موسوعة الفرق

المَبحَثُ الرَّابعُ: أوجُهُ تَشابُهٍ بَينَ التَّصَوُّفِ والفَلسَفةِ الصِّينيَّةِ  


ظَهَرَتِ الحِكمةُ الصِّينيَّةُ قديمًا في القَرنِ السَّابعِ قَبلَ الميلادِ؛ حَيثُ عاشَ المُفكِّرُ ؤتسه في ذلك القَرنِ، وهو زاهدٌ مُتَقَشِّفٌ يَرفُضُ المُتَعَ البَشَريَّةَ ويُريدُ الإصلاحَ لقَومِه، ويَدعو إلى تَركِ العَمَلِ والتَّخَلِّي عنِ الشَّهَواتِ وحاجاتِ الجَسَدِ المادِّيَّةِ، وقد عاصَرَ أيضًا حَكيمَ الصِّينِ الأكبَرَ (كونفوشيوس)، وقد كان مُفكِّرًا ومُصلِحًا اجتِماعيًّا.
وحينَ عَجزَ ؤتسه عن إصلاحِ قَومِه، ويَئِسَ من ذلك نَزَعَ إلى العُزلةِ والهجرةِ، وحينَ طَلبَ منه رَجُلٌ أن يَترُكَ له كِتابًا تَرَك له كِتابَ (تآوته،) وهذا الاسمُ يَتَكَوَّنُ من مَقطَعَينِ: (تآو) ومَعناها الطَّريقُ الرُّوحيُّ، (ته) النِّعمةُ أوِ اللُّطفُ الإلهيُّ. وهي ذاتُ دَلالةٍ صوفيَّةٍ تَشتَمِلُ على الأخلاقِ، وفلسَفةِ الحَياةِ، وعِلَّةِ الوُجودِ، ونِظامِ الطَّبيعةِ الخالِدِ بزَعمِهم.
وقد أكسَبَ ؤتسه هذه الكَلِمةَ مَعانيَ جَديدةً حينَ زَعَمَ أنَّ الإنسانَ يَستَطيعُ الاتِّصالَ بالتَّآو عن طَريقِ التَّجَرُّدِ منَ الشَّهَواتِ، وعن طَريقِ الرِّياضةِ الصُّوفيَّةِ وتَركِ الزَّهوِ وهَجرِ الشُّعورِ الذَّاتيِّ، فبذلك يَنجو من شِركِ المادَّةِ (الجَسَدِ)، ويَتَرَفَّعُ عن حَواجِزِ المَكانِ والزَّمانِ، ويَكونُ بُلوغُ التَّآو في ثَلاثِ مَراحِلَ:
1- تَزكيةُ النَّفسِ وتَطهيرُها.
2- الإشراقُ.
3- الاتِّصالُ والاتِّحادُ.
والمُلاحَظُ أنَّ هذه الأفكارَ والمَعانيَ مَوجودةٌ في التَّصَوُّفِ؛ فالعُزلةُ وتَعذيبُ الجَسَدِ وفِكرةُ اللُّطفِ واعتِزالُ الشَّهَواتِ والطَّهارةُ والتَّزكيةُ والاتِّحادُ، قد مُلئَت كُتُبُ التَّصَوُّفِ بها.
كما يُلاحَظُ أنَّ الإشراقَ الصِّينيَّ هو فِكرةٌ شَبيهةٌ بالكَشفِ عِندَ الصُّوفيَّةِ، وأنَّ الاتِّصالَ والاتِّحادَ شَبيهٌ بالفَناءِ عِندَ الصُّوفيَّةِ.

انظر أيضا: