الموسوعة الحديثية


- كنتُ رجلًا فارسيًّا من أهلِ أصبهانَ من أهلِ قريةٍ منها يقال لها : جيُّ وكان أبي دِهقانَ قريتِه وكنتُ أحبَّ خلقِ اللهِ إليه فلم يزلْ به حبُّه إيايَ حتى حبسني في بيتِه أي ملازمُ النَّارِ كما تُحبس الجاريةُ وأجهدتُ في المجوسيَّةِ حتى كنتُ قاطنَ النارِ الذي يوقدُها لا يتركها تخبُو ساعةً قال : وكانت لأبي ضَيعةٌ عظيمةٌ قال فشغل في بنيانٍ له يومًا فقال لي : يا بُنيَّ إني قد شُغِلتُ في بنيانٍ هذا اليومَ عن ضَيعتي فاذهبُ فاطلُعها وأمرني فيها ببعضِ ما يريدُ فخرجت أريدُ ضَيعتَه فمررتُ بكنيسةٍ من كنائسِ النَّصارى فسمعتُ أصواتَهم فيها وهم يُصلُّون وكنتُ لا أدري ما أمر الناسِ لحبسِ أبي إيايَ في بيتِه فلما مررتُ بهم وسمعتُ أصواتَهم دخلتُ عليهم أنظرْ ما يصنعون قال : فلما رأيتُهم أعجبَتْني صلاتُهم ورغبتُ في أمرِهم وقلتُ : هذا واللهِ خيرٌ من الدِّينِ الذي نحنُ عليه فواللهِ ما تركتُهم حتى غربتِ الشَّمسُ وتركتُ ضَيعةَ أبي ولم آتِها فقلتُ لهم : أين أصلُ هذا الدِّينِ ؟ قالوا : بالشَّامِ قال : ثم رجعتُ إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلتُه عن عملِه كلِّه قال فلما جئتُه قال : أي بُنيَّ أين كنتَ ؟ ألم أكن عهدتُ إليك ما عهدتُ ؟ قال ؟ قلتُ : يا أبتِ مررتُ بناسٍ يُصلُّونَ في كنيسةٍ لهم فأعجَبني ما رأيتُ من دينِهم فواللهِ ما زلتُ عندهم حتى غربتِ الشَّمسُ قال : أي بُنيَّ ليس في ذلك الدِّينِ خيرٌ دينُك ودينُ آبائِك خيرٌ منه قال : قلتُ : كلا واللهِ إنه خيرٌ من دينِنا قال : فخافَني فجعل في رجليَّ قَيدًا ثم حبَسني في بيته قال : وبعثتُ إلى النَّصارى فقلتُ : لهم إذا قدم عليكم رَكبٌ من الشامِ تجارٌ من النَّصارى فأخبروني بهم قال : فقدم عليهم رَكبٌ من الشامِ تجارٌ من النَّصارى قال : فأخبروني بهم قال : فقلتُ لهم : إذا قضُوا حوائجَهم وأرادوا الرَّجعةَ إلى بلادِهم فآذِنوني بهم قال : فلما أرادوا الرَّجعةَ إلى بلادِهم أخبروني بهم فألقيتُ الحديدَ من رجليَّ ثم خرجتُ معهم حتى قدمتُ الشَّام فلما قدمتُها قلتُ : من أفضلُ أهلِ هذا الدِّينِ قالوا : الأسقفُ في الكنيسةِ قال : فجئتُه فقلتُ : إني قد رغبتُ في هذا الدينِ وأحببتُ أن أكون معك أخدمُك في كنيستِك وأتعلَّمُ منك وأصلِّي معك قال : فادخُلْ فدخلتُ معه قال : فكان رجلَ سوءٍ يأمرُهم بالصدقةِ ويرغبُهم فيها فإذا جمعوا إليه منها أشياءَ اكتنزه لنفسِه ولم يعطه المساكينَ حتى جمع سبعَ قِلالٍ من ذهبٍ وورقٍ قال : وأبغضتُه بغضًا شديدًا لما رأيتُه يصنعُ ثم مات فاجتمعت إليه النصارى لِيدفنوه فقلتُ لهم : إنَّ هذا كان رجلَ سوءٍ يأمركم بالصدقةِ ويرغبُكم فيها فإذا جئتُموه بها اكتنزَها لنفسِه ولم يُعطِ المساكينَ منها شيئًا قالوا : وما علمُك بذلك ؟ قال : قلتُ : أنا أدلُّكم على كنزِه قالوا : فدَلَّنا عليه قال : فأريتُهم موضعَه قال : فاستخرجُوا منه سبعَ قِلالٍ مملوءةً ذهبًا وورقًا قال : فلما رأوها قالوا : واللهِ لا ندفنُه أبدًا فصلبُوه ثم رجمُوه بالحجارةِ ثم جاؤوا برجلٍ آخرَ فجعلوه بمكانِه قال : يقول سلمانُ : فما رأيتُ رجلًا لا يُصلِّي الخَمسَ أرى أنه أفضلَ منه أزهدَ في الدنيا ولا أرغبَ في الآخرةِ ولا أدأبُ ليلًا ونهارًا منه قال : فأحببتُه حبًّا لم أُحبُّه من قبلَه وأقمتُ معه زمانًا ثم حضرتْه الوفاةُ فقلتُ له : يا فلانُ إني كنتُ معك وأحببتُك حبًّا لم أُحبُّه من قبلِك وقد حضرك ما ترى من أمرِ اللهِ فإلى من تُوصي بي ؟ وما تأمرُني ؟ قال : أيْ بُنيَّ ما أعلمُ أحدًا اليومَ على ما كنتُ عليه لقد هلك الناسُ وبدَّلوا وتركوا أكثرَ ما كانوا عليه إلا رجلًا بالمَوصلِ وهو فلانٌ فهو على ما كنتُ عليه فالْحَقْ به قال : فلما مات وغُيِّبَ لحقتُ بصاحبِ المَوصلِ فقلتُ له : يا فلانُ إنَّ فلانًا أوصاني عند موتِه أن ألحقَ بك وأخبرَني أنك على أمرِه قال : فقال لي : أقِمْ عندي فأقمتُ عنده فوجدتُه خيرَ رجلٍ على أمرِ صاحبِه فلم يلبثْ أن مات فلما حضرته الوفاةُ قلتُ له : يا فلانُ إنَّ فلانًا أوصى بي إليكَ وأمرَني بالُّلحوقِ بك وقد حضرك من اللهِ عزَّ وجلَّ ما ترى فإلى من تُوصي بي ؟ وما تأمرُني ؟ قال : أي بُنيَّ واللهِ ما أعلم رجلًا على مثلِ ما كنا عليه إلا رجلًا بنَصيبينَ وهو فلانٌ فالْحقْ به قال : فلما مات وغُيِّبَ لحقتُ بصاحبِ نصِيبينَ فجئتُه فأخبرتُه بخبري وما أمرَني به صاحبي قال : فأقِمْ عندي فأقمتُ عندَه فوجدتُه على أمرِ صاحبَيه فأقمتُ مع خيرِ رجلٍ فواللهِ ما لبث أن نزل به الموتُ فلما حضر قلتُ له : يا فلانُ إنَّ فلانًا كان أوصى بي إلى فلانٍ ثم أوصى بي فلانٌ إليك فإلى من تُوصي بي ؟ وما تأمرُني ؟ قال : أيْ بُنيَّ واللهِ ما نعلم أحدًا بقِيَ على أمرِنا آمرُك أن تأتيَه إلا رجلًا بعَمُوريَّةَ فإنه بمثلِ ما نحنُ عليه فإن أحببتَ فأْتِه قال : فإنه على أمرِنا قال : فلما مات وغُيِّبَ لحقت بصاحبِ عَموريَّةَ وأخبرتُه خبري فقال : أَقِمْ عندي فأقمتُ مع رجلٍ على هدْي أصحابِه وأمرِهم قال : واكتسبتُ حتى كان لي بقَراتٌ وغُنَيمةٌ قال : ثم نزل به أمرُ اللهِ فلما حضر قلتُ له : يا فلانُ إني كنتُ مع فلانٍ فأوصى بي فلانٌ إلى فلانٍ وأوصى بي فلانٌ إلى فلانٍ ثم أوصى بي فلانٌ إليك فإلى من تُوصي بي ؟ وما تأمرُني ؟ قال : أيْ بُنيَّ واللهِ ما أعلمُه أصبحَ على ما كنا عليه أحدٌ من الناسِ آمرُك أن تأتيَه ولكنه قد أظلك زمانُ نبيٍّ هو مبعوثٌ بدينِ إبراهيمَ يخرج بأرضِ العربِ مهاجرًا إلى أرضٍ بين حَرَّتينِ بينهما نخلٌ به علاماتٌ لا تَخفى يأكلُ الهديَّةَ ولا يأكلُ الصَّدقةَ بين كتِفَيه خاتمُ النُّبوَّةِ فإنِ استطعتَ أن تلحقَ بتلك البلادِ فافعلْ قال : ثم مات وغُيِّبَ فمكثتُ بعمورِيَّةَ ما شاء اللهُ أن أمكثَ ثم مرَّ بي نفرٌ من كلبٍ تُجَّارًا فقلتُ لهم : تحمِلوني إلى أرضِ العربِ وأُعطيكم بقَراتي هذه وغُنيمَتي هذه قالوا : نعم فأعطيتُهموها وحمَلوني حتى إذا قدِموا بي وادي القُرى ظلمُوني فباعوني من رجلٍ من اليهودٍ عبدًا فكنتُ عندَه ورأيتُ النَّخلَ ورجوتُ أن تكون البلدُ الذي وَصفَ لي صاحبي ولم يحقْ لي في نفسي فبينما أنا عنده قدِم عليه ابنُ عمٍّ له من المدينةِ من بني قُريظةَ فابتاعني منه فاحتملَني إلى المدينةِ فواللهِ ما هو إلا أن رأيتُها فعرفتُها بصفةِ صاحبي فأقمتُ بها وبعث اللهُ رسولَه فأقام بمكةَ ما أقام لا أسمعُ له بذكرٍ مع ما أنا فيه من شُغلِ الرِّقِّ ثم هاجر إلى المدينةَ فواللهِ إني لفي رأسِ عذقٍ لسيدي أعملُ فيه بعضَ العملِ وسيدي جالسٌ إذ أقبل ابنُ عمٍّ له حتى وقف عليه فقال : فلانٌ قاتَل اللهُ بني قَيلَةَ واللهِ إنهم الآن لمُجتمعونَ بقُباءَ على رجلٍ قدِم عليهم من مكةَ اليومَ يزعمون أنه نبيٌّ قال : فلما سمعتُها أخذتْني العرواءُ حتى ظننتُ أني سأسقطُ على سيدي قال : ونزلتُ عن النَّخلةِ فجعلتُ أقولُ لابنِ عمِّه ذلك ماذا تقولُ ؟ ماذا تقول ؟ قال : فغضِب سيِّدي فلكَمني لكمةً شديدةً ثم قال : مالكَ ولهذا ؟ أقبِلْ على عملِك قال : قلتُ : لا شيءَ إنما أردتُ أن أستثْبتَ عما قال : وقد كان عندي شيءٌ قد جمعتُه فلما أمسيتُ أخذتُه ثم ذهبتُ به إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو بقُباءَ فدخلتُ عليه فقلتُ له : إنه قد بلغَني أنك رجلٌ صالحٌ ومعك أصحابٌ لك غُرباءُ ذَووا حاجةٍ وهذا شيءٌ كان عندي للصدقةِ فرأيتُكم أحقَّ به من غيركِم قال : فقرَّبتُه إليه فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لأصحابِه : كُلوا وأمسكَ يدَه فلم يأكلْ قال : فقلتُ : في نفسي هذه واحدةٌ ثم انصرفتُ عنه فجمعتُ شيئًا وتحوَّل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى المدينةِ ثم جئتُ به فقلتُ : إني رأيتُك لا تأكلُ الصَّدقةَ وهذه هديةٌ أكرمتُك بها قال : فأكل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ منها وأمر أصحابَه فأكَلوا معه قال : فقلتُ : في نفسي هاتان اثنتانِ ثم جئتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو ببقيع الغرقدِ قال : وقد تبع جنازةً من أصحابِه عليه شَملتانِ له وهو جالسٌ في أصحابه فسلَّمتُ عليه ثم استدرتُ أنظرُ إلى ظهرِه هل أرى الخاتَمَ الذي وَصف لي صاحبي ؟ فلما رآني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ استدرتُه عرف أني استثْبتُ في شيءٍ وُصِف لي قال : فألقى رداءَه عن ظهرِه فنظرتُ إلى الخاتمِ فعرفتُه فانكببتُ عليه أُقبِّلُه وأبكي فقال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : تحوَّلْ فتحوَّلتُ فقصصتُ عليه حديثي كما حدَّثتُك يا ابنَ عباسٍ قال : فأعجب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أن يسمع ذلك أصحابُه ثم شغل سلمانُ الرِّقَّ حتى فاته مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بدرٌ وأُحُدٌ قال : ثم قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : كاتِبْ يا سلمانُ فكاتبتُ صاحبي على ثلاثمائةِ نخلةٍ أُحيبها له بالفقيرِ وبأربعينَ أُوقيَّةً فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لأصحابه : أَعينُوا أخاكم فأعانُوني بالنَّخلِ الرجلُ بثلاثين ودِيَّةً والرجلُ بعشرين والرجلُ بخمسَ عشرةَ والرجلُ بعشرٍ يعنى الرجلَ بقدرِ ما عنده حتى اجتمعَتْ لي ثلاثمائةِ وَدِيَّةٍ فقال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ اذهبْ يا سلمانُ ففقِّرْ لها فإذا فرغْتَ فائتِني أكون أنا أضعُها بيديَّ ففقَّرتُ لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغتُ منها جئتُه فأخبرتُه فخرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ معي إليها فجعلْنا نُقرِّبُ له الوَدِيَّ ويضعُه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بيدِه فوالذي نفسُ سلمانَ بيدِه ما ماتتْ منها وَدِيَّةٌ واحدةٌ فأدَّيتُ النَّخلَ وبقِيَ عليَّ المالُ فأُتِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بمثلِ بيضةِ الدَّجاجةِ من ذهبٍ من بعضِ المغازي فقال : ما فعل الفارسيُّ المُكاتَبُ قال : فدُعيتُ له فقال : خُذْ هذه فأدِّ بها ما عليك يا سلمانُ فقلتُ : وأين تقعُ هذه يا رسولَ اللهِ مما عليَّ ؟ قال : خُذْها فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ سُيؤدِّى بها عنك قال : فأخذتُها فوزنتُ لهم منها والذي نفسُ سلمانَ بيدِه أربعينَ أُوقيَّةً فأوفيتُهم حقَّهم وعُتِقتُ فشهدتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الخندقَ ثم لم يَفُتْني معه مشهدٌ

أصول الحديث:


[مسند أحمد] (39/ 140 ط الرسالة)
: 23737 - حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، عن محمود بن لبيد، عن عبد الله بن عباس، قال: حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه، قال: ‌كنت ‌رجلا ‌فارسيا ‌من ‌أهل ‌أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة، قال: فشغل في بنيان له يوما، فقال لي: يا بني، إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم، وسمعت أصواتهم، دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام قال: ثم رجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، قال: فلما جئته، قال: أي بني، أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله مازلت عندهم حتى غربت الشمس، قال: أي بني، ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قال: قلت: كلا والله إنه لخير من ديننا، قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثم حبسني في بيته، قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم، قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال: فأخبروني بهم، قال: فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة، قال: فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك وأصلي معك، قال: فادخل فدخلت معه، قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء، اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا: وما علمك بذلك؟، قال: قلت أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه، قال: فأريتهم موضعه، قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، قال: فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا فصلبوه، ثم رجموه بالحجارة، ثم جاءوا برجل آخر، فجعلوه بمكانه، قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس، أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلا ونهارا منه، قال: فأحببته حبا لم أحبه من قبله، فأقمت معه زمانا، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟، قال: أي بني والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه، إلا رجلا بالموصل، وهو فلان، فهو على ما كنت عليه، فالحق به، قال: فلما مات وغيب، لحقت بصاحب الموصل فقلت له: يا فلان، إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره، قال: فقال لي: أقم عندي فأقمت عنده، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إن فلانا أوصى بي إليك، وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا بنصيبين، وهو فلان، فالحق به، قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين، فجئته فأخبرته خبري، وما أمرني به صاحبي، قال: فأقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حضر، قلت له: يا فلان، إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية، فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته، قال: فإنه على أمرنا، قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية، وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة، قال ثم نزل به أمر الله، فلما حضر قلت له: يا فلان، إني كنت مع فلان، فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب، مهاجرا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، قال: ثم مات وغيب، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مر بي نفر من كلب تجارا، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم فأعطيتهموها وحملوني، حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبدا، فكنت عنده، ورأيت النخل، ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يحق لي في نفسي، فبينما أنا