الموسوعة الحديثية


- لمَّا نزلتْ { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } [ النَّصر : 1 ] إلى آخرِ السُّورةِ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يا جبريلُ نفسي قد نُعِيَتْ، قال جبريلُ : { وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى } [ الضُّحى : 4 - 5 ] فأمر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بلالًا ينادي : الصَّلاةُ جامعةٌ، فاجتمع المهاجرون، والأنصارُ إلى مسجدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فصلَّى بالنَّاسِ ثمَّ صعِد المنبرَ فحمِد اللهَ وأثنَى عليه، ثمَّ خطَب خُطبةً وَجِلتْ منها القلوبُ وبكتْ منها العيونُ، ثمَّ قال : أيُّها النَّاسُ أيُّ نبيٍّ كنتُ لكم ؟ فقالوا : جزاك اللهُ من نبيٍّ خيرًا فلقدْ كُنتَ لنا كالأبِ الرَّحيمِ، وكالأخِ النَّاصحِ المشفقِ، أدَيْتَ رسالاتِ اللهِ وأبلغتنا وحيَه، ودعوتَ إلى سبيلِ ربِّك بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، فجزاك اللهُ عنَّا أفضلَ ما جازَى نبيًّا عن أمَّتِه، فقال لهم : معاشرَ المسلمين أنشدُكم باللهِ، وبحقِّي عليكم، من كانت له قِبَلي مَظلمةٌ فليقُمْ فليقتصَّ منِّي، فلم يقُمْ إليه أحدٌ، فناشدهم اللهَ، فلم يقُمْ إليه أحدٌ، فناشدهم الثَّالثةَ : معاشرَ المسلمين ! من كانت له من قِبَلي مظلمةٌ فليقُمْ فليقتصَّ منِّي قبلَ القِصاصِ في القيامةِ فقام من بينِ المسلمين شيخٌ كبيرٌ يُقالُ له عُكَّاشةُ، فتخطَّى المسلمين حتَّى وقف بينَ يدَيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال : فِداكَ أبي وأمِّي، لولا أنَّك ناشدتَنا مرَّةً بعدَ أخرَى ما كنتُ بالَّذي أنقلِعُ على شيءٍ منك، كنتُ معك في غَزاةٍ فلمَّا فتح اللهُ علينا فكنَّا في الانصرافِ، حاذت ناقتي ناقتَك فنزلتُ عن النَّاقةِ ودنوتُ منك لأقبِّلَ فخِذَك، فرفعتَ القضيبَ فضربتَ خاصرتي ، فلا أدري أكان عمدًا منك أم أردتَ ضربَ النَّاقةِ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يا عُكَّاشةُ أُعيذُك بجلالِ اللهِ أن يتعمَّدَك رسولُ اللهِ بالضَّربِ. يا بلالُ انطلِقْ إلى منزلِ فاطمةَ وأتني بالقضيبِ الممشوقِ، فقالت فاطمةُ : وما يصنعُ أبي بالقضيبِ الممشوقِ، وليس هذا يومَ حجٍّ ولا يومَ غَزاةٍ ؟ فقال : يا فاطمةُ ما أغفلَك عمَّا فيه أبوك ؟ إنَّ رسولَ اللهِ يُودِّعُ الدِّينَ ويُفارِقُ الدُّنيا، ويُعطي القِصاصَ من نفسِه، فقالت فاطمةُ : يا بلالُ ومن ذا الَّذي تطيبُ نفسُه أن يقتصَّ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ يا بلالُ إذن فقلْ للحسنِ والحسينِ يقومان إلى هذا الرَّجلِ فيقتصَّ منهما ولا يدعانه يقتصُّ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فدخلَ بلالٌ المسجدَ، ودفع القضيبَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فدفع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القضيبَ إلى عُكَّاشةَ، فلمَّا نظر أبو بكرٍ وعمرُ إلى ذلك قاما فقالا : يا عُكَّاشةُ ها نحن بين يدَيْك، فاقتصَّ منَّا ولا تقتصَّ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : امضِ أبا بكرٍ، وأنتَ يا عمرُ فامضِ، فقد عرف اللهُ عزَّ وجلَّ مكانَكما ومقامَكما، فقام عليُّ بنُ أبي طالبٍ فقال : يا عُكَّاشةُ أنا في الحياةِ بين يدَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا تطيبُ نفسي أن تضرِبَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهذا ظهرِي وبطني فاقتصَّ منِّي بيدِك واجلدنِي مائةً، ولا تقتصَّ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يا عليُّ اقعُدْ، فقد عرف اللهُ عزَّ وجلَّ مقامَك ونيَّتَك، وقام الحسنُ والحسينُ فقالا : يا عُكَّاشةُ أليس تعلَّمُ أنا سِبطا رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ فالقِصاصُ منَّا كالقِصاصِ من رسولِ اللهِ، فقال لهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اقعُدا يا قُرَّةَ عيني، لا نَسِي اللهُ لكما هذا المقامَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يا عُكَّاشةُ اضرِبْ إن كنتَ ضاربًا، فقال : يا رسولَ اللهِ ضربتني وأنا حاسرٌ عن بطني، فكشف عن بطنِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصاح المسلمون بالبكاءِ، وقالوا : ترَى عُكَّاشةَ ضاربًا بطنَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ فلمَّا نظر عُكَّاشةُ إلى بياضِ بطنِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كأنَّه القَبَاطِيُّ لم يملكْ أن أكبَّ عليه فقبَّل بطنَه وهو يقولُ : فداكَ أبِي وأمِّي، ومن تُطيقُ نفسُه أن يقتصَّ منك ؟ فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : إمَّا أن تضرِبَ وإمَّا أن تعفوَ، فقال : قد عفوتُ عنك رجاءَ أن يعفوَاللهُ عنِّي في القيامةِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أراد أن ينظُرَ إلى رفيقِي في الجنَّةِ فلينظُرْ إلى هذا الشَّيخِ، فقام المسلمون، فجعلوا يُقبِّلون ما بين عينَيْه، ويقولون : طوباك، طوباك نِلتَ الدَّرجاتِ العُلَى، ومرافقةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمرِض رسولُ اللهِ من يومِه فكان مرضُه ثمانيةَ عشرَ يومًا يعودُه النَّاسُ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وِلِد يومَ الإثنين، وبُعث يومَ الإثنين، وقُبِض يومَ الإثنين، فلمَّا كان يومُ الأحدِ ثَقُل في مرضِه، فأذَّن بلالٌ، ثمَّ وقف بالبابِ فنادَى : السَّلامُ عليك يا رسولَ اللهِ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، الصَّلاةَ يرحمُكَ اللهُ ! فسمِع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صوتَ بلالٍ فقالتْ فاطمةُ : يا بلالُ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اليومَ مشغولٌ بنفسِه فدخل بلالٌ المسجدَ فلمَّا أسفر الصُّبحُ قال : واللهِ لا أُقيمُها أو أستأذِنُ سيِّدي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فخرج وقام بالبابِ ونادَى : السَّلامُ عليك يا رسولَ اللهِ ورحمةُ اللهِ الصَّلاةُ يرحمُك اللهُ ! فسمِع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صوتَ بلالٍ فقال : ادخُلْ يا بلالُ إنَّ رسولَ اللهِ مشغولٌ بنفسِه مُرْ أبا بكرٍ يُصلِّي بالنَّاسِ فخرج ويدُه على أمِّ رأسِه يقولُ : يا غوْثاه باللهِ ! وانقطاعَ رجائي، وانفصامَ ظهري، ليتني لم تلِدْني أمِّي، وإذ ولدتني لم أشهَدْ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا اليومَ ثم قال يا أبا بكرٍ ألا إنَّ رسولَ اللهِ أمرك أن تصلِّيَ بالنَّاسِ فتقدَّم أبو بكرٍ، وكان رجلًا رقيقًا، فلمَّا نظر إلى [ خلُوِّ ] المكانِ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يتمالَكْ أن خرَّ مغشيًّا عليه، وصاح المسلمون بالبكاءِ، فسمِع رسولُ اللهِ ضجيجَ النَّاسِ، فقال ما هذه الضَّجَّةُ ؟ فقالوا : ضجَّةُ المسلمين لفقدِك يا رسولَ اللهِ ! فدعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليًّا والعبَّاسَ، فاتَّكأ عليهما فخرجَ إلى المسجدِ فصلَّى بالنَّاسِ ركعتَيْن خفيفتَيْن، ثمَّ أقبل بوجهِه المليحِ عليهم فقال : معشرَ المسلمين أستودِعُكم اللهَ، أنتم في رجاءِ اللهِ وأمانتِه، واللهُ خليفتي عليكم، معاشرَ المسلمين عليكم باتِّقاءِ اللهِ ! وحفْظِ طاعتِه من بعدي، فإنِّي مفارقٌ الدُّنيا هذا أوَّلُ يومٍ من أيَّامِ الآخرةِ، وآخرُ يومٍ من الدُّنيا فلمَّا كان يومُ الإثنينِ اشتدَّ به الأمرُ، وأوحَى اللهُ تعالَى إلى ملَكِ الموتِ أن اهبِطْ إلى حبيبي وصفيِّي محمَّدٍ في أحسنِ صورةٍ، وارفُقْ به في قبضِ روحِه، فهبط ملَكُ الموتِ، فوقف بالبابِ شبهَ أعرابيٍّ، ثمَّ قال : السَّلامُ عليكم يا أهلَ بيتِ النُّبوَّةِ، ومعدِنَ الرِّسالةِ ومختلفَ الملائكةِ أدخُلُ ؟ فقالت عائشةُ لفاطمةَ أجيبي الرَّجلَ، فقالت فاطمةُ : آجرك اللهُ في ممشاك يا عبدَ اللهِ، إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اليومَ مشغولٌ بنفسِه، فنادَى الثَّانيةَ فقالت عائشةُ : يا فاطمةُ أجيبي الرَّجلَ، فقالت فاطمةُ آجركَ اللهُ في ممشاك يا عبدَ اللهِ إنَّ رسولَ اللهِ اليومَ مشغولٌ بنفسِه، ثمَّ دعا الثَّالثةَ فقال : السَّلامُ عليكم يا أهلَ بيتِ النُّبوَّةِ ومعدِنَ الرِّسالةِ ومختلفَ الملائكةِ أدخُلُ ؟ فلا بدَّ من الدُّخولِ ! فسمِع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صوتَ ملَكِ الموتِ، فقال : يا فاطمةُ مَن بالبابِ ؟ فقالت : يا رسولَ اللهِ إنَّ رجلًا بالبابِ يستأذِنُ في الدُّخولِ فأجبناه مرَّةً بعد أخرَى فنادَى في الثَّالثةِ صوتًا اقشعرَّ منه جلدي، وارتعَدَتْ منه فرائصي، فقال لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يا فاطمةُ أتدرين من بالبابِ ؟ هذا هادمُ اللَّذاتِ ومفرِّقُ الجماعاتِ، هذا مُرمِّلُ الأزواجِ، ومُوتِمُ الأولادِ، هذا مخرِّبُ الدُّورِ، وعامرُ القبورِ، هذا ملَكُ الموتِ، ادخلْ يرحمْك اللهُ يا ملَكَ الموتِ جئتني زائرًا أم قابضًا ؟ قال : جئتُك زائرًا وقابضًا، وأمرني اللهُ عزَّ وجلَّ أن لا أدخلَ عليك إلَّا بإذنِك، ولا أقبضُ روحَك إلَّا بإذنِك، فإن أذِنتَ وإلَّا رجِعتُ إلى ربِّي فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يا ملَكَ الموتِ أين خلَّفت حبيبي جبريلَ ؟ فقال : خلَّفتُه في السَّماءِ الدُّنيا والملائكةُ يُعزُّونه فيك، فما كان بأسرع أن أتاه جبريلُ، فقعد عندَ رأسِه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يا جبريلُ ! هذا الرَّحيلُ من الدُّنيا فبشِّرْني ما لي عند اللهِ ؟ قال : أُبشِّرُك يا حبيبَ اللهِ إنِّي تركتُ أبوابَ السَّماءِ قد فُتِحَتْ والملائكةُ قد قاموا صفوفًا بالتَّحيَّةِ والرَّيحانِ يُحيُّونَ روحَك يا محمَّدُ، فقال : لوجهِ ربِّي الحمدُ، فبشِّرْني يا جبريلُ، قال : أُبشِّرُك أنَّ أبوابَ الجنَّةِ قد فُتِّحتْ، وأنهارُها قد اطَّردتْ وأشجارُها قد تدلَّتْ، وحورُها قد تزيَّنتْ لقُدومِ روحِك يا محمَّدُ. قال : لوجهِ ربِّي الحمدُ ! بشِّرْني يا جبريلُ، قال : أبوابُ النِّيرانِ قد أطبَقتْ لقُدومِ روحِك يا محمَّدُ، قال : لوجهِ ربِّي الحمدُ ! فبشِّرْني يا جبريلُ، قال : أنت أوَّلُ شافعٍ وأوَّلُ مُشفَّعٍ في القيامةِ، قال لوجهِ ربِّي الحمدُ ! فبشِّرْني يا جبريلُ : يا حبيبي عمَّ تسألُني ؟ قالَ : أسألُك عن غمِّي وهمِّي من لقُرَّاءِ القرآنِ من بعدي، من لصُّوَّامِ رمضانَ من بعدي ؟ من لحُجَّاجِ بيتِ اللهِ الحرامِ من بعدي ؟ من لأمَّتي المصطفاةِ من بعدي ؟ قال : أُبشِّرُك يا حبيبَ اللهِ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ : قد حرَّمتُ الجنَّةَ على جميعِ الأنبياءِ والأممِ حتَّى تدخُلَها أنتَ وأمَّتُك يا محمَّدُ. قال : الآنَ طابتْ نفسي، ادْنُ يا ملكَ الموتِ فانتَهِ إلى ما أُمِرْتَ : فقال عليٌّ رضِي اللهُ عنه : إذا أنت قُبِضتَ فمن يُغسِّلُك وفيم نُكفِّنُك ؟ ومن يُصلِّي عليك ؟ ومن يدخُلُ القبرَ ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يا عليٌّ أمَّا الغُسلُ فاغسلني أنت، وابنُ عبَّاسٍ يصبُّ عليك الماءَ، وجبريلُ ثالثُكما، فإذا أنتم فرغتُم من غسلي فكفِّنوني في ثلاثةِ أثوابٍ جُددٍ، وجبريلُ يأتيني بحنوطٍ من الجنَّةِ، فإذا أنتم وضعتموني على السَّريرِ فضعوني في المسجدِ، واخرجوا عنِّي فإنَّ أوَّلَ من يُصلِّي عليَّ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ من فوقِ عرشِه، ثمَّ جبريلُ، ثمَّ ميكائيلُ، ثمَّ إسرافيلُ، ثمَّ الملائكةُ، زُمَرًا زُمَرًا، ثمَّ ادخلوا فقُوموا صفوفًا صفوفًا لا يتقدَّمُ عليَّ أحدٌ، فقالت فاطمةُ : اليومَ الفِراقُ، فمتَى ألقاك، فقال لها : يا بُنيَّةُ تلقينني يومَ القيامةِ عند الحوضِ وأنا أسقِي من يرِدُ على الحوضِ من أمَّتي، قالت : فإن لم ألقَك يا رسولَ اللهِ ؟ قال : تلقينني عند الميزانِ، وأنا أشفعُ لأمَّتي، قالت : فإن لم ألقَك يا رسولَ اللهِ ؟ قالَ : تلقينني عند الصِّراطِ وأنا أُنادي : ربِّ سلَّم أمَّتي من النَّارِ، فدنا ملَكُ الموتِ فعالج قبْضَ روحِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا بلغ إلى الرُّكبتَيْن قال النَّبيُّ : أُوَاه ! فلمَّا بلغ الرَّوحُ إلى السُّرَّةِ نادَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : واكرْبَاه ! فقالتْ فاطمةُ : كربي لكربِك يا أبتاه ! فلمَّا بلغ الرُّوحُ إلى الثُّندُوَةِ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يا جبريلُ ما أشدَّ مرارةَ الموتِ ! فولَّى جبريلُ وجهَه عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يا جبريلُ كرِهتَ النَّظرَ إليَّ ؟ فقال جبريلُ : يا حبيبي ومن تُطيقُ نفسُه أن ينظُرَ إليك وأنت تُعالِجُ سكَراتِ الموتِ، فقُبِض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فغسَّله عليُّ بنُ أبي طالبٍ وابنُ عبَّاسٍ يصُبُّ الماءَ، وجبريلُ عليه السَّلامُ معهما، وكُفِّنَ في ثلاثةِ أثوابٍ جُددٍ، وحُمِل على السَّريرِ، ثمَّ أدخلوه المسجدَ وخرج النَّاسُ عنه، وأوَّلُ من صلَّى عليه الرَّبُّ من فوقِ عرشِه تعالَى وتقدَّس ثمَّ جبريلُ، ثمَّ ميكائيلُ، ثمَّ إسرافيلُ، ثمَّ الملائكةُ زُمَرًا زُمَرًا، قال عليٌّ رضِي اللهُ عنه : لقد سمِعنا في المسجدِ همهمةً ولم نرَ لهم شخصًا، فسمِعنا هاتفًا يهتِفُ وهو يقولُ : ادخلوا رحِمكم اللهُ ! فصلُّوا على نبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلمَ، فدخلنا فقُمنا صفوفًا كما أمرنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فكبَّرنا بتكبيرِ جبريلَ. وصلَّيْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بصلاةِ جبريلَ ما تقدَّم منَّا أحدٌ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ودخل القبرَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ وابنُ عبَّاسٍ وأبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، ودُفِن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا انصرف النَّاسُ قالت فاطمةُ : يا أبا الحسنِ دفنتُم رسولَ اللهِ ؟ قال : نعم قالتْ فاطمةُ : كيف طابتْ أنفسُكم أن تحثوا التُّرابَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ أما كان في صدورِكم لرسولِ اللهِ الرَّحمةُ ؟ أما كان مُعلِّمَ الخيرِ ؟ قال : بلى يا فاطمةُ، ولكنَّ أمرَ اللهِ عزَّ وجلَّ الَّذي لا مردَّ له، فجعلتْ تبكي، وتندُبُ وهي تقولُ : يا أبتاه ؟ الآن انقطع عنَّا جبريلُ وكان جبريلُ يأتينا بالوحيِ من السَّماءِ
