تراني أخرقهما أما ترى أن نعلي مخصوفتان متى ترى أبليهما أما تراني أنقد أخذت من رعايتي أربعة دراهم متى تراني آكلها يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويديك عقبة كؤودا لا يجاوزها إلا ضامر مخفف مهزول فأخف عني رحمك الله فلما سمع ذلك عمر من كلامه ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته ألا ليت أن عمر لم تلد أمه يا ليتها كانت عاقرا لم تعالج حمله ألا من يأخذها بما فيها ولها قال أويس من جدع الله أنفه ثم قال يا أمير المؤمنين خذ أنت ها هنا وآخذ أنا ها هنا فولى عمر ناحية مكة وساق أويس إبله فوافى القوم إبلهم وخلى عن الرعي وأقبل على العبادة حتى لحق بالله فهذا ما أتانا عن أويس القرني سيد التابعين

[التدوين في أخبار قزوين] (1/ 91)
: روى لنا غير واحد عن الحسن بن أحمد عن أبي نعيم ثنا أبي حامد ابن محمود ثنا سلمة بن شبيب ثنا الوليد بن إسماعيل الحراني ثنا محمد بن إبراهيم بن عبيد حدثني مخلد بن يزيد عن نوفل بن عبد الله عن الضحاك ابن مزاحم عن أبي هريرة قال: بيننا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في حلقة من أصحابه إذ قال: "‌ليصلين ‌معكم ‌غدا ‌رجل ‌من أهل الجنة". قال أبو هريرة: فطمعت أن أكون ذلك الرجل فغدوت فصليت خلف النبي فأقمت في المسجد حتى انصرف الناس وبقيت أنا وهو فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل أسود متزر بخرقة مرتد برقعة فجاء حتى وضع يده في يد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثم قال: يا نبي الله ادع لي فدعا له النبي بالشهادة وإنا لنجد منه ريح المسك الأذفر. فقلت: يا رسول أهو هو؟ قال: "نعم إنه مملوك بني فلان " قلت: أفلا تشتريه فتعتقه يا نبي الله؟ قال: "وأنى لي ذلك إن كان الله يريد أن يجعله من ملوك أهل الجنة يا أبا هريرة إن لأهل الجنة ملوكا وسادة وأن هذا الأسود أصبح من ملوك أهل الجنة وسادتهم يا أبا هريرة إن الله يحب من خلقه الأصفياء الشعثة رؤوسهم المغبرة وجوههم الخمصة بطونهم من كسب الحلال. الذي إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا وإن غابوا لم يفتقدوا وإن حضروا لم يدعوا وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم وإن مرضوا لم يعادوا وإن ماتوا لم يشهدوا" قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل؟ قال: "ذاك أويس القرني" قالوا: وما أويس القرني؟ قال: "أشهل ذو صهوبة بعيد ما بين المنكبين معتدل القامة آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه إلى صدره رام بصره إلى موضع سجوده واضع يمنيه على شماله يتلوا القرآن يبكي على نفسه ذو طمرين لا يؤبه له متزر بإزار من صوف ورداء من صوف مجهول في الأرض معروف في السماء لو أقسم على الله لأبر قسمه. ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء ألا وأنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد ادخلوا الجنة ويقال لأويس قف فاشفع فيشفعه الله في مثل عدد ربيعة ومضر يا عمر ويا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه يستغفر لكما". فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه فلما كان في آخر السنة التي توفي فيها عمر رضي الله عنه قام على أبي قيس فنادى بأعلى صوته يا أهل الحجيج من أهل اليمن أفيكم أويس من مراد. فقام شيخ كبير طويل اللحية فقال: أنا لا أدري ما أويس ولكن ابن أخ لي يقال له: أويس وهو أخمل ذكرا وأقل مالا وأهون أمرا من أن نرفعه إليك وأنه ليرعى إبلنا حقير بين أظهرنا فعمى عليه عمر كأنه لا يريد قال أين ابن أخيك هذا يخدمنا هو قال: نعم، قال: وأين نصاب؟ 1 قال: بأراك عرفات قال: فركب عمر وعلي رضي الله عنهما سراعا إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى فشدا حماريهما ثم أقبلا إليه فقالا السلام عليكم ورحمة الله. فخفف أويس الصلاة ثم قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قالا من الرجل؟ قال: راعي إبل وأجير قوم قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا عن الإجارة ما اسمك؟ قال: عبد الله قالا: علمنا أن أهل السموات والأرض كلهم عبيد الله فما اسمك الذي سمتك أمك؟ قال: يا هذان ما تريدان إلي؟ قالا: وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أويسا القرني فقد عرفنا الصهوبة والشهلة وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا فإن كان بك فأنت هو. فأوضح منكبه فإذا اللمعة فابتدراه يقبلانه وقالا: نشهد أنك أويس القرني فاستغفر لنا يغفر الله لك قال: ما أخص نفسي بالاستغفار ولا أحدا من ولد آدم ولكنه في البر والبحر في المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يا هذان قد أشهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما؟ قال علي: أما هذا أمير المؤمنين وأما أنا فعلي بن أبي طالب فاستوى أويس قائما. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وأنت يا ابن أبي طالب فجزاكما عن هذه الأمة خيرا قالا: وأنت فجزاك لله عن نفسك خيرا فقال عمر: مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي هذا المكان بيني وبينك فقال: يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك أراك بعد اليوم تعرفني ما أصنع بالنفقة ما أصنع بالكسوة. أما تراني على إزار من صوف ورداء من صوف متى تراني أخرقهما أما ترى أن نعلي مخصوفتان متى تراني أبليهما أما تراني قد أخذت. من رعايتي أربعة دراهم متى تراني آكلهما يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويديك عقبة كؤدا لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول فأخف يرحمك الله. فلما سمع ذلك من كلامه ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته ألا ليت أن أم عمر لم تلده يا ليتها كانت عاقرا لم تعالج حملها إلا من نأخذها بما فيها ولها ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت ما هنا حتى آخذ أنا هاهنا فولي عمر رضي الله عنه ناحية مكة وساق أويس إبله فوافى القوم إبلهم وخلى عن الرعاية وأقبل على العبادة حتى لحق بالله عز وجل فهذا ما أنا عن أويس خير التابعين. قال سلمة بن شبيب: كتبنا غير حديث في قصة أويس ما كتبنا أتم منه.