الموسوعة الحديثية


- عَن سَلمانَ الفارِسِيِّ قال: لَمَّا سألَتِ الحواريُّونَ عيسَى ابنَ مريَمَ – صلَواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ – المائدةَ، قام فوضَعَ ثيابَ الصُّوفِ، ولبسَ ثِياب المُسوحِ – وهو سِربالٌ مِن مُسوحٍ أسوَدَ ولحافٍ أَسوَدَ – فقام فألزَقَ القدَمَ بالقَدمِ، وألصَقَ العَقِبَ بالعَقِبِ، والإبهامَ بالإبهامِ، ووضَعَ يدَهُ اليُمنَى على يَدِهِ اليُسرَى، ثُمَّ طَأطَأ رأسَهُ خاشِعًا للَّهِ؛ ثم أرسَلَ عَينيهِ يَبكي حتَّى جرَى الدَّمعُ علَى لِحيَتِهِ، وجعَلَ يَقطُرُ علَى صَدرِهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ الآيةَ؛ فنَزلَت سُفرةً حَمراءَ مُدَوَّرةً بينَ غَمامَتَينِ، غَمامةٍ مِن فوقِها وغَمامَةٍ مِن تَحتِها، والنَّاسُ يَنظُرونَ إلَيها، فقالَ عيسَى: اللهُمَّ اجعَلها رَحمَةً ولا تَجعَلها فِتنَةً، إلهي أسألُكَ مِن العَجائبِ فتُعطي! فهبَطَت بينَ يَدَي عيسَى عليهِ السَّلامُ وعلَيها مِنديلٌ مُغطَّى، فَخرَّ عيسَى ساجِداً والحواريُّونَ معهُ، وهم يَجِدونَ لَها رائحَةً طيِّبةً لَم يكونوا يَجِدون مِثلها قبلَ ذلكَ، فقالَ عيسى: أيُّكُم أعبَدُ للَّهِ وأجرأُ علَى اللَّهِ وأوثَقُ باللَّهِ فليكشِفْ عَن هذِهِ السُّفرَةِ حتَّى نأكُلَ مِنها، ونذكُرَ اسمَ اللَّهِ علَيها ونحمَدَ اللَّهَ عليها. فقال الحواريُّونَ: يا روحَ اللَّهِ أنتَ أحقُّ بذلِكَ، فقام عيسَى صلَواتُ اللَّهِ عليهِ، فتوضَّأَ وضوءًا حسنًا، وصلَّى صلاةً جديدَةً، ودعا دُعاءً كثيراً، ثُمَّ جلَسَ إلى السُّفرَةِ، فكشَف عَنها، فإذا علَيها سمكةٌ مشويَّةٌ، ليسَ فيها شَوكٌ، تسيلُ سَيلانَ الدَّسَمِ، وقد نُضِّدَ حَولَها مِن كلِّ البُقولِ ما عَدا الكُرَّاثَ، وعِندَ رأسِها مِلحٌ وخَلٌّ، وعِندَ ذَنَبِها خمسَةُ أرغِفةٍ، على واحِدٍ مِنها خمسُ رُمَّاناتٍ، وعلَى الآخَرِ تَمراتٌ، وعلى الآخَرِ زَيتونٌ. قالَ الثَّعلبِيُّ: على واحدٍ منها زيتونٌ، وعلَى الثَّاني عسَلٌ، وعلَى الثَّالثِ بَيضٌ، وعلَى الرَّابِعِ جُبْنٌ، وعلَى الخامِسِ قَديدٌ. فبلغَ ذلكَ اليهودَ، فجاؤوا غمًّا وكمَدًا ينظُرونَ إليهِ، فرأَوا عَجبًا، فقالَ شمعونُ – وهو رأسُ الحواريِّينَ -: يا روحَ اللَّهِ! أمِن طَعامِ الدُّنيا، أم مِن طَعامِ الجنَّةِ؟ فَقالَ عيسَى صلَواتُ اللهِ عليهِ: أما افتَرقتُم بعدُ عَن هذِهِ المسائِلِ؟ ما أخوَفَني أن تُعذَّبوا. قال شمعونُ: [لا] وإلهِ بَني إسرائيلَ، ما أردتُ بذلِكَ سُوءًا. فقالوا: يا روحَ اللَّهِ، لَو كانَ مع هذِهِ الآيَةِ آيةٌ أُخرَى. قال عيسَى عليه السَّلامُ: يا سَمكَةُ احيي بإِذنِ اللَّهِ فاضطرَبَت السَّمَكَةُ طريَّةً تبُصُّ عيناها، ففَزِع الحواريُّونَ، فقالَ عيسَى: ما لي أراكُم تسألونَ عن الشَّيءِ، فإذا أُعطيتُموهُ كرِهتُموهُ؟! ما أخوَفَني أن تُعذَّبوا. وقالَ: لقَد نزَلَت مِن السَّماءِ وما عَليها طَعامٌ مِنَ الدُّنيا ولا مِن طعامِ الجنَّةِ، ولكنَّهُ شَيءٌ ابتدَعَهُ اللَّهُ بالقُدرَةِ البالِغةِ، فقال لها كوني فكانَت. فقال عيسى: يا سمكَةُ عودي كَما كُنتِ. فعادَت مَشويَّةً كما كانَت، فقال الحواريُّونَ: يا روحَ اللهِ، كُن أوَّلَ مَن يأكُلُ مِنها، فقال عيسَى: معاذَ اللَّهِ إنما يأكُلُ مِنها مَن طلَبَها وسأَلها. فأبَت الحَواريُّونَ أن يأكلوا مِنها خشيَةَ أن تكونَ مَثُلَةً وفِتنةً، فلمَّا رأَى عيسَى ذلكَ، دعا علَيها الفُقَراءَ والمساكينَ والمرضَى والزَّمنَى والـمُجذَّمينَ والمُقعَدينَ والعِميانَ وأهلَ الماءِ الأصفَرِ، وقال: كُلوا مِن رِزقِ ربِّكُم ودَعوَةِ نَبيِّكُم، واحمَدوا اللهَ عليهِ. وقال: يكونُ المهنَأُ لكُم والعَذابُ علَى غيرِكُم. فأكَلوا حتَّى صدَروا عَن سبعةِ آلافٍ وثلاثِ مئةٍ يتجَشَّؤونَ، فبَرئَ كلُّ سقيمٍ أكَلَ منهُ، واستَغنى كلُّ فَقيرٍ أكلَ منهُ حتَّى المماتِ، فلمَّا رأى ذلِكَ النَّاسُ ازدَحموا عليهِ، فما بقيَ صغيرٌ ولا كَبيرٌ ولا شَيخٌ ولا شابٌّ ولا غنِيٌّ ولا فَقيرٌ إلَّا جاؤوا يأكُلونَ منهُ، فضغَطَ بعضُهُم بعضًا، فلمَّا رأى ذلك عيسَى، جعلها نُوَبًا بينَهُم، فكانت تنزِلُ يومًا ولا تنزِلُ يَومًا، كناقَةِ ثَمودَ ترعَى يومًا وتشرَبُ يومًا، فنزلَت أربَعينَ يومًا تنزِلُ ضُحَى، فلا تَزالُ هكَذا حتَّى يفيءَ الفَيءُ موضِعَهُ. وقال الثَّعلبِيُّ: فلا تزالُ مَنصوبَةً يُؤكَلُ مِنها حتَّى إذا فاء الفَيءُ، طارَت صَعَداً، فيأكُل منها النَّاسُ، ثُمَّ ترجِعُ إلى السَّماءِ والنَّاس ينظُرون إلى ظلِّها حتَّى تتَوارى عنهُم، فلمَّا تَمَّ أربعون يومًا، أوحى اللَّهُ تعالى إلى عيسَى عليه السَّلامُ: يا عيسَى اجعَل مائدتي هذِهِ لِلفُقَراءِ دونَ الأَغنياءِ. فتَمارى الأغنياءُ في ذلكَ وعادَوُا الفُقَراءَ، وشكُّوا وشَكَّكوا النَّاسَ، فقالَ اللَّهُ يا عيسَى: إنِّي آخِذٌ بِشَرطي، فأصبَح مِنهُم ثلاثَةٌ وثلاثونَ خِنزيراً يأكلونَ العَذَرةَ، يَطلُبونَها في الأَكْباءِ – والأَكْباءُ: هي الكُناسَةُ، واحدُها كَبًا – بعدَ ما كانوا يأكُلونَ الطَّعامَ الطَّيِّبَ، ويَنامونَ علَى الفُرُشِ اللَّيِّنةِ، فلمَّا رأى النَّاسُ ذلكَ اجتَمَعوا علَى عيسَى يَبكُونَ، وجاءَت الخنازيرُ فَجَثَوا علَى رُكَبهِم قُدَّامَ عيسَى، فجَعلوا يبكونَ وتقطُرُ دُموعُهُمْ، فعرفَهُم عيسَى، فجعَلَ يقولُ: ألَستَ بِفلانٍ؟ فيؤمِئُ برأسِهِ ولا يَستَطيعُ الكلامَ، فلبِثوا كذلِكَ سبعةَ أيَّامٍ – ومنهُم مَن يَقول: أربَعةَ أيَّامٍ – ثُمَّ دعا اللَّهَ عيسَى أن يقبِضَ أرواحَهُم، فأصبَحوا لا يُدرَى أينَ ذهبوا؟ الأرضُ ابتلعَتهُم أو ما صنَعوا؟!
خلاصة حكم المحدث : في هذا الحديث مقال، ولا يصح من قبل إسناده
الراوي : عبدالرحمن بن مل النهدي أبو عثمان | المحدث : القرطبي المفسر | المصدر : تفسير القرطبي الصفحة أو الرقم : 8/293
التخريج : أخرجه الحكيم الترمذي في ((نوادر الأصول)) (142) بلفظه، ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (7017) مختصرا ببعضه.
التصنيف الموضوعي: أنبياء - خصائص وفضائل أنبياء - عيسى أنبياء - معجزات تفسير آيات - سورة المائدة أنبياء - أولي العزم
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

أصول الحديث:


تفسير القرطبي (معتمد)
(6/ 369) وذكر أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي (الحكيم) في نوادر الاصول له : حدثنا عمر بن أبي عمر قال حدثنا عمار بن هرون الثقفي عن زكرياء بن حكيم الحنظلي عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال : لما سألت الحواريون عيسى ابن مريم – صلوات الله وسلامه عليه – المائدة، قام فوضع ثياب الصوف، ولبس ثياب المسوح – وهو سربال من مسوح أسود ولحاف أسود – فقام فألزق القدم بالقدم، وألصق العقب بالعقب، والإبهام بالإبهام، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم طأطأ رأسه خاشعا لله؛ ثم أرسل عينيه يبكي حتى جرى الدمع على لحيته، وجعل يقطر على صدره، ثم قال: اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال الله إني منزلها عليكم الآية؛ فنزلت سفرة حمراء مدورة بين غمامتين، غمامة من فوقها وغمامة من تحتها، والناس ينظرون إليها، فقال عيسى: اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها فتنة، إلهي أسألك من العجائب فتعطي! فهبطت بين يدي عيسى عليه السلام وعليها منديل مغطى، فخر عيسى ساجدا والحواريون معه، وهم يجدون لها رائحة طيبة لم يكونوا يجدون مثلها قبل ذلك، فقال عيسى: أيكم أعبد لله وأجرأ على الله وأوثق بالله فليكشف عن هذه السفرة حتى نأكل منها، ونذكر اسم الله عليها ونحمد الله عليها. فقال الحواريون: يا روح الله أنت أحق بذلك، فقام عيسى صلوات الله عليه، فتوضأ وضوءا حسنا، وصلى صلاة جديدة، ودعا دعاء كثيرا، ثم جلس إلى السفرة، فكشف عنها، فإذا عليها سمكة مشوية، ليس فيها شوك، تسيل سيلان الدسم، وقد نضد حولها من كل البقول ما عدا الكراث، وعند رأسها ملح وخل، وعند ذنبها خمسة أرغفة، على واحد منها خمس رمانات، وعلى الآخر تمرات، وعلى الآخر زيتون. قال الثعلبي: على واحد منها زيتون، وعلى الثاني عسل، وعلى الثالث بيض، وعلى الرابع جبن، وعلى الخامس قديد. فبلغ ذلك اليهود، فجاؤوا غما وكمدا ينظرون إليه، فرأوا عجبا، فقال شمعون – وهو رأس الحواريين -: يا روح الله! أمن طعام الدنيا، أم من طعام الجنة؟ فقال عيسى صلوات الله عليه: أما افترقتم بعد عن هذه المسائل؟ ما أخوفني أن تعذبوا. قال شمعون: [لا] وإله بني إسرائيل، ما أردت بذلك سوءا. فقالوا: يا روح الله، لو كان مع هذه الآية آية أخرى. قال عيسى عليه السلام: يا سمكة احيي بإذن الله فاضطربت السمكة طرية تبص عيناها، ففزع الحواريون، فقال عيسى: ما لي أراكم تسألون عن الشيء، فإذا أعطيتموه كرهتموه؟! ما أخوفني أن تعذبوا. وقال: لقد نزلت من السماء وما عليها طعام من الدنيا ولا من طعام الجنة، ولكنه شيء ابتدعه الله بالقدرة البالغة، فقال لها كوني فكانت. فقال عيسى: يا سمكة عودي كما كنت. فعادت مشوية كما كانت، فقال الحواريون: يا روح الله، كن أول من يأكل منها، فقال عيسى: معاذ الله إنما يأكل منها من طلبها وسألها. فأبت الحواريون أن يأكلوا منها خشية أن تكون مثلة وفتنة، فلما رأى عيسى ذلك، دعا عليها الفقراء والمساكين والمرضى والزمنى والـمجذمين والمقعدين والعميان وأهل الماء الأصفر، وقال: كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم، واحمدوا الله عليه. وقال: يكون المهنأ لكم والعذاب على غيركم. فأكلوا حتى صدروا عن سبعة آلاف وثلاث مئة يتجشؤون، فبرئ كل سقيم أكل منه، واستغنى كل فقير أكل منه حتى الممات، فلما رأى ذلك الناس ازدحموا عليه، فما بقي صغير ولا كبير ولا شيخ ولا شاب ولا غني ولا فقير إلا جاؤوا يأكلون منه، فضغط بعضهم بعضا، فلما رأى ذلك عيسى، جعلها نوبا بينهم، فكانت تنزل يوما ولا تنزل يوما، كناقة ثمود ترعى يوما وتشرب يوما، فنزلت أربعين يوما تنزل ضحى، فلا تزال هكذا حتى يفيء الفيء موضعه. وقال الثعلبي: فلا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفيء، طارت صعدا، فيأكل منها الناس، ثم ترجع إلى السماء والناس ينظرون إلى ظلها حتى تتوارى عنهم، فلما تم أربعون يوما، أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى اجعل مائدتي هذه للفقراء دون الأغنياء. فتمارى الأغنياء في ذلك وعادوا الفقراء، وشكوا وشككوا الناس، فقال الله يا عيسى: إني آخذ بشرطي، فأصبح منهم ثلاثة وثلاثون خنزيرا يأكلون العذرة، يطلبونها في الأكباء – والأكباء: هي الكناسة، واحدها كبا – بعد ما كانوا يأكلون الطعام الطيب، وينامون على الفرش اللينة، فلما رأى الناس ذلك اجتمعوا على عيسى يبكون، وجاءت الخنازير فجثوا على ركبهم قدام عيسى، فجعلوا يبكون وتقطر دموعهم، فعرفهم عيسى، فجعل يقول: ألست بفلان؟ فيؤمئ برأسه ولا يستطيع الكلام، فلبثوا كذلك سبعة أيام – ومنهم من يقول: أربعة أيام – ثم دعا الله عيسى أن يقبض أرواحهم، فأصبحوا لا يدرى أين ذهبوا؟ الأرض ابتلعتهم أو ما صنعوا؟!

نوادر الأصول للحكيم الترمذي (معتمد)
(1/ 221) 142- حدثنا بذلك: عمر بن أبي عمر، حدثنا عمار ابن هارون الثقفي، عن زكريا بن حكيم الحنظلي، عن علي ابن زيد بن جدعان، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: لما سألت الحواريون عيسى بن مريم -صلوات الله عليه- المائدة، قال: فوضع لباس الصوف، ولبس ثياب المسوح، وهو سربال من مسوح أسود، ولحاف أسود، فقام فألزق القدم بالقدم، وألزق العقب بالعقب، والإبهام بالإبهام، ووضع يده اليمنى على اليسرى، ثم طأطأ رأسه خاشعا لله، ثم أرسل عينيه يبكي، حتى جرى على لحيته، وجعل يقطر على صدره، ثم قال: {اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين}، قال الله: {إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين}. فنزلت سفرة حمراء مدورة بين غمامتين، غمامة من فوقها، والأخرى من تحتها، والناس ينظرون إليها، فقال عيسى عليه السلام: اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها فتنة، إلهي أسألك من العجائب فتعطيني، فهبطت بين يدي عيسى عليه السلام، وعليها منديل مغطى، فخر عيسى ساجدا، والحواريون معه، وهم يجدون لها رائحة طيبة لم يكونوا يجدون قبل ذلك، فقال عيسى عليه السلام: أيكم أعبد لله عز وجل، وأجرأ على الله، وأوثق بالله، فليكشف عن هذه السفرة حتى نأكل منها، ونذكر اسم الله عليها، ونحمد الله عليها، فقال الحواريون: يا روح الله! أنت أحق بذلك، فقام عيسى -عليه الصلاة والسلام-، فكشف عنها، فإذا عليها سمكة مشوية ليس فيها شوك، يسيل سيلان الدسم، وقد نضد حولها من كل البقول ما خلا الكراث، وعند رأسها ملح وخل، وعند ذنبها خمسة أرغفة، على واحد منها خمس رمانات، وعلى الآخر تمرات، وعلى الآخر زيتون، فبلغ ذلك اليهود، فجاءوا غما وكمدا ينظرون إليه، فرأوا عجبا، فقال شمعون، وهو رأس الحواريين: يا روح الله! أمن طعام الدنيا، أم من طعام الجنة؟! فقال عيسى: أما افترقتم بعد عن هذه المسائل؟ ما أخوفني أن تعذبوا! قال شمعون: وإله إسرائيل! ما أردت بذلك سوءا، فقالوا: يا روح الله! لو كان مع هذه الآية آية أخرى؟ فقال عيسى عليه السلام: يا سمكة! احيي بإذن الله، فاضطربت السمكة طربا تبصبص عيناها، ففزع الحواريون، فقال عيسى: ما لي أراكم تسألون عن الشيء، فإذا أعطيتموه كرهتموه؟! ما أخوفني أن تعذبوا وقال: لقد نزلت من السماء، وما عليها طعام من الدنيا، ولا طعام من الجنة، ولكنه شيء ابتدعه الله عز وجل بالقدرة البالغة، فقال لها: كوني، فكانت. فقال عيسى: يا سمكة! عودي كما كنت، فعادت مشوبة كما كانت. فقال الحواريون: يا روح الله! كن أول من يأكل منها. فقال عيسى عليه السلام: معاذ الله! إنما يأكل منها من طلبها وسألها، فأبت الحواريون أن يأكلوا منها خشية أن تكون مثلة وفتنة، فلما رأى عيسى ذلك، دعا عليها الفقراء والمساكين، والمرضى والزمنى، والمجذومين والمقعدين والعميان، وأهل الماء الأصفر. فقال: كلوا من رزق ربكم، ودعوة نبيكم، واحمدوا الله عليه، وقال: يكون المهنأ لكم، والعذاب على غيركم، فأكلوا حتى صدروا عن شبع ألف وثلاث مئة يتجشؤون، فبرئ كل سقيم أكل منه، واستغنى كل فقير حتى الممات، فلما رأى ذلك الناس، ازدحموا عليه، فلم يبق صغير ولا كبير، ولا شيخ ولا شاب، ولا غني ولا فقير، إلا جاؤوا يأكلون منه، فضغط بعضهم بعضا. فلما رأى ذلك عيسى عليه السلام، جعلها نوائب بينهم، فكانت تنزل عليهم يوما، ولا تنزل يوما؛ كناقة ثمود، ترعى يوما، وتشرب يوما، فنزلت أربعين يوما، تنزل ضحى، فلا تزال هكذا حتى يفيء الفيء موضعه، فيأكل الناس منها حتى ترجع إلى السماء، والناس ينظرون إليها حتى توارى عنهم، فلما تم أربعون يوما، أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى! اجعل مائدتي هذه للفقراء دون الأغنياء، فتمارى الأغنياء في ذلك، وعادوا الفقراء، وشكوا، وشككوا الناس. فقال الله: يا عيسى! إني آخذ بشرطي، فأصبح منهم ثلاثة وثلاثون خنزيرا يأكلون العذرة، يطلبونها في الأكناف بعد ما كانوا يأكلون الطعام الطيب، وينامون على الفرش اللينة، فلما رأى الناس ذلك، اجتمعوا حول عيسى عليه السلام، وجاءت الخنازير جثوا على ركبهم قدام عيسى، فجعلوا يبكون، والدموع تقطر منهم، فعرفهم عيسى، فجعل يقول: ألست بفلان؟ فيومئ برأسه، ولا يستطيع الكلام، فلبثوا كذلك سبعة أيام، ومنهم من يقول: أربعة أيام، ثم دعا الله أن يقبض أرواحهم، فأصبحوا لا يدرى كيف ذهبوا، الأرض ابتلعتهم، أو ما صنعوا!؟.

تفسير ابن أبي حاتم، الأصيل - مخرجا (4/ 1244)
7017 - أخبرنا جعفر بن علي المعروف بأبي الحواري , فيما كتب إلي , ثنا إسماعيل بن أبي أويس , حدثني أبو عبد الله عبد القدوس بن إبراهيم بن عبيد الله بن مرداس العبدري مولى بني عبد الدار الصنعاني , عن إبراهيم بن عمر , عن وهب بن منبه , عن أبي عثمان النهدي , عن سلمان الخير أنه قال: لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم المائدة من السماء فإنها نزلت عليكم كانت آية من ربكم , وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها , فأبوا إلا أن يأتيهم بها فلذلك قالوا: {نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين} [المائدة: 113]