المطلبُ الثَّالِثُ: فلسَفةُ الأعدادِ والحُروفِ
إنَّ فلسَفةَ القَرامِطةِ حَولَ الأعدادِ والحُروفِ ومَدلولِها فلسَفةٌ مُعَقَّدةٌ، ومن ثمَّ فهي إلى النَّقصِ والالتِواءِ والانحِرافِ أقرَبُ. وقد حاوَلوا تَفسيرَ هذا الكَونِ بناءً على ذلك؛ حَيثُ يَرَونَ أنَّ نِظامَ تَعَدُّدِ الأشياءِ في الكَونِ له دَلالاتٌ مُعَيَّنةٌ، وهي في تَقديرِهم تُشيرُ إلى أصولِ العَقيدةِ الإسماعيليَّةِ التي يَدينونَ بها؛ فالعَدَدُ السَّابِعُ مثلًا يَعتَبِرونَه من أهمِّ الأعدادِ، وقد بَنَوا عليه كثيرًا من أصولِهم.
فمِمَّا قالوا عنه: إنَّه مُنتَهى العالَمَينِ الجِرمانيِّ والجُسمانيِّ وبدايةُ العالَمِ الرُّوحانيِّ العُلويِّ، وإنَّه مَجمَعٌ لخَواصِّ الأعدادِ المُستَقِلَّةِ التي هي قَبلَه وبَعدَه؛ لأنَّه مَجموعُها وحاصِلُها وحائِزٌ على جَميعِ لَوازِمِها، فإنَّه إذا جُمِعَ العَدَدُ الأوَّلُ الذي هو الفَردُ مِنَ الابتِداءِ مَعَ العَدَدِ المُزدَوَجِ الذي في الانتِهاءِ وهو السِّتَّةُ كان الحاصِلُ سَبعةً، وإذا جَمَعنا العَدَدَ الثَّانيَ المُزدَوَجَ وهو الاثنَانِ مَعَ العَدَدِ الفَردِ الذى هو الخَمسةُ كان العَدَدُ سَبعةً. ثُمَّ إنَّا إذا جَمَعَنا العَدَدَ الثَّالِثَ الذي هو الفَردُ مَعَ العَدَدِ المُزدَوَجِ الذي هو الأربَعةُ كان الحاصِلُ سَبعةً
[3183] يُنظر: ((الخلفية العقائدية)) لفضيلة (ص: 272). .
ومِمَّا يَستَدِلُّونَ به على أهَمِّيَّةِ العَدَدِ السَّابِعِ قَولُهم: إنَّ غالِبَ ما في الكَونِ من سَماواتٍ وأرَضينَ وأفلاكٍ يَدُلُّ عليه؛ فالسَّمَواتُ سَبعٌ، والنُّجومُ السَّيَّارةُ سَبعةٌ، وهى زُحَلُ، والمُشتَري، والمِرِّيخُ، والشَّمسُ، والزُّهَرةُ، وعُطارِدُ، والقَمَرُ
[3184] يُنظر: ((فضائح الباطنية)) للغزالي (ص: 16). . والأرَضونَ سَبعٌ، وأيَّامُ الأسبوعِ سَبعةٌ. وإنَّه يوجَدُ في الإنسانِ سَبعُ قوًى روحانيَّةٍ، وهى: الباصِرةُ- والشَّامَّةُ- والذَّائِقةُ- والسَّامِعةُ- واللَّامِسةُ- والنَّاطِقةُ- والعاقِلةُ.
كما أنَّ المَوجوداتِ التي يَتَألَّفُ منها عالَمُ الطَّبيعةِ سَبعةٌ، وهي: النَّارُ والهَواءُ والماءُ والتُّرابُ، مضافًا إليها المتولَّداتُ الثَّلاثُ، وهي المَعدِنُ والنَّباتُ والحَيَوانُ. وهكذا يَسرُدونَ أنماطًا مِنَ المَخلوقاتِ على هذا العَدَدِ، ويَبنونَ عليه بالتَّالي بَعضَ الآراءِ والمُعتَقَداتِ التي يَعتَبِرونَها أساسًا ومُنطَلَقًا في تَصَوُّراتِهم وأفكارِهم.
ومِن ذلك اعتِقادُهم بما يُسَمُّونَه أدوارَ النُّطَقاءِ والمُشَرِّعينَ؛ فعَدَدُهم سَبعٌ، وهم آدَمُ، ونوحٌ، وإبراهيمُ، ومَوسى، وعيسى، ومُحَمَّدٌ، عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ، وسابِعُهم القائِمُ، وهو مُحَمَّدُ بنُ إسماعيلَ بنِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ، وهؤلاء هم المُختَصُّونَ بالتَّنزيلِ، كما بَنَوا على العَدَدِ سَبعةً أنَّ الأسُسَ مِنَ الأئِمَّةِ سَبعةٌ، وهم: شيثٌ، وسامٌ، وإسماعيلُ، وهارونُ، وشَمعونُ، وعَليٌّ، والقائِمُ المَهديُّ، وهؤلاء اختصُّـوا بالتَّأويلِ||hamish||3185||/hamish||.
كما بَنَوا عليه أيضًا أنَّ أركانَ الإسلامِ قامَت على سَبعِ دَعائِمَ، وهي الوِلايةُ، والطَّهارةُ، والصَّلاةُ، والزَّكاةُ، والصَّومُ، والحَجُّ، والجِهادُ، وكَذلك الأئِمَّةُ يُسَمُّونَهم بالحُدودِ السَّبعةِ، وهم
الحَسَنُ ، والحُسَينُ، و
عَليٌّ زَينُ العابِدينَ ، ومُحَمَّدٌ الباقِرُ، و
جَعفَرٌ الصَّادِقُ ، وإسماعيلُ، ومُحَمَّدُ بنُ إسماعيلَ||hamish||3186||/hamish||.
ويَقولونَ: إنَّ فضائِلَ النَّفسِ في الحَيِّ النَّاطِقِ سَبعٌ، وهي: العِلمُ، والعَدلُ، والعِفَّةُ، والجودُ، والشَّجاعةُ، والرَّحمةُ، والصِّدقُ. ويَقولونَ أيضًا: إنَّ الفَضلَ الذي خُصَّ به البَشَرُ سَبعةُ أقسامٍ، لكُلِّ قِسمٍ سَبعٌ مِنَ الشَّعبِ||hamish||3187||/hamish||.
وهكذا نَجِدُ أنَّ هذا العَدَدَ يَدخُلُ في كثيرٍ من حَياتِهم العَقليَّةِ والعَمَليَّةِ، ونَتيجةً لاعتِقادِهم الكَثيرَ في هذا العَدَدِ لُقِّبوا به؛ حَيثُ إنَّ للقَرامِطةِ عِدَّةَ ألقابٍ، ومنها السَّبعيَّةُ||hamish||3188||/hamish||.
قال مُحَمَّد حُسَين: (إنَّ الإسماعيليَّةَ أخَذوا ما قاله الفَلاسِفةُ الفيثاغوريُّون القُدَماءُ الذين جَعَلوا كُلَّ الأعدادِ أصولًا لعَقيدَتِهم، ولم يَقِفوا على عَدَدٍ بعَينِه)
[3189] ((طائفة الإسماعيلية)) (ص: 174). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش