الموسوعة الحديثية


- أقبل رجلٌ من بني عامرٍ شيخٌ كبيرٌ يتوكَّأُ على عصاه حتَّى مثُل بين يدَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال يا محمَّدُ إنَّك تفوَّهُ بأمرٍ عظيمٍ تزعُمُ أنَّك رسولُ اللهِ أُرسِلت إلى النَّاسِ كما أُرسِل موسَى بنُ عمرانَ وعيسَى بنُ مريمَ والنَّبيُّون من قبلِهم وإنَّما أنت رجلٌ من العربِ ممَّن يعبدُ هذه الحجارةَ والتَّماثيلَ فما لك والنُّبوَّةِ وإنَّما النُّبوَّةُ من بيتَيْن من بيتِ خلافةٍ وبيتِ نبوَّةٍ ولستَ من هذا ولا هذا ولكن لكلِّ قولٍ حقيقةٌ ولكلِّ بُدوٍّ شأنٌ فحدِّثْني بحقيقةِ قولِك وبُدوِّ شأنِك قال وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حليمًا لا يجهَلُ فقال له يا أخا بني عامرٍ إنَّ للأمرِ الَّذي سألتَني عنه قصصًا ونبأً فاجلِسْ حتَّى أنبِئَك بحقيقةِ قولي وبُدوِّ شأني قال فجلس العامريُّ وتهافت العربُ حذْوًا بين يدَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّ والدي لمَّا بنَى بأمِّي حملت رأت فيما يرَى النَّائمُ أنَّ نورًا خرج من جوفِها فجعلت تُتِبعُه بصرَها حتَّى ملأ ما بين السَّماواتِ والأرضِ نورًا فقصَّت ذلك على حكيمةٍ من أهلِها فقالت لها واللهِ لئن صدقت رؤياك ليخرجنَّ من بطنِك غلامٌ يعلو ذِكرُه بين السَّماءِ والأرضِ وكان هذا الحيُّ من بني سعدِ بنِ هوازِنَ ينتابون نساءَ أهلِ مكَّةَ فيحضِنون أولادَهم وينتفِعون بخيرِهم وإنَّ أمِّي ولدتني في العامِ الَّذي قدِموا فيه وهلك والدي فكنتُ يتيمًا في حجرِ عمِّي أبي طالبٍ فأقبل النِّسوانُ يتدافعنني ويقلن ضرعُ صغيرٍ لا أبَ له فما عسينا أن ننتفعَ به من خيرِه وكانت فيهنَّ امرأةٌ يُقالُ لها أمُّ كبشةَ بنةُ الحارثِ فقالت واللهِ لا أنصرفُ عامي هذا خائبةً فأخذتني وألقتني على صدرِها فدرَّ لبنُها فحضَنتني فلمَّا بلغ ذلك عمِّي أبا طالبٍ أقطعها إبلًا ومُقطَعاتٍ من الثِّيابِ ولم يبقَ عمٌّ من عمومتي إلَّا أقطعها وكساها فلمَّا بلغ ذلك النِّسوانَ أقبلن إليها فقلن واللهِ يا أمَّ كبشةَ لو علِمنا بركةً تكونُ هكذا ما سبقتِنا إليه قال ثمَّ ترعرعتُ وكبِرتُ وقد بُغِّضت إليَّ أصنامُ قريشٍ والعربِ فلا أقربُها ولا آتيها حتَّى إذا كان بعد زمنٍ حتَّى خرجتُ بين أترابٍ لي من العربِ نتقاذفُ بالأجلَّةِ قال أبو عبدِ الملكِ يعني البعْرَ فإذا بثلاثةِ نفرٍ مُقبِلين معهم طِستٌ من ذهبٍ مملوءًا ثلجًا فقبضوا عليَّ من بين الغلمانِ فلمَّا رأَى ذلك الغلمانُ انطلقوا هِرابًا ثمَّ رجعوا فقالوا يا معشرَ النَّفرِ إنَّ هذا الغلامَ ليس منَّا ولا من العربِ وإنَّه لابنِ سيِّدِ قريشٍ وبيْضةِ المجدِ وما من حيٍّ من أحياءِ العربِ إلَّا لا يلِتْه في رقابِهم نعمةً مُجلَّلةً ولا يصنعوا بقتلِ هذا الغلامِ شيئًا فإن كنتم لا بدَّ قاتليه فخُذوا أحدَنا فاقتلوه مكانَه قال فأبَوْا أن يأخذوا منِّي فديةً فانطلقوا وأسلَموني في أيديهم فأخذني أحدُهم فأضجعني إضجاعًا رفيقًا فشقَّ ما بين صدري فصدَعه فاستخرج منه مُضغةً سوداءَ مُنتِنةً فقذَفها ثمَّ غسَله في تلك الطِّستِ بذلك الثَّلجِ ثمَّ ردَّه ثمَّ أقبل الثَّاني فوضع يدَه على صدري إلى عانتي فالتأم ذلك كلُّه ثمَّ أقبل الثَّالثُ وفي يدِه خاتمٌ له شعاعٌ فوضعه بين كتفَيَّ وثديَيَّ فلبِث زمانًا من دهري وأنا أجِدُ بردَ ذلك الخاتمِ ثمَّ انطلقوا وأقبل الحيُّ بحذافيرِهم