عنده، قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه، فاحتملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها وبعث الله رسوله، فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي رأسعذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال: فلان، قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم، يزعمون أنه نبي، قال: فلما سمعتها أخذتني العرواء، حتى ظننت سأسقط على سيدي، قال: ونزلت عن النخلة، فجعلت أقول لابن عمه ذلك: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: ما لك ولهذا أقبل على عملك، قال: قلت: لا شيء، إنما أردت أن أستثبته عما قال: وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم قال: فقربته إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " كلوا " وأمسك يده فلم يأكل، قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا، وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم جئته به، فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها، قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان، قال: ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد، قال: وقد تبع جنازة من أصحابه، عليه شملتان له، وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته، عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال: فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تحول " فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، قال: فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر، وأحد، قال: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كاتب يا سلمان " فكاتبت صاحبي على ثلاث مائة نخلة أحييها له بالفقير، وبأربعين أوقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " أعينوا أخاكم " فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية، والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، والرجل بعشر، يعني: الرجل بقدر ما عنده، حتى اجتمعت لي ثلاث مائة ودية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اذهب يا سلمان ففقر لها، فإذا فرغت فأتني أكون أنا أضعها بيدي " قال: ففقرت لها، وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فوالذي نفس سلمان بيده، ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل، وبقي علي المال، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي، فقال: " ما فعل الفارسي المكاتب؟ " قال: فدعيت له، فقال: " خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان " فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال: " خذها، فإن الله سيؤدي بها عنك " قال: فأخذتها فوزنت لهم منها، والذي نفس سلمان بيده، أربعين أوقية، فأوفيتهم حقهم، وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، ثم لم يفتني معه مشهد ‌‌

سيرة ابن هشام ت طه عبد الرؤوف سعد (1/ 198)
: سلمان -رضي الله عنه- يتشوف إلى النصرانية بعد المجوسية: قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، عن محمود بن لبيد، عن عبد الله بن عباس، قال: حدثني سلمان الفارسي من فيه قال: ‌كنت ‌رجلا ‌فارسيا ‌من ‌أهل ‌إصبهان من أهل قرية يقال لها: جي، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، لم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية. واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة. قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة، قال: فشغل في بنيان له يوما، فقال لي: يا بني، إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب إليها، فاطلعها -وأمرني فيها ببعض ما يريد- ثم قال لي: ولا تحتبس عني؟ فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي، وشغلتني عن كل شيء من أمري. قال: فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس، لحبس أبي إياي في بيته، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم، أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم، أعجبتني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي فلم آتها، ثم قلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. فرجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي، وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال: أي بني أين كنت؟ أولم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت له: يا أبت، مررت بأناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس، قال: أي بني، ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قال: قلت له: كلا والله، إنه لخير من ديننا. قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا؛ ثم حبسني في بيته. سلمان يهرب إلى الشام: قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، فأخبروني بهم فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم، فآذنوني بهم: قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم، أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم، حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين علما؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة. سلمان مع أسقف النصارى السيئ: قال: فجئته، فقلت له: إني قد رغبت في هذا الدين، فأحببت أن أكون معك، وأخدمك في كنيستك، فأتعلم منك، وأصلي معك، قال: ادخل، فدخلت معه. قال: وكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة، ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه شيئا منها اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق. قال: فأبغضته بغضا شديدا، لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى، ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء، يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها، اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئا. قال: فقالوا لي: وما علمك بذلك؟ قال: فقلت لهم: أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه قال: فأريتهم موضعه، فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا. قال: فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا. قال: فصلبوه، ورجموه بالحجارة، وجاءوا برجل آخر، فجعلوه مكانه. سلمان مع أسقف النصارى الصالح: قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس، أرى أنه كان أفضل منه، وأزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه. قال: فأحببته حبا لم أحبه شيئا قبله مثله. قال: فأقمت معه زمانا، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان، إني قد كنت معك، وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله تعالى، فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم اليوم أحدا على ما كنت عليه، فقد هلك الناس، وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه، إلا رجلا بالموصل، وهو على ما كنت عليه فالحق به. سلمان يلحق بأسقف الموصل: فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل، فقلت له يا فلان، إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره، قال: فقال لي: أقم عندي، فأقمت عنده: فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له يا فلان: إن فلانا أوصى بي إليك، وأمرني باللحاق بك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟ قال: يا بني، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه، إلا رجلا بنصيبين، وهو فلان فالحق به. سلمان يلحق بأسقف نصيبين: فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين، فأخبرته خبري، وما أمرني به صاحباي، فقال: أقم عندي، فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبث أن نزل به الموت. فلما حضر، قلت له: يا فلان! إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟ قال: يا بني، والله ما أعلمه بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم، فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته، فإنه على أمرنا. سلمان يلحق بصاحب عمورية: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية، فأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت عند خير رجل، على هدي أصحابه وأمرهم، قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة. قال: ثم نزل به أمر الله، فلما حضر، قلت له: يا فلان، إني كنت مع فلان، فأوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلمه أصبح اليوم أحد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك به أن تأتيه، ولكنه قد أظل زمان نبي، وهو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام، يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى أرض بين حرتين، بينهما نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. سلمان يذهب إلى وادي القرى: قال: ثم مات وغيب، ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مر بي نفر من كلب تجار، فقلت لهم: احملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه، قالوا: نعم فأعطيتهموها، وحملوني معهم، حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني، فباعوني من رجل يهودي عبدا، فكنت عنده، ورأيت النخل، فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يحق في نفسي. سلمان يذهب