الموسوعة الحديثية


- خرَجْتُ يَومَ الخَندَقِ أقْفو آثارَ النَّاسِ. قالتْ: فسمِعْتُ وَئيدَ الأرضِ وَرائي -يَعني حِسَّ الأرضِ- قالت: فالتَفَتُّ، فإذا أنا بسَعدِ بنِ مُعاذٍ، ومعه ابنُ أخيهِ الحارِثُ بنُ أَوْسٍ، يَحمِلُ مِجَنَّهُ. قالت: فجلَستُ إلى الأرضِ، فمَرَّ سَعدٌ، وعليه دِرعٌ مِن حَديدٍ، قد خرَجَتْ منها أطرافُهُ، فأنا أتَخوَّفُ على أطرافِ سَعدٍ. قالت: وكان سَعدٌ مِن أعظَمِ النَّاسِ وأطوَلِهم. قالت: فمَرَّ وهو يَرتَجِزُ ويَقولُ: لَبِّثْ قَليلًا يُدرِكِ الهَيجا حَمَلْ ** ما أَحسَنَ المَوتَ إذا حانَ الأَجَلْ قالت: فقُمتُ، فاقتَحَمتُ حَديقةً، فإذا فيها نَفَرٌ مِنَ المُسلِمينَ، وإذا فيهم عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وفيهم رَجُلٌ عليه تَسبِغةٌ له -يَعني مِغفَرًا-، فقالَ عُمَرُ: ما جاءَ بكِ؟ لَعَمْري واللهِ إنَّكِ لَجَريئةٌ، وما يُؤْمِنُكِ أنْ يَكونَ بَلاءٌ، أو يَكونَ تَحوُّزٌ؟ قالت: فما زالَ يَلومُني حتَّى تمَنَّيتُ أنَّ الأرضَ انشَقَّتْ لي ساعَتَئِذٍ؛ فدخَلْتُ فيها. قالت: فرفَعَ الرَّجلُ التَّسبِغةَ عن وَجهِهِ، فإذا طَلحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ، فقالَ: يا عُمَرُ، وَيْحَكَ، إنَّكَ قد أكثَرتَ مُنذُ اليَومِ! وأين التَّحوُّزُ أو الفِرارُ إلَّا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؟ قالت: ويَرمي سَعدًا رَجُلٌ مِنَ المُشرِكينَ مِن قُريشٍ، يُقالُ له ابنُ العَرِقةِ، بسَهمٍ له، فقالَ له: خُذْها وأنا ابنُ العَرِقةِ، فأصابَ أَكحَلَه ، فقطَعَهُ، فدعا اللهَ عزَّ وجلَّ سَعدٌ، فقالَ: اللَّهُمَّ لا تُمِتْني حتَّى تُقِرَّ عَيني مِن قُرَيظةَ. قالت: وكانوا حُلَفاءَهُ ومَواليَهُ في الجاهليَّةِ. قالت: فرقَأَ كَلْمُه، وبعَثَ اللهُ عزَّ وجلَّ الرِّيحَ على المُشرِكينَ، فكَفَى اللهُ عزَّ وجلَّ المُؤمِنينَ القِتالَ، وكانَ اللهُ قَويًّا عَزيزًا ، فلحِقَ أبو سُفيانَ ومَنْ معه بتِهامةَ، ولحِقَ عُيَينةُ بنُ بَدرٍ ومَن معه بنَجدٍ، ورجَعَتْ بَنو قُرَيظةَ فتحَصَّنوا في صَياصيهم، ورجَعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدينةِ فوضَعَ السِّلاحَ، وأمَرَ بقُبَّةٍ مِن أَدَمٍ فضُرِبَتْ على سَعدٍ في المَسجِدِ. قالت: فجاءَهُ جِبريلُ عليه السَّلامُ وإنَّ على ثَناياهُ لَنَقعَ الغُبارِ، فقال: أقد وضَعتَ السِّلاحَ؟ واللهِ ما وضَعَتِ المَلائِكةُ بَعدُ السِّلاحَ، اخرُجْ إلى بَني قُرَيظةَ فقاتِلْهم. قالت: فلبِسَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَأْمَتَه، وأذَّنَ في النَّاسِ بالرَّحيلِ أنْ يَخرُجوا، فخرَجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فمَرَّ على بَني غَنْمٍ، وهُم جيرانُ المَسجِدِ حَولَهُ، فقالَ: مَن مَرَّ بكم؟ فقالوا: مَرَّ بنا دِحيةُ الكَلبيُّ، وكان دِحيةُ الكَلبيُّ تُشبِهُ لِحيَتُهُ وسُنَّةُ وَجهِهِ جِبريلَ عليه السَّلامُ. فقالت: فأتاهُمْ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فحاصَرَهم خَمسًا وعِشرينَ لَيلةً، فلمَّا اشتَدَّ حَصرُهم واشتَدَّ البَلاءُ، قيلَ لهم: انزِلوا على حُكمِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فاسْتَشاروا أبا لُبابةَ بنَ عَبدِ المُنذِرِ، فأشارَ إليهم أنَّهُ الذَّبحُ! قالوا: نَنزِلُ على حُكمِ سَعدِ بنِ مُعاذٍ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: انزِلوا على حُكمِ سَعدِ بنِ مُعاذٍ. فنزَلوا، وبعَثَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى سَعدِ بنِ مُعاذٍ، فأُتيَ به على حِمارٍ عليه إكافٌ مِن ليفٍ ، قد حُمِلَ عليه، وحَفَّ به قَومُهُ، فقالوا: يا أبا عَمْرٍو، حُلَفاؤُكَ، ومَواليكَ، وأهلُ النِّكايةِ، ومَن قد عَلِمتَ. قالت: لا يَرجِعُ إليهم شَيئًا، ولا يَلتفِتُ إليهِم، حتَّى إذا دَنا مِن دُورِهم، التَفَتَ إلى قَومِه، فقالَ: قد أَنَى لي ألَّا أُباليَ في اللهِ لَوْمةَ لائِمٍ. قالَ: قالَ أبو سَعيدٍ: فلمَّا طلَعَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: قومُوا إلى سَيِّدِكم، فأنزِلوه. فقال عُمَرُ: سَيِّدُنا اللهُ عزَّ وجلَّ. قال: أنزِلوهُ. فأنزَلوهُ، قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: احكُمْ فيهم. قالَ سَعدٌ: فإنِّي أحكُمُ فيهم أنْ تُقتَلَ مُقاتِلَتُهم، وتُسبَى ذَراريُّهم، وتُقسَمَ أموالُهم -وقال يَزيدُ ببَغدادَ: ويُقسَمَ- فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقد حكَمتَ فيهم بحُكمِ اللهِ عزَّ وجلَّ وحُكمِ رَسولِهِ. قالت: ثم دَعا سَعدٌ؛ قالَ: اللَّهمَّ إنْ كُنتَ أبقَيتَ على نَبيِّكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن حَربِ قُرَيشٍ شَيئًا، فَأبْقِني لها، وإنْ كُنتَ قطَعتَ الحَربَ بَينَهُ وبَينَهم، فاقبِضْني إليكَ. قالت: فانفجَرَ كَلْمُه، وكانَ قد بَرِئَ، حتَّى ما يُرى منه إلَّا مِثلُ الخُرْصِ! ورجَعَ إلى قُبَّتِه التي ضرَبَ عليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. قالتْ عائِشةُ: فحضَرَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأبو بَكرٍ وعُمَرُ. قالت: فوالذي نَفْسُ محمدٍ بيَدِه، إنِّي لَأعرِفُ بُكاءَ عُمَرَ مِن بُكاءِ أبي بَكرٍ وأنا في حُجرَتي، وكانوا كما قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]. قال عَلقَمةُ: قُلتُ: أيْ أُمَّهْ، فكيف كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصنَعُ؟ قالت: كانتْ عَينُه لا تَدمَعُ على أحَدٍ، ولكنَّهُ كانَ إذا وجَدَ، فإنَّما هو آخِذٌ بلِحيَتِه.
