الموسوعة الحديثية


- بَينا نحن عِندَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه في يَومٍ يَعرِضُ فيه الدِّيوانَ إذْ مَرَّ به رَجُلٌ أعمى، أعرَجُ، قد عَنَّى قائِدَه، فقالَ عُمَرُ حين رآه وأعجَبَه شَأنُه: مَن يَعرِفُ هذا؟ قال رَجُلٌ مِنَ القَومِ: هذا رَجُلٌ مِن بَني صَبغاءَ، بَهلةَ بَريقٍ، قال: وما بَريقٌ؟ قال: رَجُلٌ مِن أهلِ اليَمَنِ؟ قال: أشاهِدٌ هو؟ قال: نَعَمْ. فأُتيَ به عُمَرُ فقال: ما شَأنُكَ وشَأنُ بَني صَبغاءَ؟ قال: إنَّ بَني صَبغاءَ كانوا اثنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، وإنَّهم جاوَروني في الجاهليَّةِ، فجَعَلوا يَأكُلونَ مالي، ويَشتِمونَ عِرْضي، وأنا أشتَهيهم، وناشَدتُهمُ اللهَ والرَّحِمَ، فأبَوْا علَيَّ، فأمهَلتُهم حتى إذا كان الشَّهرُ الحَرامُ دَعَوتُ اللهَ عليهم، وقُلتُ: اللَّهمَّ أدعوكَ دُعاءً جاهِدَا *** اقتُلْ بَني صَبغاءَ إلَّا واحِدًا ثم اضرِبِ الرَّجُلَ فذَره قاعِدَا *** أعمى إذا ما قيدَ عَنَّى القائِدا فلم يَحُلِ الحَولُ حتى هَلَكوا غَيرَ واحِدٍ، وهو هذا كما ترى قد عَنَّى قائِدَه. فقالَ عُمَرُ: سُبحانَ اللهِ! إنَّ في هذا لَعِبَرًا وعَجَبًا. فقالَ رَجُلٌ آخَرُ مِنَ القَومِ: ألَا أُحَدِّثُكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ مِثلَ هذا وأعجَبَ منه؟ فقال: بلى. قال: فإنَّ رِجالًا مِن خُزاعةَ جاوَروا رَجُلًا منهم، فقَطَعوا رَحِمَه، وأساؤوا مُجاوَرَتَه، وإنَّه ناشَدَهمُ اللهَ والرَّحِمَ إلَّا أعفَوْه مِمَّا يَكرَهُ، فأبَوْا عليه، فأمهَلَهم حتى إذا جاءَ الشَّهرُ الحَرامُ دعا عليهم فقالَ: اللَّهمَّ رَبَّ كُلِّ آمِنٍ وخائِفْ *** وسامِعًا هُتافَ كُلِّ هاتِفْ إنَّ الخُزاعِيَّ أبا تَقاصُفْ *** لم يُعطِني الحَقَّ ولم يُناصِفْ فاجمَعْ له الأحِبَّةَ ‌[الألاطف]* بَني قِرانٍ ثَمَّ والنَّواصِفْ اجمَعْهم في جَوفِ كُلِّ راجِفْ قال: فبَينا هم عِندَ قَليبٍ يَنزِفونَها، فمنهم مَن هو فيها، ومنهم مَن هو فَوقَها تَهَوَّرَ القَليبُ بمَن كان عليها وعلى مَن كانَ فيها، وصارَتْ قُبورُهم حتى الساعةِ، قال عُمَرُ: سُبحانَ اللهِ! إنَّ في هذا لَعِبرةً وعَجَبًا، فقالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ آخَرُ: يا أميرَ المُؤمِنينَ ألَا أُخبِرُكَ بمِثلِ هذا وأعجَبَ منه؟ قال: بلى. قال: فإنَّ رَجُلًا مِن هُذَيلٍ وَرِثَ فَخِذَه التي هو فيها، حتى لم يَبقَ منهم أحَدٌ غَيرُه، فجَمَعَ مالًا كَثيرًا فعَمَدَ إلى رَهطٍ مِن قَومِه، يُقالُ لهم: بَنو المُؤَمَّلِ، فجاوَرَهم لِيَمنَعوه، ولِيرُدُّوا عليه ماشِيَتَه، وإنَّهم حَسَدوه على مالِه ونَفَسوه مالَه، فجَعَلوا يَأكُلونَ مِن مالِه، ويَشتِمونَ عِرضَه، وأنَّه ناشَدَهمُ اللهَ والرَّحِمَ إلَّا عَدَلوا عنه ما يَكرَه، فأبَوْا عليه، فجَعَلَ رَجُلٌ منهم يُقالُ له: رَباحٌ، أو رياحٌ، يُكَلِّمُهم فيه، ويَقولُ: يا بَني المُؤَمَّلِ، ابنُ عَمَّتِكمُ اختارَ مُجاوَرَتَكم على مَن سِواكم، فأحسِنوا مُجاوَرَتَه، فأبَوْا عليه، فأمهَلَهم حتى إذا كانَ الشَّهرُ الحَرامُ دعا عليهم، فقال: اللَّهمَّ أزِلْ عَنِّي بَني المُؤَمَّلِ *** وارْمِ على أقفائِهم بمَنكِلِ بصَخرةٍ أو عَرضِ جَيشٍ جَحفَلِ *** إلَّا رَباحًا إنَّه لم يَفعَلِ قال: فبَينَما هم ذاتَ يَومٍ نُزولٌ إلى أصلِ جَبَلٍ انحَطَّتْ عليهم صَخرةٌ مِنَ الجَبَلِ، لا تَمُرُّ بشَيءٍ إلَّا طَحَنَتْه، حتى مَرَّتْ بأبياتِهم فطَحَنَتْها طَحنةً واحِدةً، إلَّا رَباحًا الذي استَثْناهُ. فقال: سُبحانَ اللهِ! إنَّ في هذا لَعِبرةً وعَجَبًا. فقالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ: ألَا أُخبِرُكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ مِثلَه وأعجَبَ منه؟ قال: بلى. قال: فإنَّ رَجُلًا مِن جُهَينةَ جاوَرَ قَومًا مِن بَني ضَمرةَ في الجاهليَّةِ، وكانَ رَجُلٌ مِن بَني ضَمرةَ يُقالُ له: ريشةُ، يَعدو عليه، فلا يَزالُ يَنحَرُ بَعيرًا مِن إبِلِه وإنَّه كَلَّمَ قَومَه فيه، فقالوا: إنَّا خَلَعْناه، فانظُرْ أنْ نَقتُلَه. فلَمَّا رآه لا يَنتَهي أمهَلَه حتى إذا كانَ الشَّهرُ الحَرامُ دَعا عليه، فقالَ: أصادِقٌ ريشةُ بلا ضَمرةْ *** أنْ يُسيِّرَ اللهُ عليه قَدَرَهْ أمَا يَزالُ شارِفٌ أو بَكْرَةْ *** يَطعُنُ منها في سَواءِ الثُّغرةْ بصارِمٍ ذي رَونَقٍ أو شَفرةْ *** اللَّهمَّ إنْ كان بَعدي فَجرَهْ فاجعَلْ أمامَ العَينِ منه حَذرَهْ *** يَأكُلُه حتى يُوافى الحُفرةْ فسَلَّطَ الله عليه أكَلةً فأكَلَتْه حتى ماتَ قَبلَ الحَولِ. فقالَ عُمَرُ: سُبحانَ اللهِ! إنَّ في هذا لَعِبرةً وعَجَبًا، وإنْ كانَ اللهُ لَيَصنَعُ هذا بالناسِ في جاهليَّتِهم لِيَنزِعَ بَعضَهم مِن بَعضٍ، فلَمَّا أتى اللهُ بالإسلامِ أخَّرَ اللهُ العُقوبةَ إلى يَومِ القِيامةِ، وذلك أنَّ اللهَ تَعالى قالَ: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الدخان: 40]، {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، وقال: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [النحل: 61].
خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البيهقي | المصدر : فضائل الأوقات الصفحة أو الرقم : 12
التخريج : أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (3529) واللفظ له، وابن أبي الدنيا في ((مجابو الدعوة)) (20)، وابن عساكر في ((فضل رجب)) (4) بنحوه.
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة الدخان تفسير آيات - سورة القمر تفسير آيات - سورة النحل علم - القصص قيامة - الحساب والقصاص
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح الحديث

أصول الحديث:


فضائل الأوقات للبيهقي (ص: 98)
13 - أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السلمي رحمه الله قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن أبي خالد الأصفهاني العدل، قال: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة، يقول:، حدثنا محمد بن عمرو بن التمام، قال: حدثنا عثمان بن صالح، قال: حدثني ابن لهيعة، أخبرني عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا نحن عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه في يوم يعرض فيه الديوان إذ مر به رجل أعمى أعرج قد عنى قائده، فقال عمر حين رآه وأعجبه شأنه: من يعرف هذا؟ قال رجل من القوم: هذا رجل من صبغي فقد أهله بريق، قال: وما بريق؟ قال: رجل من أهل اليمن قال: أشاهد هو؟ قال: نعم فأتي به إلى عمر فقال: ما شأنك وشأن بني صبغاء؟ قال: إن بني صبغاء كانوا اثني عشر رجلا وإنهم جاوروني في الجاهلية فجعلوا يأكلون مالي ويشتمون عرضي وأنا أشتهيهم، وناشدتهم الله والرحم فأبوا علي، فأمهلتهم حتى إذا كان الشهر الحرام دعوت الله عليهم، وقلت: اللهم أدعوك دعاء جاهدا اقتل بني صبغاء إلا واحدا، ثم اضرب الرجل فذره قاعدا أعمى إذا ما قيد عنى القائد، فلم يحل الحول حتى هلكوا غير واحد وهو هذا كما ترى قد عنى قائده، فقال عمر: سبحان الله، إن في هذا لعبرا وعجبا، فقال رجل آخر من القوم: ألا أحدثك يا أمير المؤمنين مثل هذا وأعجب منه؟ فقال: بلى، قال: فإن رجالا من خزاعة جاوروا رجلا منهم فقطعوا رحمه وأساءوا مجاورته، وإنه ناشدهم الله والرحم إلا أعفوه مما يكره فأبوا عليه، فأمهلهم حتى إذا جاء الشهر الحرام دعا عليهم فقال: [البحر الرجز] اللهم رب كل آمن وخائف ... وسامعا هتاف كل هاتف إن الخزاعي أبا تقاصف ... لم يعطني الحق ولم يناصف فاجمع له الأجنة اللآطف ... بني قران ثم والنواصف اجمعهم في جوف كل راجف قال: فبينا هم عند قليب ينزفونها فمنهم من هو فيها ومنهم من هو فوقها تهور القليب بمن كان عليها وعلى من كان فيها، وصارت قبورهم حتى الساعة، قال عمر: سبحان الله، إن في هذا لعبرة وعجبا، فقال رجل من القوم آخر: يا أمير المؤمنين ألا أخبرك بمثل هذا وأعجب منه؟ قال: بلى قال: فإن رجلا من هذيل ورث فخذه التي هو فيها حتى لم يبق منهم أحد غيره، فجمع مالا كثيرا فعمد إلى رهط من قومه يقال لهم: بنو المؤمل فجاورهم ليمنعوه وليردوا عليه ماشيته، وإنهم حسدوه على ماله، ونفسوه ماله، فجعلوا يأكلون من ماله، ويشتمون عرضه، وإنه ناشدهم الله والرحم إلا عدلوا عنه ما يكره فأبوا عليه، فجعل رجل منهم يقال له رباح أو رياح، يكلمهم فيه ويقول: يا بني المؤمل، ابن عمتكم، اختار مجاورتكم على من سواكم فأحسنوا مجاورته، فأبوا عليه، فأمهلهم حتى إذا كان الشهر الحرام دعا عليهم، فقال: اللهم أزل عني بني المؤمل، وارم على أقفائهم بمنكل، بصخرة أو عرض جيش جحفل، إلا رباحا إنه لم يفعل، قال: فبينما هم ذات يوم نزول إلى أصل جبل انحطت عليهم صخرة من الجبل لا تمر بشيء إلا طحنته حتى مرت بأبياتهم فطحنتها طحنة واحدة، إلا رباحا الذي استثناه، فقال: سبحان الله إن في هذا لعبرة وعجبا، فقال رجل من القوم: ألا أخبرك يا أمير المؤمنين مثله وأعجب منه؟ قال: بلى، قال: فإن رجلا من جهينة جاور قوما من بني ضمرة في الجاهلية، وكان رجل من بني ضمرة يقال له ريشة يعدو عليه، فلا يزال ينحر بعيرا من إبله، وإنه كلم قومه فيه، فقالوا: إنا قد خلعناه فانظر أن نقتله، فلما رآه لا ينتهي أمهله حتى إذا كان الشهر الحرام دعا عليه فقال: [البحر الرجز] أصادق ريشة بلا ضمره ... أن يسير الله عليه قدره أما يزال شارف أو نكره ... يطعن منها في سواء الثغره بصارم ذي رونق أو شفره ... اللهم إن كان بعدي فخذه فاجعل أمام العين منه حذره ... يأكله حتى يرى في السحوه فسلط الله عليه أكلة فأكلته حتى مات قبل الحول، فقال عمر: سبحان الله إن في هذا عبرة وعجبا، وإن كان الله ليصنع هذا بالناس في جاهليتهم لينزع بعضهم من بعض، فلما أتى الله بالإسلام أخر الله العقوبة إلى يوم القيامة، وذلك أن الله تعالى قال: {إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين} [الدخان: 40] ، {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} [القمر: 46] وقال: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} [فاطر: 45] قال الشيخ رضي الله عنه: هذا حديث قد رواه أيضا محمد بن إسحاق بن يسار عمن سمع عكرمة عن ابن عباس دون ذكر بني ضمرة وذلك يؤكد رواية ابن لهيعة وروي أيضا، عن نصر بن أبي الأشقر، قال: قسم عمر بن الخطاب قسما فنظر إلى رجل أعمى فذكره قال الشيخ رضي الله عنه: وروي في الدعاء عند دخول رجب حديث ليس بالقوي

شعب الإيمان (5/ 342)
3529 - حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي خالد الأصبهاني العدل، قال: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا محمد بن عمرو بن تمام، حدثنا عثمان بن صالح، حدثني ابن لهيعة، أخبرني عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: بينما نحن عند عمر بن الخطاب في يوم يعرض فيه الديوان إذ مر به رجل أعمى أعرج قد عنى قائده، فقال عمر حين رآه وأعجبه شأنه:" من يعرف هذا؟ "، فقال رجل من القوم: هذا من بني صنعاء بهلة بريق، قال:" وما بريق؟ "، قال: رجل من اليمن: قلت زاد غيره فيه اسمه عياض، قال:" أشاهد؟ "، قال: نعم، فأتي به عمر، فقال:" ما شأنك وشأن بني صنعا؟ "، فقال: إن بني صنعا كانوا اثني عشر رجلا، وإنهم جاوروني في الجاهلية فجعلوا يأكلون مالي، ويشتمون عرضي، استنهيتهم فناشدتهم الله والرحم فأبوا فأمهلتهم حتى إذا كان الشهر الحرام دعوت الله عليهم، وقلت: [البحر الرجز] اللهم إني أدعوك دعاء جاهدا ... اقتل بني صنعا إلا واحدا ثم اضرب الرجل فذره قاعدا ... أعمى إذا ما قيل عنى القائدا فلم يحل الحول حتى هلكوا غير واحد وهو هذا كما ترى قد عنى قائده، فقال عمر:" سبحان الله إن في هذا لعبرة وعجبا"، فقال رجل آخر من القوم: يا أمير المؤمنين ألا أحدثك مثل هذا وأعجب منه؟، قال:" بلى"، قال: فإن نفرا من خزاعة جاوروا رجلا منهم فقطعوا رحمه، وأساءوا مجاورته، وإنه ناشدهم الله والرحم إلا أعفوه مما يكره فأبوا عليه فأمهلهم حتى إذا جاء الشهر الحرام دعا عليهم، فقال: اللهم رب كل آمن وخائف ... وسامعا بهتاف كل هاتف إن الخزاعي أبا يقاصف ... لم يعطني حقي ولم يناصف فاجمع لهم الأحبة وإلا لاطف ... بين فران ثم والنواصف جمعهم جوف كربة راجف قال: فبينما هم عند قليب ينزفونه فمنهم من هو فيه، ومنهم من هو فوقه تهور القليب بمن كان عليه وعلى من كان فيه فصار قبورهم حتى الساعة، فقال عمر:" سبحان الله إن في هذه لعبرة وعجبا"، فقال رجل من القوم آخر: يا أمير المؤمنين ألا أخبرك بمثل هذا وأعجب منه؟