إلى المدينة: فبينا أنا عنده، إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة، فابتاعني منه، فاحتملني إلى المدينة، والله ما هو إلا أن رأيتها، فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ما أقام، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة. سلمان يسمع بهجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة: فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل له فيه. بعض العمل وسيدي جالس تحتي، إذ أقبل ابن عم له، حتى وقف عليه، فقال: يا فلان، قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم، يزعمون أنه نبي. نسب قيلة: قال ابن هشام: قيلة: بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، أم الأوس والخزرج. قال النعمان بن بشير الأنصاري يمدح الأوس والخزرج: بهاليل من أولاد قيلة لم يجد … عليهم خليط في مخالطة عتبا مساميح أبطال يراحون للندى … يرون عليهم فعل آبائهم نحبا وهذان البيتان في قصيدة له

 [المعجم الكبير – للطبراني] (6/ 222)
: 6065 - حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي، ثنا عبد الملك بن هشام السدوسي، ثنا زياد بن عبد الله البكائي، ح وحدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا يونس بن بكير، ح وحدثنا الحسن بن العباس الرازي، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة كلهم، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن عبد الله بن عباس، حدثني سلمان حديثه من فيه، قال: ‌كنت ‌رجلا ‌فارسيا ‌من ‌أهل ‌أصبهان من قرية يقال لها: جي، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل بي حبه إياي، حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، فاجتهدت في المجوسية، حتى كنت قاطن النار، أوقدها لا أتركها تخبو ساعة واحدة، وكانت لأبي ضيعة عظيمة، فشغل يوما، فقال لي: يا بني، إني قد شغلت هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب إليها فطالعها، فأمره فيها ببعض ما يريد، ثم قال لي: لا تحتبس علي، فإنك إن احتبست علي كنت أهم علي من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء من أمري، فخرجت أريد ضيعته أسير إليها، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها، وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم، ورغبت في دينهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فما برحت من عندهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي، ثم قلت لهم: من أبصركم بهذا الدين؟ قالوا: رجل بالشام، ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي، وقد شغلته عن عمله، قال أبي: بني، أين كنت؟ ألم أعهد إليك ما عهدت؟ قلت: إني مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فدخلت إليهم، فما زلت عندهم وهم يصلون حتى غربت الشمس، قال: أي بني، ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، ثم حبسني في بيته، وبعثت إلى النصراني، فقلت: إذا قدم إليكم ركب من الشام، فأخبروني بهم، فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، فأخبروني بهم، فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين علما؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة، فجئته فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، فأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك، قال: فادخل، فدخلت معه، وكان رجل سوء يأمر بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا به إليه شيئا منها اكتنزه لنفسه، فلم يعط إنسانا منها شيئا، حتى جمع قلالا من ذهب وورق، فأبغضته بغضا شديدا، لما رأيته يصنع، ثم مات واجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا: وما علمك بذلك؟ قلت لهم: فأنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه، فدللتهم عليه فاستخرجوا ذهبا وورقا فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا، فصلبوه، ثم رجموه بالحجارة، وكان ثم رجل آخر فجعلوه مكانه، قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أفضل منه، أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلا ونهارا منه، فأحببته حبا لم أحبه شيئا قط، فما زلت معه زمانا ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان ، إني قد كنت معك فأحببتك حبا لم أحبه شيئا قط، وقد حضرك ما ترى من أمر الله عز وجل، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟، قال: أي بني، والله ما أعلم أحدا على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا كثيرا مما كانوا عليه، إلا رجلا بالموصل وهو فلان، وهو على ما كنت عليه، فالحق به، فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره، قال: فأقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم ألبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إن فلانا أوصاني إليك، وأمرني أن ألحق بك، وقد حضر من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: يا بني، ما أعلم بقي أحد آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية بأرض الروم على مثل ما نحن عليه، فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت عند خير رجل على هدي أصحابه وأمرهم، واكتسبت حتى كانت عندي بقيرات وغنيمة، ثم نزل به أمر الله عز وجل، فلما حضر قلت له: يا فلان، إني كنت مع فلان فأوصاني إلى فلان، ثم أوصى فلان إلى فلان، ثم أوصاني فلان إليك، فإلى من توصي بي، وإلى من تأمرني؟ قال: والله ما أعلم أصبح على مثل ما نحن فيه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكن أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم صلى الله عليه وسلم، يخرج بأرض العرب إلى أرض - أظنه قال - ذات نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بذلك البلاد فافعل، ثم مات وغيب، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، مر بي نفر من كلب تجار، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم، فأعطيتهم وحملوني معهم حتى إذا قدموا وادي القرى ظلموني، فباعوني من رجل يهودي، فكنت عنده فرأيت النخل، فرجوت البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يحق في نفسي ، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من بني قريظة، وابتاعني منه، فحملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها عرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، فبعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقام بمكة ما أقام ما أسمع له بذكر، مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال: قاتل الله بني فيلة، والله إنهم ليجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة اليوم، يزعمون أنه نبي، فلما سمعتها أخذني الفرح، حتى ظننت أني سأسقط على سيدي، ونزلت عن النخلة، وجعلت أقول لابن عمه ذلك: ماذا يقول؟ فغضب سيدي، فلطمني لطمة شديدة، ثم قال: ما لك ولهذا؟ أقبل على عملك، قلت: لا شيء، إنما أردت أن أستفتيه عما قال، وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي صدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، وقربته إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: كلوا وأمسك هو فلم يأكل منه ، فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم انصرفت عنه، فجمعت شيئا، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئته به، فقلت له: رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا، وقلت في نفسي: هاتان ثنتان، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقيع الغرقد قد اتبع جنازة رجل من الأنصار وهو جالس، فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره: هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدرت عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحول ، فتحولت فجلست بين يديه، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا، وأحدا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كاتب يا سلمان ، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له، وبأربعين أوقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أعينوا أخاكم فأعانوني في النخل الرجل بثلاثين، والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، والرجل بعشر، والرجل بقدر ما عنده، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة نخلة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب يا سلمان، فآذني حتى أكون أنا أضعها بيدي ، ففقرت لها وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت جئته فأخبرته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها، فجعلت إليها، فجعلت أقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، حتى فرغنا، والذي نفس سلمان بيده، ما مات منه ودية واحدة، فأديت النخل، وبقي علي المال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب، من بعض المغازي، فقال: ما فعل الفارسي المكاتب؟ فدعيت له، فقال: خذ هذه فأد بها ما عليك ، فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ فقال: خذها، فإن الله عز وجل سيؤديها عنك فوزنت له منها، فوالذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية، وأوفيتهم حقهم، وعتق سلمان وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، ثم لم يفته مشهد