الموسوعة الحديثية


- أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رِضوانُ اللهِ عليه قال للهُرمُزانِ أما إذا فُتَّنِي بنفسِك فانصحْ لي وذلك أنه قال له تكلَّم لا بأسَ فأَمَّنَه فقال الهُرمُزانُ نعم إنَّ فارسَ اليومَ رأسٌ وجَناحانِ قال فأين الرأسُ قال نَهاوِنْدُ مع بُندارِ قال فإنَّ معه أساورةُ كِسرى وأهلِ أصفِهانَ قال فأين الجناحانِ فذكر الهُرمُزانُ مكانًا نسِيتُه فقال الهُرمُزانُ اقطَعْ الجناحَينِ تُوهَنُ الرأسُ فقال له عمرُ رِضوانُ اللهِ عليه كذَبْتَ يا عدوَّ اللهِ بل أعمدُ إلى الرأسِ فيقطعُه اللهُ وإذا قطعه اللهُ عنِّي انقطعَ عني الجَناحانِ فأراد عمرُ أن يسير إليه بنفسِه فقالوا نُذكِّركَ اللهَ يا أميرَ المؤمنينَ أن تسيرَ بنفسِكَ إلى العجَمِ فإن أُصبتَ بها لم يكن للمسلمين نظامٌ ولكنِ ابعثِ الجنودَ قال فبعث أهلَ المدينةِ وبعث فيهم عبدَ اللهِ بنَ عمرَ بنِ الخطابِ وبعث المُهاجرِينَ والأنصارَ وكتب إلى أبي موسى الأشعريِّ أن سِرْ بأهلِ البصرةِ وكتب إلى حُذيفةَ بنِ اليمانِ أنْ سِرْ بأهلِ الكوفةِ حتى تجتمِعوا بنَهاوَندَ جميعًا فإذا اجتمعتُم فأميرُكُم النُّعمانُ بنُ مُقرِّنٍ المُزَني فلما اجتمعوا بنَهاوَندَ أرسل إليهم بُندارَ العِلجَ أن أرسِلوا إلينا يا معشرَ العربِ رجلًا منكم نُكلِّمُه فاختار الناسُ المغيرةَ بنَ شُعبةَ قال أبي فكأني أنظرُ إليه رجلٌ طويلٌ أشعرُ أعورُ فأتاه فلما رجع إلينا سألْناه فقال لنا إني وجدتُ العلجَ قدِ استشار أصحابَه في أيِّ شيءٍ تأذَنون لهذا العربيِّ أبَشارتَنا وبهجتَنا وملكَنا أو نتقشَّفُ له فنزهدُه عما في أيدينا فقالوا بل نأذنُ له بأفضلَ ما يكون من الشَّارةِ والعُدَّةِ فلما رأيتُهم رأيتُ تلك الحرابَ والدَّرقَ يلمعُ منه البصرُ ورأيتُهم قيامًا على رأسِه وإذا هو على سريرٍ من ذهبٍ وعلى رأسهِ التَّاجُ فمضيتُ كما أنا ونكستُ رأسي لأقعدَ معه على السَّريرِ فقال فدفعتُ ونهرتُ فقلتُ إنَّ الرسلَ لا يُفعلُ بهم هذا فقالوا لي إنما أنت كلبٌ أتقعد مع الملِكِ فقلتُ لأَنا أشرفُ في قومي من هذا فيكم قال فانتهرَني وقال اجلِسْ فجلستُ فترجَم لي قولَه فقال يا معشرَ العربِ إنكم كنتُم أطولَ الناسِ جوعًا وأعظمَ الناسِ شقاءً وأقذرَ الناسِ قذرًا وأبعدَ الناسِ دارًا وأبعدَه من كلِّ خيرٍ وما كان منعني أن آمرَ هذه الأساورةَ حولي أن ينتظموكم بالنِّشابِ إلا تنجُّسًا بجِيَفِكم لأنكم أرجاسٌ فإن تذهبوا يُخَلَّى عنكم وإن تأْبَوا نُبوِّئَكم مصارعَكم قال المُغيرةُ فحمدتُ اللهَ وأثنيتُ عليه وقلتُ واللهِ ما أخطأتَ من صفتِنا ونعْتِنا شيئًا إن كنَّا لأبعدَ النَّاسِ دارًا وأشدَّ الناسِ جوعًا وأعظمَ الناسِ شقاءً وأبعدَ النَّاسِ من كلِّ خيرٍ حتى بعثَ اللهُ إلينا رسولًا فوعدَنا بالنَّصرِ في الدنيا والجنَّةِ في الآخرةِ فلم نزلْ نتعرَّفْ مِن ربِّنا مُذْ جاءنَا رسولُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الفلاحَ والنصرَ حتى أتيناكم وإنا واللهِ نرى لكم ملكًا وعيشًا لا نرجعُ إلى ذلك الشقاءِ أبدًا حتى نغلبَكم على ما في أيديكم أو نُقتَل في أرضِكم فقال أما الأعورُ فقد صدقَكم الذي في نفسهِ فقمتُ مِن عندِه وقد واللهِ أرعبتُ العلجَ جهدي فأرسل إلينا العلجُ إما أن تعبروا إلينا بنَهاوندَ وإما أن نعبرَ إليكم فقال النعمانُ اعبُروا فعبَرْنا فقال أبي فلم أر كاليومِ قطُّ إنَّ العُلوجَ يجيئون كأنهم جبالُ الحديدِ وقد تواثَقوا أن لا يفِرُّوا من العربِ وقد قُرِنَ بعضُهم إلى بعضٍ حتى كان سبعةٌ في قرانٍ وألقَوا حَسَك َالحديدِ خلفَهم وقالوا من فرَّ منا عقرَهُ حسَكُ الحديدِ فقال المُغيرةُ بنُ شعبةَ حين رأى كثرتَهم لم أرَ كاليومِ قتيلًا إنَّ عدوَّنا يتركون أن يتنامُوا فلا يعجَلوا أما واللهِ لو أن الأمرَ إليَّ لقد أعجلتُهم به قال وكان النعمانُ رجلًا بكَّاءً فقال قد كان اللهُ جلَّ وعز يشهدك أمثالَها فلا يحزِنك ولا يَعيبُك موقفُك وإني واللهِ ما يمنعني أن أناجزَهم إلا بشيءٍ شهدتُه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان إذا غزا فلم يقاتلْ أول َالنهارِ لم يعجلْ حتى تحضرَ الصلواتُ وتهبَّ الأرواحُ ويطيبَ القتالُ ثم قال النعمانُ اللهمَّ إني أسألك أن تقَرَّ عيني بفتحٍ يكون فيه عزُّ الإسلامِ وأهلِه وذُل ُّالكفرِ وأهلِه ثم اختِمْ لي على أثرِ ذلك بالشهادةِ ثم قال أمِّنُوا يرحمْكم اللهُ فأمَّنَّا وبكى وبكَينا فقال النعمانُ إني هازٌّ لوائي فتيسَّروا للسِّلاحِ ثم هازُّه الثانيةَ فكونوا مُتيسِّرينَ لقتالِ عدوِّكم بإزاركِم فإذا هززتُه الثالثةَ فليحملْ كلُّ قومٍ على من يلِيهم من عدوِّهم على بركةِ اللهِ قال فلما حضرتِ الصلاةُ وهبَّتِ الأرواحُ كبَّر وكبَّرْنا وقال ريحُ الفتحِ واللهِ إن شاء اللهُ وإني لأرجو أن يستجيبَ اللهُ لي وأن يفتحَ علينا فهزَّ اللواءَ فتيسَّروا ثم هزَّها الثانيةَ ثم هزَّها الثالثة فحملْنا جميعًا كلُّ قومٍ على من يلِيهم وقال النعمانُ إن أنا أُصبتُ فعلى الناسِ حذيفةُ بنُ اليمانِ فإن أُصيبَ حذيفةُ ففلانٌ فإن أُصيبَ فلانٌ ففلانٌ حتى عدَّ سبعة آخرُهم المغيرةُ بنُ شعبةَ قال أبي فواللهِ ما علمتُ من المسلمينَ أحدًا يحبُّ أن يرجعَ إلى أهلهِ حتى يقتلَ أو يظفرَ فثبَتوا لنا فلم نسمعْ إلا وقعَ الحديدِ على الحديدِ حتى أُصيبَ في المسلمين عصابةٌ عظيمةٌ فلما رأَوْا صبرَنا ورأَوْنا لا نريد أن نرجعَ انهزموا فجعل يقعُ الرجلُ فيقعُ عليه سبعةٌ في قِرانٍ فيُقتلون جميعًا وجعل يعقرهُم حَسكُ الحديدِ خلفَهم فقال النعمانُ قدِّموا اللواءَ فجعلْنا نُقدِّمُ اللواءَ فنقتُلهم ونهزمُهم فلما رأى النعمانُ قد استجاب اللهُ له ورأى الفتحَ جاءتهُ نشَّابةٌ فأصابتْ خاصرتَه فقتلتْه فجاء مَعقِلُ بنُ مُقرِّنٍ فسجَّى عليه ثوبًا وأخذ اللواءَ فتقدم ثم قال تقدَّموا رحمَكم اللهُ فجعلْنا نتقدَّمُ فنهزمُهم ونقتلُهم فلما فرغْنا واجتمع الناسُ قالوا أين الأميرُ فقال مَعقلٌ هذا أميرُكم قد أقرَّ اللهُ عينَه بالفتحِ وختم له بالشهادةِ فبايع الناسُ حُذيفةَ بنَ اليمانِ قال وكان عمرُ بنُ الخطابِ رِضوانُ اللهِ عليه بالمدينةِ يدعو اللهَ وينتظرُ مثل صيحةِ الحُبلَى فكتب حذيفةُ إلى عمرَ بالفتحِ مع رجلٍ من المسلمينَ فلما قدم عليه قال أَبْشِرْ يا أميرَ المؤمنين بفتحٍ أعزَّ اللهُ فيه الإسلامَ وأهلَه وأذلَّ فيه الشركَ وأهلَه وقال النعمانُ بعثك قال احتسِبِ النعمانَ يا أميرَ المؤمنين فبكى عمرُ واسترجعَ فقال ومن ويحَك قال فلانٌ وفلانٌ حتى عدَّ ناسًا ثم قال وآخرين يا أميرَ المؤمنين لا تعرفُهم فقال عمرُ رِضوانُ اللهِ عليه وهو يبكي لا يضرّهم أن لا يعرفَهم عمرُ لكنَّ اللهَ يعرفُهم
خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح رجاله ثقات
الراوي : النعمان بن مقرن | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة الصفحة أو الرقم : 6/785
التخريج : أخرجه ابن حبان (4756)، والطبري في ((تاريخه)) (4/ 117) واللفظ لهما.
التصنيف الموضوعي: سرايا - السرايا سرايا - تأمير الأمراء على البعوث والسرايا ووصيتهم مغازي - موقعة نهاوند مناقب وفضائل - النعمان بن مقرن سرايا - ترتيب السرايا والجيوش
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح الحديث

أصول الحديث:


الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (11/ 64)
: 4756 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا محمد بن خلف العسقلاني، قال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا مبارك بن فضالة، قال: حدثنا زياد بن جبير بن حية، قال: أخبرني أبي، أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، قال للهرمزان: أما إذا فتني بنفسك فانصح لي، وذلك أنه قال له تكلم لا بأس، فأمنه، فقال الهرمزان: نعم إن فارس اليوم رأس وجناحان، قال: فأين الرأس؟ قال: بنهاوند مع بنذاذقان، فإن معه أساورة كسرى، وأهل أصفهان، قال: فأين الجناحان، فذكر الهرمزان مكانا نسيته، فقال الهرمزان: فاقطع الجناحين توهن الرأس، فقال له عمر رضوان الله عليه: كذبت يا عدو الله، بل أعمد إلى الرأس فيقطعه الله، وإذا قطعه الله عني انفض عني الجناحان، فأراد عمر أن يسير إليه بنفسه، فقالوا: نذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تسير بنفسك إلى العجم، فإن أصبت بها لم يكن للمسلمين نظام، ولكن ابعث الجنود، قال: فبعث أهل المدينة، وبعث فيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، وبعث المهاجرين والأنصار، وكتب إلى أبي موسى الأشعري، أن سر بأهل البصرة، وكتب إلى حذيفة بن اليمان، أن سر بأهل الكوفة، حتى تجتمعوا جميعا بنهاوند، فإذا اجتمعتم، فأميركم النعمان بن مقرن المزني، قال: فلما اجتمعوا بنهاوند جميعا أرسل إليهم بنذاذقان العلج : أن أرسلوا إلينا يا معشر العرب رجلا منكم نكلمه، فاختار الناس المغيرة بن شعبة، قال أبي: فكأني أنظر إليه رجل طويل، أشعر أعور، فأتاه، فلما رجع إلينا سألناه، فقال لنا: إني وجدت العلج قد استشار أصحابه في أي شيء تأذنون لهذا العربي أبشارتنا وبهجتنا وملكنا أو نتقشف له، فنزهده عما في أيدينا؟، فقالوا: بل نأذن له بأفضل ما يكون من الشارة والعدة، فلما أتيتهم رأيت تلك الحراب، والدرق يلتمع منه البصر، ورأيتهم قياما على رأسه، وإذا هو على سرير من ذهب، وعلى رأسه التاج، فمضيت كما أنا، ونكست رأسي لأقعد معه على السرير، قال: فدفعت ونهرت، فقلت إن الرسل لا يفعل بهم هذا، فقالوا لي: إنما أنت كلب أتقعد مع الملك؟، فقلت: لأنا أشرف في قومي من هذا فيكم، قال: فانتهرني، وقال: اجلس، فجلست، فترجم لي قوله، فقال: يا معشر العرب إنكم كنتم أطول الناس جوعا، وأعظم الناس شقاء، وأقذر الناس قذرا، وأبعد الناس دارا، وأبعده من كل خير، وما كان منعني أن آمر هؤلاء الأساورة حولي، أن ينتظموكم بالنشاب، إلا تنجسا بجيفكم لأنكم أرجاس، فإن تذهبوا نخلي عنكم، وإن تأبوا نركم مصارعكم، قال المغيرة: فحمدت الله وأثنيت عليه، وقلت: والله ما أخطأت من صفتنا ونعتنا شيئا، إن كنا لأبعد الناس دارا وأشد الناس جوعا وأعظم الناس شقاء وأبعد الناس من كل خير حتى بعث الله إلينا رسولا، فوعدنا النصر في الدنيا والجنة في الآخرة فلم نزل نتعرف من ربنا مذ جاءنا رسوله صلى الله عليه وسلم، الفلج، والنصر، حتى أتيناكم، وإنا والله نرى لكم ملكا وعيشا لا نرجع إلى ذلك الشقاء أبدا، حتى نغلبكم على ما في أيديكم، أو نقتل في أرضكم، فقال: أما الأعور، فقد صدقكم الذي في نفسه، فقمت من عنده، وقد والله أرعبت العلج جهدي، فأرسل إلينا العلج إما أن تعبروا إلينا بنهاوند، وإما أن نعبر إليكم، فقال النعمان: اعبروا، فعبرنا قال أبي: فلم أر كاليوم قط، إن العلوج يجيئون، كأنهم جبال الحديد، وقد تواثقوا أن لا يفروا من العرب، وقد قرن بعضهم إلى بعض، حتى كان سبعة في قران، وألقوا حسك الحديد خلفهم، وقالوا: من فر منا عقره حسك الحديد، فقال المغيرة بن شعبة حين رأى كثرتهم: لم أر كاليوم فشلا، إن عدونا يتركون أن يتتاموا، فلا يعجلوا أما، والله لو أن الأمر إلي لقد أعجلتهم به قال: وكان النعمان رجلا بكاء، فقال: قد كان الله جل وعلا يشهدك أمثالها فلا يخزيك ولا يعري موقفك، وإنه والله ما منعني أن أناجزهم، إلا لشيء شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذ غزا فلم يقاتل أول النهار لم يعجل حتى تحضر الصلوات وتهب الأرواح، ويطيب القتال، ثم قال النعمان: اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام، وأهله وذل الكفر وأهله، ثم اختم لي على إثر ذلك بالشهادة، ثم قال: أمنوا يرحمكم الله، فأمنا وبكى وبكينا، ثم قال النعمان: إني هاز لوائي فتيسروا للسلاح، ثم هازه الثانية، فكونوا متيسرين لقتال عدوكم بإزائهم، فإذا هززته الثالثة، فليحمل كل قوم على من يليهم من عدوكم على بركة الله، قال: فلما حضرت الصلاة وهبت الأرواح كبر وكبرنا، وقال ريح الفتح والله إن شاء الله، وإني لأرجو أن يستجيب الله لي وأن يفتح علينا فهز اللواء فتيسروا، ثم هزه الثانية، ثم هزه الثالثة، فحملنا جميعا كل قوم على من يليهم، وقال النعمان: إن أنا أصبت فعلى الناس حذيفة بن اليمان، فإن أصيب حذيفة، ففلان، فإن أصيب فلان ففلان حتى عد سبعة آخرهم المغيرة بن شعبة، قال أبي: فوالله ما علمت من المسلمين أحدا، يحب أن يرجع إلى أهله، حتى يقتل أو يظفر وثبتوا لنا، فلم نسمع إلا وقع الحديد على الحديد، حتى أصيب في المسلمين مصابة عظيمة، فلما رأوا صبرنا ورأونا لا نريد أن نرجع انهزموا، فجعل يقع الرجل، فيقع عليه سبعة في قران، فيقتلون جميعا، وجعل يعقرهم حسك الحديد خلفهم، فقال النعمان: قدموا اللواء فجعلنا نقدم اللواء فنقتلهم ونضربهم، فلما رأى النعمان، أن الله قد استجاب له ورأى الفتح جاءته نشابة، فأصابت خاصرته فقتلته، فجاء أخوه معقل بن مقرن فسجى عليه ثوبا وأخذ اللواء فتقدم به، ثم قال: تقدموا رحمكم الله، فجعلنا نتقدم فنهزمهم ونقتلهم، فلما فرغنا واجتمع الناس، قالوا: أين الأمير؟، فقال معقل: هذا أميركم قد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة، فبايع الناس حذيفة بن اليمان، قال: وكان عمر رضوان الله عليه بالمدينة يدعو الله، وينتظر مثل صيحة الحبلى، فكتب حذيفة، إلى عمر بالفتح مع رجل من المسلمين، فلما قدم عليه قال: أبشر يا أمير المؤمنين، بفتح أعز الله فيه الإسلام وأهله وأذل فيه الشرك وأهله، وقال: النعمان بعثك؟، قال: احتسب النعمان يا أمير المؤمنين، فبكى عمر واسترجع، وقال: ومن ويحك، فقال: فلان، وفلان، وفلان، حتى عد ناسا ثم قال وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم، فقال: عمر رضوان الله عليه، وهو يبكي لا يضرهم، أن لا يعرفهم عمر لكن الله يعرفهم.

تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/ 117)
: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا المبارك بن فضالة، عن زياد بن حدير، قال: حدثنى ابى، ان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، قال للهرمزان حين أمنه: لا بأس، انصح لي، قال: نعم، قال: إن فارس اليوم رأس وجناحان، قال: وأين الرأس؟ قال: بنهاوند مع بندار، فإن معه أساورة كسرى وأهل إصبهان، قال: وأين الجناحان؟ فذكر مكانا نسيته، قال: فاقطع الجناحين يهن الرأس. فقال عمر: كذبت يا عدو الله! بل أعمد إلى الرأس فأقطعه، فإذا قطعه الله لم يعص عليه الجناحان قال: فأراد أن يسير إليه بنفسه، فقالوا: نذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تسير بنفسك إلى حلبة العجم، فإن أصبت لم يكن للمسلمين نظام، ولكن ابعث الجنود، فبعث أهل المدينة فيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، وفيهم المهاجرون والأنصار، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن سر بأهل البصرة، وكتب إلى حذيفة بن اليمان أن سر بأهل الكوفة حتى تجتمعوا جميعا بنهاوند، وكتب: إذا التقيتم فأميركم النعمان بن مقرن المزني، فلما اجتمعوا بنهاوند، أرسل بندار العلج إليهم: أن أرسلوا إلينا رجلا نكلمه، فأرسلوا إليه المغيرة بن شعبة قال أبي: كأني أنظر إليه، رجلا طويل الشعر أعور، فأرسلوه إليه، فلما جاء سألناه، فقال: وجدته قد استشار أصحابه، فقال: بأي شيء نأذن لهذا العربي؟ بشارتنا وبهجتنا وملكنا، أو نتقشف له فيما قبلنا حتى يزهد؟ فقالوا: لا، بل بأفضل ما يكون من الشارة والعدة، فتهيئوا بها، فلما أتيناهم كادت الحراب والنيازك يلتمع منها البصر، فإذا هم على رأسه مثل الشياطين، وإذا هو على سرير من ذهب على رأسه التاج قال: فمضيت كما أنا ونكست، قال: فدفعت ونهنهت، فقلت: الرسل لا يفعل بهم هذا، فقالوا: إنما أنت كلب، فقلت: معاذ الله! لأنا أشرف في قومي من هذا في قومه، فانتهرونى، وقالوا: اجلس، فأجلسوني قال- وترجم له قوله: إنكم معشر العرب أبعد الناس من كل خير، وأطول الناس جوعا، وأشقى الناس شقاء، وأقذر الناس قذرا، وأبعده دارا، وما منعني أن آمر هؤلاء الأساورة حولي أن ينتظموكم بالنشاب إلا تنجسا لجيفكم، فإنكم أرجاس، فإن تذهبوا نخل عنكم، وان تأتوا نركم مصارعكم، قال: فحمدت الله، وأثنيت عليه، فقلت: والله ما أخطأت من صفتنا شيئا، ولا من نعتنا، إن كنا لأبعد الناس دارا، وأشد الناس جوعا، وأشقى الناس شقاء، وأبعد الناس من كل خير، حتى بعث الله عز وجل إلينا رسوله ص، فوعدنا النصر في الدنيا، والجنة في الآخرة، فو الله ما زلنا نتعرف من ربنا منذ جاءنا رسوله الفتح والنصر، حتى أتيناكم، وإنا والله لا نرجع إلى ذلك الشقاء أبدا حتى نغلبكم على ما في أيديكم، أو نقتل بأرضكم فقال: أما والله إن الأعور قد صدقكم الذي في نفسه قال: فقمت وقد والله أرعبت العلج جهدي قال: فأرسل إلينا العلج: إما أن تعبروا إلينا بنهاوند، وإما أن نعبر إليكم فقال النعمان: اعبروا، قال أبي: فلم أر والله مثل ذلك اليوم، إنهم يجيئون كأنهم جبال حديد، قد تواثقوا ألا يفروا من العرب، وقد قرن بعضهم بعضا، سبعة في قران، وألقوا حسك الحديد خلفهم، وقالوا: من فر منا عقره حسك الحديد. فقال المغيرة حين رأى كثرتهم: لم أر كاليوم فشلا، إن عدونا يتركون يتأهبون لا يعجلون، أما والله لو أن الأمر لي لقد أعجلتهم- وكان النعمان بن مقرن رجلا لينا- فقال له: فالله عز وجل يشهدك أمثالها فلا يحزنك ولا يعيبك موقفك، إنه والله ما منعني من أن أناجزهم إلا شيء شهدته من رسول الله ص، أن رسول الله كان إذا غزا فلم يقاتل أول النهار لم يعجل حتى تحضر الصلاة، وتهب الأرواح، ويطيب القتال، فما منعني إلا ذلك. اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام، وذل يذل به الكفار، ثم اقبضني إليك بعد ذلك على الشهادة، أمنوا يرحمكم الله!. فأمنا وبكينا ثم قال: إني هاز لوائي فتيسروا للسلاح، ثم هاز الثانية، فكونوا متأهبين لقتال عدوكم، فإذا هززت الثالثة فليحمل كل قوم على من يليهم من عدوهم على بركة الله. قال: وجاءوا بحسك الحديد قال: فجعل يلبث حتى إذا حضرت الصلاة وهبت الأرواح كبر وكبرنا، ثم قال: أرجو أن يستجيب الله لي، ويفتح علي، ثم هز اللواء فتيسرنا للقتال، ثم هزه الثانية فكنا بإزاء العدو، ثم هزه الثالثة. قال: فكبر وكبر المسلمون، وقالوا: فتحا يعز الله به الإسلام وأهله، ثم قال النعمان: إن أصبت فعلى الناس حذيفة بن اليمان، وإن أصيب حذيفة ففلان، وإن أصيب فلان ففلان، حتى عد سبعة آخرهم المغيرة، ثم هز اللواء الثالثة، فحمل كل إنسان على من يليه من العدو قال: فو الله ما علمت من المسلمين أحدا يومئذ يريد أن يرجع إلى أهله، حتى يقتل أو يظفر، فحملنا حملة واحدة، وثبتوا لنا، فما كنا نسمع إلا وقع الحديد على الحديد، حتى أصيب المسلمون بمصائب عظيمة، فلما رأوا صبرنا وأنا لا نبرح العرصة انهزموا، فجعل يقع الواحد فيقع عليه سبعة، بعضهم على بعض في قياد، فيقتلون جميعا، وجعل يعقرهم حسك الحديد الذي وضعوا خلفهم. فقال النعمان رضي الله عنه: قدموا اللواء، فجعلنا نقدم اللواء، ونقتلهم ونهزمهم فلما رأى أن الله قد استجاب له ورأى الفتح، جاءته نشابة فأصابت خاصرته، فقتلته قال: فجاء أخوه معقل فسجى عليه ثوبا، وأخذ اللواء فقاتل، ثم قال: تقدموا نقتلهم ونهزمهم، فلما اجتمع الناس قالوا: أين أميرنا؟ قال معقل: هذا أميركم، قد أقر الله عينه بالفتح، وختم له بالشهادة قال: فبايع الناس حذيفة وعمر بالمدينة يستنصر له، ويدعو له مثل الحبلى. قال: وكتب إلى عمر بالفتح مع رجل من المسلمين، فلما أتاه قال له: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح أعز الله به الإسلام وأهله، وأذل به الكفر وأهله قال: فحمد الله عز وجل، ثم قال: النعمان بعثك؟ قال: احتسب النعمان يا أمير المؤمنين، قال: فبكى عمر واسترجع قال: ومن ويحك! قال: فلان وفلان، حتى عد له ناسا كثيرا، ثم قال: وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم، فقال عمر وهو يبكي: لا يضرهم ألا يعرفهم عمر، ولكن الله يعرفهم.