وأقبلت معهم أمِّي الَّتي أرضعتني فلمَّا رأت ما بي أكرمتني وقالت يا محمَّدُ قُتِلت لوَحدتِك وليُتمِك وأقبل الحيُّ يُقبِّلون ما بين عينيَّ إلى مفرِقِ رأسي ويقولون يا محمَّدُ قُتِلت لوَحدتِك وليُتمِك احمِلوه إلى أهلِه لا يموتُ عندنا فحُمِلتُ إلى أهلي فلمَّا رآني عمِّي أبو طالبٍ قال والَّذي نفسي بيدِه لا يموتُ ابنُ أخي حتَّى تسودَ به قريشٌ جميعَ العربِ احمِلوه إلى الكاهنِ فلمَّا حُمِلتُ إليه فلمَّا رآني قال يا محمَّدُ حدِّثْني ما رأيتَ وما صُنِع بك فأنشأتُ أقصُّ عليه القصصَ فلمَّا سمِعه وثب عليَّ فالتزمني وقال يا لَلعربِ اقتُلوه فوالَّذي نفسي بيدِه لئن بَقي حتَّى يبلُغَ مبالغَ الرِّجالِ ليشتُمنَّ موتاكم وليسفِّهنَّ رأيَكم وليأتيَنَّكم بدِينٍ ما سمِعتُم بمثلِه قطُّ قال فوثبت عليه أمِّي الَّتي أرضعتني فقالت إن كانت نفسُك قد عمَتك فالتمِسْ لها من يقتُلُها فإنَّا غيرُ قاتلي هذا الغلامِ فهذا بُدوُّ شأني وحقيقةُ قولي قال فقال العامريُّ فما تأمرُني يا محمَّدُ قال آمُرُك أن تشهدَ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه وتُصلِّي الخمسَ لوقتِهنَّ وتصومُ شهرَ رمضانَ وتحُجَّ البيتَ إن استطعتَ إليه سبيلًا وتُؤدِّي زكاةَ مالِك قال فما لي إن فعلتُ ذلك قال {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} فقال يا محمَّدُ فأيُّ المُسمِعاتِ أسمعُ قال جوفُ اللَّيلِ الدَّامسِ إذا هدأت العيونُ فإنَّ اللهَ تعالَى حيٌّ قيُّومٌ يقولُ هل من تائبٍ فأتوبَ عليه هل من مُستغفرٍ فأغفرَ له ذنبَه هل من سائلٍ فأُعطيَه سُؤلَه قال فوثب العامريُّ فقال أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ

أصول الحديث:


[تاريخ دمشق لابن عساكر] (3/ 466)
: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه لفظا وأبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان قراءة قالا أنبأنا أبو القاسم بن أبي العلاء أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر أنبأنا أبو القاسم بن أبي العقب أنبأنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم أنبأنا محمد بن عايذ أخبرني الوليد بن مسلم قال حدثنا صاحب لنا عن عبد الله بن مسلم أنه حدثه قال حدثني عبادة بن نسي قال سمعت أبا العجفاء يقول حدثني شداد بن أوس قال ‌أقبل ‌رجل ‌من ‌بني ‌عامر شيخ كبير يتوكأ على عصاه حتى مثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إنك تفوه بأمر عظيم تزعم أنك رسول الله أرسلت إلى الناس كما أرسل موسى بن عمران وعيسى بن مريم والنبيون من قبلهم وإنما أنت رجل من العرب ممن يعبد هذه الحجارة والتماثيل فما لك والنبوة وإنما النبوة من بيتين من بيت خلافة وبيت نبوة ولست من هذا ولا هذا ولكن لكل قول حقيقة ولكل بدو شأن فحدثني بحقيقة قولك وبدو شأنك قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حليما لا يجهل فقال له يا أخا بني عامر إن الأمر الذي سألتني عنه قصصا ونبأ فاجلس حتى أنبئك بحقيقة قولي وبدو شأني قال فجلس العامري وتهافت العرب حذوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن والدي لما بنى بأمي حملت رأت فيما يرى النائم أن نورا خرج من جوفها فجعلت تتبعه بصرها حتى ملأ ما بين السموات والأرض نورا فقصت ذلك على حكيمة من أهلها فقالت لها والله لئن صدقت رؤياك ليخرجن من بطنك غلام