الموسوعة الحديثية


- عن عروةَ : فلما أكثرَ المغيرةُ مما يقرعُ يدَه غضب وقال : ليتَ شعري من هذا الذي آذاني من بين أصحابك ؟ واللهِ لا أحسبُ فيكم ألْأَمَ منهُ ولا أشرَّ منزلةً. وفي روايةِ ابنِ إسحاقٍ : فتبسم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال لهُ عروةُ : من هذا يا محمدُ ؟ قال : هذا ابن أخيك المغيرةُ بنُ شعبةَ
خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
الراوي : المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم. | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : فتح الباري لابن حجر الصفحة أو الرقم : 5/402
التخريج : أخرجه البخاري (2731)، وأحمد (18910)، وعبد الرزاق (9720) بنحوه في أثناء حديث طويل.
التصنيف الموضوعي: جهاد - تحريم الغدر في الجهاد فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - ضحك النبي صلى الله عليه وسلم وتبسمه مغازي - صلح الحديبية آداب عامة - الأخلاق المذمومة
|أصول الحديث

أصول الحديث:


صحيح البخاري (3/ 193)
2731 - حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، قال: أخبرني الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حل حل فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت، قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب، وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة، ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر: فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن هم أبوا، فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره "، فقال بديل: سأبلغهم ما تقول، قال: فانطلق حتى أتى قريشا، قال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول، قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد، اقبلوها ودعوني آتيه، قالوا: ائته، فأتاه، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك، وإن تكن الأخرى، فإني والله لأرى وجوها، وإني لأرى أوشابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر الصديق: امصص ببظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما تكلم أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف، وقال له: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه، فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر، ألست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء، ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه، قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر، وكسرى، والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فقال رجل من بني كنانة: دعوني آتيه، فقالوا: ائته، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له فبعثت له، واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه، قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت، فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص، فقال: دعوني آتيه، فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا مكرز، وهو رجل فاجر، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو، قال معمر: فأخبرني أيوب، عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سهل لكم من أمركم قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، قال سهيل: أما الرحمن، فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله إني لرسول الله، وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله - قال الزهري: وذلك لقوله: لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على أن تخلوا بيننا وبين البيت، فنطوف به، فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، قال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقض الكتاب بعد، قال: فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأجزه لي، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بل قد أجزناه لك، قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله، قال: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقا، قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل، قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام، قال: قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، - قال الزهري: قال عمر -: فعملت لذلك أعمالا، قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا، فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما، ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} [[الممتحنة: 10]] حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر يومئذ امرأتين، كانتا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر، فقال: أجل، والله إنه لجيد، لقد جربت به، ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل أمه مسعر حرب، لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده بالله والرحم، لما أرسل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل الله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} [[الفتح: 24]] حتى بلغ {الحمية حمية الجاهلية} [[الفتح: 26]] وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت، قال أبو عبد الله: " معرة العر: الجرب، تزيلوا: تميزوا، وحميت القوم: منعتهم حماية، وأحميت الحمى: جعلته حمى لا يدخل، وأحميت الحديد وأحميت الرجل: إذا أغضبته إحماء

