الموسوعة الحديثية


- لما أمر الله تبًارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبًائل العرب، خرج إلى منى وأنا معه، وأبو بكر رضي الله عنه، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر رضي الله عنه وكان مقدما في كل خير، وكان رجلا نسابة فسلم، وقال : ممن القوم ؟ قالوا : من ربيعة. قال : وأي ربيعة أنتم ؟ أمن هامها أي : من لهازمها ؟ فقالوا : من الهامة العظمى، فقال أبو بكر رضي الله عنه : وأي هامتها العظمى أنتم ؟ قالوا : من ذهل الأكبر، قال : منكم عوف الذي يقال له : لا حر بوادي عوف ؟ قالوا : لا. قال : فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار، ومانع الجار ؟ قالوا : لا. قال : فمنكم بسطام بن قيس : أبو اللواء، ومنتهى الأحياء ؟ قالوا : لا. قال : فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها ؟ قالوا : لا. قال : فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة ؟ قالوا : لا. قال : فمنكم أخوال الملوك من كندة ؟ قالوا : لا. قال : فمنكم أصحاب الملوك من لخم ؟ قالوا : لا، قال : أبو بكر : فلستم من ذهل الأكبر أنتم من ذهل الأصغر، قال : فقام إليه غلام من بني شيبًان يقال له : دغفل حين تبين وجهه فقال : إن على سائلنا أن نسله والعبو لا نعرفه أو نجهله، يا هذا قد سألتنا فأخبرناك، ولم نكتمك شيئا فممن الرجل ؟ قال أبو بكر : أنا من قريش، فقال الفتى : بخ بخ أهل الشرف والرياسة، فمن أي القرشيين أنت ؟ قال : من ولد تيم بن مرة، فقال الفتى : أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة. أمنكم قصي الذي جمع القبًائل من فهر فكان يدعى في قريش مجمعا ؟ قال : لا، قال : فمنكم - أظنه قال - هشام الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف ؟ قال : لا، قال : فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء الذي كان وجهه القمر يضيء في الليلة الداجية الظلماء ؟ قال : لا، قال : فمن أهل الإفاضة بًالناس أنت ؟ قال : لا. قال : فمن أهل الحجابة أنت ؟ قال : لا، قال فمن أهل السقاية أنت ؟ قال : لا، قال : فمن أهل النداوة أنت ؟ قال : لا، قال : فمن أهل الرفادة أنت ؟ قال : فاجتذب أبو بكر رضي الله عنه زمام الناقة راجعا إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال الغلام : صادف در السيل درا يدفعه يهضبه حينا وحينا يصدعه أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش، قال : فتبسم رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال علي : فقلت : يا أبًا بكر ! لقد وقعت من الأعرابي على بًاقعة، قال : أجل أبًا حسن ما من طامة إلا وفوقها طامة، والبلاء موكل بًالمنطق، قال : ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار، فتقدم أبو بكر فسلم، فقال : ممن القوم ؟ قالوا : من شيبًان بن ثعلبة، فالتفت أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال : بأبي أنت وأمي هؤلاء غرر الناس، وفيهم مفروق بن عمرو، وهانىء بن قبيصة، والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك، وكان مفروق قد غلبهم جمالا ولسانا، وكانت له غديرتان تسقطان على تريبته وكان أدنى القوم مجلسا، فقال أبو بكر رضي الله عنه : كيف العدد فيكم ؟ فقال مفروق : إنا لنزيد على ألف، ولن تغلب ألف من قلة. فقال أبو بكر : وكيف المنعمة فيكم ؟ فقال المفروق : علينا الجهد ولكل قوم جهد. فقال أبو بكر رضي الله عنه : كيف الحرب بينكم وبين عدوكم ؟ فقال مفروق : إنا لأشد ما نكون غضبًا حين نلقى وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا أخرى، لعلك أخا قريش. فقال أبو بكر رضي الله عنه : قد بلغكم أنه رسول اللهِ ألا هوذا، فقال مفروق : بلغنا أنه يذكر ذاك فإلى ما تدعو يا أخا قريش ؟ فتقدم رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر رضي الله عنه يظله بثوبه، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم : أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وإلى أن تئووني وتنصروني، فإن قريشا قد ظاهرت على أمر الله ، وكذبت رسله، واستغنت بًالبًاطل عن الحق، والله هو الغني الحميد. فقال مفروق بن عمرو : وإلام تدعونا يا أخا قريش، فوالله ما سمعت كلاما أحسن من هذا ؟ فتلا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ] قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم – إلى – فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون [. فقال مفروق : وإلام تدعونا يا أخا قريش زاد فيه غيره : فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض ؟ ثم رجعنا إلى روايتنا قال : فتلا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ] إن الله يأمر بًالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون [. فقال مفروق بن عمرو : دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك. وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانىء بن قبيصة، فقال : وهذا هانىء شيخنا وصاحب ديننا، فقال هانىء : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش إني أرى إن تركنا ديننا واتبًاعنا على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر أنه زلل في الرأي، وقلة نظر في العاقبة، وإنما تكون الزلة مع العجلة، ومن ورائنا قوم نكره أن يعقد عليهم عقدا، ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر. وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة، فقال : وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا، فقال المثنى بن حارثة : سمعت مقالتك يا أخا قريش، والجواب فيه جواب هانىء بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين صريين اليمامة، والسمامة، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم : ما هذان الصريان ؟ فقال : أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وأما ماكان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم : ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بًالصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه أرأيتم أن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه ؟ فقال النعمان بن شريك : اللهم فلك ذلك، قال : فتلا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم : ] إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا [. ثم نهض رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قابضا على يدي أبي بكر وهو يقول : يا أبًا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها ! بها يدفع الله عز وجل بأس بعضهم عن بعض وبها يتحاجزون فيما بينهم. قال : فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج فما نهضنا حتى بًايعوا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال : فلقد رأيت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم
خلاصة حكم المحدث : إسناده مجهول
الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : البيهقي | المصدر : دلائل النبوة الصفحة أو الرقم : 2/427
التخريج : أخرجه ابن حبان في ((الثقات)) (1/ 80)، وأبو نعيم في ((دلائل النبوة)) (214)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (17/ 293) بنحوه مطولًا.
التصنيف الموضوعي: إسلام - إظهار دين الإسلام على الأديان تفسير آيات - سورة الأنعام فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - إخبار النبي عن المغيبات مناقب وفضائل - أبو بكر الصديق إيمان - دعوة الكافر إلى الإسلام
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

أصول الحديث:


دلائل النبوة للبيهقي (2/ 422)
حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الفقيه الشاشي قال: حدثنا الحسن بن صاحب بن حميد الشاشي قال: حدثني عبد الجبار بن كثير الرقي قال: حدثنا محمد بن بشر اليماني، عن أبان بن عبد الله البجلي، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: حدثني علي بن أبي طالب، من فيه قال: لما أمر الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه، وأبو بكر رضي الله عنه، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر رضي الله عنه وكان مقدما في كل خير، وكان رجلا نسابة فسلم، وقال: ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة. قال: وأي ربيعة أنتم؟ أمن هامها أي من لهازمها؟ فقالوا: من الهامة العظمى، فقال أبو بكر رضي الله عنه: وأي هامتها العظمى أنتم؟ قالوا: من ذهل الأكبر قال: منكم عوف الذي يقال له: لا حر بوادي عوف؟ قالوا: لا. قال: فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار، ومانع الجار؟ قالوا: لا. قال: فمنكم بسطام بن قيس أبو اللواء، ومنتهى الأحياء؟ قالوا: لا. قال: فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها؟ قالوا: لا. قال: فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة؟ قالوا: لا. قال: فمنكم أخوال الملوك من كندة؟ قالوا: لا. قال: فمنكم أصحاب الملوك من لخم؟ قالوا: لا. قال أبو بكر: فلستم من ذهل الأكبر، أنتم من ذهل الأصغر قال: فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له دغفل حين تبين وجهه، فقال: إن على سائلنا أن نسله والعبو لا نعرفه أو نجهله. يا هذا، قد سألتنا فأخبرناك، ولم نكتمك شيئا، فممن الرجل؟ قال أبو بكر: أنا من قريش، فقال الفتى: بخ بخ، أهل الشرف والرياسة، فمن أي القرشيين أنت؟ قال: من ولد تيم بن مرة، فقال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة. أمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر، فكان يدعى في قريش مجمعا؟ قال: لا، قال: فمنكم - أظنه قال - هشام الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف؟ قال: لا، قال: فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء الذي كان وجهه القمر يضيء في الليلة الداجية الظلماء؟ قال: لا، قال: فمن أهل الإفاضة بالناس أنت؟ قال: لا. قال: فمن أهل الحجابة أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل السقاية أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل النداوة أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل الرفادة أنت؟ قال: فاجتذب أبو بكر رضي الله عنه زمام الناقة راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الغلام: [البحر الرجز] صادف در السيل درا يدفعه ... يهضبه حينا وحينا يصدعه أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال علي: فقلت: يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة قال: أجل أبا حسن ما من طامة إلا وفوقها طامة، والبلاء موكل بالمنطق قال: ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار، فتقدم أبو بكر فسلم، فقال: ممن القوم؟ قالوا: من شيبان بن ثعلبة، فالتفت أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي هؤلاء غرر الناس، وفيهم مفروق بن عمرو، وهانئ بن قبيصة، والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك، وكان مفروق قد غلبهم جمالا ولسانا، وكانت له غديرتان تسقطان على تريبته وكان أدنى القوم مجلسا، فقال أبو بكر رضي الله عنه: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنا لنزيد على ألف، ولن تغلب ألف من قلة. فقال أبو بكر: وكيف المنعمة فيكم؟ فقال المفروق: علينا الجهد ولكل قوم جهد. فقال أبو بكر رضي الله عنه: كيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مفروق: إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى، وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند الله، يديلنا مرة ويديل علينا أخرى، لعلك أخا قريش. فقال أبو بكر رضي الله عنه: قد بلغكم أنه رسول الله ألا هو ذا فقال مفروق: بلغنا أنه يذكر ذاك، فإلى ما تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر رضي الله عنه يظله بثوبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإن قريشا قد ظاهرت على أمر الله، وكذبت رسله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد ، فقال مفروق بن عمرو: وإلام تدعونا يا أخا قريش، فوالله ما سمعت كلاما أحسن من هذا، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} [الأنعام: 151] إلى {فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 153] فقال مفروق: وإلام تدعونا يا أخا قريش زاد فيه غيره فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض , ثم رجعنا إلى روايتنا قال: فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} [النحل: 90] فقال مفروق بن عمرو: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك. وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة، فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا، فقال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش إني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر أنه زلل في الرأي، وقلة نظر في العاقبة، وإنما تكون الزلة مع العجلة، ومن ورائنا قوم نكره أن يعقد عليهم عقد، ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر. وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا، فقال المثنى بن حارثة: سمعت مقالتك يا أخا قريش، والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين صريين اليمامة، والسمامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذان الصريان؟ فقال: أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه؟ " فقال النعمان بن شريك: اللهم فلك ذلك قال: فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} [الأحزاب: 45] " , ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضا على يدي أبي بكر وهو يقول: يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها ‍ بها يدفع الله عز وجل بأس بعضهم عن بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم. قال: فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج، فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم قال لنا أبو عبد الرحمن: قال الشيخ أبو بكر: قال الحسن بن صاحب: كتب هذا الحديث عني أبو حاتم الرازي. قلت: وقد رواه أيضا محمد بن زكريا الغلابي، وهو متروك عن شعيب بن واقد، عن أبان بن عبد الله البجلي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد العماني، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا شعيب بن واقد، حدثنا أبان بن عبد الله البجلي فذكره بإسناده ومعناه، وروي أيضا بإسناد آخر مجهول عن أبان بن تغلب. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عنبسة الكوفي قال: حدثني محمد بن الحسين القرشي قال: حدثنا أحمد بن أبي نصر السكوني، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب، فذكره، وقال: خرج إلى منى وأنا معه