يعلو ذكره بين السماء والأرض وكان هذا الحي من بني سعد بن هوازن ينتابون نساء أهل مكة فيحضنون أولادهم وينتفعون بخيرهم وإن أمي ولدتني في العام الذي قدموا فيه وهلك والدي فكنت يتيما في حجر عمي أبي طالب فأقبل النسوان يتدافعنني ويقلن ضرع صغير لا أب له فما عسينا أن ننتفع به من خيره وكانت فيهن امرأة يقال لها أم كبشة ابنه الحارث فقالت والله لا أنصرف عامي هذا خائبة فأخذتني وألقتني على صدرها فدر لبنها فحضنتني فلما بلغ ذلك عمي أبا طالب أقطعها إبلا ومقطعات من الثياب ولم يبق عم من عمومتي إلا أقطعها وكساها فلما بلغ ذلك النسوان أقبلن إليها فقلن والله يا أم كبشة لو علمنا بركة تكون هكذا ما سبقتنا إليه قال ثم ترعرعت وكبرت وقد بغضت إلي أصنام قريش والعرب فلا أقربها ولا آتيها حتى إذا كان بعد زمين حتى خرجت بين أتراب لي من العرب نتقاذف بالأجلة قال أبو عبد الملك يعني البعر فإذا بثلاثة نفر مقبلين معهم طشت من ذهب مملوءا ثلجا فقبضوا علي من بين الغلمان فلما رأى ذلك الغلمان انطلقوا هرابا ثم رجعوا فقالوا يا معشر النفر إن هذا الغلام ليس منا ولا من العرب وإنه لابن سيد القريش وبيضة المجد وما من حي من أحياء العرب إلا لا يلته في رقابهم نعمة مجللة ولا يصنعوا بقتل هذا الغلام شيئا فإن كنتم لا بد قاتليه فخذوا أحدنا فاقتلوه مكانه قال فأبوا أن يأخذوا مني فدية فانطلقوا وأسلموني في أيديهم فأخذني أحدهم فأضجعني إضجاعا رفيقا فشق ما بين صدري فصدعه فاستخرج منه مضغة سوداء منتنة فقذفها ثم غسله في تلك الطشت بذلك الثلج ثم رده ثم أقبل الثاني فوضع يده على صدري إلى عانتي فالتأم ذلك كله ثم أقبل الثالث وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفي وثديي فلبث زمانا من دهري وأنا أجد برد ذلك الخاتم ثم انطلقوا وأقبل الحي بحذافيرهم وأقبلت معهم أمي التي أرضعتني فلما رأت ما بي أكرمتني وقالت يا محمد قتلت لوحدتك وليتمك وأقبل الحي يقبلون ما بين عيني إلى مفرق رأسي ويقولون يا محمد قتلت لوحدتك وليتمك احملوه إلى أهله لا يموت عندنا فحملت إلى أهلي فلما رآني عمي أبو طالب قال والذي نفسي بيده لا يموت ابن أخي حتى تسود به قريش جميع العرب احملوه إلى الكاهن فلما حملت إليه فلما رآني قال يا محمد حدثني ما رأيت وما صنع بك فأنشأت أقص عليه القصص فلما سمعه وثب علي فالتزمني وقال يا للعرب اقتلوه فوالذي نفسي بيده لئن بقي حتى يبلغ مبالغ الرجال ليشتمن موتاكم وليسفهن رأيكم وليأتينكم بدين ما سمعتم بمثله قط قال فوثبت عليه أمي التي أرضعتني فقالت إن كانت نفسك قد عمتك فالتمس لها من يقتلها فإنا غير قاتلي هذا الغلام فهذا بدو شأني وحقيقة قولي قال فقال العامري فما تأمرني يا محمد قال آمرك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وتصلي الخمس لوقتهن وتصوم شهر رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا وتؤدي زكاة مالك قال فما لي إن فعلت ذلك قال " جنات عدن تجري من تحتها الأنهار وذلك جزاء من تزكى " فقال يا محمد فأي المسمعات أسمع قال جوف الليل الدامس إذا هدأت العيون فإن الله تعالى حي قيوم يقول هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له ذنبه هل من سائل فأعطيه سؤله قال فوثب العامري فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. انتهى هذا حديث غريب وفيه من يجهل وقد روي عن شداد من وجه آخر فيه انقطاع.