الموسوعة الحديثية


- كنْتُ رجلًا فارسيًّا مِن أهلِ أصْبَهانَ مِن قريةٍ منها يُقال لها جَيُّ وكان أبي دِهْقانَ قريتِه وكنْتُ أحبَّ خَلْقِ اللهِ إليه فلم يزَلْ به حُبُّه إيَّاي حتَّى حبَسَني في بيتٍ كما تُحْبَسُ الجاريةُ واجتهَدْتُ في المَجوسيَّةِ حتَّى كنْتُ قَطِنَ النَّارِ يوقِدُها لا أترُكُها تخبو ساعةً قال فكانت لأبي ضَيعةٌ عظيمةٌ قال فشُغِلَ في بُنيانٍ له يومًا فقال لي يا بُنَيَّ قد شُغِلْتُ في بُنياني هذا اليومَ عن ضَيعتي فاذهَبْ فاطِّلِعْها وأمَرَني فيها ببعضِ ما يُريدُ فخرَجْتُ أُريدُ ضَيعتَه فمرَرْتُ بكنيسةٍ مِن كنائسِ النَّصارى فسمِعْتُ أصواتَهم فيها وهم يُصَلُّون وكنْتُ لا أدري ما أمْرُ النَّاس بحَبْسِ أبي إيَّاي في بيتِه فلمَّا مرَرْتُ بهم وسمِعْتُ أصواتَهم دخَلْتُ عليهم أنظُرُ ماذا يصنَعون فلمَّا رأيْتُهم أعجَبَتْني صلاتُهم ورغِبْتُ في أمرِهم وقلْتُ هذا واللهِ خيرٌ مِنَ الدِّينِ الَّذي نحن عليه فواللهِ ما ترَكْتُهم حتَّى غرَبَتِ الشَّمسُ وترَكْتُ ضَيعةَ أبي ولم آتِها فقلْتُ لهم أين أصلُ هذا الدِّينِ قالوا بالشَّامِ قال ثمَّ رجَعْتُ إلى أبي وقد بعَث في طَلَبي وقد شغَلْتُه عن عملِه كلِّه قال فلمَّا جِئْتُه قال أَيْ بُنَيَّ [ أين كنْتَ ألم أكُنْ عهِدْتُ إليك ما عهِدْتُ قلْتُ يا أبتي مرَرْتُ بناسٍ يُصَلُّون في كَنيسةٍ لهم فأعجَبَني ما رأيْتُ مِن دينِهم فواللهِ ما زِلْتُ عندَهم حتَّى غرَبَتِ الشَّمسُ قال أَيْ بُنَيَّ ] ليس في ذلك الدِّينِ خيرٌ دينُك ودينُ آبائِك خيرٌ منه قال قلْتُ كلَّا واللهِ إنَّه لخيرٌ مِن دينِنا قال فخافني فجعَل في رِجْلي قَيدًا ثمَّ حبَسَني في بيتِه قال وبعَثْتُ إلى النَّصارى وقلْتُ لهم إذا قدِم عليهم مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصارى فأخْبِروني بهم [ فأقبَل عليهم رَكْبُ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصارى فأخبَروني ] قال فقلْتُ إذا قضَوا حوائجَهم وأرادوا الرَّجْعةَ إلى بلادِهم فآذِنوني بهم قال فلمَّا أرادوا الرَّجْعةَ إلى بلادِهم ألقَيتُ الحَديدَ مِن رِجْلي ثمَّ خرَجْتُ معهم حتَّى الشَّامِ فلمَّا قدِمْتُها قلْتُ مَن أفضلُ أهلِ هذا الدِّينِ قالوا الأُسْقُفُّ في الكَنيسةِ قال فجِئْتُه فقلْتُ إنِّي قد رغِبْتُ في هذا الدِّينِ وأحبَبْتُ أن أكونَ معك في كَنيستِك أخدُمُك في كَنيستِك وأتعلَّمُ منك وأُصَلِّي معك قال ادخُلْ فدخَلْتُ معه قال فكان رجلَ سَوءٍ يأمُرُهم بالصَّدقةِ ويُرَغِّبُهم فيها فإذا جمَعوا فيها شيئًا اكتَنَزه لنفسِه ولم يُعْطِ المساكينَ حتَّى جمَع سبْعَ قِلالٍ مِن ذهبٍ ووَرِقٍ قال وأبغَضْتُه بُغْضًا شديدًا لِما رأيْتُه يصنَعُ ثمَّ مات فاجتمَعَتْ إليه النَّصارى ليَدْفِنوه فقلْتُ لهم إنَّ هذا كان رجلَ سَوءٍ يأمُرُكم بالصَّدقةِ ويُرَغِّبُكم فيها فإذا جمَعْتُم له منها أشياءَ جِئْتُموه بها اكتَنَزها لنفسِه ولم يُعْطِ المساكينَ منها شيئًا قالوا وما عِلْمُك بذلك قلْتُ أنا أدُلُّكم على كَنزِه قالوا فدُلَّنا عليه قال فأرَيْتُهم موضِعَه فاستخرَجوا منه سبْعَ قِلالٍ مملوءةٍ ذَهَبًا ووَرِقًا فلمَّا رأَوْها قالوا واللهِ لا ندْفِنُه أبدًا قال فصلَبوه ثمَّ رجَموه بالحِجارةِ ثمَّ جاءوا برجلٍ آخَر فجعَلوه بمكانِه قال يقولُ سَلْمانُ قلَّما رأيْتُ رجلًا يُصَلِّي الخَمْسَ أرى أنَّه أفضلُ منه ولا أزهَدُ في الدُّنيا ولا أرغَبُ في الآخرةِ ولا أدْأَبُ ليلًا ونهارًا منه قال فأحبَبْتُه حُبًّا لم أُحِبَّه مِن قَبلِه فأقَمْتُ معه زمانًا ثمَّ حضَرَتْه الوفاةُ فقلْتُ له يا فلانُ إنِّي كنْتُ معك وأحبَبْتُك حُبًّا لم أُحِبَّه أحدًا قَبلَك وقد حضَرَك ما ترى مِن أمْرِ اللهِ فإلى مَن تُوصِي بي وما تأمُرُني