، قال: بلى، قال: إن رجلا من هذيل ورث فخذه الذي هو فيها حتى لم يبق منهم أحد غيره فجمع مالا كثيرا، فعمد إلى رهط من قومه يقال لهم بنو المؤمل، فجاورهم ليمنعوه وليردوا عليه ماشيته، وإنهم حسدوه على ماله، ونفسوه ماله، فجعلوا يأكلون من ماله ويشتمون عرضه، وإنه ناشدهم الله والرحم إلا عدلوا عنه ما يكره، فأبوا عليه فجعل رجل منهم يقال له رباح يكلمهم فيه، ويقول: يا بني المؤمل ابن عمكم اختار مجاورتكم على من سواكم فأحسنوا مجاورته، فأبوا عليه فأمهلهم حتى إذا كان الشهر الحرام دعا عليهم، فقال: اللهم أزل عني بني المؤمل ... وارم على أقفائهم بمثكل بصخرة أو عرض جيش جحفل ... إلا رباحا إنه لم يفعل قلت: وفي رواية غيره بصخرة صماء أو بجحفل، قال: فبينما هم ذات يوم نزول إلى أصل جبل انحطت عليهم صخرة من الجبل لا تمر بشيء إلا طحنته حين مرت بأبياتهم فطحنتها طحنة واحدة إلا رباحا الذي استثناه، فقال عمر:" سبحان الله إن هذا لعبرا وعجبا"، فقال رجل من القوم: ألا أخبرك يا أمير المؤمنين مثله وأعجب منه؟، قال:" بلى"، قال: فإن رجلا من جهينة جاور قوما من بني ضمرة في الجاهلية، فجعل رجل من بني ضمرة يقال له ريشة يعدو عليه، فلا يزال ينحر بعيرا من إبله، وإنه كلم قومه فيه، فقالوا: إنا قد خلفناه فانظر أن تقتله، فلما رآه لا ينتهي أمهله حتى إذا كان الشهر الحرام دعا عليه، فقال: أصادق ريشة بآل ضمرة ... أليس لله عليه قدرة أما يزال شارف أو بكرة ... يطعن فيها في سوء النعرة فصارم ذي رونق أو شغرة ... اللهم إن كان يعدي فجرة فاجعل إمام العين من حدره ... تأكله حين يوافي الحفرة فسلط الله عليه أكلة فأكلته حتى مات قبل الحول، فقال عمر:" سبحان الله إن في هذا لعبرة وعجبا، وإن كان الله ليصنع هذا بالناس في جاهليتهم لينزع بعضهم من بعض فلما أتى الله بالإسلام أخر العقوبة إلى يوم القيامة، وذلك أن الله تعالى يقول في كتابه: {إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين} [الدخان: 40]، وإن موعدهم الساعة، {والساعة أدهى وأمر} [القمر: 46]، وقال: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} [فاطر: 45] ". قال أحمد:" وهذا حديث قد رواه محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي، عمن سمع عكرمة، عن ابن عباس دون ذكر بني ضمرة وذلك يؤكد رواية ابن لهيعة، وروي من وجه آخر عن شهاب بن خراش، عن نصير بن أبي الأشعث، قال: قسم عمر بن الخطاب قسما فنظر إلى رجل أعمى فذكره، ومن المناكير التي رويت في هذا الباب ما"

مجابو الدعوة لابن أبي الدنيا (ص: 22)
20 - حدثنا الفضل بن غانم، عن سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عمن لا يتهم، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه حدثهم قال: بينا أنا عند عمر بن الخطاب وهو خليفة، وهو يعرض الناس على ديوانهم، إذ مر به شيخ كبير أعمى يجبذه قائده جبذا شديدا فقال عمر حين رآه: " ما رأيت كاليوم منظرا أسوأ، فقال رجل من القوم جالس عنده: وما تعرف هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، قال: " هذا ابن ضبعا السلمي، ثم البهزي، الذي بهله بريق، فقال عمر: قد عرفت أن بريقا لقب، فما اسم الرجل؟ قالوا: عياض، قال: فدعى له، فقال: أخبرني خبرك وخبر بني ضبعا قال: " يا أمير المؤمنين، أمر من أمر الجاهلية قد انقضى شأنه، وقد جاء الله عز وجل بالإسلام، فقال عمر: اللهم غفرا، ما كنا أحق بأن نتحدث بأمر الجاهلية منذ أكرمنا الله بالإسلام، حدثنا حديثك وحديثهم " قال: " يا أمير المؤمنين، كانوا بني ضبعا عشرة، فكنت ابن عم لهم لم يبق من بني أبي غيري، وكنت لهم جارا، وكانوا أقرب قومي لي نسبا، وكانوا يضطهدونني ويظلمونني، ويأخذون مالي بغير حقه، فذكرتهم الله والرحم والجوار إلا ما كفوا عني، فلم يمنعني ذلك منهم، فأمهلتهم حتى إذا دخل الشهر الحرام رفعت يدي إلى السماء، ثم قلت: [البحر المنسرح] لا هم أدعوك دعاء جاهدا ... اقتل بني الضبعاء إلا واحدا ثم اضرب الرجل فذره قاعدا ... أعمى إذا ما قيد عنى القائدا فتتابع منهم تسعة في عامهم موتا، وبقي هذا معي، ورماه الله في رجليه بما ترى، فقائده يلقى منه ما رأيت، فقال عمر: سبحان الله، إن هذا للعجب. فقال رجل من القوم: " يا أمير المؤمنين، فشأن أبي تقاصف الهذلي ثم الخناعي، أعجب من هذا، قال: وكيف كان شأنه؟ قال: " كان لأبي تقاصف تسعة هو عاشرهم، وكان لهم ابن عم هو منهم بمنزلة عياض من بني ضبعا، فكانوا يظلمونه ويضطهدونه، ويأخذون ماله بغير حق، فذكرهم الله والرحم إلا ما كفوا عنه، فلم يمنعه ذلك منهم، فأمهلهم حتى إذا دخل الشهر الحرام رفع يديه إلى الله عز وجل، ثم قال: [البحر الكامل] لاهم رب كل امرئ آمن وخائف ... وسامع هتاف كل هاتف إن الخناعي أبا تقاصف ... لم يعطني الحق ولم يناصف فاجمع له الأحبة الألاطف ... بين كران ثم والنواصف قال: " فتدلوا حيث وصف في قليب لهم يصلحونه، فتهور عليهم جميعا، فإنه لقبر لهم جميعا إلى يومهم هذا، فقال عمر: سبحان الله، إن هذا للعجب، فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين، فشأن بني المؤمل من بني نصر أعجب من هذا كله، قال: " وكيف كان شأن بني مؤمل؟ قال: كان لهم ابن عم، وكان بنو أبيه قد هلكوا، فألجأ ماله إليهم ونفسه ليمنعوه، فكانوا يظلمونه ويضطهدونه، ويأخذون ماله بغير حق، فكلمهم، فقال: يا بني مؤمل، إني قد اخترتكم على من سواكم، وأضفت إليكم مالي ونفسي لتمنعوني، فظلمتموني وقطعتم رحمي، وأكلتم مالي وأسأتم جواري، فأذكركم الله والرحم والجوار إلا ما كففتم عني فقام رجل يقال له رباح، فقال: يا بني مؤمل، قد صدق والله ابن عمكم، فاتقوا الله فيه، فإن له رحما وجوارا، وإنه قد اختاركم على غيركم من قومكم، فلم يمنعه ذلك منكم فأمهلهم حتى إذا دخل الشهر الحرام خرجوا أعمارا، فرفع يديه إلى الله عز وجل في أدبارهم، وقال: [البحر الرجز] لاهم زلهم عن بني مؤمل ... وارم على أقفائهم بمنكل بصخرة أو عرض جيش جحفل ... إلا رباحا إنه لم يفعل فبينما هم نزول إلى جبل في بعض طريقهم أرسل الله صخرة من الجبل تجر ما مرت به من حجر أو صخر، حتى دكتهم دكة واحدة، إلا رباحا وأهل جنابه إنه لم يفعل فقال عمر: سبحان الله، إن هذا للعجب، لم يرون أن هذا كان يكون؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين أعلم قال: أما إني قد علمت لم كان ذلك؟ كان الناس أهل جاهلية، لا يرجون جنة ولا يخافون نارا، ولا يعرفون بعثا ولا قيامة، فكان الله تعالى يستجيب للمظلوم منهم على الظالم ليدفع بذلك بعضهم عن بعض، فلما أعلم الله تعالى العباد معادهم، وعرفوا الجنة والنار والبعث والقيامة قال: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} [القمر: 46] , فكانت النظرة والمدة والتأخير إلى ذلك اليوم "