مسند أحمد (31/ 212)
18910 - حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق بن يسار، عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت، لا يريد قتالا، وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبع مائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة، قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي، فقال: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموا إلى كراع الغميم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ويح قريش، لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس، فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهم وافرون، وإن لم يفعلوا، قاتلوا وبهم قوة، فماذا تظن قريش، والله إني لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله له حتى يظهره الله له أو تنفرد هذه السالفة ، ثم أمر الناس، فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة، قال: فسلك بالجيش تلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم، نكصوا راجعين إلى قريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته، فقال الناس: خلأت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خلأت، وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ثم قال للناس: انزلوا فقالوا: يا رسول الله، ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس. فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته، فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القلب، فغرزه فيه، فجاش الماء بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن، فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة، فقال لهم كقوله لبشير بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد، وإن محمدا لم يأت لقتال إنما جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحقه. فاتهموهم. قال محمد يعني ابن إسحاق: قال الزهري: وكانت خزاعة في غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها، لا يخفون على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كان بمكة، قالوا: وإن كان إنما جاء لذلك، فلا والله لا يدخلها أبدا علينا عنوة، ولا تتحدث بذلك العرب. ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف، أحد بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: هذا رجل غادر . فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو مما كلم به أصحابه، ثم رجع إلى قريش، فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فبعثوا إليه الحلس بن علقمة الكناني، وهو يومئذ سيد الأحابش، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا من قوم يتألهون، فابعثوا الهدي في وجهه . فبعثوا الهدي، فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله، رجع، ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى، فقال: يا معشر قريش، قد رأيت ما لا يحل صده: الهدي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله. فقالوا: اجلس، إنما أنت أعرابي لا علم لك، فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي، فقال: يا معشر قريش، إني قد رأيت ما يلقى منكم، من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم، من التعنيف وسوء اللفظ، وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد، وقد سمعت بالذي نابكم، فجمعت من أطاعني من قومي، ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس بين يديه، فقال: يا محمد، جمعت أوباش الناس، ثم جئت بهم لبيضتك لتفضها، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا، وأيم الله، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا. قال: وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد، فقال: امصص بظر اللات، أنحن ننكشف عنه؟ قال: من هذا يا محمد؟ قال: هذا ابن أبي قحافة قال: والله لولا يد كانت لك عندي، لكافأتك بها، ولكن هذه بها. ثم تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد، قال: يقرع يده، ثم قال: أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل والله لا تصل إليك. قال: ويحك، ما أفظك وأغلظك. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من هذا يا محمد؟ قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال: أغدر، هل غسلت سوأتك إلا بالأمس. قال: فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما كلم به أصحابه، فأخبره أنه لم يأت يريد حربا. قال: فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه، لا يتوضأ وضوءا إلا ابتدروه، ولا يبسق بساقا إلا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه، فرجع إلى قريش، فقال: يا معشر قريش، إني جئت كسرى في ملكه، وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما، والله ما رأيت ملكا قط مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، فروا رأيكم. قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة، وحمله على جمل له يقال له: الثعلب، فلما دخل مكة عقرت به قريش، وأرادوا قتل خراش، فمنعهم الأحابش حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عمر ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بها من بني عدي أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو أعز مني عثمان بن عفان. قال: فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وأنه جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحرمته، فخرج عثمان حتى أتى مكة، ولقيه أبان بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابته وحمله بين يديه، وردف خلفه، وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به، فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت، فطف به. فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل. قال محمد: فحدثني الزهري: أن قريشا بعثوا سهيل بن عمرو، أحد بني عامر بن لؤي، فقالوا: ائت محمدا فصالحه، ولا يكون في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدا، فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل ، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلما، وأطالا الكلام، وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح، فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب، فأتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، أوليس برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أولسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا. فقال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه حيث كان، فإني أشهد أنه رسول الله. قال عمر: وأنا أشهد، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أولسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى ، قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا؟ فقال: أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني ثم قال عمر: ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا قال: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو: لا أعرف هذا، ولكن اكتب باسمك اللهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل بن عمرو: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب: هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بغير إذن وليه رده عليهم، ومن أتى قريشا ممن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه، وإن بيننا عيبة مكفوفة، وإنه لا إسلال ولا إغلال. وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن مع عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، وتواثبت بنو بكر، فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم. وأنك ترجع عنا عامنا هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل، خرجنا عنك، فتدخلها بأصحابك، وأقمت فيهم ثلاثا معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب إذ جاءه أبو جندل بن سهيل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع، وما تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه، دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا أن يهلكوا، فلما رأى سهيل أبا جندل، قام إليه، فضرب وجهه، ثم قال: يا محمد، قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: صدقت . فقام إليه، فأخذ بتلبيبه، قال: وصرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معاشر المسلمين، أتردونني إلى أهل الشرك، فيفتنوني في ديني. قال: فزاد الناس شرا إلى ما بهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، فأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عليه عهدا، وإنا لن نغدر بهم قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل، فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب. قال: ويدني قائم السيف منه. قال: يقول: رجوت أن يأخذ السيف، فيضرب به أباه. قال: فضن الرجل بأبيه، ونفذت القضية، فلما فرغا من الكتاب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل. قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، انحروا واحلقوا قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل، حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة، فقال: يا أم سلمة، ما شأن الناس؟ قالت: يا رسول الله، قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنسانا، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق، فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره، ثم جلس، فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون. قال: حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق، فنزلت سورة الفتح

مصنف عبد الرزاق الصنعاني (5/ 330)
9720 - عن معمر قال: أخبرني الزهري: قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم صدق كل واحد منهما صاحبه ـ قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانوا بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال: إني قد تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أترون أن نميل إلى ذراري، هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين، وإن يجيئوا تكن عنقا قطعها الله، أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا قاتلناه فقالوا: رسول الله أعلم يا نبي الله إنما جئنا معتمرين، ولم نجئ لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فروحوا إذا، قال معمر: قال الزهري: وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الزهري في حديث مسور بن مخرمة، ومروان: فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد إذا هو بقترة الجيش فانطلق فإذا هو يركض نذيرا لقريش، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانوا بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس: حل حل فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكنها حبسها حابس الفيل ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله، إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت به قال: فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس أن نزحوه، فشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه قال: فوالله مازال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينا هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال: إني تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك، عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب، وأضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم لهم مدة، ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإن لا فقد جموا، وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفدن الله أمره فقال بديل: سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشا فقال: إنا جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا. فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته يقول (قال: سمعته يقول) كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال: أي قومي ألستم بالولد؟ قالوا: بلى قال: أو لست بالوالد؟ قالوا: بلى قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي، ومن أطاعني؟ قالوا: بلى قال: فإن هذا قد عرض عليكم خصلة رشد فاقبلوها، ودعوني آته فقالوا: فأته، فأتاه قال: فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فإني لأرى وجوها، وأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا عنك، فقال أبو بكر رحمه الله ورضي عنه: امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قال أبو بكر قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف، وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة يده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف، وقال أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ فقالوا: المغيرة بن شعبة فقال: أي غدر أو لست أسعى في غدرتك، وكان المغيرة بن شعبة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء ثم إن عروة جعل يرمق صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في يد رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له قال فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فقال رجل من كنانة دعوني آته فقالوا: ائته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثوها له، واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت قال: فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت فقال رجل منهم يقال له مكرز بن حفص: دعوني آته قالوا ائته، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا مكرز، وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فبينا هو يكلمه إذ جاءه سهيل بن عمرو. قال معمر: فأخبرني أيوب، عن عكرمة أنه لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد سهل لكم من أمركم قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو؟ ولكن اكتب باسمك اللهم، كما كنت تكتب فقال المسلمون: والله لا يكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب: باسمك اللهم ثم قال: هذا ما فاصل عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله إني لرسول الله، وإن كذبتموني، اكتب: محمد بن عبد الله قال الزهري: وذلك لقوله: لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمة الله إلا أعطيتهم إياها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أن تخلوا بيننا وبين البيت، فنطوف به فقال سهيل: لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، فقال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقض الكتاب بعد قال: فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأجزه لي فقال: ما أنا بمجيزه لك قال: بلى فافعل قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بلى قد أجزناه لك، فقال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت، وكان قد عذب عذابا شديدا في الله، فقال عمر بن الخطاب: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى قال: قلت ألسنا على الحق؟ وعدونا على الباطل؟ قال: بلى قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا؟ فقال: إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري قلت: أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنك تأتيه العام قلت: لا قال: فإنك آتيه ومطوف به قال: فأتيت أبا بكر: فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: فأخبرك أنه سيأتيه العام، قلت: لا، قال فإنك آتيه، ومطوف به قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا، ثم احلقوا قال فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات قال: فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام، فخرج، فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد يقتل بعضهم بعضا غما. ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} [[الممتحنة: 10]] حتى بلغ {بعصم الكوافر} [[الممتحنة: 10]] فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج أحدهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير، رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا حتى إذا بلغا به ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه، فضربه به حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي، وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سيهل فلحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة قال: فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم إلا أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل الله {هو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} [[الفتح: 24]] حتى بلغ {حمية الجاهلية} [[الفتح: 26]] وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينه وبين البيت " "