قال أَيْ بُنَيَّ واللهِ ما أعلمُ أحدًا اليومَ على ما كنْتُ عليه لقد هلَك النَّاس وبدَّلوا وترَكوا أكثرَ ما كانوا عليه إلَّا رجُلٌ بالمَوصِلِ وهو فلانٌ فهو على ما كنْتُ عليه فالْحَقْ به قال فلمَّا مات وغُيِّبَ لَحِقْتُ بصاحبِ المَوصِلِ فقلْتُ له يا فلانُ إنَّ فلانًا أوصاني عندَ موتِه [ أن ألْحَقَ بك وأخبَرَني أنَّك على مِثلِ أمْرِه قال فقال أقِمْ عندي ] فأقَمْتُ عندَه فوجَدْتُه خيرَ رجلٍ فلم يلبَثْ أن مات فلمَّا حضَرَتْه الوفاةُ قلْتُ له يا فلانُ إنَّ فلانًا أوصاني إليك وقد أمَرني باللُّحوقِ بك وقد حضَرَك مِن أمْرِ اللهِ ما ترى فإلى مَن تُوصِي بي وما تأمُرُني قال أَيْ بُنَيَّ واللهِ ما أعلمُ رجلًا على مِثلِ ما كنَّا عليه إلَّا رجلًا بِنَصِيبِينَ فجِئْتُه فأخبَرْتُه خبري وما أمَرَني به صاحبي قال أقِمْ عندي فوجَدْتُه على أمرِ صاحِبَيه فأقَمْتُ مع خيرِ رجلٍ فواللهِ ما لبِث أن نزَل به الموتُ فلمَّا حُضِرَ قلْتُ يا فلانُ إنَّ فلانًا كان أوصى بي إلى فلانٍ ثمَّ أوصى بي فلانٌ إليك فإلى مَن تُوصِي بي وما تأمُرُني قال أَيْ بُنَيَّ واللهِ ما أعلَمُ أحَدًا بقِي على أمرِنا آمرُك أن تأتيَه إلَّا رجلًا بِعَمُّورِيَّةَ فإنَّه على مِثلِ ما نحن عليه فإنْ أحبَبْتَ فائتِه فإنَّه على مِثلِ أمْرِنا قال فلمَّا مات وغُيِّبَ لَحِقْتُ بصاحبِ عَمُّورِيَّةَ فأخبَرْتُه خبري فقال أقِمْ عندي فأقَمْتُ مع رجلٍ على أمرِ أصحابِه وهَدْيِهم واكتسَبْتُ حتَّى صارت لي بُقَيراتٌ وغُنَيمةٌ قال ثمَّ نزَل به أمرُ اللهِ عزَّ وجلَّ قال فلمَّا حُضِرَ قلْتُ له يا فلانُ إنِّي كنْتُ مع فلانٍ وإنَّه أوصى بي إلى فلانٍ وأوصى [ إلى فلانٍ وأوصى إلى فلانٍ وأوصاني فلانٌ ] إلى فلانٍ وأوصى فلانٌ إليك فإلى مَن تُوصِي بي وما تأمُرُني قال فإنَّني واللهِ ما أعلمُ أحدًا على ما كُنَّا عليه مِنَ النَّاسِ آمُرُك أن تأتيَه ولكِنْ قد أظلَّك زمانُ نبِيٍّ هو مبعوثٌ بدينِ إبراهيمَ يخرُجُ بأرضِ العربِ مُهاجَرُه إلى أرضٍ بين حَرَّتَينِ بينَهما نَخْلٌ به علاماتٌ لا تخفى يأكُلُ الهديَّةَ ولا يأكُلُ الصَّدقةَ بينَ كَتِفَيه خاتَمُ النُّبوَّةِ فإنِ استَطَعْتَ أن تلْحَقَ بتلك البلادِ فافْعَلْ قال ثمَّ مات وغُيِّبَ فمكَثْتُ بعَمُّورِيَّةَ ما شاء اللهُ أن أمكُثَ ثمَّ مرَّ بي نَفَرٌ مِن كَلْبٍ تُجَّارٌ فقلْتُ لهم تحمِلوني إلى أرضِ العربِ وأعطيكم بُقَيراتي هذه وغُنَيمَتي هذه فقالوا نعم فأعطيتُموها فحمَلوني حتَّى إذا قدِموا بي واديَ القُرى ظلَموني فباعوني مِن رجلٍ مِن يهودَ وكنْتُ عندَه ورأيْتُ النَّخلَ ورجَوْتُ أن يكونَ البلدَ الَّذي وصَف لي صاحبي ولم يَخْفَ في نفسي فبينا أنا عندَه قدِم عليه ابنُ عمٍّ له مِنَ المدينةِ مِن بني قُرَيظةَ فابتاعني منه فحمَلَني إلى المدينةِ فواللهِ ما هو إلَّا أنْ رأيْتُها فعرَفْتُها بصِفةِ صاحبي فأقَمْتُ بها وبعَث اللهُ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأقام بمكَّةَ لا أسمَعُ له بذِكْرٍ مع ما أنا فيه مِن شُغْلِ الرِّقِّ ثمَّ هاجر إلى المدينةِ فواللهِ إنِّي لَفي رأسِ عَذْقٍ لسيِّدي أعمَلُ معه بعضَ العملِ وسيِّدي جالسٌ إذ أقبَل ابنُ عمٍّ له حتَّى وقَف عليه فقال فلانٌ قاتَل اللهُ بني قَيلةَ واللهِ إنَّهم الآن مُجتَمِعون عندَ رجلٍ قدِم مِن مكَّةَ اليومَ يزعُمُ أنَّه نبيٌّ قال فلمَّا سمِعْتُها أخَذَتْني العُرَواءُ حتَّى ظنَنْتُ سأسقُطُ على سيِّدي قال ونزَلْتُ عنِ النَّخلةِ وجعَلْتُ أقولُ لابنِ عمِّه ماذا تقولُ ماذا تقولُ فغضِب سيِّدي فلكَمَني لَكْمةً شديدةً ثمَّ قال ما لك ولهذا أقبِلْ على عَمَلِك قال قلْتُ لا شيءَ إنَّما أرَدْتُ أن أستثْبِتَه عمَّا قال وكان عندي شيءٌ قد جمَعْتُه فلمَّا