فضل رجب لابن عساكر (ص: 307)
4- أخبرنا أبو سهل محمد بن إبراهيم بن محمد بن سعدويه المزكي الأصبهاني ببغداد، أنا أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي المقرئ، أنا أبو القاسم جعفر بن عبد الله بن يعقوب بن فناكي الرازي، ثنا أبو بكر محمد بن هارون الروياني، ثنا محمد بن مهدي العطار المصري، ثنا عمرو بن أبي سلمة، ثنا صدقة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن حماد بن أبي سليمان: ((أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر برجل أعمى مقعد فقال: أما كان هذا يسأل الله العافية؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أما تعرف هذا؟ هذا الذي بهله بريق، فقال عمر: إن بريقا لقب، ولكن ادع لي عياضا، فقال: حدثني حديث بني الضبعاء، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه حديث جاهلية، وإنه لا إرب لك به في الإسلام، قال: ذلك أحرى أن تحدثنا، فقال: إن بني الضبعاء كانوا عشرة، وكانت أختهم تحتي، فأرادوا أن ينزعوها مني، فنشدتهم الله والقرابة والرحم فأبوا إلا أن ينزعوها مني، فأمهلتهم حتى دخل رجب مضر شهر الله المحرم فقلت: اللهم أدعوك دعاء جاهدا ... على بني الضبعاء فاترك واحدا وكسر الرجل فدعه قاعدا ... أعمى إذا قيد يعني القائدا قال: فهلكوا جميعا ليس هذا، فقال عمر رضي الله عنه: تالله ما رأيت كاليوم حديثا أعجب. فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين، أفلا أحدثك بأعجب من ذلك؟ قال: حدث حتى يسمع القوم، قال: إني كنت من حي من أحياء العرب فماتوا كلهم فأصبت مواريثهم، فانتجعت حيا من أحياء العرب يقال لهم: بنو المؤمل، كنت فيهم زمانا طويلا، ثم إنهم أرادوا أخذ مالي، فناشدتهم الله فأبوا إلا أن ينزعوا مالي، وقد كان منهم رجل يقال له: رياح، فقال: يا بني مؤمل، جاركم وخفيركم لا ينبغي لكم أخذ ماله، قال: فعصوه وأخذوا مالي، فأمهلتهم حتى دخل رجب مضر شهر الله المحرم فقلت: اللهم أزلها عن بني مؤمل ... وارم على أقفائهم بمنكل بصخرة أو عرض جيش جحفل ... إلا رياحا إنه لم يفعل قال: فبينا هم يسيرون في أصل جبل أو في سفح جبل إذ تداعى عليهم الجبل، فهلكوا جميعا، ليس رياحا نجاه الله، فقال عمر رضي الله عنه: تالله ما رأيت كاليوم حديثا أعجب. فقام رجل من القوم فقال: يا أمير المؤمنين, أفلا أحدثك بأعجب من ذلك؟ فقال: حدث حتى يسمع القوم, فقال: إن أبي وعمي ورثا أباهما, فأسرع عمي في الذي له وبقي مالي, فأراد بنوه أن ينزعوا مالي, فأمهلتهم حتى دخل رجب مضر شهر الله المحرم فقلت: اللهم رب كل آمن وخائف ... وسامعا نداء كل هاتف إن الخناعي أبا تقاصف ... لم يعطني الحق ولم يناصف فاجمع له الأحبة الألاطف ... بين القران السود والنواصف قال: فبينا بنوه وهم عشرة في بئر يحفرونها إذ تهاوت عليهم البئر فكانت قبورهم, فقال عمر رضي الله عنه: تالله ما رأيت كاليوم حديثا أعجب. فقال القوم: يا أمير المؤمنين, أهل الجاهلية كان الله يصنع بهم ما ترى فأهل الإسلام أحرى بذلك, فقال: إن أهل الجاهلية كان الله يصنع بهم ما تسمعون ليحجز بعضهم عن بعض, وإن الله عز وجل جعل الساعة موعدكم, والساعة أدهى وأمر)) . هذا منقطع بين حماد وعمر, وقد روي موصولا من وجوه أخر.