خلاصة حكم المحدث : موضوع
الراوي : جابر بن عبدالله وعبدالله بن عباس | المحدث : ابن الجوزي | المصدر : الموضوعات لابن الجوزي الصفحة أو الرقم : 2/30
التخريج : أخرجه الطبراني (3/ 58) (2676)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (4/ 73) واللفظ لهما.
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة الضحى تفسير آيات - سورة النصر ديات وقصاص - القود من الضربة فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - تواضعه صلى الله عليه وسلم قرآن - أسباب النزول إيمان - تبليغ النبي الدعوة وعدم كتمانه شيئا من الوحي
| أحاديث مشابهة

أصول الحديث:


[الموضوعات لابن الجوزي] (1/ 295)
: باب ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم أنبأنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد قال أنبأنا أحمد بن محمد الحداد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا سليمان بن أحمد قال حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال حدثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه وهب بن منبه عن جابر بن عبد الله وابن عباس قالا: " لما نزلت [[إذا جاء نصر الله والفتح]] إلى آخر السورة قال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل نفسي قد نعيت. قال جبريل: الآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا ينادي الصلاة جامعة، فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب وبكت منها العيون، ثم قال: أيها الناس إني نبي كنت لكم. فقالوا جزاك الله من نبي خيرا فلقد كنت لنا كالأب الرحيم وكالأخ الناصح المشفق، أديت رسالات الله وأبلغتنا وحيه، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبيا عن أمته. فقال لهم معاشر المسلمين أنا أنشدكم بالله وبحقي عليكم من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني، فلم يقم إليه أحد، فنا شدهم الله فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثالثة: معاشر المسلمين من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني قبل القصاص في القيامة، فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة، فتخطى المسلمين حتى وقف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال فداك أبي وأمي، لولا أنك ناشدتنا مرة بعد مرة أخرى ما كنت بالذي أتقدم على شئ منك، كنت معك في غزاة فلما فتح الله علينا وكنا في الانصراف حاذت ناقتي ناقتك فنزلت عن الناقة ودنوت منك لأقبل فخذك فرفعت القضيب فضربت خاصرتي فلا أدري أكان عمدا منك أم أردت ضرب الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عكاشة أعيذك بحلال الله أن يتعمدك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضرب، يا بلال انطلق إلى منزل فاطمة وائتني بالقضيب الممشوق، فقالت فاطمة وما يصنع أبي بالقضيب الممشوق وليس هذا يوم حج ولا يوم غزاة؟ فقال يا فاطمة ما أغفلك عما فيه أبوك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع الدين ويفارق الدنيا ويعطي القصاص من نفسه، فقالت فاطمة يا بلال، ومن الذي تطيب نفسه أن يقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا بلال أذن فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل فيقتص منهما ولا يدعانه يقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل بلال المسجد، ودفع القضيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع رسول الله " صلى الله عليه وسلم القضيب إلى عكاشة، فلما نظر أبو بكر وعمر إلى ذلك قاما فقالا يا عكاشة ها نحن بين يديك فاقتص منا ولا تقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: امض يا أبا بكر وأنت يا عمر فقد عرف الله عزوجل مكانكما ومقامكما، فقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال يا عكاشة إنا في الحياة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تطيب نفسي أن تضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا ظهري وبطني اقتص مني بيدك واجلدني مائة ولا تقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا علي اقعد فقد عرف الله عزوجل مقامك ونيتك، وقام الحسن والحسين عليهما السلام فقالا يا عكاشة أليس تعلم أنا سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فالقصاص منا كالقصاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: اقعدا يا قرة عيني لا نسي الله لكما هذا المقام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عكاشة اضرب إن كنت ضاربا، فقال يا رسول الله ضربتني وأنا حاسر عن بطني، فكشف عن بطنه صلى الله عليه وسلم وصاح المسلمون بالبكاء، وقالوا نرى عكاشة ضاربا بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما نظر عكاشة إلى بياض بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه القباطي لم يملك أن أكب عليه فقبل بطنه وهو يقول: فداك أبي وأمي. ومن تطيق نفسه أن يقتص منك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم إما أن تضرب وإما أن تعفو، فقال قد عفوت عنك رجاء أن يعفو الله عني في القيامة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنة فلينظر إلى هذا الشيخ، فقام المسلمون فجعلوا يقبلون ما بين عينيه، ويقولون: طوباك طوباك نلت الدرجات العلى ومرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه وكان مرضه ثمانية عشر يوما يعوده الناس، وكان صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين وبعث يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين، فلما كان يوم الأحد ثقل في مرضه فأذن بلال ثم وقف بالباب فنادى السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمك الله. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت بلال فقالت فاطمة يا بلال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم مشغول بنفسه، فدخل بلال المسجد، فلما أسفر الصبح قال والله لا أقيمها أو أستأذن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع وقام بالباب ونادى السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله. الصلاة يرحمك الله، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت بلال فقال ادخل يا بلال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول بنفسه مر أبا بكر يصلي بالناس. فخرج ويده على أم رأسه وهو يقول يا غوثاه بالله وانقطاع رجائي وانفصام [[انقصام]] ظهري ليتني لم تلدني أمي وإذ ولدتني لم أشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اليوم. ثم قال يا أبا بكر ألا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تصلي بالناس، فتقدم أبو بكر وكان رجلا رقيقا، فلما نظر إلى خلو المكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتمالك أن خر مغشيا عليه وصاح المسلمون بالبكاء، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجيج الناس، فقال ما هذه الضجة؟ فقالوا ضجة المسلمين لفقدك يا رسول الله فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليا والعباس فاتكأ عليهما فخرج إلى المسجد، فصلى بالناس ركعتين خفيفتين ثم أقبل بوجهه المليح عليهم فقال يا معشر المسلمين أستودعكم الله، أنتم في رجاء الله وأمانه، والله خليفتي عليكم، معاشر المسلمين، عليكم باتقاء الله وحفظ طاعته من بعدي فإني مفارق الدنيا. هذا أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا. فلما كان يوم الاثنين اشتد به الأمر، فأوحى الله تعالى إلى ملك الموت أن اهبط إلى حبيبي وصفيي محمد في أحسن صورة وارفق به في قبض روحه، فهبط ملك الموت فوقف بالباب شبه أعرابي ثم قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة..أدخل؟ فقالت عائشة لفاطمة أجيبي الرجل، فقالت فاطمة: آجرك الله في ممشاك يا عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول بنفسه، فنادى الثانية، فقالت عائشة يا فاطمة أجيبي الرجل، فقالت فاطمة: آجرك الله في ممشاك يا عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول بنفسه، ثم دعا الثالثة فقال السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة أدخل فلابد من الدخول. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت ملك الموت فقال يا فاطمة من بالباب؟ فقالت يا رسول الله إن رجلا بالباب يستأذن في الدخول فأجبناه مرة بعد أخرى فنادى في الثالثة صوتا اقشعر منه جلدي وارتعدت منه فرائصي فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يا فاطمة أتدرين من بالباب؟ هذا هادم اللذات ومفرق الجماعات، هذا مرمل الأزواج، وموتم الأولاد، هذا مخرب الدور، وعامر القبور، هذا ملك الموت، ادخل يرحمك الله يا ملك الموت، فدخل ملك الموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ملك الموت جئتني زائرا أو قابضا؟ قال: جئتك زائرا وقابضا وأمرني الله عزوجل أن لا أدخل عليك إلا بإذنك ولا أقبض روحك إلا بإذنك، فإن أذنت وإلا رجعت إلى ربي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ملك الموت أين خلفت حبيبي جبريل؟ قال خلفته في السماء الدنيا والملائكة يعزونه فيك، فما كان أسرع أن أتاه جبريل فقعد عند رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل هذا الرحيل من الدنيا فبشرني بمالي عند الله، فقال أبشرك يا حبيب الله أني تركت أبواب السماء قد فتحت، والملائكة قد قاموا صفوفا صفوفا بالتحية والريحان يحيون روحك يا محمد. فقال لوجه ربي الحمد فبشرني يا جبريل، قال أبشرك أن أبواب الجنة قد فتحت، وأنهارها قد اطردت وأشجارها قد تدلت وحورها قد زينت لقدوم روحك يا محمد، قال لوجه ربى الحمد فبشرني يا جبريل. قال أبواب النيران قد أطبقت لقدوم روحك يا محمد قال لوجه ربي الحمد فبشرني يا جبريل. قال أنت أول شافع وأول مشفع في القيامة. قال لوجه ربي الحمد فبشرني يا جبريل قال جبريل يا حبيبي عم تسألني؟ قال أسألك عن غمي وهمي، من لقراء القرآن من بعدي؟ من لصوام رمضان من بعدي؟ من لحجاج بيت الله الحرام من بعدي؟ من لأمتي المصفاة من بعدي؟ قال: أبشر يا حبيب الله فإن الله عزوجل يقول: قد حرمت الجنة على جميع الأنبياء والأمم حتى تدخلها أنت وأمتك يا محمد. قال: الآن طابت نفسي ادن يا ملك الموت فانته كما أمرت. فقال علي رضي الله عنه: إذا أنت قبضت فمن يغسلك! وفيم نكفنك؟ ومن يصلي عليك؟ ومن يدخل القبر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الغسل فاغسلني أنت وابن عباس يصب عليك الماء وجبريل ثالثكما، فإذا أنتم فرغتم من غسلي فكفنوني في ثلاثة أثواب جدد وجبريل يأتيني بحنوط من الجنة، فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني في المسجد واخرجوا عني، فإن أول من يصلي علي الرب من فوق عرشه ثم جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم الملائكة زمرا مرا، ثم ادخلوا فقوموا صفوفا صفوفا لا يتقدم علي أحد. فقالت فاطمة: اليوم الفراق فمتى ألقاك؟ فقال لها: يا بنية تلقيني يوم القيامة عند الحوض وأنا أسقي من يرد على الحوض من أمتي. قالت فإن لم ألقك يا رسول الله؟ قال تلقيني عند الميزن وأنا أشفع لأمتي. قالت: فإن لم ألقك يا رسول الله؟ قال تلقيني عند الصراط وأنا أنادي رب سلم أمتي من النار. فدنا ملك الموت فعالج قبض روح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ الروح إلى الركبتين قال النبي صلى الله عليه وسلم أوه، فلما بلغ الروح إلى السرة نادى النبي صلى الله عليه وسلم واكرباه، فقالت فاطمة كربي لكربك يا أبتاه، فلما بلغ الروح البندوة [[الثندؤة]] قال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل ما أشد مرارة الموت، فولى جبريل وجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهت النظر إلى؟ فقال جيريل يا حبيبي ومن تطيق نفسه [[أن]] ينظر إليك وأنت تعالج سكرات الموت؟ فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسله علي بن أبي طالب وابن عباس يصب الماء وجبريل عليه السلام معهما، فكفن بثلاثة أثواب جدد وحمل على السرير ثم أدخلوه المسجد ووضعوه في المسجد وخرج الناس عنه، فأول من صلى عليه الرب من فوق عرشه تعالى وتقدس، ثم جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم الملائكة زمرا زمرا. قال: قال علي رضي الله عنه: لقد سمعنا في المسجد همهمة ولم نر لهم شخصا فسمعنا هاتفا يهتف وهو يقول: ادخلوا رحمكم الله فصلوا على نبيكم صلى الله عليه وسلم، فدخلنا فقمنا صفوفا كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبرنا بتكبير جبريل وصلينا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة جبريل ما تقدم منا أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل القبر علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو بكر الصديق، ودفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف الناس قالت فاطمة لعلي: يا أبا الحسن دفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم. قالت كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما كان في صدور كم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة؟ أما كان معلم الخير؟ قال بلى يا فاطمة، ولكن أمر الله عزوجل الذي لا مرد له. فجعلت تبكى وتتدب وهي تقول: يا أبتاه الآن انقطع عنا جبريل، وكان جبريل يأتينا بالوحي من السماء ". هذا حديث موضوع محال كافأ الله من وضعه وقبح من يشين الشريعة بمثل هذا التخليط البارد والكلام الذي لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالصحابة، والمتهم به عبد المنعم بن إدريس. قال أحمد بن حنبل: كان يكذب على وهب. وقال يحيى: كذاب خبيث. وقال ابن المديني وأبو داود: ليس بثقة وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به. وقال الدارقطني: هو وأبوه متروكان.