أمسيتُ أخَذْتُه ثمَّ ذهَبْتُ به إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو بقُباءَ فدخَلْتُ عليه فقلْتُ له إنَّه بلَغَني أنَّك رجلٌ صالحٌ ومعك أصحابٌ لك عُرياءُ ذو حاجةٍ وهذا شيءٌ كان عندي للصَّدقةِ فرأيْتُكم أحَقَّ به مِن غيرِكم فقرَّبْتُه إليه فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأصحابِه كُلوا وأمسَك يدَه فلم يأكُلْ قال فقلْتُ في نفسي هذه واحدةٌ ثمَّ انصرَفْتُ عنه فجمَعْتُ شيئًا وتحوَّل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى المدينةِ ثمَّ جِئْتُه فقلْتُ إنِّي رأيْتُك لا تأكُلُ الصَّدقةَ وهذه هدِيَّةٌ أكرَمْتُك بها قال فأكَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منها وأمَر أصحابَه فأكَلوا معه قال فقلْتُ في نفسي هذه اثنتانِ قال ثُمَّ جِئْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو ببَقيعِ الغَرْقَدِ وقد تبِع جِنازةً مِن أصحابِه عليه شَمْلَتانِ له وهو جالسٌ في أصحابِه فسلَّمْتُ عليه ثمَّ استَدَرْتُ أنظُرُ إلى ظَهرِه هل أرى الخاتَمَ الَّذي وصَف لي صاحبي فلمَّا رآني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استدْبَرْتُه عرَف أنِّي أستثبِتُ في شيءٍ قد وُصِفَ لي قال فألقى رِداءَه عن ظَهرِه فنظَرْتُ إلى الخاتَمِ وعرَفْتُه فانكبَبْتُ عليه أُقَبِّلُه وأبكي فقال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تحوَّلْ فتحوَّلْتُ فقصَصْتُ عليه حديثي كما حدَّثْتُك يا ابنَ عبَّاس فأَعْجَبَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يسمَعَ ذلك أصحابُه وشغَل سَلْمانَ الرِّقُّ حتَّى فاته مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَدْرٌ وأُحُدٌ قال ثمَّ قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كاتِبْ يا سَلْمانُ فكاتَبْتُ صاحبي على ثلاثِمئةِ نخلةٍ أُحْييها له بالعَفيرِ وبأربعين أوقِيَّةً فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأصحابِه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنَّخلِ الرَّجلُ بثلاثين وَدِيَّةً والرَّجلُ بعشرين وَدِيَّةً والرَّجلُ بخمسَ عشْرةَ وَدِيَّةً والرَّجلُ بعَشرٍ يُعينُ الرَّجلُ بقَدْرِ ما عندَه حتَّى إذا اجتمَعَتْ لي ثلاثُمائةِ وَدِيَّةٍ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اذهَبْ يا سَلْمانُ فعَفِّرْ لها فإذا فرَغْتَ فائْتِني فأكونُ أنا أضَعُها بيدَيَّ قال فعفَّرْتُ لها وأعانني أصحابي حتَّى إذا فرَغْتُ منها جِئْتُه فأخبَرْتُه فخرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معي إليها فجعَلْنا نُقَرِّبُ إليه الوَدِيَّ ويضَعُه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيدِه فوالَّذي نفسُ سَلْمانَ بيدِه ما مات منها وَدِيَّةٌ واحدةٌ فأدَّيْتُ النَّخلَ وبقِي عليَّ المالُ فأُتِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمِثلِ بَيضةِ دجاجةٍ مِن ذَهَبٍ مِن بعضِ المَعادنِ فقال ما فعَل الفارسيُّ المُكاتَبُ قال فدُعيتُ له فقال خُذْ هذه فأدِّ بها ما عليك يا سَلْمانُ قال قلْتُ وأين تقَعُ هذه يا رسولَ اللهِ ممَّا عليَّ قال خُذْها فإنَّ اللهَ سيؤدِّي ما عليك قال فأخَذْتُها فوَزَنْتُ لهم منها والَّذي نفسُ سَلْمانَ بيدِه أربعين أوقيَّةً فأوفَيْتُهم حقَّهم وعَتَقْتُ فشهِدْتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الخَنْدَقَ ثمَّ لم يفُتْني معه مَشهَدٌ وفي روايةٍ عَن سَلْمانَ قال لمَّا قلْتُ وأين تقَعُ هذه مِنَ الَّذي عليَّ يا رسولَ اللهِ أخَذَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقلَّبَها على لسانِه ثمَّ قال خُذْها فأوْفِهم منها حقَّهم كُلِّه أربعين أوقيَّةً .