الثقات لابن حبان (1/ 80)
أخبرنا الحسن بن عبد الله بن يزيد القطان بالرقة ثنا عبد الجبار بن محمد بن كثير التميمي ثنا محمد بن بشر اليماني عن أبان بن عبد الله البجلي عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن بن عباس قال حدثني علي بن أبي طالب قال لما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر الصديق حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب فتقدم أبو بكر فسلم وقال ممن القوم قالوا من ربيعة قال وأي ربيعة أنتم أمن هامتها أم من لهازمها فقالوا لا بل من هامتها العظمى قال أبو بكر وأي هامتها العظمى أنتم قالوا من ذهل الأكبر قال أبو بكر فمنكم عوف الذي يقال له لا حر بوادي عوف قالوا لا قال فمنكم بسطام بن قيس صاحب اللواء ومنتهى الأحياء قالا لا قال فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار قالوا لا قال فمنكم الحوفزان قاتل الملوك سالبها أنفسها قالوا لا قال فمنكم أصهار الملوك من لخم قالوا لا قال أبو بكر فلستم إذا ذهلا الأكبر أنتم ذهلا الأصغر فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له دغفل حين بقل وجهه فقال على سائلنا أن نسأله يا هذا إنك سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئا فممن الرجل فقال أبو بكر أنا من قريش فقال الفتى بخ بخ أهل الشرف والرئاسة فمن أي القرشيين أنت قال من ولد تيم بن مرة قال أمكنت والله الرامي من صفاء الثغرة فمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر فكان يدعى في قريش مجمعا قال لا قال فمنكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف قال لا قال فمن أهل الحجابة أنت قال لا قال فمن أهل الندوة أنت قال لا قال فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء الذي كأن وجهه القمر يضىء في اليلة الظلماء الداجية قال لا قال فمن أهل السقاية قال لا واجتذب أبو بكر زمام الناقة فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الغلام ... صادف درء السيل درءا يدفعه ... يهيضه حينا وحينا يصدعه ... أما والله لقد ثبت قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي فقلت يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة فقال لي أجل يا أبا الحسن ما من طامة إلا وفوقها طامة والبلاء موكل بالمنطق قال علي ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار فتقدم أبو بكر وكان مقدما في كل خير فسلم وقال ممن القوم فقالوا من شيبان بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما وراء هذا القوم غر هؤلاء غرر قومهم وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة والمثننى بن حارثة والنعمان بن شريك وكان مفروق بن عمرو قد غلبهم جمالا ولسانا وكان غديرتان تسقطان على تربيته وكان أدنى القوم مجلسا من أبي بكر فقال أبو بكر كيف العدد فيكم فقال مفروق إنا لنزيد على ألف ولن يغلب ألف من قلة فقال أبو بكر وكيف المنعة فيكم قال مفروق علينا الجهد ولكل قوم جد قال أبو بكر كيف الحرب بينكم وبين عدوكم قال مفروق إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى وإنا لأشد ما نكونن لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا أخرى لعلك أخو قريش قال أبو بكر وقد بلغكم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فها هو ذا قال مفروق قد بلغنا أنه يذكر ذلك قال فالى م تدعو يا أخا قريش قال أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وأن تؤوني وتنصروني فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله فكذبت رسله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد فقال مفروق بن عمرو إلى ما تدعونايا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الآية قال مفروق وإلى م تدعو يا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يأمر بالعدل والإحسان الآية فقال مفروق دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا فقال قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وإني أرى إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك لمجلس جلسته إلينا زلة في الرأي وقلة فكر في العواقب وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقدا ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة فقال وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك وإنما أنزلنا بين ضرتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هاتان الضرتانن قال أهار كسرى ومياه العرب وإنما نزلنا على عهد أخذ علينا كسرى لا نحدث حدثا ولا ننؤوى محدثا وانى أرى هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه الله من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه فقال النعمان بن شريك اللهم نعم قال فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضا على يد أبي بكر وهو يقول يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض.

دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني (ص: 282)
214 - حدثنا سليمان بن أحمد قال: ثنا محمد بن زكريا الغلابي قال: ثنا شعيب بن واقد الصفار قال: ثنا أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب وثنا إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق قال: ثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: ثنا عبد الجبار بن كثير التميمي الرقي قال: ثنا محمد بن بشر قال: ثنا أبان بن عبد الله البجلي، عن أبان بن تغلب قال: ثنا عكرمة، عن ابن عباس قال: حدثني علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج - وأنا معه وأبو بكر - إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب فتقدم أبو بكر فسلم وكان أبو بكر مقدما في كل حين وكان رجلا نسابة فقال: ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة قال: وأي ربيعة أنتم؟ من هامتها أم من لهازمها؟ قالوا: بل من هامتها العظمى فقال أبو بكر: من أي هامتها العظمى؟ قال الغلابي في حديثه: بل من اللهزمة العظمى قال: وأي لهزمتها أنتم؟ قالوا: ذهل الأكبر قال أبو بكر: أفمنكم عوف الذي كان يقال: لا حر بوادي عوف؟ قالوا: لا قال: أفمنكم بسطام بن قيس بن مسعود أبو الملوك ومنتهى الأحياء؟ قالوا: لا قال: أفمنكم الحوفزان بن شريك قاتل الملوك وسالبها أنفسها؟ قالوا: لا قال: أفمنكم جساس بن مرة بن ذهل حامي الذمار ومانع الجار؟ قالوا: لا قال: أفمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة؟ قالوا: لا فقال لهم: أفأنتم أخوال الملوك في كندة؟ قالوا: لا قال: أفأنتم أصهار الملوك من لخم؟ قالوا: لا , قال لهم أبو بكر: فلستم بذهل الأكبر بل أنتم ذهل الأصغر قال: فوثب إليه منهم غلام يدعى دغفلا حين بقل وجهه فأخذ بزمام ناقة أبي بكر وهو يقول: [البحر الرجز] إن على سائلنا أن نسأله ... والعبء لا تعرفه أو تحمله يا هذا سألتنا فأخبرناك فلم نكتمك شيئا ونحن نريد أن نسألك فمن أنت؟ قال له: رجل من قريش فقال له الغلام: بخ بخ أهل السؤدد والرياسة وأزمة العرب وهداتها فممن أنت من قريش؟ قال له: من بني تميم بن مرة فقال له الغلام: أمكنت والله الرامي من صفاة الثغرة أفمنكم قصي بن كلاب الذي قتل بمكة المتغلبين عليها وأجلى بقيتهم وجمع قومه من كل أوب حتى أوطنهم مكة ثم استولى على الدار ونزل قريشا منازلها فسمته العرب بذلك مجمعا وفيه يقول الشاعر لبني عبد مناف: [البحر الطويل] أليس أبوكم كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر؟ قال: لا قال الغلام: أفمنكم عبد مناف الذي انتهت إليه الوصايا وأبو الغطاريف السادة؟ قال: لا قال: أفمنكم عمرو بن عبد مناف هاشم الذي هشم الثريد لقومه وأهل مكة مسنتون عجاف وفيه يقول الشاعر: [البحر الكامل] عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف سنوا إليه الرحلتين كلاهما ... عند الشتاء ورحلة الأصياف كانت قريش بيضة فتفلقت ... فالمح خالصه لعبد مناف الرائشين وليس يعرف رائش ... والقائلين هلم للأضياف والضاربين الكبش يبرق بيضه ... والمانعين البيض بالأسياف لله درك لو نزلت بدارهم ... منعوك من ذل ومن إقراف؟ قال: لا قال: أفمنكم عبد المطلب شيبة الحمد وصاحب بئر مكة مطعم طير السماء والوحوش والسباع في الفلاء الذي كأن وجهه قمر يتلألأ في الليل المظلم. وقال عبد الجبار: في الليلة الظلماء الداجية؟ قال: لا قال: أفمن أهل الإفاضة أنت؟ قال: لا قال: أفمن أهل الحجابة أنت؟ قال: لا قال: أفمن أهل الندوة أنت؟ قال: لا قال: أفمن أهل السقاية أنت؟ قال: لا قال: أفمن أهل الرفادة أنت؟ قال: لا قال: أفمن المفيضين بالناس أنت؟ قال: لا ثم جذب أبو بكر زمام الناقة من يده فقال له الغلام: صادف درء السيل سيلا يدفعه ... يهضبه حينا وحينا يصدعه ثم قال: أما والله يا أخا قريش لو ثبت لي لخبرتك أنك من زمعات قريش ولست من الذوائب فأقبل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم قال علي: قلت له: يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة فقال: أجل يا أبا الحسن إنه ليس من طامة إلا فوقها طامة والبلاء موكل بالقول قال: ثم انتهينا إلى مجلس عليه السكينة والوقار وإذا مشايخ لهم أقدار وهيئات فتقدم أبو بكر فسلم. قال علي: وكان مقدما في كل حين، فقال لهم أبو بكر: ممن القوم؟ قالوا: نحن بنو شيبان بن ثعلبة فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي ليس بعد هؤلاء من عز في قومهم وكان في القوم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة والمثنى بن حارثة والنعمان بن شريك وكان أقرب القوم إلى أبي بكر مفروق بن عمرو وكان مفروق قد غلبهم بيانا ولسانا وكان له غديرتان تسقطان على صدره وكان أدنى القوم مجلسا من أبي بكر فقال له أبو بكر: كيف العدد فيكم؟ فقال له: إنا لنزيد على الألف ولن يغلب ألف من قلة قال: فكيف المنعة فيكم؟ قال: علينا الجهد ولكل قوم جد قال أبو بكر: فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ قال مفروق: إنا أشد ما نكون غضبا حين نلقى وإنا أشد ما نكون لقاء إذا غضبنا وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا مرة لعلك أخو قريش؟ قال أبو بكر: إن كان بلغكم أنه رسول الله فها هو ذا فقال مفروق: وقد بلغنا أنه يذكر ذلك ثم التفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إلام تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر يظلله بثوبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلى الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وأن تؤووني وتمنعوني وتنصروني حتى أؤدي عن الله تعالى ما أمرني به فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد قال له: وإلام تدعوا أيضا يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} [الأنعام: 151] إلى قوله تعالى: {فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 153] وقال له مفروق: وإلام تدعوا أيضا يا أخا قريش؟ فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض ولو كان من كلامهم لعرفناه فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} [النحل: 90] إلى قوله تعالى: {لعلكم تذكرون} [النحل: 90] فقال له مفروق: دعوت والله يا قرشي إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا فقال له هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وصدقت قولك وإني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر إن لم نتفكر في أمرك وننظر في عاقبة ما تدعونا إليه إنه زلة في الرأي وطيشة في العقل وقلة نظر في العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة وإن من ورائنا قوما نكره أن نعقد عليهم عقدا ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة فقال: وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى: قد سمعت مقالتك واستحسنت قولك يا أخا قريش وأعجبني ما تكلمت به والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة إنما نزلنا بين صيرين أحدهما اليمامة والأخرى السماوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما هذان الصيران؟ فقال له: أما أحدهما فطفوف البر وأرض العرب وأما الآخر فأرض فارس وأنهار كسرى وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا ولعل هذا الأمر الذي تدعو إليه تكرهه الملوك فأما ما كان مما يلي بلاد العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول وأما ما كان مما يلي بلاد فارس فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول فإن أردت أن ننصرك مما يلي العرب فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضا على يد أبي بكر ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال علي: وكانوا صدقا صبرا رضوان الله عليهم أجمعين".

[تاريخ دمشق - لابن عساكر] (17/ 293)
أخبرنا أبو عبد الله الفراوي أنبأ أحمد بن الحسين البيهقي نا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي أنا أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الفقيه الشاشي نا الحسن بن صاحب بن حميد الشاشي حدثني عبد الجبار بن كثير الرقي نا محمد بن بشر اليماني عن أبان بن عبد الله البجلي عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال حدثني علي بن أبي طالب من فيه قال لما أمر الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وسلم) أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب فتقدم أبو بكر وكان مقدما في كل خير وكان رجلا نسابة فسلم وقال ممن القوم قالوا من ربيعة قال وأي ربيعة أنتم أمن هامها أم من لهازمها فقالوا بل من الهامة العظمى فقال أبو بكر وأي هامتها العظمى أنتم قالوا من ذهل الأكبر قال منكم عوف الذي يقال لا حر بوادي عوف قالوا لا قال فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار قالوا لا قال فمنكم بسطام بن قيس أبو اللواء ومنتهى الأحياء قالوا لا قال فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها كندة قالوا لا قال فمنكم أصهار الملوك من لخم قالوا لا قال أبو بكر فلستم ذهل الأكبر أنتم ذهل الأصغر قال فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له دغفل حين بقل وجهه فقال * إن على سائلنا أن نسأله * والعبء لا نعرفه أو نجهله * يا هذا إنك قد سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئا فممن الرجل قال أبو بكر الصديق أنا من قريش فقال الفتى بخ بخ أهل الشرف والرياسة من أي القرشيين أنت قال من ولد تيم بن مرة قال الفتى أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة أمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر فكان يدعى في قريش مجمعا قال لا قال فمنكم أظنه قال هاشم الذي هشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف قال لا قال فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء الذي كان وجهه القمر يضئ في الليلة الداجية الظلماء قال لا قال فمن أهل الإفاضة بالناس أنت قال لا قال فمن أهل الحجابة أنت قال لا قال فمن أهل السقاية أنت قال لا قال فمن أهل الندوة أنت قال لا قال فمن أهل الرفادة أنت قال لا واجتذب أبو بكر زمام الناقة راجعا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال الغلام * صادف در السيل درأ يدفعه * يهيضه حينا وحينا يصدعه * أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش قال فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال علي فقلت يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة قال أجل أبا حسن ما من طامة إلا وفوقها طامة والبلاء موكل بالمنطق قال ثم رجعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار فتقدم أبو بكر فسلم فقال ممن القوم قالوا من بني شيبان بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال بأبي وأمي هؤلاء غرر الناس وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة والمثنى بن حارثة والنعمان بن شريك وكان مفروق قد غلبهم جمالا ولسانا وكانت له غديرتان يسقطان على تريبته وكان أدنى القوم مجلسا فقال أبو بكر كيف العدد فيكم فقال مفروق إنا لنزيد على ألف ولن يغلب ألف من قلة فقال أبو بكر وكيف المنعة فيكم فقال المفروق علينا الجهد ولكل قوم جد فقال أبو بكر كيف الحرب بينكم وبين عدوكم فقال مفروق إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا أخرى لعلك أخا قريش فقال أبو بكر قد بلغكم أنه رسول الله ألا هوذا فقال مفروق بلغنا أنه يذكر ذاك فإلى ما تدعو يا أخا قريش فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجلس وقام أبو بكر يظله بثوبه فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وإلى أن تؤوني وتنصروني فإن قريشا قد ظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد فقال مفروق بن عمرو إلى ما تدعون يا أخا قريش فوالله ما سمعت كلاما أحسن من هذا فتلا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " إلى قوله " فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " فقال مفروق وإلى ما تدعون يا أخا قريش زاد فيه غيره فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض ثم رجعنا إلى روايتنا قال فتلا " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " فقال مفروق بن عمرو دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وقد أفك قوم كذبوك فظاهروا عليك وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا فقال هانئ قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وإني أرى إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك بمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر إنه زلل في الرأي وقلة نظر في العافية وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقدا ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة فقال وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى بن حارثة قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك وإنا إنما نزلنا بين صرتين اليمامة والشأمة فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما هاتان الصريان فقال أنهار كسرى ومياه العرب فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول وأما ما كان مما يلي العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك فإن أحببت أن نؤيك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه أرأيتم إن لم يلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه فقال النعمان بن شريك اللهم فلك ذلك قال فتلا " إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ثم نهض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قابضا على يدي أبي بكر وهو يقول يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله عز وجل بأس بعضهم عن بعض وبها يتحاجزون فيما بينهم قال فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال فلقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم.