الموسوعة الحديثية


- تذاكروا في مجلسِ ابنِ عبَّاسٍ، فأخذوا في فضلِ أبي بكرٍ ثمَّ عمرَ، فبكَى ابنُ عبَّاسٍ حتَّى أُغميَ عليه، ثمَّ أفاق، وقال : رحِم اللهُ رجلًا لا تأخذُه في اللهِ لومةَ لائمٍ، واللهِ لقد رأيتُ عمرَ، وقد أقام الحدَّ على ولدِه فقتله فيه ثمَّ بكَى وبكَى النَّاسُ من حولِه، فقلتُ : يا بنَ عمرَ رسولُ اللهِ حدَّثنا، فقال : واللهِ لقد أذكرتموني شيئًا كنتُ له ناسيًا، فقلتُ : أقسمتُ عليك بحقِّ المصطفَى لما حدَّثتنا فقال : كنتُ جالسًا عند عمرَ في المسجدِ، فإذا نحن بجاريةٍ فأقبلت حتَّى وقفت بإزاءِ عمرَ، وقالت : السَّلامُ عليك يا أميرَ المؤمنين خُذْ ولدَك هذا ثمَّ رفعت القِناعَ ، فإذا على ثديِها طفلٌ، فقال : يا أمةَ اللهِ أسفِري عن وجهِك فأسفرت فأطرق عمرُ يقولُ : لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ يا هذه أنا لا أعرِفُك كيف يكونُ هذا ولدي ؟ فبكت حتَّى بلَّت خمارَها، ثمَّ قالت : إن لم يكُنْ ولدَك فهو ولدُ ولدِك، فقال : أيَّ الأولادِ ؟ قالت : أبو شحمةَ، قال : أبحلالٍ أم بحرامٍ، فقالت : من قِبلي بحلالٍ، ومن جِهتِه بحرامٍ، فاسمَعْ مقاتلي فواللهِ ما زِدتُ حرفًا، كنتُ في بعضِ الأيَّامِ مارَّةً فمررتُ بحائطٍ، فإذا بصائحٍ يَصيحُ من ورائي، فإذا أنا بولدِك أبو شحمةَ يتمايلُ سُكرًا، وكان قد شرِب عند نَسيكةَ اليهوديِّ، فلمَّا قرُب منِّي تهدَّدني، وراودني عن نفسي، وجرَّني إلى الحائطِ فسقطتُ وأُغمِي عليَّ، فما أفقتُ إلَّا وقد قضَى أرَبَه، فكتمتُ أمري عن عمِّي وجيراني فلمَّا أحسستُ بالولادةِ خرجتُ إلى موضعِ كذا فوضعتُ هذا الغلامَ فهممتُ بقتلِه ثمَّ ندِمتُ. وفيه أنَّه قال : يا أبةَ قطِّعْني هنا إرْبًا إرْبًا ولا تفضَحْني، فقال : أما سمِعتَ قولَ اللهِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ النور : 2 ] ثمَّ قال عمرُ : يا أفلحُ لي إليك حاجةٌ إن قضيتَها فأنت حرٌّ لوجهِ اللهِ، خُذِ ابني هذا فاضرِبْه، ولا تُقصِّرْ، فقال : لا أفعلُ وبكَى، وضجَّ النَّاسُ بالبكاءِ والنَّحيبِ إلى أن قال : فلمَّا ضربه سبعين قال : يا أبةَ اسقِني شربةً من ماءٍ فقال : يا بنيَّ إن كان ربُّك يُطهِّرُك فيسقيك محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَربةً لا تظمأُ بعدها. وفيه : فلمَّا كان آخرُ سوطٍ سقط الغلامُ ميِّتًا
خلاصة حكم المحدث : من وضع الطرقية
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الذهبي | المصدر : ترتيب الموضوعات الصفحة أو الرقم : 318
التخريج : أخرجه الجورقاني في ((الأباطيل والمناكير)) (577)، وابن الجوزي في ((الموضوعات)) (3/269) باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة النور حدود - إقامة الحد على الشريف والوضيع حدود - من أقر بالحد مناقب وفضائل - عمر بن الخطاب حدود - حد الزنا
|أصول الحديث

أصول الحديث:


الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير (2/ 228)
577 - أخبرنا شيرويه بن شهردار الحافظ، قال: أخبرنا أبو الحسن بن بكر، قراءة عليه بأسد آباد، أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن القاسم النيسابوري، بها، أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن أبي عثمان الزاهد، قال: حدثنا أبو القاسم بن بالويه الصوفي، قال: حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا أبو حذيفة، عن شبل، عن مجاهد بن خطاب، قال: تذاكر الناس في مجلس ابن عباس، فأخذوا في فضل أبي بكر، ثم أخذوا في فضل عمر بن الخطاب، فلما سمع عمر بن الخطاب عبد الله بن عباس بكى بكاء شديدا حتى أغمي عليه، ثم أفاق، وقال: رحم الله رجلا لم تأخذه في الله لومة لائم، رحم الله رجلا قرأ القرآن، وعمل بما فيه وأقام حدود الله كما أمر، لم يزدجر عن القريب لقرابته، ولم يحف عن البعيد لبعده، ثم قال: والله لقد رأيت عمر، وقد أقام الحد على ولده، فقتله فيه، ثم بكى، وبكى الناس من حوله، فقلنا: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رأيت أن تحدثنا كيف أقام عمر على ولده الحد. فقال: والله لقد أذكرتموني شيئا كنت له ناسيا، فقلنا: أقسمنا عليك بحق المصطفى بما حدثتنا، فقال: معاشر الناس، " كنت ذات يوم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب جالس، والناس حوله، يعظهم ويحكم فيما بينهم فإذا نحن بجارية قد أقبلت من باب المسجد تتخطى رقاب المهاجرين والأنصار حتى وقفت بإزاء عمر، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال عمر: وعليك السلام يا أمة الله، هل لك حاجة؟ قالت: نعم، أعظم الحوائج إليك، خذ ولدك هذا مني، فأنت أحق به. ثم رفعت القناع، فإذا على يدها طفل، فلما نظر إليه عمر، قال: يا أمة الله، أسفري عن وجهك، فأسفرت، فأطرق عمر، وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا هذه، أنا لا أعرفك، فكيف يكون هذا ولدي؟ فبكت الجارية حتى بل خمارها بالدموع،ثم قالت: يا أمير المؤمنين، إن لم يكن ولدك من ظهرك فهو ولد ولدك، فقال: أي أولادي؟ قالت: أبو شحمة، قال: أبحلال أم بحرام؟ قالت: من قبلي بحلال، ومن جهته بحرام، قال عمر: وكيف ذاك؟ قالت: يا أمير المؤمنين، اسمع مقالتي، فوالله ما زدت عليك حرفا ولا نقصت، فقال لها: اتقي الله، ولا تقولي إلا الصدق، ثم قالت: يا أمير المؤمنين، كنت في بعض الأيام مارة في بعض حوائجي، إذ مررت بحائط لبني النجار، فإذا أنا بصائح يصيح من ورائي، فإذا أنا بولدك أبي شحمة يتمايل سكرا، وكان قد شرب عند مسيكة اليهودية، فلما قرب مني توعدني، وهددني، وراودني عن نفسي، وجرني إلى الحائط، فسقط وأغمي علي، فوالله ما أفقت إلا وقد نال مني ما ينال الرجل من امرأته، فقمت وكتمت أمري، عن عمي، وعن جيراني، فلما تكاملت أيامي وانقضت شهوري، وضربني الطلق، وأحسست بالولادة خرجت إلى موضع كذا وكذا، فوضعت هذا الغلام، فهممت بقتله، ثم ندمت على ذلك، فاحكم بحكم الله بيني وبينه. قال ابن عباس: فأمر عمر مناديه فنادى، فأقبل الناس يهرعون إلى المسجد، ثم قام عمر، فقال: يا معشر المهاجرين والأنصار، لا تتفرقوا حتى آتيكم بالخبر، ثم خرج من المسجد وأنا معه، فنظر إلي، وقال: يا ابن عباس، أسرع معي، فجعل يسرع حتى قرب من منزله، فقرع الباب، فخرجت جارية كانت تخدمه، فلما نظرت إلى وجهه، وقد غلبه الغضب، قالت: ما الذي نزل بك؟ قال: يا هذه: ولدي أبو شحمة ها هنا؟ قالت: إنه على الطعام، فدخل وقال له: كل يا بني فيوشك أن يكون هذا آخر زادك من الدنيا، قال ابن عباس: فرأيت الغلام وقد تغير لونه، وارتعد، وسقطت اللقمة من يده، فقال له عمر: يا بني من أنا؟ فقال: أنت أبي وأمير المؤمنين، قال: فلي عليك حق طاعة أم لا؟ قال: طاعتان مفروضتان، أولهما: أنك والدي، والأخرى: أنك أمير المؤمنين، قال عمر: بحق نبيك وبحق أبيك إن أسألك عن شيء إلا أخبرتني؟ قال: يا أبي، لا أقول غير الصدق، قال: هل كنت ضيفا لنسيبك اليهودي فشربت الخمر عنده وسكرت؟ ، يا أبي، قد كان ذلك، وقد تبت، قال: يا بني، رأس مال المذنبين التوبة، ثم قال: يا بني، أنشدك بالله هل دخلت ذلك اليوم حائط بني النجار، فرأيت امرأة واقعتها؟ فسكت وبكى، وهو يبكي ويلطم وجهه، فقال له عمر: لا بأس، اصدق، فإن الله يحب الصادقين، فقال: يا أبي، قد كان ذلك والشيطان أغواني، وأنا تائب نادم، فلما سمع منه عمر ذلك قبض على يده ولبته، وجره إلى المسجد، فقال: يا أبة، لا تفضحني على رءوس الخلائق، فخذ السيف فاقطعني ههنا إربا إربا، قال: أما سمعت قول الله تعالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}]] ، ثم جره حتى أخرجه إلى بين يدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وقال: صدقت المرأة وأقر أبو شحمة بما قالت، وكان له مملوك يقال له: أفلح، فقال له عمر: يا أفلح، إن لي إليك حاجة، إن أنت قضيتها فأنت حر لوجه الله تعالى، فقال: يا أمير المؤمنين، مرني بأمرك، قال: خذ ابني هذا إليك، فاضربه مائة سوط، ولا تقصر في ضربه، فقال: لا أفعله وبكى، وقال: يا ليتني لم تلدني أمي حيث أكلف ضرب ولد سيدي، فقال له عمر: يا غلام، إن طاعتي طاعة الرسول، فافعل ما آمرك به، فانزع ثيابه، فضج الناس بالبكاء والنحيب، وجعل الغلام يشير بأصبعه إلى أبيه، ويقول: يا أبت ارحمني، فقال له عمر وهو يبكي: ربك يرحمك، وإنما هذا كي يرحمني ويرحمك، ثم قال: يا أفلح، اضربه، فضربه أول سوط، فقال الغلام: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال عمر: نعم الاسم سميت يا بني، فلما ضربه ثانيا، قال: أوه يا أبت، فقال: اصبر كما عصيت، فلما ضربه ثالثا، قال: الأمان الأمان، قال عمر ربك يعطيك الأمان، فلما ضربه رابعا , قال: واغوثاه، قال: الغوث عند الشدة، فلما ضربه، قال: الحمد لله، قال له عمر: كذا يجب أن تحمده، فلما ضربه عشرا، قال: يا أبت، قتلتني، قال: يا بني ذنبك قتلك، فلما ضربه ثلاثين، قال: أحرق والله قلبي، قال: يا بني، النار أشد حرا، فلما ضربه أربعين قال: يا أبت، دعني أذهب على وجهي، قال: يا بني، إذا أخذت حد الله من جنبك، فاذهب حيث شئت، فلما ضربه خمسين، قال: أنشدك بالقرآن لما خليتني، قال: يا بني، هلا وعظك القرآن وزجرك عن معصية الله؟ يا غلام اضرب، فلما ضربه ستين، قال: يا أبي أغثني، قال: يا بني، إن أهل النار إذا استغاثوا لما يغاثوا، فلما ضربه سبعين، قال: يا أبت اسقني شربة من ماء، قال: يا بني إن كان ربك ليطهرك فيسقيك محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا تظمأ بعدها أبدا، يا غلام اضرب، فلما ضربه ثمانين، قال: يا أبت السلام عليك، قال: وعليك السلام، إن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام، وقل له: خلفت عمر يقرأ القرآن ويقيم الحدود، يا غلام، اضربه، فلما ضربه تسعين انقطع كلامه وضعف، فوثب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل جانب، فقالوا: يا عمر، انظر كم بقي؟ فأخره إلى وقت آخر، فقال: كما لا تؤخر المعصية لا تؤخر العقوبة، وأتى الصريخ إلى أمه، فجاءت باكية صارخة، وقالت: يا عمر، أحج بكل سوط حجة ماشية، وأتصدق بكذا وكذا درهما، قال: إن الحج والصدقة لا تنوب عن الحد، قال: يا غلام، أتم الحد، فضربه فلما كان آخر سوط سقط الغلام ميتا، فسار عمر إليه، وقال: يا بني، محص الله عنك الخطايا، ثم جعل رأسه في حجره، جعل يبكي، ويقول: بأبي من قتله الحق، بأبي من مات عند انقضاء الحد، بأبي من لم يرحمه أبوه وأقاربه، فنشر الناس إليه فإذا هو قد فارق الدنيا، فلم ير يوما أعظم منه، وضج الناس بالبكاء، والخيب، فلما أن كان بعد أربعين يوما أقبل علينا حذيفة بن اليمان صبيحة يوم الجمعة , فقال: إني أخذت وردي من الليل فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وإذا الفتى معه، وعليه حلتان خضراوتان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرئ عمر مني السلام، وقل له: هكذا أمرك الله أن تقرأ القرآن وتقيم الحدود، وقال الغلام: يا حذيفة، أقرئ أبي مني السلام، وقل: طهرك الله كما طهرتني، والسلام ". هذا حديث باطل موضوع، وهو من موضوعات القصاص، ومتن هذا الحديث مختلف مضطرب. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي، يقول: لم يسمع شبل من مجاهد شيئا، وقال صالح بن محمد: سمعت يحيى بن معين، وسئل عن سماع موسى بن مسعود أبي حذيفة، عن شبل بن عباد، فقال: فيه نظر وليس بصحيح. وقال أبو الحسن الدارقطني: حديث مجاهد، عن ابن عباس، في حد أبي شحمة ليس بصحيح، ومجاهد لم يسمع هذا الحديث من ابن عباس، ولا يوجد هذا الحديث في مسموعات مجاهد.

[الموضوعات لابن الجوزي] (3/ 269)
: أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسن بن بكير الفقيه أنبأنا أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن القاسم النيسابوري أنبأنا أبو سعد عبد الكريم بن أبي عثمان الزاهد حدثنا أبو القاسم بن بالويه الصوفي حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى حدثنا أبو حذيفة عن شبل عن مجاهد قال: " تذاكر الناس في مجلس ابن عباس، فأخذوا في فضل أبي بكر، ثم أخذوا في فضل عمر بن الخطاب، فلما سمع عبد الله بن عباس بكى بكاء شديدا حتى أغمي عليه، ثم أفاق فقال: رحم الله رجلا لم تأخذه في الله لومة لائم، رحم الله رجلا قرأ القرآن وعمل بما فيه وأقام حدود الله كما أمر، لم يزد عن القريب لقرابته، ولم يخف عن البعيد لبعده. ثم قال: والله لقد رأيت عمر وقد أقام الحد على ولده فقتله فيه. ثم بكى وبكى الناس من حوله وقلنا: يا ابن عم رسول الله إن رأيت أن تحدثنا كيف أقام عمر على ولده الحد. فقال: والله لقد أذكر تمونى شيئا كنت له ناسيا. فقلت: قسمنا عليك بحق المصطفى أما حدثتنا. فقال: معاشر الناس، كنت ذات يوم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب جالس والناس حوله يعظهم ويحكم فيما بينهم، فإذا نحن بجارية قد أقبلت من باب المسجد، فجعلت تتخطى رقاب المهاجرين والأنصار حتى وقفت بإزاء عمر فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال عمر: وعليك السلام يا أمة الله، هل من حاجة؟ فقالت: نعم أعظم الحوائج إليك، خذ ولدك هذا مني فأنت أحق به مني. ثم رفعت القناع فإذا على يدها طفل. فلما نظر إليه عمر قال: يا أمة الله أسفري عن وجهك. فأسفرت. فأطرق عمر وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا هذه أنا لا أعرفك، فكيف يكون هذا ولدي؟ فبكت الجارية حتى بلت خمارها بالدموع، ثم قالت: يا أمير المؤمنين إن لم يكن ولدك من ظهرك فهو ولد ولدك. قال: أي أولادي؟ قالت: أبو شحمة. قال: أبحلال أم بحرام؟ قالت: من قبلي بحلال ومن جهته بحرام. قال عمر: وكيف ذاك؟ قالت: يا أمير المؤمنين اسمع مقالتي فوالله ما زدت عليك حرفا ولا نقصت. فقال لها: اتقي الله ولا تقولي إلا الصدق. قالت: يا أمير المؤمنين كنت في بعض الأيام مارة في بعض حوائجي إذ مررت بحائط لبني النجار، فإذا أنا بصائح يصيح من ورائي، فإذا أنا بولدك أبي شحمة يتمايل سكرا، وكان قد شرب عند نسيكة اليهودي، فلما قرب مني تواعدني وتهددني وراودني عن نفسي وجرني إلى الحائط فسقطت وأغمي علي، فوالله ما أفقت إلا وقد نال مني ما ينال الرجل من امرأته، فقمت وكتمت أمري عن عمي وجيراني، فلما تكاملت أيامي وانقضت شهوري وضربني الطلق وأحسست بالولادة خرجت إلى موضع كذا وكذا فوضعت هذا الغلام فهممت بقتله ثم ندمت على ذلك، فاحكم بحكم الله بيني وبينه. قال ابن عباس: فأمر عمر رضي الله عنه مناديه ينادي. فأقبل الناس يهرعون إلى المسجد ثم قام عمر فقال: يا معاشر المهاجرين والأنصار لا تتفرقوا حتى آتيكم بالخبر. ثم خرج من المسجد وأنا معه، فنظر إلى وقال: يا ابن عباس أسرع معي، فجعل يسرع حتى قرب من منزله فقرع الباب فخرجت جارية كانت تخدمه، فلما نظرت إلى وجهه وقد غلبه الغضب قالت: ما الذي نزل بك؟ قال يا هذه ولدي أبو شحمة هاهنا؟ قالت: إنه على الطعام، فدخل وقال له: كل يا بني فيوشك أن يكون آخر زادك من الدنيا. قال قال ابن عباس: فرأيت الغلام وقد تغير لونه وارتعد، وسقطت اللقمة من يده. فقال له عمر: يا بني من أنا؟ قال: أنت أبي وأمير المؤمنين. قال: فلي عليك حق طاعة أم لا؟ قال: طاعتان مفترضتان، أولهما: أنك والدي والأخرى أنك أمير المؤمنين. فقال عمر: بحق نبيك وبحق أبيك، فإني أسألك عن شئ إلا أخبرتني. قال: يا أبة لا أقول غير الصدق. قال: هل كنت ضيفا لنسيكة اليهودي، فشربت عنده الخمر وسكرت قال: بأبي قد كان ذلك وقد تبت. قال: يا بني رأس مال المذنبين التوبة. ثم قال: يا بني أنشدك الله هل دخلت ذلك اليوم حائطا لبني النجار فرأيت امرأة فواقعتها؟ فسكت وبكى وهو يبكي ويلطم وجهه. فقال له عمر: لا بأس أصدق فإن الله يحب الصادقين. فقال: يا أبي كان ذلك والشيطان أغواني وأنا تائب نادم. فلما سمع عمر ذلك قبض على يده ولببه وجره إلى المسجد. فقال: يا أبه لا يعصمني على رؤوس الخلائق حد السيف واقطعني هاهنا إربا إربا. قال: أما سمعت قول الله عزوجل (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) ثم جره حتى أخرجه بين يدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وقال: صدقت المرأة، وأقر أبو شحمة بما قالت. وله مملوك يقال له أفلح. فقال له: يا أفلح إن لي إليك حاجة إن أنت قضيتها فأنت حر لوجه الله. فقال: يا أمير المؤمنين مرني بأمرك. قال: خذ ابني هذا فاضربه مائة سوط ولا تقصر في ضربه. فقال: لا أفعله. وبكى وقال: يا ليتني لم تلدني أمي حيث أكلف ضرب ولد سيدي. فقال له عمر: إن طاعتي طاعة الرسول فافعل ما أمرتك به. فانزع ثيابه. فضج الناس بالبكاء والنحيب، وجعل الغلام يشير بإصبعه إلى أبيه ويقول: أبة ارحمني فقال له عمر وهو يبكي: ربك يرحمك، وإنما هذا كي يرحمني ويرحمك، ثم قال: يا أفلح اضرب. فضرب أول سوط. فقال الغلام: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: نعم الاسم سميت يا بني. فلما ضربه به ثانية قال: أوه يا أبة. فقال عمر: اصبر كما عصيت. فلما ضرب ثالثا قال: الأمان. قال عمر: ربك يعطيك الأمان. فلما ضربه رابعا قال: واغوثاه. فقال: الغوث عند الشدة. فلما ضربه خامسا حمد الله. فقال عمر: كذا يجب أن تحمده. فلما ضربه عشرا قال: يا أبة قتلتني قال: يا بني ذنبك قتلك. فلما ضربه ثلاثين قال: أحرقت والله قلبي. قال: يا بني النار أشد حرا. قال: فلما ضربه أربعين قال: يا أبة دعني أذهب على وجهي. قال: يا بني إذا أخذت حد الله من جنبك اذهب حيث شئت. فلما ضربه خمسين قال: نشدتك بالقرآن لما خليتني. قال: يا بني هلا وعظك القرآن وزجرك عن معصية الله عزوجل، يا غلام اضرب. فلما ضربه ستين قال: يا أبي أغثني. قال: يا بني إن أهل النار إذا استغاثوا لم يغاثوا. فلما ضربه سبعين قال: يا أبة اسقني شربة من ماء. قال: يا بني إن كان ربك يطهرك فيسقيك محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا تظمأ بعدها أبدا، يا غلام اضرب. فلما ضربه ثمانين قال: يا أبة السلام عليك. قال: وعليك السلام، إن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم فأقره مني السلام وقل له: خلفت عمر يقرأ القرآن ويقيم الحدود، يا غلام اضربه. فلما ضربه تسعين انقطع كلامه وضعف. فوثب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل جانب فقالوا: يا عمر انظر كم بقي فأخره إلى وقت آخر. فقال: كما لا تؤخر المعصية لا تؤخر العقوبة. فأتى الصريخ إلى أمه فجاءت باكية صارخة وقالت: يا عمر أحج بكل سوط حجة ماشية، وأتصدق بكذا وكذا درهما. قال: إن الحج والصدقة لا تنوب عن الحد، يا غلام أتم الحد. فلما كان آخر سوط سقط الغلام ميتا. فقال عمر: يا بني محص الله عنك الخطايا. وجعل رأسه في حجره وجعل يبكي ويقول: بأبي من قتله الحق، بأبي من مات عند انقضاء الحد، بأبي من لم يرحمه أبوه وأقاربه. ! فنظر الناس إليه فإذا هو قد فارق الدنيا. فلم ير يوم أعظم منه. وضج الناس بالبكاء والنحيب. فلما كان بعد أربعين يوما أقبل عليه حذيفة بن اليمان صبيحة يوم الجمعة فقال: إني أخذت وردي من الليل فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وإذا الفتى معه حلتان خضراوان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرئ عمر مني السلام وقل له: هكذا أمرك الله أن تقرأ القرآن وتقيم الحدود. وقال الغلام: أقرئ أبي مني السلام وقل له: طهرك الله كما طهرتني، والسلام ".