الموسوعة الحديثية


- عن هشامِ بنِ العاصِ الأُموَيِّ قال : بُعثتُ أنا ورَجلٌ آخرَ إلى هِرَقلَ صاحبِ الرومِ نَدعوه إلى الإسلامِ، فخرجنا حتَّى قدِمنا الغوطةَ يَعني غوطةَ دمشقَ فنزَلنا على جَبلةَ بنِ الأَيهمِ الغسَّانيِّ، فدَخلنا عليهِ، فإذا هوَ علَى سريرٍ لهُ، فأرسل إلينا بِرَسولٍ نكلِّمُه، فقُلنا : واللَّهِ لا نكلِّمُ رسولًا، إنَّما بُعِثْنا إلى المَلِكِ، فإن أذِنَ لنا كلَّمناهُ، وإلا لَم نكلِّمِ الرَّسولَ، فرجع إليهِ الرَّسولُ فأخبرَه بذلكَ، قال : فأذِنَ لنا فقال : تكلَّموا : فكلَّمَه هشامُ بنُ العاصِ، ودعاه إلى الإسلامِ، فإذا عليهِ ثيابُ سَوادٍ، فقال لهُ هشامٌ، وما هذهِ الَّتي عليكَ ؟ فقال : لبِستُها وحلفتُ أن لا أنزِعَها حتَّى أُخْرِجَكُم مِنَ الشَّامِ. قلنا : ومَجلِسَك هذا، واللهِ لَنأخذَنَّه مِنكَ، ولَنأخذَنَّ مُلْكَ المَلِكِ الأعظَمِ، إن شاء اللهُ، أخبَرَنا بذلك نبيُّنَا صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ. قال : لستُم بِهِم. بل هم قومٌ يَصومونَ بالنَّهارِ ويَقومونَ باللَّيلِ، فكيف صومُكم ؟ فأخبرناهُ، فمُلِئَ وجهُه سَوادًا فقالَ : قوموا. وبعَث معنا رسولًا إلى المَلِكِ، فخرَجنا، حتَّى إذا كنَّا قريبًا من المدينةِ، قال لنا الَّذي معَنا : إنَّ دوابَّكم هذهِ لا تَدخُلُ مدينةَ المَلِكِ، فإن شئتُم حَملناكُم على براذينَ و بِغالٍ ؟ قُلنا، واللهِ لا ندخلُ إلَّا علَيها. فأرسَلوا إلى المَلِكِ أنَّهم يأبَوْنَ ذلكَ فدخَلنا على رواحِلِنا مُتقلِّدِينَ سيوفَنا، حتَّى انتهَينا إلى غُرفةٍ ، فأنَخْنَا في أصلِها وهوَ ينظرُ إلينا، فقُلنا : لا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ، فاللهُ يعلمُ قد تنفَّضَتِ الغُرفةُ حتَّى صارَت كأنَّها عِذقٌ تَصفِقُهُ الرِّياحُ. فأرسلَ إلَينا : ليسَ لكم أن تجهَرُوا علَينا بدِينِكُم، و أرسلَ إلَينا : أن ادخُلوا،فدخَلنا عليهِ وهوَ على فِراشٍ له، وعندَه بطارقتُه مِن الرُّومِ، وكلُّ شيءٍ في مجلِسِهِ أحمرُ، و ما حولَه حُمرةٌ، وعليهِ ثيابٌ من الحُمرةِ ، فدَنَونا منه فضحِكَ، فقالَ : ما كان عليكُم لَو حيَّيتمُوني بتحيَّتِكُم فيما بَينكُم ؟. وإذا عندَه رجلٌ فَصيحٌ بالعربيةِ كثيرُ الكَلامِ، فقُلنا : إنَّ تحيَّتَنا فيما بينَنا لا تحلُّ لك، و تحيَّتُكَ الَّتي تُحَيَّي بِها لا تحلُّ لنا أن نُحيِّيَكَ بِها. قال : [ كيف ] تحيَّتُكم فيما بينَكم ؟ قلنا : السَّلامُ عليكَ. قالَ : وكيفَ تُحيُّونَ مَلِكَكُمْ ؟ قُلنا : بها. قال : وكيف يَردُّ عليكُم ؟ قُلنا : بِها. قالَ : فما أعظمُ كلامُكُم ؟ قُلنا : لا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ. فلمَّا تكلَّمنا بِها و اللهُ يعلَمُ لقد تنفَّضتِ الغرفةُ حتَّى رفَعَ رأسَه إليها، قال : فهذِهِ الكَلِمةُ الَّتي قلتُموها حيثُ تنفَّضَتِ الغُرفةُ، كلَّما قُلتُموها في بيوتِكم تنفَّضَتْ عليكم غُرَفُكُم ؟ قُلنا : لا، ما رأيناها فعَلَت هذا قطُّ إلَّا عِندَك. قالَ : لودِدتُ أنَّكُم كلَّما قلتُم تنفَّضَ كلُّ شيءٍ عليكُم. وأنِّي خرجتُ من نِصفِ مُلْكِي. قُلنا : لَم ؟ قال : لأنَّهُ كانَ أيسرَ لشأنِها، وأجدرَ ألَّا تكونَ مِن أمرِ النُّبَوَّةِ، وأنها تكونُ من حِيَلِ النَّاسِ. ثمَّ سألَنا عمَّا أرادَ، فأخبَرناهُ. ثمَّ قال : كيف صلاتُكم وصومُكم ؟ فأخبرناهُ. فقال : قوموا. [ فقُمنا ] فأمر لنا بمنزلٍ حسَنٍ ونُزُلٍ [ كثيرٍ ]، فأقمنا ثلاثًا، فأرسل إلَينا ليلًا فدخَلنا عليهِ، فاستعادَ قولَنا، فأعَدناهُ. ثمَّ دعا بشَيءٍ كهيئةِ الرِّبعةِ العَظيمةِ مذهَّبَةً، فيها بيوتٌ صِغارٌ علَيها أبوابٌ، ففَتح بيتًا وقُفلًا، فاستخرج حريرةً سوداءَ، فنشَرها، فإذا فيها صورةٌ حمراءُ، وإذا فيها رجلٌ ضخمُ العينيْنِ عظيمُ الأَليتيْنِ، لَم أر مثلَ طولِ عنقِه، وإذا لبِسَت لهُ لِحيةٌ، وإذا لَهُ ضَفيرتان أحسنَ ما خلق اللهُ. قال : أتعرِفون هذا ؟ قُلنا : لا. قال : هذا آدمُ عَليهِ السَّلامُ : و إذ هوَ أكثرُ النَّاسِ شَعرًا. ثمَّ فتح بابًا آخَرَ، فاستخرج منه حَريرةً سوداءَ، وإذا فيها صورةٌ بيضاءُ، وإذا لهُ شَعْرٌ [ كشعرِ ] القِططِ، أحمرَ العينيْنِ، ضخمَ الهامةِ ، حسَنَ اللحيةِ، فقال : أتعرِفون هذا ؟ قُلنا : لا. قال : هذا نُوحٌ عليهِ السَّلامُ. ثمَّ فتح بابًا آخرَ، فاستخرجَ حريرةً سوداءَ، وإذا فيها رجلٌ شديدُ البياضِ، حسَنَ العينيْنِ صلتَ الجبينِ ، طويلَ الخدِّ، أبيضَ اللحيةِ كأنَّهُ يبتَسِمُ، فقال : أتعرِفونَ هذا ؟ قُلنا : لا. قال : هذا إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ. ثمَّ فتح بابًا آخرَ فإذا فيهِ صورةٌ بيضاءُ، وإذا و اللهِ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فقال : أتعرِفون هذا ؟ قُلنا : نعَم، مُحمَّدٌ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ قال : وبَكَيْنا. قال : و اللهُ يعلَمُ أنَّهُ قام قائمًا ثمَّ جلَس، وقال : و اللهِ إنَّهُ لهوَ ؟ قُلنا : نعَم إنَّهُ لهُوَ،كأنَّكَ تنظرُ إليهِ. فأمسكَ ساعةً ينظرُ إليها، ثمَّ قال : أمَّا إنَّهُ كان آخرَ البُيوتِ، ولكنِّي عجَّلْتُه لكُم لأنظرَ ما عِندَكم. ثمَّ فتح بابًا آخرَ، فاستخرج منه حريرةً سوداءَ، فإذا فيها صورةٌ أدماءَ سحماءَ، وإذا رجلٌ جعدٌ قَطَطٌ، غائرُ العينيْنِ،حديدُ النَّظرِ، عابِسٌ متراكبُ [ الأسنانِ ] مقلِّصُ الشَّفةِ كأنَّهُ غَضبانٌ، فقال : هل تعرِفون هذا ؟ قلنا : لا : قال : هذا موسَى عليهِ السَّلامُ. وإلى جانبِه صورةٌ تُشبِهُه،إلا أنَّه مُدهانُّ الرأسِ، عَريضُ الجبينِ ، في عينيه قَبلٌ، فقال : هل تعرِفونَ هذا : قُلنا : لا. قالَ : هذا هارونُ بنُ عِمرانَ عليهِ السَّلامُ. ثمَّ فتح بابًا آخرَ، فاستخرج منه حريرةً بيضاءَ، فإذا فيها صورةُ رجُلٍ آدَمَ سبطٍ ربعةٍ . كأنَّهُ غضبانُ،فقالَ : هل تعرفونَ هذا ؟ قُلنا : لا. قال : هذا لُوطٌ عليهِ السَّلامُ. ثمَّ فتح بابًا آخرَ،فاستخرَجَ منه حريرةً بيضاءَ، فإذا فيها صورةُ رجلٍ أبيضَ مُشرَبٌ حُمرةً، أقنَى، خفيفَ العارضيْنِ حسنَ الوجهِ، فقال : هل تعرِفونَ هذا ؟ قُلنا : لا. قال : هذا إسحاقُ عليهِ السَّلامُ. ثمَّ فتح بابًا آخرَ، فاستخرَجَ حريرةً بيضاءَ، فإذا فيها صورةٌ تُشبِهُ إسحاقَ، إلَّا أنَّهُ على شَفتِه خالٌ، فقالَ : هل تعرِفون هذا ؟ قُلنا : لا. قال : هذا يَعقوبُ عليهِ السَّلامُ. ثمَّ فتح بابًا آخرَ، فاستخرَجَ منه حريرةً سوداءَ فيها صورةُ رجلٍ أبيضَ حسَنَ الوجهِ، أقنَى الأنفِ، حسَنَ القامةِ، يعلو في وجهِه نورٌ، يُعْرَفُ في وجهِه الخُشوعُ،يضرِبُ إلى الحمرةِ، قال : هل تعرِفون هذا ؟ قلنا : لا، قال : هذا إسماعيلُ جدُّ نبيِّكم عليهِما السَّلامُ. ثمَّ فتح بابًا آخرَ، فاستخرَج منه حَريرةً بيضاءَ فيها صورةٌ كأنَّها آدَمُ عليهِ السَّلامُ، كأنَّ وجهَه الشَّمسُ، فقال : هل تعرِفونَ هذا ؟ قُلنا : لا. قال : هذا يوسُفُ عليهِ السَّلامُ. ثمَّ فتح بابًا آخرَ، فاستَخرجَ منه حريرةً بيضاءَ، فإذا فيها صورةُ رجلٍ أحمرَ حَمِشِ السَّاقيْنِ ،أخفشِ العَينيْنِ، ضَخمَ البَطنِ ربعةٍ متقلِّد سيفًا، فَقالَ : هل تعرِفونَ هذا ؟ قُلنا : لا. قال : هذا داودُ عليهِ السَّلامُ. ثمَّ فتح بابًا آخرَ، فاستَخرج حريرةً بيضاءَ، فيها صورةُ رجلٍ ضخمِ الأليتيْنِ، طويلِ الرِّجليْنِ، راكبٍ فرسًا،فقال : هل تعرِفونَ هذا ؟ قلنا : لا قال : هذا سُلَيمانُ بنُ داودَ عليهِما السَّلامُ. ثمَّ فتح بابًا آخرَ، فاستخرَجَ منه حريرةً سوداءَ، فيها صورةٌ بيضاءُ، وإذا شابٌّ شديدُ سَوادِ اللِّحيةِ، كثيرُ الشَّعْرِ،حسنُ العينينِ، حَسنُ الوجهِ، فقالَ : هل تعرِفون هذا ؟ قُلنا : لا. قالَ : هذا عيسَى بنُ مريمَ عليهِ السَّلامُ، قُلنا : من أينَ لكَ هذهِ الصُّورُ ؟ لأنَّا نَعلمُ أنَّها على ما صوَّرْتَ عليهِ الأنبياءَ عليهِ السَّلامُ، لأنَّا رأينا صورةَ نبيِّنا عليهِ السَّلامُ مِثلَه،فقال : إنَّ آدمَ عليهِ السَّلامُ سأل ربَّهُ أن يُريهِ الأنبياءَ من ولَدِه،فأنزلَ عليهِ صوُرَهُم،فكانَ في خزانةِ آدمَ عليهِ السَّلامُ عند مَغربِ الشَّمسِ، فاستخرَجَها ذو القَرنينِ من مغرِبِ الشَّمسِ فدفَعها إلى دانيالَ. ثمَّ قال : أمَا و اللهِ إنَّ نفسي طابَت بالخروجِ من مُلكي وإنِّي كُنتُ عبدًا لأَشرِّكُم مَلَكةً، حتَّى أموتُ. ثمَّ أجازَنا فأَحسنَ جائزتَنا، وسرَّحَنا،فلمَّا أتينا أبا بكرٍ الصديقَ رضيَ اللهُ عنهُ [ فحدَّثناه بما أرانا، وبما قالَ لَنا، و ما أجازَنا، قال : فبكى أبو بكرٍ ] و قال : مِسكينٌ ! لَو أراد اللهُ بهِ خيرًا لفَعلَ. ثمَّ قال : أخبرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ أنَّهم واليَهودُ يجِدونَ نَعتَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ عندَهُم.
خلاصة حكم المحدث : إسناده لا بأس به
الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : ابن كثير | المصدر : تفسير القرآن العظيم الصفحة أو الرقم : 3/481
التخريج : أخرجه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (1/386)
التصنيف الموضوعي: إسلام - إظهار دين الإسلام على الأديان أنبياء - دانيال أنبياء - عام فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - صفة النبي وأمته في كتب أهل الكتاب فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - صفة خلقة النبي
|أصول الحديث

أصول الحديث:


[دلائل النبوة - البيهقي] (1/ 386)
: وفي كتابي عن شيخنا أبي عبد الله الحافظ، وهو فيما أنبأني به إجازة: أن أبا محمد: عبد الله بن إسحاق البغوي أخبرهم، قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، عن هشام بن العاص الأموي، قال: بعثت أنا ورجل آخر من قريش إلى [[هرقل]] صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة- يعني دمشق- فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني، فدخلنا عليه وإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسول نكلمه، فقلنا [[له]]: والله لا نكلم رسولا، إنما بعثنا إلى الملك، فإن أذن لنا كلمناه، وإلا لم نكلم الرسول، فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك. قال: فأذن لنا، فقال: تكلموا فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الإسلام، وإذا عليه ثياب سواد، فقال له هشام: ما هذه التي عليك؟ فقال: لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام. قلنا: ومجلسك هذا فو الله لنأخذنه منك ولنأخذن ملك الملك الأعظم، إن شاء الله [[تعالى]]. أخبرنا بذلك نبينا، صلى الله عليه وسلم، قال: لستم بهم، بل هم قوم يصومون بالنهار، ويفطرون بالليل. فكيف صومكم؟ فأخبرناه، فملأ وجهه سوادا، فقال: قوموا. وبعث معنا رسولا إلى الملك، فخرجنا حتى إذا كنا قريبا من المدينة قال [[لنا]] الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال، قلنا: والله لا ندخل إلا عليها. فأرسلوا إلى الملك: إنهم يأبون. فدخلنا على رواحلنا متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له، فأنخنا في أصلها، وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا الله والله أكبر، والله يعلم لقد تنفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح. فأرسل إلينا: ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم. وأرسل إلينا أن ادخلوا. فدخلنا عليه وهو على فراش له، وعنده بطارقته من الروم، وكل شيء في مجلسه أحمر، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من الحمرة. فدنوا منه فضحك، وقال: ما كان عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم، فإذا عنده، رجل فصيح بالعربية، كثير الكلام. فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك، وتحيتك التي تحيا بها لا يحل لنا أن نحييك بها. قال:كيف تحيتكم فيما بينكم؟ فقلنا: السلام عليك. قال: فكيف تحيون ملككم؟ قلنا: بها. قال: وكيف يرد عليكم؟ قلنا: بها. قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر. فلما تكلمنا بها قال: والله لقد تنقضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها. قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث تنفضت الغرفة كلما قلتموها في بيوتكم تنفض بيوتكم عليكم؟ قلنا: لا، ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك. قال: لوددت أنكم كلما قلتم تنفض كل شيء عليكم، وأني خرجت من نصف ملكي، قلنا: لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا يكون من أمر النبوة وأن يكون من حيل الناس. ثم سألنا عما أراد، فأخبرناه. ثم قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه. فقال: قوموا. فقمنا، فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير، فأقمنا ثلاثا، فأرسل إلينا ليلا، فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب، ففتح بيتا وقفلا، واستخرج حريرة سوداء فنشرها، فإذا فيها صورة حمراء، وإذا فيها رجل ضخم العينين، عظيم الأليتين، لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحية، وإذا له ضفيرتان، أحسن ما خلق الله. قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا آدم، عليه السلام، وإذا هو أكثر الناس شعرا. ثم فتح لنا بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة بيضاء، وإذا له شعر كشعر القطط، أحمر العينين، ضخم الهامة، حسن اللحية، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا نوح، عليه السلام.ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها رجل شديد البياض، حسن العينين، صلت الجبين، طويل الخد، أبيض اللحية، كأنه يتبسم، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إبراهيم، عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فإذا فيها صورة بيضاء وإذا، والله، رسول الله، قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم، محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: وبكينا. قال: والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس وقال: والله، إنه لهو؟ قلنا: نعم. إنه لهو كأنما ننظر إليه فأمسك ساعة ينظر إليها، ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة أدماء سحماء، وإذا رجل جعد قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا موسى، عليه السلام، وإلى جنبه صورة تشبهه، إلا أنه مدهان الرأس، عريض الجبين، في عينه قبل، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا: قال: هذا هارون بن عمران. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل آدم، سبط، ربعة كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا: قال: هذا لوط عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل أبيض، مشرب حمرة، أقنى، خفيف العارضين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إسحاق، عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا إنه على شفته السفلى خال، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا: قال: هذا يعقوب، عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة رجل أبيض، حسن الوجه، أقنى الأنف، حسن القامة، يعلو وجهه نور، يعرف في وجهه الخشوع، يضرب إلى الحمرة، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إسماعيل جد نبيكم. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة كأنها صورة آدم، كأن وجهه الشمس، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا يوسف عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة رجل أحمر، حمش الساقين، أخفش العينين، ضخم البطن، ربعة، متقلد سيفا، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا داود، عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة رجل ضخم الأليتين، طويل الرجلين، راكب فرس، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا سليمان بن داود، عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة بيضاء وإذا رجل شاب، شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن العينين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا عيسى بن مريم، عليه السلام. قلنا: من أين لكم هذه الصور، لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء، عليهم السلام، لأنا رأينا صورة نبينا، عليه السلام، مثله؟ فقال: إن آدم، عليه السلام، سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم، وكان في خزانة آدم، عليه السلام، عند مغرب الشمس، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس، فدفعها إلى دانيال. ثم قال: أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي، وإن كنت عبدا لا يترك ملكه حتى أموت. ثم أجازنا فأحسن جائزتنا، وسرحنا. فلما أتينا أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، حدثناه بما رأينا، وما قال لنا، وما أجازنا. قال: فبكى أبو بكر وقال: مسكين، لو أراد الله [[عز وجل]] به خيرا لفعل. ثم قال: أخبرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنهم واليهود يجدون نعت محمد، عليه السلام، عندهم