خلاصة حكم المحدث : [روي] بأسانيد وإسناد الرواية الأولى رجالها رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع‏‏ ورجال الرواية الثانية رجالها رجال الصحيح غير عمرو بن أبي قرة الكندي وهو ثقة
الراوي : سلمان الفارسي | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد الصفحة أو الرقم : 9/335
التخريج : أخرجه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (4882)، والطبراني (6/222) (6065)، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (2/92) باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - بركة النبي فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - خاتم النبوة في ظهره فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - صفة النبي وأمته في كتب أهل الكتاب مناقب وفضائل - سلمان الفارسي فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - خصائصه صلى الله عليه وسلم
|أصول الحديث | شرح حديث مشابه

أصول الحديث:


الطبقات الكبرى - دار صادر (4/ 75)
4882- أخبرنا يوسف بن البهلول ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، قال : حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه ، قال : كنت رجلا من أهل أصبهان من قرية يقال لها : جي ، وكان أبي دهقان أرضه ، وكنت من أحب عباد الله إليه ، فما زال في حبه إياي حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية ، قال : فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار التي نوقدها لا نتركها تخبو ، وكانت لأبي ضيعة في بعض عمله ، وكان يعالج بنيانا له في داره ، فدعاني ، فقال : أي بني إنه قد شغلني بنياني كما ترى ، فانطلق إلى ضيعتي ، فلا تحبس علي ، فإنك إن فعلت شغلتني عن كل ضيعة ، وكنت أهم عندي مما أنا فيه ، فخرجت ، فمررت بكنيسة للنصارى ، فسمعت صلاتهم فيها ، فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون ، فلم أزل عندهم ، وأعجبني ما رأيت من صلاتهم ، وقلت في نفسي : هذا خير من ديننا الذي نحن عليه ، فما برحتهم حتى غابت الشمس ، وما ذهبت إلى ضيعة أبي ولا رجعت إليه حتى بعث الطلب في أثري ، وقد قلت للنصارى حين أعجبني ما رأيت من أمرهم وصلاتهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام ، قال : ثم خرجت ، فرجعت إلى أبي ، فقال : أي بني أين كنت ؟ قد كنت عهدت إليك ، وتقدمت ألا تحتبس ، قال : قلت : إني مررت على ناس يصلون في كنيسة لهم ، فأعجبني ما رأيت من أمرهم وصلاتهم ورأيت أن دينهم خير من ديننا ، قال : فقال لي : أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم ، قال : قلت : كلا والله ، قال : فخافني ، فجعل في رجلي حديدا ، وحبسني ، وأرسلت إلى النصارى أخبرهم أني قد رضيت أمرهم ، وقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام فآذنوني ، فقدم عليهم ركب منهم من التجار ، فأرسلوا إلي ، فأرسلت إليهم إن أرادوا الرجوع فآذنوني ، فلما أرادوا الرجوع أرسلوا إلي ، فرميت بالحديد من رجلي ، ثم خرجت ، فانطلقت معهم إلى الشام ، فلما قدمت ، سألت عن عالمهم ، فقيل لي : صاحب الكنيسة أسقفهم ، قال : فأتيته ، فأخبرته خبري ، وقلت : إني أحب أن أكون معك أخدمك وأصلي معك وأتعلم منك ، فإني قد رغبت في دينك . قال : أقم ، فكنت معه وكان رجل سوء في دينه ، وكان يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا إليه الأموال اكتنزها لنفسه حتى جمع سبع قلال دنانير ودراهم ، ثم مات ، فاجتمعوا ليدفنوه ، قال : قلت : تعلمون أن صاحبكم هذا كان رجل سوء ، فأخبرتهم ما كان يصنع في صدقتهم ، قال : فقالوا فما علامة ذلك ؟ قال : قلت أنا أدلكم على ذلك ، فأخرجته فإذا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا ، فلما رأوها ، قالوا : والله لا تغيبه أبدا ، ثم صلبوه على خشبة ، ورجموه بالحجارة ، وجاءوا بآخر ، فجعلوه مكانه ، قال سلمان : فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس كان خيرا منه أعظم رغبة في الآخرة ولا أزهد في الدنيا ، ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه ، وأحببته حبا ما علمت أني أحببت شيئا كان قبله ، فلما حضره قدره ، قلت له : إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى فماذا تأمرني , وإلى من توصي بي ؟ قال : أي بني ما أرى أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلا بالموصل ، فأما الناس فقد بدلوا وهلكوا ، فلما توفي أتيت صاحب الموصل ، فأخبرته بعهده إلي أن ألحق به وأكون معه ، قال : أقم فأقمت معه ما شاء الله أن أقيم على مثل ما كان عليه صاحبه ، ثم حضرته الوفاة ، فقلت : إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي ؟ قال : أي بني والله ما أعلم أحدا على أمرنا إلا رجلا بنصيبين ، وهو فلان فالحق به ، قال : فأتيت على رجل على مثل ما كان عليه صاحباه ، فأخبرته خبري فأقمت معه ما شاء الله أن أقيم ، فلما حضرته الوفاة ، قلت له : إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ، وفلانا إلى فلان ، وفلانا إليك ، فإلى من توصي بي ؟ قال : أي بني والله ما أعلم أحدا من الناس على ما نحن عليه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم فإن استطعت أن تلحق به فالحق ، فلما توفي لحقت بصاحب عمورية ، فأخبرته خبري وخبر من أوصى بي حتى انتهيت إليه ، فقال : أقم ، فأقمت عنده ، فوجدته على مثل ما كان عليه أصحابه ، فمكثت عنده ما شاء الله أن أمكث وثاب لي شيء حتى اتخذت بقرات وغنيمة ، ثم حضرته الوفاة ، فقلت له : إلى من توصي بي ؟ فقال لي : أي بني والله ما أعلم أنه أصبح في الأرض أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه ، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم الحنفية يخرج من أرض مهاجره وقراره ذات نخل بين حرتين ، فإن استطعت أن تخلص إليه فاخلص وإن به آيات لا تخفى ، إنه لا يأكل الصدقة ، وهو يأكل الهدية ، وإن بين كتفيه خاتم النبوة إذا رأيته عرفته ، قال : ومات فمر بي ركب من كلب ، فسألتهم عن بلادهم ، فأخبروني عنها ، فقلت : أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني حتى تقدموا بي أرضكم . قالوا : نعم ، فاحتملوني حتى قدموا بي وادي القرى ، فظلموني ، فباعوني عبدا من رجل من يهود ، فرأيت بها النخل وطمعت أن تكون البلدة التي وصفت لي ، وما حقت لي ، ولكني قد طمعت حين رأيت النخل ، فأقمت عنده حتى قدم رجل من يهود بني قريظة ، فابتاعني منه ، ثم خرج بي حتى قدمت المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها ، فعرفتها بصفة صاحبي وأيقنت أنها هي البلدة التي وصفت لي ، فأقمت عنده أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، وخفي علي أمره حتى قدم المدينة ، ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف ، فوالله إني لفي رأس نخلة وصاحبي جالس تحتي إذ أقبل رجل من يهود من بني عمه حتى وقف عليه ، فقال : أي فلان قاتل الله بني قيلة ، إنهم آنفا ليتقاصفون على رجل بقباء ، قدم من مكة يزعمون أنه نبي ، قال : فوالله إن هو إلا أن قالها ، فأخذتني العرواء فرجفت النخلة حتى ظننت لأسقطن على صاحبي ، ثم نزلت سريعا أقول : ماذا تقول ؟ ما هذا الخبر ؟ قال : فرفع سيدي يده ، فلكمني لكمة شديدة ، ثم قال : ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك ، قلت : لا شيء إنما أردت أن أستثبته هذا الخبر الذي سمعته يذكر ، قال : أقبل على شأنك ، قال : فأقبلت على عملي ولهيت منه ، فلما أمسيت جمعت ما كان عندي ، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء ، فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه ، فقلت : إنه بلغني أنك ليس بيدك شيء وإن معك أصحابا لك وأنكم أهل حاجة وغربة ، وقد كان عندي شيء وضعته للصدقة ، فلما ذكر لي مكانكم رأيتكم أحق الناس به ، فجئتكم به ، ثم وضعته له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلوا ، وأمسك هو ، قال : قلت في نفسي : هذه والله واحدة ، ثم رجعت ، وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وجمعت شيئا ، فسلمت عليه ، وقلت له : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة ، وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به من هدية أهديتها كرامة لك ليست بصدقة ، فأكل وأكل أصحابه ، قال : قلت في نفسي : هذه أخرى ، قال : ثم رجعت ، فمكثت ما شاء الله ، ثم أتيته ، فوجدته في بقيع الغرقد قد تبع جنازة وحوله أصحابه وعليه شملتان مؤتزرا بواحدة مرتديا بالأخرى ، قال : فسلمت عليه ، ثم عدلت لأنظر في ظهره ، فعرف أني أريد ذلك وأستثبته ، قال : فقال بردائه ، فألقاه عن ظهره ، فنظرت إلى خاتم النبوة كما وصف لي صاحبي ، قال : فأكببت عليه أقبل الخاتم من ظهره وأبكي ، قال : فقال : تحول عنك ، فتحولت ، فجلست بين يديه ، فحدثته حديثي كما حدثتك يا ابن عباس ، فأعجبه ذلك ، فأحب أن يسمعه أصحابه ، ثم أسلمت وشغلني الرق وما كنت فيه حتى فاتني بدر وأحد ، ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كاتب ، فسألت صاحبي ذلك فلم أزل حتى كاتبني على أن أحيي له بثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية من ورق ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعينوا أخاكم بالنخل . فأعانني كل رجل بقدره بالثلاثين والعشرين والخمس عشرة والعشر ، ثم قال : يا سلمان اذهب ففقر لها ، فإذا أنت أردت أن تضعها فلا تضعها حتى تأتيني فتؤذنني فأكون أنا الذي أضعها بيدي ، فقمت في تفقيري فأعانني أصحابي حتى فقرنا شربا ثلاثمائة شربة ، وجاء كل رجل بما أعانني به من النخل ، ثم جاء رسول الله ، فجعل يضعها بيده وجعل يسوي عليها شربها ويبرك حتى فرغ منها رسول الله جميعا ، فلا والذي نفس سليمان بيده ما ماتت منه ودية وبقيت الدراهم ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في أصحابه إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب ، أصابها من بعض المعادن ، فتصدق بها إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما فعل الفارسي المسكين المكاتب ، ادعوه لي ، فدعيت له ، فجئت فقال : اذهب بهذه فأدها عنك مما عليك من المال . قال : وقلت : وأين يقع هذا مما علي يا رسول الله ؟ ، قال : إن سيؤدي عنك.

[المعجم الكبير للطبراني] (6/ 222)
: ‌6065 - حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي، ثنا عبد الملك بن هشام السدوسي، ثنا زياد بن عبد الله البكائي، ح وحدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا يونس بن بكير، ح وحدثنا الحسن بن العباس الرازي، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة كلهم، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن عبد الله بن عباس، حدثني سلمان حديثه من فيه، قال: كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من قرية يقال لها: جي، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل بي حبه إياي، حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، فاجتهدت في المجوسية، حتى كنت قاطن النار، أوقدها لا أتركها تخبو ساعة واحدة، وكانت لأبي ضيعة عظيمة، فشغل يوما، فقال لي: يا بني، إني قد شغلت هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب إليها فطالعها، فأمره فيها ببعض ما يريد، ثم قال لي: لا تحتبس علي، فإنك إن احتبست علي كنت أهم علي من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء من أمري، فخرجت أريد ضيعته أسير إليها، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها، وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم، ورغبت في دينهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فما برحت من عندهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي، ثم قلت لهم: من أبصركم بهذا الدين؟ قالوا: رجل بالشام، ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي، وقد شغلته عن عمله، قال أبي: بني، أين كنت؟ ألم أعهد إليك ما عهدت؟ قلت: إني مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فدخلت إليهم، فما زلت عندهم وهم يصلون حتى غربت الشمس، قال: أي بني، ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، ثم حبسني في بيته، وبعثت إلى النصراني، فقلت: إذا قدم إليكم ركب من الشام، فأخبروني بهم، فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، فأخبروني بهم، فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين علما؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة، فجئته فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، فأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك، قال: فادخل، فدخلت معه، وكان رجل سوء يأمر بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا به إليه شيئا منها اكتنزه لنفسه، فلم يعط إنسانا منها شيئا، حتى جمع قلالا من ذهب وورق، فأبغضته بغضا شديدا، لما رأيته يصنع، ثم مات واجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا: وما علمك بذلك؟ قلت لهم: فأنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه، فدللتهم عليه فاستخرجوا ذهبا وورقا فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا، فصلبوه، ثم رجموه بالحجارة، وكان ثم رجل آخر فجعلوه مكانه، قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أفضل منه، أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلا ونهارا منه، فأحببته حبا لم أحبه شيئا قط، فما زلت معه زمانا ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان ، إني قد كنت معك فأحببتك حبا لم أحبه شيئا قط، وقد حضرك ما ترى من أمر الله عز وجل، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟، قال: أي بني، والله ما أعلم أحدا على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا كثيرا مما كانوا عليه، إلا رجلا بالموصل وهو فلان، وهو على ما كنت عليه، فالحق به، فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره، قال: فأقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم ألبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إن فلانا أوصاني إليك، وأمرني أن ألحق بك، وقد حضر من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: يا بني، ما أعلم بقي أحد آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية بأرض الروم على مثل ما نحن عليه، فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت عند خير رجل على هدي أصحابه وأمرهم، واكتسبت حتى كانت عندي بقيرات وغنيمة، ثم نزل به أمر الله عز وجل، فلما حضر قلت له: يا فلان، إني كنت مع فلان فأوصاني إلى فلان، ثم أوصى فلان إلى فلان، ثم أوصاني فلان إليك، فإلى من توصي بي، وإلى من تأمرني؟ قال: والله ما أعلم أصبح على مثل ما نحن فيه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكن أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم صلى الله عليه وسلم، يخرج بأرض العرب إلى أرض - أظنه قال - ذات نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بذلك البلاد فافعل، ثم مات وغيب، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، مر بي نفر من كلب تجار، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم، فأعطيتهم وحملوني معهم حتى إذا قدموا وادي القرى ظلموني، فباعوني من رجل يهودي، فكنت عنده فرأيت النخل، فرجوت البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يحق في نفسي ، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من بني قريظة، وابتاعني منه، فحملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها عرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، فبعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقام بمكة ما أقام ما أسمع له بذكر، مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال: قاتل الله بني فيلة، والله إنهم ليجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة اليوم، يزعمون أنه نبي، فلما سمعتها أخذني الفرح، حتى ظننت أني سأسقط على سيدي، ونزلت عن النخلة، وجعلت أقول لابن عمه ذلك: ماذا يقول؟ فغضب سيدي، فلطمني لطمة شديدة، ثم قال: ما لك ولهذا؟ أقبل على عملك، قلت: لا شيء، إنما أردت أن أستفتيه عما قال، وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي صدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، وقربته إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: كلوا وأمسك هو فلم يأكل منه ، فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم انصرفت عنه، فجمعت شيئا، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئته به، فقلت له: رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا، وقلت في نفسي: هاتان ثنتان، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقيع الغرقد قد اتبع جنازة رجل من الأنصار وهو جالس، فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره: هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدرت عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحول ، فتحولت فجلست بين يديه، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا، وأحدا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كاتب يا سلمان ، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له، وبأربعين أوقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أعينوا أخاكم فأعانوني في النخل الرجل بثلاثين، والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، والرجل بعشر، والرجل بقدر ما عنده، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة نخلة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب يا سلمان، فآذني حتى أكون أنا أضعها بيدي ، ففقرت لها وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت جئته فأخبرته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها، فجعلت إليها، فجعلت أقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، حتى فرغنا، والذي نفس سلمان بيده، ما مات منه ودية واحدة، فأديت النخل، وبقي علي المال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب، من بعض المغازي، فقال: ما فعل الفارسي المكاتب؟ فدعيت له، فقال: خذ هذه فأد بها ما عليك ، فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ فقال: خذها، فإن الله عز وجل سيؤديها عنك فوزنت له منها، فوالذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية، وأوفيتهم حقهم، وعتق سلمان وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، ثم لم يفته مشهد.

[دلائل النبوة - البيهقي] (2/ 92)
: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر: أحمد بن الحسن القاضي، قالا: أخبرنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس، قال: حدثني سلمان الفارسي، قال: كنت من أهل فارس من أهل أصبهان، من قرية يقال لها ‌جي، وكان أبي دهقان أرضه، وكان يحبني حبا شديدا لم يحبه شيئا من ماله ولا ولده، فما زال به حبه إياي حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية. واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار [[الذي يوقدها]] ولا يتركها تخبو ساعة، فكنت كذلك لا أعلم من أمر الناس شيئا إلا ما أنا فيه، حتى بنى أبي بنيانا له، وكانت له ضيعة فيها بعض العمل، فدعاني فقال: أي بني، إنه قد شغلني ما ترى من بنياني عن ضيعتي هذه، ولا بد لي من اطلاعها، فانطلق إليها فأمرهم بكذا وكذا ولا تحتبسن عني، فإنك إن احتبست عني شغلتني عن كل شيء. فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة النصارى، فسمعت أصواتهم فيها، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: هؤلاء النصارى يصلون. فدخلت أنظر فأعجبني ما رأيت من حالهم. فو الله ما زلت جالسا عندهم حتى غربت الشمس. وبعث أبي في طلبي في كل وجهة حتى جئته حين أمسيت ولم أذهب إلى ضيعته، فقال أبي: أين كنت؟ ألم أكن قلت لك؟ فقلت: يا أبتاه، مررت بناس يقال لهم: النصارى، فأعجبني صلواتهم ودعاؤهم، فجلست أنظر كيف يفعلون. فقال: أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم. فقلت: لا والله ما هو بخير من دينهم، هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ويصلون له، ونحن إنما نعبد نارا نوقدها بأيدينا، إذا تركناها ماتت. فخافني، فجعل في رجلي حديدا، وحبسني في بيت عنده، فبعثت إلى النصارى، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين الذي أراكم عليه؟ فقالوا: بالشام. فقلت: فإذا قدم عليكم من هناك ناس فآذنوني. قالوا: نفعل. فقدم عليهم ناس في تجارتهم. فبعثوا إلي أنه قد قدم علينا تجار من تجارنا. فبعثت إليهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فآذنوني. فقالوا: نفعل. فلما قضوا حوائجهم وأرادوا الرحيل بعثوا إلي بذلك، فطرحت الحديد الذي في رجلي ولحقت بهم، فانطلقت معهم حتى قدمت الشام. فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ فقالوا: الأسقف صاحب الكنيسة. فجئته، فقلت له: إني أحببت أن أكون معك في كنيستك، وأعبد الله معك، وأتعلم منك الخير. قال: فكن معي. قال: فكنت معه، وكان رجل سوء، كان يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين. فأبغضته بغضا شديدا لما رأيت من حاله، فلم ينشب أن مات، فلما جاءوا ليدفنوه قلت لهم: إن هذا رجل سوء، كان يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، حتى إذا جمعتموها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين. فقالوا: وما علامة ذلك؟ فقلت: أنا أخرج لكم كنزه. فقالوا: فهاته. فأخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا. فلما رأوا ذلك قالوا: والله لا يدفن أبدا. فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة، وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه. فلا والله يا ابن عباس، ما رأيت رجلا قط لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه أشد اجتهادا، ولا أزهد في الدنيا، ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه. ما أعلمني أحببت شيئا قط، قبله، حبه. فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة. فقلت: يا فلان، قد حضرك ما ترى من أمر الله، وإني والله ما أحببت شيئا، قط، حبك، فماذا تأمرني؟ إلى من توصيني؟ فقال: أي بني، والله ما أعلمه إلا رجلا بالموصل فائته، فإنك ستجده على مثل حالي. فلما مات [[وغيب]] لحقت بالموصل، فأتيت صاحبها، فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهادة في الدنيا، فقلت له: إن فلانا أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك. قال: فأقم أي بني. فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه، حتى حضرته الوفاة. فقلت له: إن فلانا أوصاني إليك وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصيني، فقال: والله ما أعلمه، أي بني، إلا رجل بنصيبين وهو على مثل ما نحن عليه، فالحق به. فلما دفناه. لحقت بالآخر فقلت له: يا فلان، إن فلانا أوصاني إلى فلان، وفلان أوصاني إليك. قال: فأقم يا بني. فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضرته الوفاة. فقلت له: يا فلان، إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى، وقد كان فلان أوصاني إلى فلان، وأوصاني فلان إلى فلان، وأوصاني فلان إليك، فإلى من توصيني؟ قال لي: أي بني، والله ما أعلم أحدا على مثل ما نحن عليه إلا رجل بعمورية من أرض الروم، فأته، فإنك ستجده على مثل ما كنا عليه. فلما واريته، خرجت حتى قدمت على صاحب عمورية، فوجدته على مثل حالهم، فأقمت عنده، واكتسبت حتى كانت لي غنيمة وبقرات. ثم حضرته الوفاة. فقلت: يا فلان، إن فلانا كان أوصاني إلى فلان، وفلان إلى فلان، وفلان إليك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله، [[تعالى]]، فإلى من توصيني؟ قال: أي بني، والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه. ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين، إلى أرض سبخة ذات نخيل، وإن فيه علامات لا تخفى: بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة. فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل، فإنه قد أظلك زمانه. فلما واريناه، أقمت حتى مر رجال من تجار العرب من كلب، فقلت لهم: تحملوني معكم حتى تقدموا بي أرض العرب، وأعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي؟ قالوا: نعم. فأعطيتهم إياها، وحملوني حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني فباعوني عبدا من رجل من يهود، بوادي القرى. فو الله لقد رأيت النخل، وطمعت أن تكون البلد الذي نعت لي صاحبي وما حقت عندي، حتى قدم رجل من بني قريظة، من يهود وادي القرى، فابتاعني من صاحبي الذي كنت عنده، فخرج بي حتى قدم بي المدينة. فو الله ما هو إلا أن رأيتها فعرفت نعمته، فأقمت في رق مع صاحبي. وبعث الله رسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، بمكة لا يذكر لي شيئا من أمره مع ما أنا فيه من الرق حتى قدم رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، قباء، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له. فو الله إني لفيها إذ جاء ابن عم له، فقال: يا فلان قاتل الله بني قيلة, والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة، يزعمون أنه نبي، فو الله ما هو إلا أن سمعتها، فأخذتني العرواء - يقول الرعدة - حتى ظننت لأسقطن على صاحبي. ونزلت أقول: ما هذا الخبر؟ ما هو؟ فرفع مولاي يده، فلكمني لكمة شديدة، وقال: ما لك ولهذا؟ أقبل قبل عملك. فقلت: لا شيء، إنما سمعت خبرا فأحببت أن أعلمه. فلما أمسيت، وكان عندي شيء من طعام، فحلمته وذهبت به إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وهو بقباء، فقلت: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، وأن معك أصحابا لك غرباء، وقد كان عندي شيء للصدقة، فرأيتكم أحق من بهذه البلاد [[به]] فها هو ذا فكل منه. فأمسك رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، بيده، وقال: لأصحابه: كلوا، ولم يأكل. فقلت في نفسي هذه خلة مما وصف لي صاحبي. ثم رجعت، وتحول رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، إلى المدينة فجمعت شيئا كان عندي ثم جئته به، فقلت: إن قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة. فأكل رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وأكل أصحابه. فقلت: هذه خلتان. ثم جئت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي، وهو في أصحابه، فاستدرت به لأنظر إلى الخاتم في ظهره. فلما رآني رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، استدبرته عرف أني أستثبت شيئا قد وصف لي، فوضع رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي فأكببت عليه أقبله وأبكي. فقال: تحول يا سلمان هكذا. فتحولت فجلست بين يديه. وأحب أن يسمع أصحابه حديثي عنه. فحدثته يا ابن عباس كما حدثتك. فلما فرغت قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: كاتب يا سلمان. فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها، وأربعين أوقية. وأعانني أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، بالنخل: ثلاثين ودية. وعشرين ودية، وعشر، كل رجل منهم على قدر ما عنده. فقال لي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: فقر لها فإذا فرغت فآذني حتى أكون أنا الذي أضعها بيدي. ففقرتها وأعانني أصحابي- يقول حفرت لها حيث توضع- حتى فرغنا منها. ثم جئت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله، قد فرغنا منها فخرج معي حتى جاءها، وكنا نحمل إليه الودي، ويضعه بيده، ويسوي عليها. فو الذي بعثه بالحق ما ماتت منها ودية واحدة. وبقيت علي الدراهم. فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل البيضة من الذهب، فقال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: أين الفارسي المسلم المكاتب؟ فدعيت له، فقال: خذ هذه يا سلمان، فأدها مما عليك. فقلت: يا رسول الله، وأين تقع هذه مما علي؟ قال: فإن الله تعالى سيؤدي بها عنك. فو الذي نفس سلمان بيده لوزنت لهم منها أربعين أوقية، فأديتها إليهم وعتق سلمان. وكان الرق قد حبسني حتى فاتني مع رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، بدر وأحد، ثم عتقت فشهدت الخندق، ثم لم يفتني معه مشهد.