خلاصة حكم المحدث : بعضه صحيح، وجزء منه حسن، وللحديث شواهد يصح بها دون قولها: "كانت عينه ‌لا ‌تدمع ‌على ‌أحد"، ففيه نكارة
توضيح حكم المحدث : لفظ: (كانت عينه ‌لا ‌تدمع ‌على ‌أحد) لا يصح
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب الصفحة أو الرقم : 25097
التخريج : أخرجه أحمد (25097) واللفظ له، وابن أبي شيبة (37951)، وابن حبان (7028)
التصنيف الموضوعي: مساجد ومواضع الصلاة - ضرب الخباء في المسجد مغازي - غزوة الخندق مناقب وفضائل - سعد بن معاذ شعر - الحداء والرجز فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - أحوال النبي
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه

أصول الحديث:


[مسند أحمد] (42/ 26)
25097- حدثنا يزيد، قال: أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده علقمة بن وقاص، قال: أخبرتني عائشة، قالت: خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس. قالت: فسمعت وئيد الأرض ورائي،- يعني حس الأرض،- قالت: فالتفت، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس، يحمل مجنه. قالت: فجلست إلى الأرض، فمر سعد وعليه درع من حديد، قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد. قالت: وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم. قالت: فمر وهو يرتجز ويقول: لبث قليلا يدرك الهيجا حمل... ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت: فقمت، فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر بن الخطاب، وفيهم رجل عليه تسبغة له،- يعني مغفرا،- فقال عمر: ما جاء بك؟ لعمري والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء، أو يكون تحوز؟ قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت لي ساعتئذ، فدخلت فيها. قالت: فرفع الرجل التسبغة عن وجهه، فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: يا عمر، ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله عز وجل؟ قالت: ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش، يقال له ابن العرقة، بسهم له، فقال له: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله، فقطعه، فدعا الله عز وجل سعد، فقال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة. قالت: وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية. قالت: فرقأ كلمه، وبعث الله عز وجل الريح على المشركين، فكفى الله عز وجل المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة، فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فوضع السلاح، وأمر بقبة من أدم، فضربت على سعد في المسجد. قالت: فجاءه جبريل عليه السلام، وإن على ثناياه لنقع الغبار، فقال: أقد وضعت السلاح؟ والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، اخرج إلى بني قريظة، فقاتلهم. قالت: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر على بني غنم، وهم جيران المسجد حوله، فقال: (( من مر بكم؟)) فقالوا: مر بنا دحية الكلبي، وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنة وجهه جبريل عليه السلام. فقالت: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء، قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر، فأشار إليهم أنه الذبح. قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( انزلوا على حكم سعد بن معاذ)) فنزلوا، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ، فأتي به على حمار عليه إكاف من ليف، قد حمل عليه، وحف به قومه، فقالوا: يا أبا عمرو، حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت. قالت: لا يرجع إليهم شيئا، ولا يلتفت إليهم، حتى إذا دنا من دورهم، التفت إلى قومه، فقال: قد أنى لي أن لا أبالي في الله لومة لائم. قال: قال أبو سعيد فلما طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( قوموا إلى سيدكم فأنزلوه)) فقال عمر: سيدنا الله عز وجل. قال: أنزلوه، فأنزلوه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( احكم فيهم)) قال سعد: فإني أحكم فيهم، أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم- وقال يزيد ببغداد: ويقسم- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وحكم رسوله)) قالت: ثم دعا سعد، قال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك صلى الله عليه وسلم من حرب قريش شيئا، فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم، فاقبضني إليك. قالت: فانفجر كلمه، وكان قد برئ حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص، ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت عائشة: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر. قالت: فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر، وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله عز وجل: {رحماء بينهم} [الفتح: 29]. قال علقمة: قلت: أي أمه، فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد، ولكنه كان إذا وجد، فإنما هو آخذ بلحيته

مصنف ابن أبي شيبة- ترقيم عوامة (14/ 408)
37951- حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده، عن عائشة، قالت: خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس، فسمعت وئيد الأرض ورائي، فالتفت، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس، يحمل مجنه، فجلست إلى الأرض، قالت: فمر سعد وعليه درع، قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد، قالت: وكان من أعظم الناس وأطولهم، قالت: فمر يرتجز، وهو يقول لبث قليلا يدرك الهيجا حمل... ما أحسن الموت إذا حان الأجل. قالت: فقمت، فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين، فيهم عمر بن الخطاب، وفيهم رجل عليه تسبغة له، تعني المغفر، قال: فقال عمر: ويحك، ما جاء بك؟ ويحك، ما جاء بك؟ والله إنك لجريئة، ما يؤمنك أن يكون تحوز وبلاء؟ قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت فدخلت فيها، قالت: فرفع الرجل التسبغة عن وجهه، فإذا طلحة بن عبيد الله، قال، فقال: يا عمر، ويحك، قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز، أو الفرار إلا إلى الله. قالت: ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش يقال له: حبان بن العرقة بسهم، فقال: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله فقطعه، فدعا الله، فقال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة، وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية، قالت: فرقأ كلمه، وبعث الله الريح على المشركين: {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا} فلحق أبو سفيان بتهامة، ولحق عيينة بن بدر بن حصن ومن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأمر بقبة، فضربت على سعد في المسجد، ووضع السلاح. قالت: فأتاه جبريل، فقال: أقد وضعت السلاح؟ والله ما وضعت الملائكة السلاح، فاخرج إلى بني قريظة فقاتلهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل ولبس لامته، فخرج فمر على بني غنم، وكانوا جيران المسجد، فقال: من مر بكم؟ فقالوا: مر بنا دحية الكلبي، وكان دحية تشبه لحيته وسنته ووجهه بجبريل، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسة وعشرين يوما، فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء عليهم، قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروا أبا لبابة، فأشار إليهم بيده أنه الذبح، فقالوا: ننزل على حكم ابن معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انزلوا على حكم سعد بن معاذ، فنزلوا، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فحمل على حمار له إكاف من ليف، وحف به قومه، فجعلوا يقولون: يا أبا عمرو، حلفاؤك ومواليك، وأهل النكاية ومن قد علمت، قالت: لا يرجع إليهم قولا، حتى إذا دنا من دارهم التفت إلى قومه، فقال: قد أنى لسعد أن لا يبالي في الله لومة لائم، فلما طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم فأنزلوه، قال عمر: سيدنا الله، قال: أنزلوه، فأنزلوه. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: احكم فيهم، قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله، قال: ثم دعا الله سعد، فقال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك، فقال: فانفجر كلمه، وكان قد برأ حتى ما بقي منه إلا مثل الخرص. قالت: فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجع سعد إلى قبته التي كان ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، قالت: فوالذي نفسي بيده، إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله تعالى: {رحماء بينهم} قال علقمة: فقلت: أي أمه، فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته.

صحيح ابن حبان (15/ 498)
7028- أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده عن عائشة قالت: خرجت يوم الخندق أقفو أثر الناس، فسمعت وئيد الأرض من ورائي، فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه بن أخيه الحارث بن أوس(( يحمل مجنه، فجلست إلى الأرض، فمر سعد وعليه درع قد خرجت منها أطرافه، فأنا)) أتخوف على أطراف سعد، وكان من أعظم الناس وأطولهم، قالت: فمر وهو يرتجز ويقول لبث قليلا يدرك الهيجا حمل... ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت: فقمت فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين، فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: ويحك، ما جاء بك، لعمري والله إنك لجريئة، ما يؤمنك أن يكون تحوز(( أو بلاء، قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض قد انشقت، فدخلت فيها، وفيهم رجل عليه نصيفة له، فرفع الرجل النصيف عن وجهه، فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: ويحك يا عمر، إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين الفرار إلا إلى الله؟ قالت: ورمى سعدا رجل من المشركين يقال له: ابن العرقة، بسهم، قال: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله فقطعها، فقال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة، وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية، فبرأ كلمه، وبعث الله الريح على المشركين، فكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا، فلحق أبو سفيان بتهامة، ولحق عيينة ومن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة، فتحصنوا بصياصيهم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد ووضع السلاح. قالت: فأتاه جبريل فقال: أوقد وضعت السلاح، فوالله ما وضعت الملائكة السلاح، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل ولبس لأمته، فخرج، فمر على بني غنم وكانوا جيران المسجد، فقال:))من مر بكم((؟ قالوا: مر بنا دحية الكلبي، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين يوما، فلما اشتد حصرهم، واشتد البلاء عليهم، قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروا أبا لبابة، فأشار إليهم: أنه الذبح، فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فنزلوا على حكم سعد، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فحمل على حمار وعليه إكاف من ليف، وحف)) به قومه، فجعلوا يقولون: يا أبا عمرو، حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت، فلا يرجع إليهم قولا، حتى إذا دنا من ذراريهم، التفت إلى قومه، فقال: قد آن لسعد أن لا يبالي في الله لومة لائم، فلما طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قوموا إلى سيدكم فأنزلوه))، قال عمر: سيدنا الله، قال: ((أنزلوه))، فأنزلوه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((احكم فيهم))، قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد حكمت فيهم بحكم الله ورسوله)). ثم دعا الله سعد، فقال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك صلى الله عليه وسلم من حرب قريش شيئا، فأبقني لها، وإن كنت قطعت بينه وبينهم، فاقبضني إليك، فانفجر كلمه، وكان قد برأ منه حتى ما بقي منه إلا مثل الحمص، قالت: فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجع سعد إلى بيته الذي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، قالت: فوالذي نفسي بيده، إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله: {رحماء بينهم} [الفتح:29]، قال علقمة: فقلت: أي أمه، فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت: كان عيناه لا تدمع على أحد، ولكنه إذا وجد(( إنما هو آخذ بلحيته))