[المعجم الكبير للطبراني] (3/ 58)
: 2676 - حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، ثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان، عن أبيه، عن وهب بن منبه، عن جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس في قول الله عز وجل: {إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} [[النصر: 2]] ، قال: لما نزلت قال محمد صلى الله عليه وسلم: ‌يا ‌جبريل ‌نفسي ‌قد ‌نعيت . قال جبريل عليه السلام: الآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صعد المنبر، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه، ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب وبكت العيون، ثم قال: أيها الناس أي نبي كنت لكم؟ فقالوا: جزاك الله من نبي خيرا؛ فلقد كنت بنا كالأب الرحيم، وكالأخ الناصح المشفق، أديت رسالات الله عز وجل وأبلغتنا وحيه، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبيا عن أمته. فقال لهم: " معاشر المسلمين، أنا أنشدكم بالله وبحقي عليكم، من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني. فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثانية، فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثالثة: معاشر المسلمين أنشدكم بالله وبحقي عليكم من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني قبل القصاص في القيامة ". فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة، فتخطى المسلمين حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: فداك أبي وأمي، لولا أنك ناشدتنا مرة بعد أخرى ما كنت بالذي يقدم على شيء من هذا، كنت معك في غزاة، فلما فتح الله عز وجل علينا ونصر نبيه صلى الله عليه وسلم وكنا في الانصراف حاذت ناقتي ناقتك فنزلت عن الناقة، ودنوت منك لأقبل فخذك، فرفعت القضيب فضربت خاصرتي، ولا أدري أكان عمدا منك، أم أردت ضرب الناقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعيذك بجلال الله أن يتعمدك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضرب، يا بلال انطلق إلى منزل فاطمة وائتني بالقضيب الممشوق . فخرج بلال من المسجد ويده على أم رأسه، وهو ينادي: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي القصاص من نفسه. فقرع الباب على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله ناوليني القضيب الممشوق. فقالت فاطمة: يا بلال وما يصنع أبي بالقضيب وليس هذا يوم حج ولا يوم غزاة؟ فقال: يا فاطمة ما أغفلك عما فيه أبوك، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع الدين ويفارق الدنيا، ويعطي القصاص من نفسه. فقالت فاطمة رضي الله عنها: يا بلال ومن ذا الذي تطيب نفسه أن يقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يا بلال فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل فيقتص منهما، ولا يدعانه يقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخل بلال المسجد، ودفع القضيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم القضيب إلى عكاشة، فلما نظر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى ذلك، قاما فقالا: يا عكاشة هذان نحن بين يديك فاقتص منا، ولا تقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: امض يا أبا بكر وأنت يا عمر، فامض فقد عرف الله مكانكما ومقامكما . فقام علي بن أبي طالب، فقال: يا عكاشة أنا في الحياة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تطيب نفسي أن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا ظهري وبطني، اقتص مني بيدك واجلدني مئة، ولا تقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي اقعد فقد عرف الله عز وجل مقامك ونيتك . وقام الحسن والحسين رضي الله عنهما فقالا: يا عكاشة أليس تعلم أنا سبطا رسول الله؟ فالقصاص منا كالقصاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهما صلى الله عليه وسلم: اقعدا يا قرة عيني، لا نسي الله لكما هذا المقام . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عكاشة اضرب إن كنت ضاربا . فقال: يا رسول الله، ضربتني وأنا حاسر عن بطني. فكشف عن بطنه صلى الله عليه وسلم، وصاح المسلمون بالبكاء، وقالوا: أترى عكاشة ضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما نظر عكاشة إلى بياض بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه القباطي، لم يملك أن كب عليه وقبل بطنه، وهو يقول: فداء لك أبي وأمي، ومن تطيق نفسه أن يقتص منك؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إما أن تضرب، وإما أن تعفو . فقال: قد عفوت عنك رجاء أن يعفو الله عني في القيامة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنة فلينظر إلى هذا الشيخ . فقام المسلمون، فجعلوا يقبلون ما بين عيني عكاشة، ويقولون: طوباك طوباك، نلت الدرجات العلى ومرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فكان مريضا ثمانية عشر يوما يعوده الناس، وكان صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وبعث يوم الاثنين، وقبض يوم الاثنين، فلما كان في يوم الأحد ثقل في مرضه، فأذن بلال بالأذان، ثم وقف بالباب فنادى: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، الصلاة رحمك الله. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت بلال، فقالت فاطمة رضي الله عنها: يا بلال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم مشغول بنفسه. فدخل بلال المسجد، فلما أسفر الصبح، قال: والله لا أقيمها أو أستأذن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجع فقام بالباب ونادى: السلام عليك يا رسول ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمك الله. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت بلال، فقال: ادخل يا بلال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول بنفسه، مر أبا بكر يصل بالناس . فخرج ويده على أم رأسه، وهو يقول: واغوثا بالله، وانقطاع رجائه، وانقطاع رجائه، وانقصام ظهري، ليتني لم تلدني أمي، وإذ ولدتني لم أشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اليوم. ثم قال: يا أبا بكر، ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تصلي بالناس. فتقدم أبو بكر رضي الله عنه للناس، وكان رجلا رقيقا، فلما نظر إلى خلوة المكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتمالك أن خر مغشيا عليه، وصاح المسلمون بالبكاء، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجيج الناس، فقال: ما هذه الضجة؟ ، قالوا: ضجة المسلمين لفقدك يا رسول الله. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما، فاتكأ عليهما، فخرج إلى المسجد، فصلى بالناس ركعتين خفيفتين، ثم أقبل بوجهه المليح عليهم، فقال: يا معشر المسلمين، أستودعكم الله، أنتم في رجاء الله وأمانه، والله خلفتي عليكم، معاشر المسلمين، عليكم باتقاء الله وحفظ طاعته من بعدي، فإني مفارق الدنيا، هذا أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا . فلما كان يوم الاثنين اشتد به الأمر، وأوحى الله عز وجل إلى ملك الموت صلى الله عليه وسلم أن اهبط إلى حبيبي وصفيي محمد صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة، وارفق به في قبض روحه، فهبط ملك الموت صلى الله عليه وسلم، فوقف بالباب شبه أعرابي، ثم قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، أدخل؟ فقالت عائشة رضي الله عنها لفاطمة: أجيبي الرجل. فقالت فاطمة: آجرك الله في ممشاك يا عبد الله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول بنفسه. فدعا الثانية، فقالت عائشة: يا فاطمة أجيبي الرجل. فقالت فاطمة: آجرك الله في ممشاك يا عبد الله، إن رسول الله مشغول بنفسه. ثم دعا الثالثة: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، أأدخل؟ فلابد من الدخول. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت ملك الموت صلى الله عليه وسلم، فقال: يا فاطمة من بالباب؟ فقالت: يا رسول الله، إن رجلا بالباب يستأذن في الدخول، فأجبناه مرة بعد أخرى، فنادى في الثالثة صوتا اقشعر منه جلدي، وارتعدت فرائصي. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة، أتدرين من بالباب؟ هذا هادم اللذات، ومفرق الجماعات، هذا مرمل الأزواج، وموتم الأولاد، هذا مخرب الدور، وعامر القبور، هذا ملك الموت صلى الله عليه وسلم، ادخل رحمك الله يا ملك الموت . فدخل ملك الموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ملك الموت، جئتني زائرا أم قابضا؟ قال: جئتك زائرا وقابضا، وأمرني الله عز وجل أن لا أدخل عليك إلا بإذنك، ولا أقبض روحك إلا بإذنك، فإن أذنت وإلا رجعت إلى ربي عز وجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ملك الموت، أين خلفت حبيبي جبريل؟ قال: خلفته في السماء الدنيا والملائكة يعزونه فيك، فما كان بأسرع أن أتاه جبريل عليه السلام، فقعد عند رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، هذا الرحيل من الدنيا، فبشرني ما لي عند الله ؟ قال: أبشرك يا حبيب الله أني قد تركت أبواب السماء قد فتحت، والملائكة قد قاموا صفوفا صفوفا بالتحية والريحان يحيون روحك يا محمد. فقال: لوجه ربي الحمد، وبشرني يا جبريل . قال: أبشرك أن أبواب الجنان قد فتحت، وأنهارها قد اطردت، وأشجارها قد تدلت، وحورها قد تزينت لقدوم روحك يا محمد. قال: لوجه ربي الحمد، فبشرني يا جبريل . قال: أنت أول شافع وأول مشفع في القيامة. قال: لوجه ربي الحمد . قال جبريل: يا حبيبي، عم تسألني؟ قال: أسألك عن غمي وهمي، من لقراء القرآن من بعدي؟ من لصوم شهر رمضان من بعدي؟ من لحاج بيت الله الحرام من بعدي؟ من لأمتي المصفاة من بعدي؟ قال: أبشر يا حبيب الله، فإن الله عز وجل يقول: قد حرمت الجنة على جميع الأنبياء والأمم حتى تداخلها أنت وأمتك يا محمد. قال: الآن طابت نفسي، إذن يا ملك الموت فانته إلى ما أمرت . فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله، إذا أنت قبضت فمن يغسلك؟ وفيم نكفنك؟ ومن يصلى عليك؟ ومن يدخل القبر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي أما الغسل فاغسلني أنت، والفضل بن عباس يصب عليك الماء، وجبريل عليه السلام ثالثكما، فإذا أنتم فرغتم من غسلي فكفنوني في ثلاثة أثواب جدد، وجبريل عليه السلام يأتيني بحنوط من الجنة، فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني في المسجد واخرجوا عني، فإن أول من يصلي علي الرب عز وجل من فوق عرشه، ثم جبريل عليه السلام، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل عليهما السلام، ثم الملائكة زمرا زمرا، ثم ادخلوا، فقوموا صفوفا لا يتقدم علي أحد . فقالت فاطمة رضي الله تعالى عنها: يا بلال ومن ذا الذي تطيب نفسه أن يقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يا بلال فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل فيقتص منهما، ولا يدعانه يقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخل بلال المسجد ، ودفع القضيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم القضيب إلى عكاشة، فلما نظر أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما إلى ذلك، قاما فقالا: يا عكاشة هذان نحن بين يديك فاقتص منا، ولا تقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: امض يا أبا بكر وأنت يا عمر، فامض فقد عرف الله مكانكما ومقامكما . فقام علي بن أبي طالب، فقال: يا عكاشة أنا في الحياة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تطيب نفسي أن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا ظهري وبطني، اقتص مني بيدك واجلدني مائة، ولا تقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي اقعد فقد عرف الله عز وجل مقامك ونيتك . وقام الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما فقالا: يا عكاشة أليس تعلم أنا سبطا رسول الله؟ فالقصاص منا كالقصاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهما صلى الله عليه وسلم: اقعدا يا قرة عيني، لا نسي الله لكما هذا المقام . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عكاشة اضرب إن كنت ضاربا . فقال: يا رسول الله، ضربتني وأنا حاسر عن بطني. فكشف عن بطنه صلى الله عليه وسلم، وصاح المسلمون بالبكاء، وقالوا: أترى عكاشة ضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما نظر عكاشة إلى بياض بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه القباطي، لم يملك أن كب عليه وقبل بطنه، وهو يقول: فداء لك أبي وأمي، ومن تطيق نفسه أن يقتص منك؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إما أن تضرب، وإما أن تعفو . فقال: قد عفوت عنك رجاء أن يعفو الله عني في القيامة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنة فلينظر إلى هذا الشيخ . فقام المسلمون، فجعلوا يقبلون ما بين عيني عكاشة، ويقولون: طوباك طوباك، نلت الدرجات العلى ومرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فكان مريضا ثمانية عشر يوما يعوده الناس، وكان صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وبعث يوم الاثنين، وقبض يوم الاثنين، فلما كان في يوم الأحد ثقل في مرضه، فأذن بلال بالأذان، ثم وقف بالباب فنادى: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، الصلاة رحمك الله. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت بلال، فقالت فاطمة رضي الله تعالى عنها: يا بلال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم مشغول بنفسه. فدخل بلال المسجد، فلما أسفر الصبح، قال: والله لا أقيمها أو أستأذن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجع فقام بالباب ونادى: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمك الله. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت بلال، فقال: ادخل يا بلال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول بنفسه، مر أبا بكر يصل بالناس . فخرج ويده على أم رأسه، وهو يقول: واغوثا بالله، وانقطاع رجائه، وانقطاع رجائه، وانقصام ظهري، ليتني لم تلدني أمي، وإذ ولدتني لم أشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اليوم. ثم قال: يا أبا بكر، ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تصلي بالناس. فتقدم أبو بكر رضي الله تعالى عنه للناس، وكان رجلا رقيقا، فلما نظر إلى خلوة المكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتمالك أن خر مغشيا عليه، وصاح المسلمون بالبكاء، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجيج الناس، فقال: ما هذه الضجة؟ ، قالوا: ضجة المسلمين لفقدك يا رسول الله. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فاتكأ عليهما، فخرج إلى المسجد، فصلى بالناس ركعتين خفيفتين، ثم أقبل بوجهه المليح عليهم، فقال: يا معشر المسلمين، أستودعكم الله، أنتم في رجاء الله وأمانه، والله خلفتي عليكم، معاشر المسلمين، عليكم باتقاء الله وحفظ طاعته من بعدي، فإني مفارق الدنيا، هذا أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا . فلما كان يوم الاثنين اشتد به الأمر، وأوحى الله عز وجل إلى ملك الموت صلى الله عليه وسلم أن اهبط إلى حبيبي وصفيي محمد صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة، وارفق به في قبض روحه، فهبط ملك الموت صلى الله عليه وسلم، فوقف بالباب شبه أعرابي، ثم قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، أدخل؟ فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها لفاطمة: أجيبي الرجل. فقالت فاطمة: آجرك الله في ممشاك يا عبد الله، إن رسول الله مشغول بنفسه. فدعا الثانية، فقالت عائشة: يا فاطمة أجيبي الرجل. فقالت فاطمة: آجرك الله في ممشاك يا عبد الله، إن رسول الله مشغول بنفسه. ثم دعا الثالثة: السلام عليكم يا أهل النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، أأدخل؟ فلا بد من الدخول. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت ملك الموت صلى الله عليه وسلم، فقال: يا فاطمة من بالباب؟ فقالت: يا رسول الله، إن رجلا بالباب يستأذن في الدخول، فأجبناه مرة بعد أخرى، فنادى في الثالثة صوتا اقشعر منه جلدي، وارتعدت فرائصي. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة، أتدرين من بالباب؟ هذا هادم اللذات، ومفرق الجماعات، هذا مرمل الأزواج، وموتم الأولاد، هذا مخرب الدور، وعامر القبور، هذا ملك الموت صلى الله عليه وسلم، ادخل رحمك الله يا ملك الموت . فدخل ملك الموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ملك الموت، جئتني زائرا أم قابضا؟ قال: جئتك زائرا وقابضا، وأمرني الله عز وجل أن لا أدخل عليك إلا بإذنك، ولا أقبض روحك إلا بإذنك، فإن أذنت وإلا رجعت إلى ربي عز وجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ملك الموت، أين خلفت حبيبي جبريل؟ قال: خلفته في السماء الدنيا والملائكة يعزونه فيك، فما كان بأسرع أن أتاه جبريل عليه السلام، فقعد عند رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، هذا الرحيل من الدنيا، فبشرني ما لي عند الله ؟ قال: أبشرك يا حبيب الله أني قد تركت أبواب السماء قد فتحت، والملائكة قد قاموا صفوفا صفوفا بالتحية والريحان يحيون روحك يا محمد. فقال: لوجه ربي الحمد، وبشرني يا جبريل . قال: أبشرك أن أبواب الجنان قد فتحت، وأنهارها قد اطردت، وأشجارها قد تدلت، وحورها قد تزينت لقدوم روحك يا محمد. قال: لوجه ربي الحمد، فبشرني يا جبريل . قال: أنت أول شافع وأول مشفع في القيامة. قال: لوجه ربي الحمد . قال جبريل: يا حبيبي، عم تسألني؟ قال: أسألك عن غمي وهمي، من لقراء القرآن من بعدي؟ من لصوم شهر رمضان من بعدي؟ من لحاج بيت الله الحرام من بعدي؟ من لأمتي المصفاة من بعدي؟ قال: أبشر يا حبيب الله، فإن الله عز وجل يقول: قد حرمت الجنة على جميع الأنبياء والأمم حتى تداخلها أنت وأمتك يا محمد. قال: الآن طابت نفسي، إذن يا ملك الموت فانته إلى ما أمرت . فقال علي رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله، إذا أنت قبضت فمن يغسلك؟ وفيم نكفنك؟ ومن يصلى عليك؟ ومن يدخل القبر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي أما الغسل فاغسلني أنت، والفضل بن عباس يصب عليك الماء، وجبريل عليه السلام ثالثكما، فإذا أنتم فرغتم من غسلي فكفنوني في ثلاثة أثواب جدد، وجبريل عليه السلام يأتيني بحنوط من الجنة، فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني في المسجد واخرجوا عني، فإن أول من يصلي علي الرب عز وجل من فوق عرشه، ثم جبريل عليه السلام، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل عليهما السلام، ثم الملائكة زمرا زمرا، ثم ادخلوا، فقوموا صفوفا لا يتقدم علي أحد . فقالت فاطمة رضي الله تعالى عنها: اليوم الفراق، فمتى ألقاك؟ فقال لها: يا بنية، تلقينني يوم القيامة عند الحوض وأنا أسقي من يرد على الحوض من أمتي . قالت: فإن لم ألقك يا رسول الله؟ قال: تلقينني عند الميزان وأنا أشفع لأمتي . قالت: فإن لم ألقك يا رسول الله؟ قال: تلقينني عند الصراط وأنا أنادي ربي سلم أمتي من النار . فدنا ملك الموت صلى الله عليه وسلم يعالج قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ الروح الركبتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوه . فلما بلغ الروح السرة نادى النبي صلى الله عليه وسلم: واكرباه . فقالت فاطمة عليها السلام: كربي يا أبتاه. فلما بلغ الروح إلى الثندؤة نادى النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، ما أشد مرارة الموت . فولى جبريل عليه السلام وجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، كرهت النظر إلي؟ فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: يا حبيبي، ومن تطيق نفسه أن ينظر إليك وأنت تعالج سكرات الموت؟ فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغسله علي بن أبي طالب، وابن عباس يصب عليه الماء، وجبريل عليه السلام معهما، وكفن بثلاثة أثواب جدد، وحمل على سرير، ثم أدخلوه المسجد، ووضعوه في المسجد، وخرج الناس عنه، فأول من صلى عليه الرب تعالى من فوق عرشه، ثم جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم الملائكة زمرا زمرا. قال علي رضي الله تعالى عنه: لقد سمعنا في المسجد همهمة، ولم نر لهم شخصا، فسمعنا هاتفا يهتف ويقول: ادخلوا رحمكم الله فصلوا على نبيكم صلى الله عليه وسلم. فدخلنا، وقمنا صفوفا صفوفا كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبرنا بتكبير جبريل عليه السلام، وصلينا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة جبريل عليه السلام، ما تقدم منا أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل القبر أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، ودفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف الناس قالت فاطمة لعلي رضي الله تعالى عنه: يا أبا الحسن، دفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قالت فاطمة رضي الله تعالى عنها: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما كان في صدوركم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة، أما كان معلم الخير؟ قال: بلى يا فاطمة، ولكن أمر الله الذي لا مرد له. فجعلت تبكي وتندب، وهي تقول: يا أبتاه، الآن انقطع جبريل عليه السلام، وكان جبريل يأتينا بالوحي من السماء

[حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - ط السعادة] (4/ 73)
: حدثنا سليمان بن أحمد قال ثنا محمد بن أحمد بن البراء قال ثنا عبد المنعم ابن إدريس بن سنان عن أبيه عن وهب بن منبه عن جابر بن عبد الله وابن عباس. قالا: لما نزلت {إذا جاء نصر الله والفتح} إلى آخر السورة قال محمد صلى الله عليه وسلم: ‌يا ‌جبريل ‌نفسي ‌قد ‌نعيت، قال جبريل الآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا لا أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب، وبكت منها العيون، ثم قال: أيها الناس أي نبي كنت لكم؟ قالوا جزاك الله من نبي خيرا، فلقد كنت لنا كالأب الرحيم، وكالأخ الناصح المشفق، أديت رسالات الله، وأبلغتنا وحيه، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك الله عنا أفضل ما جزى نبيا عن أمته، فقال لهم معاشر المسلمين: أنا أنشدكم بالله وبحقي عليكم، من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص منى قبل القصاص في القيامة. فلم يقم إليه أحد فناشدهم الثانية فلم يقم اليه احد، فناشدهم الثالثة معاشر المسلمين من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني قبل القصاص في يوم القيامة، فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة، فتخطى المسلمين حتى وقف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فداك أبي وأمي لولا أنك ناشدتنا مرة بعد أخرى ما كنت بالذي أتقدم على شيء منك، كنت معك في غزاة فلما فتح الله علينا ونصر نبيه صلى الله عليه وسلم وكنا في الانصراف، حاذت ناقتى ناقتك، فنزلت عن الناقة ودنوت منك لا قبل فخذك فرفعت القضيب فضربت خاصرتي، فلا أدري أكان عمدا منك أم أردت ضرب الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عكاشة أعيذك بجلال الله أن يتعمدك رسول الله بالضرب، يا بلال انطلق إلى منزل فاطمة وائتني بالقضيب الممشوق فخرج بلال من المسجد ويده على أم رأسه وهو ينادي هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي القصاص من نفسه، فقرع الباب على فاطمة فقال يا ابنة رسول الله ناولينى القضيب الممشوق، فقالت فاطمة: يا بلال وما يصنع أبي بالقضيب وليس هذا يوم حج ولا يوم غزاة. فقال: يا فاطمة ما أغفلك عما فيه أبوك؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع الدين ويفارق الدنيا ويعطي القصاص من نفسه، فقالت فاطمة: يا بلال ومن الذي تطيب نفسه أن يقتص من رسول الله؟ يا بلال إذا فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل فيقتص منهما ولا يدعانه يقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل بلال المسجد ودفع القضيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع رسول صلى الله عليه وسلم القضيب إلى عكاشة، فلما نظر أبو بكر وعمر إلى ذلك قاما فقالا: يا عكاشة ها نحن بين يديك فاقتص منا ولا تقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: امض يا أبا بكر وأنت يا عمر فامض، فقد عرف الله تعالى مكانكما ومقامكما، فقام علي بن أبي طالب فقال: يا عكاشة إنا في الحياة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تطيب نفسي أن تضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا ظهرى وبطنى اقتص مني بيدك واجلدني مائة ولا تقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي اقعد فقد عرف الله عز وجل مقامك ونيتك، وقام الحسن والحسين فقالا: يا عكاشة أليس تعلم أنا سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقصاص منا كالقصاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: اقعدا يا قرة عيني لا نسي الله لكما هذا المقام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عكاشة اضرب إن كنت ضاربا، فقال: يا رسول الله ضربتني وأنا حاسر عن بطني، فكشف عن بطنه صلى الله عليه وسلم، وصاح المسلمون بالبكاء وقالوا أترى عكاشة ضاربا بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما نظر عكاشة إلى بياض بطن النبى صلى الله عليه وسلم كأنه القباطي لم يملك أن أكب عليه فقبل بطنه وهو يقول: فداك أبي وأمي ومن تطيق نفسه أن يقتص منك؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إما أن تضرب وإما أن تعفو. فقال: قد عفوت عنك رجاء أن يعفو الله عنى فى يوم القيامة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنة فلينظر إلى هذا الشيخ؟ فقام المسلمون فجعلوا يقبلون ما بين عينيه، ويقولون طوباك طوباك نلت درجات العلى ومرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فكان مريضا ثمانية عشر يوما يعوده الناس. وكان صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين، وبعث يوم الإثنين وقبض في يوم الإثنين، فلما كان يوم الأحد ثقل في مرضه فأذن بلال بالأذان ثم وقف بالباب، فنادى السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله الصلاة يرحمك الله! فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت بلال فقالت فاطمة: يا بلال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم مشغول بنفسه، فدخل بلال المسجد فلما أسفر الصبح قال والله لا أقيمها أو أستأذن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع وقام بالباب ونادى السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله الصلاة يرحمك الله! فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت بلال فقال، ادخل يا بلال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول بنفسه، مر أبا بكر يصلي بالناس، فخرج ويده على أم رأسه وهو يقول: وا غوثاه بالله! وانقطاع رجائي، وانقصام ظهري، ليتني لم تلدني أمي وإذ ولدتني ليتني لم أشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اليوم؟ ثم قال: يا أبا بكر ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تصلي بالناس، فتقدم أبو بكر رضي الله عنه للناس وكان رجلا رقيقا فلما نظر إلى خلو المكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتمالك أن خر مغشيا عليه، وصاح المسلمون بالبكاء فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجيج الناس. فقال: ما هذه الضجة: فقالوا؟ ضجة المسلمين لفقدك يا رسول الله! فدعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والعباس رضى الله تعالى عنهما فاتكأ عليهما، فخرج إلى المسجد فصلى بالناس ركعتين خفيفتين، ثم أقبل بوجهه المليح عليهم فقال: معشر المسلمين استودعتكم الله أنتم في رجاء الله وأمانه، والله خليفتي عليكم معاشر المسلمين عليكم باتقاء الله! وحفظ طاعته من بعدي، فإني مفارق الدنيا هذا أول يوم من الآخرة وآخر يوم من الدنيا، فلما كان فى يوم الإثنين اشتد به الوجع وأوحى الله تعالى إلى ملك الموت عليه السلام، أن اهبط الى حبيبى وصفيي محمد صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة وارفق به في قبض روحه، فهبط ملك الموت عليه السلام فوقف بالباب شبه أعرابى. ثم قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة أأدخل؟ فقالت عائشة لفاطمة رضي الله تعالى عنهما: أجيبي الرجل. فقالت فاطمة رضي الله عنها: آجرك الله في ممشاك يا عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول بنفسه، فنادى الثانية فقالت عائشة: يا فاطمة أجيبي الرجل فقالت فاطمة رضي الله تعالى عنها: آجرك الله في ممشاك يا عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم مشغول بنفسه، ثم دعا الثالثة ثم قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، أأدخل؟ فلا بد من الدخول!! فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت ملك الموت. فقال: يا فاطمة من بالباب؟ فقالت: يا رسول إن رجلا بالباب يستأذن بالدخول فأجبناه مرة بعد أخرى، فنادى في الثالثة صوتا اقشعر منه جلدى وارتعدت فرائصي. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة أتدرين من بالباب؟ هذا هادم اللذات، ومفزق الجماعات، هذا مرمل الأزواج، ومؤتم الأولاد، هذا مخرب الدور، وعامر القبور، هذا ملك الموت عليه السلام، ادخل يرحمك الله يا ملك الموت! فدخل ملك الموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ملك الموت جئتني زائرا أم قابضا؟ قال: جئتك زائرا وقابضا، وأمرني الله عز وجل أن لا أدخل عليك إلا بإذنك، ولا أقبض روحك إلا بإذنك، فإن أذنت وإلا رجعت إلى ربي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ملك الموت أين خلفت حبيبي جبريل؟ قال خلفته في السماء الدنيا والملائكة يعزونه فيك، فما كان بأسرع أن أتاه جبريل فقعد عند رأسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل هذا الرحيل من الدنيا فبشرني ما لي عند الله. قال: أبشرك يا حبيب الله أني تركت أبواب السماء قد فتحت، والملائكة قد قاموا صفوفا صفوفا بالتحية والريحان، يحيون روحك يا محمد. فقال لوجه ربي الحمد! فبشرني يا جبريل. قال: أبشرك أن أبواب الجنة قد فتحت، وأنهارها قد اطردت، وأشجارها قد تدلت، وحورها قد تزينت لقدوم روحك يا محمد. قال: لوجه ربي الحمد! فبشرني يا جبريل. قال: أبواب النيران قد أطبقت لقدوم روحك يا محمد. قال: لوجه ربي الحمد! فبشر بى يا جبريل. قال: أنت أول شافع وأول مشفع فى القيامة. قال: لوجه ربي الحمد! فبشرني يا جبريل. قال جبريل: يا حبيبي عم تسألني؟ قال: أسألك عن همى وغمى من لقراء القرآن من بعدى، من لصوام شهر رمضان من بعدي؟ من لحجاج بيت الله الحرام من بعدي؟ من لأمتي المصطفاة من بعدي؟ قال: أبشر يا حبيب الله فإن الله عز وجل يقول: قد حرمت الجنة على جميع الأنبياء والأمم حتى تدخلها أنت وأمتك يا محمد. قال: الآن طابت نفسى ادن يا ملك الموت فانته إلى ما أمرت. فقال علي رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله إذا أنت قبضت، فمن يغسلك وفيما نكفنك؟ ومن يصلي عليك؟ ومن يدخلك القبر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي أما الغسل فاغسلني أنت وابن عباس يصب عليك الماء وجبريل ثالثكما، فإذا أنتم فرغتم من غسلي فكفنوني في ثلاثة أثواب جدد، وجبريل عليه السلام يأتيني بحنوط من الجنة، فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني في المسجد واخرجوا عنى، فان أول من يصلي علي الرب عز وجل من فوق عرشه، ثم جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم الملائكة زمرا زمرا، ثم ادخلوا فقوموا صفوفا صفوفا، لا يتقدم علي أحد، فقالت فاطمة: اليوم الفراق فمتى ألقاك؟ فقال لها: يا بنية تلقيني يوم القيامة عند الحوض وأنا أسقي من يرد على الحوض من أمتي. قالت: فإن لم ألقك يا رسول الله؟ قال: تلقيني عند الميزان وأنا أشفع لأمتي، قالت: فإن لم ألقك يا رسول الله؟ قال: تلقيني عند الصراط وأنا أنادي رب سلم أمتي من النار، فدنا ملك الموت عليه السلام فعالج قبض روح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ الروح إلى الركبتين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أوه فلما بلغ الروح إلى السرة نادى النبي صلى الله عليه وسلم وا كرباه! فقالت فاطمة رضي الله تعالى عنها كربي لكربك اليوم يا أبتاه، فلما بلغ الروح إلى الثندوة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبريل ما أشد مرارة الموت، فولى جبريل وجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل كرهت النظر إلي؟ فقال جبريل عليه السلام: يا حبيبى ومن تطيق نفسه أن ينظر إليك وأنت تعالج سكرات الموت؟ فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسله على ابن أبي طالب كرم الله وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنه يصب عليه الماء وجبريل عليه السلام معهما، وكفن بثلاثة أثواب جدد، وحمل على السرير ثم أدخلوه المسجد ووضعوه في المسجد وخرج الناس عنه، فأول من صلى عليه عليه السلام الرب من فوق عرشه تعالى وتقدس، ثم جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم الملائكة زمرا زمرا. قال علي رضي الله تعالى عنه: ولقد سمعنا في المسجد همهمة ولم نر لهم شخصا فسمعنا هاتفا يهتف وهو يقول: ادخلوا رحمكم الله! فصلوا على نبيكم صلى الله عليه وسلم، فدخلنا فقمنا صفوفا كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبرنا بتكبير جبريل، وصلينا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة جبريل ما تقدم منا أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل القبر علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، ودفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف الناس قالت فاطمة لعلي رضي الله تعالى عنهما: يا أبا الحسن دفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال نعم! قالت فاطمة رضي الله تعالى عنها: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما كان في صدوركم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة؟ أما كان معلم الخير؟ قال: بلى يا فاطمة، ولكن أمر الله الذي لا مرد له، فجعلت تبكي وتندب وهي تقول: يا أبتاه الآن انقطع عنا جبريل، وكان جبريل عليه السلام يأتينا بالوحي من السماء.