موسوعة الفرق

المبحَثُ الثَّاني: أبرَزُ كُتُبِ الأشاعرَةِ


من أبرَزِ الكُتُبِ المعتَمَدةِ لدى الأشاعِرةِ:
1- (تمهيدُ الأوائِلِ وتلخيصُ الدَّلائِلِ) لأبي بكرٍ محمَّدِ بنِ الطَّيِّبِ المعروفِ بابنِ الباقِلَّانيِّ (ت: 403هـ).
الباقِلَّانيُّ هو الذي وضَع بناءَ العقيدةِ الأشعريَّةِ وجَعَل لها نظامًا مؤسَّسًا على الطَّريقةِ الجَدَليَّةِ؛ لهذا عدَّه ابنُ تيميَّةَ أفضَلَ المتكلِّمين المنتَسِبين لأبي الحَسَنِ الأشعَريِّ يُنظر: ((علم الكلام)) لصبحي (2/ 90). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (القاضي أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ الطَّيِّبِ ‌الباقِلَّانُّي المتكَلِّمُ، وهو أفضَلُ المتكَلِّمين المنتَسِبين إلى الأشعريِّ، ليس فيهم مثلُه لا قَبلَه ولا بَعدَه) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 98). .
ويُعدُّ كتابُه "التَّمهيدُ" من أشهَرِ كُتُبِه التي وصلت إلينا، وقد جمع فيه الرُّدودَ على الفِرَقِ المخالِفةِ لمذهَبِ الأشاعِرةِ، إضافةً إلى ضَمِّه معظَمَ المسائِلِ الكلاميَّةِ التي وقع فيها نزاعٌ بَينَ أهلِ القبلةِ، مع مناقشةِ بعضِ آراءِ الأديانِ الأُخرى يُنظر: ((المصادر الأصلية المطبوعة للعقيدة الأشعرية)) للغزي (ص: 215). .
وقد ركَّز الباقِلَّانيُّ في كتابِه هذا على الحِجاجِ العَقليِّ، والرُّدودِ الطَّويلةِ على المنَجِّمين، والثَّنَويَّةِ، والدِّيصانيَّةِ، والمجوسِ، والبراهِمةِ، واليهودِ، والنَّصارى، وغيرِهم، وفَصَّل في مسائِلِ الصِّفاتِ والقَدَرِ وغيرِها على وَفقِ مذهَبِ الأشاعِرةِ يُنظر: ((موقف ابن تيمية من الأشاعرة)) للمحمود (2/ 530). .
2- (مقالاتُ الشَّيخِ أبي الحسَنِ الأشعريِّ إمامِ أهلِ السُّنَّةِ)، لمحمَّدِ بنِ الحَسَنِ ابنِ فُورَكٍ (ت 406هـ).
تكمُنُ أهميَّةُ مُؤَلِّفِه ابنِ فُورَكٍ في أنَّه يُعدُّ أحَدَ المصادِرِ الأساسيَّةِ للعقيدةِ الأشعَريَّةِ؛ فإنَّ كُتُبَ أبي الحَسَنِ الأشعريِّ نفسِه لا تصلُحُ لمعرفةِ المذهَبِ الأشعَريِّ بسِماتِه المستَقِرَّةِ عليه الآنَ أو حتَّى المعروفةِ في القرونِ السَّابقةِ؛ فقام ابنُ فُورَكٍ في كتابِه هذا بضَمِّ أبحاثٍ كثيرةٍ من أبحاثِ عِلمِ الكلامِ كالحقيقةِ والمجازِ، والأسماءِ والصِّفاتِ، وحُدوثِ العالَمِ، ومسألةِ الكلامِ، والإرادةِ، ورُؤيةِ اللهِ، وخَلقِ أفعالِ العبادِ، وغيرِ ذلك يُنظر: ((قراءة في المصادر الأولى لفرقتي المعتزلة والأشاعرة)) لرامي (ص: 92). ، وصار يُعَدُّ أهَمَّ مصدَرٍ لكُتُبِ أبي الحسَنِ الأشعَريِّ المفقودةِ يُنظر: ((الإمام الأشعري حياته وأطواره العقدية)) للعصيمي (ص: 291)، ((موقف ابن تيمية من الأشاعرة)) للمحمود (1/ 358- 361). .
إلَّا أنَّ منهَجَ ابنِ فُورَكٍ في كتابِه هذا وطريقتَه في النَّقلِ لم تَسلَمْ من ملاحظةٍ جَوهريَّةٍ تُؤَثِّرُ على مدى مصداقيَّةِ ما يَنسُبُه إلى أبي الحَسَنِ الأشعَريِّ من آراءٍ؛ فقد قال في المقَدِّمةِ: (أمَّا بعدُ، فقد وقفتُ على ما سألتُم -أسعَدكم اللهُ بطاعتِه- مِن شِدَّةِ حاجتِكم إلى الوقوفِ على أصولِ مذاهِبِ شَيخِنا أبي الحَسَنِ عليِّ بنِ إسماعيلَ الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، وما تُبنى عليه أدِلَّتُه وحُجَجُه على المخالِفين، وأنْ أجمَعَ لكم منها مُتفَرِّقَها في كتُبِه ما يوجَدُ منها منصوصًا له. وما لا يوجَدُ منصوصًا له أجَبْنا فيه على حَسَبِ ما يليقُ بأصولِه وقواعِدِه، وأعَرِّفُكم مع ذلك ما اختَلَف قولُه فيه في كتُبِه، وما قطَع به منهما. وما لم يَقطَعْ بأحدِهما ورأينا أنَّ أحَدَهما أولى بمذهَبِه وأليقُ بأصولِه، فنبَّهْنا عليه) ((مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري)) (ص: 9). .
ثمَّ قال في الخاتمةِ: (قد كُنَّا شرَطْنا في أوَّلِ الكتابِ أنَّا نذكُرُ ما وجَدْنا عنه فيه نَصًّا منه عليه في كتابٍ له معروفٍ، وننسُبُه إلى ذلك الكتابِ إذا لم يكُنْ ذلك من المشهورِ الذي لا يحتاجُ إلى ذِكرِه الحكايةُ عنه لشُهرتِه، وإن لم نجِدْ عنه فيه نصًّا عليه ووجَدْنا أصولَه تشهَدُ بذلك وقواعِدَه عليه تُبنى، نسَبْناه إليه على هذا الوَجهِ، وما وجَدْنا له معنى ما حكيناه عنه أضَفْناه إليه على أنَّه معنى مذهَبِه، وقُلْنا في جميعِ ذلك: إنَّه كان يقولُ كذا وكذا، وتفصيلُ ذلك على الوَجهِ الذي بَيَّنَّا، وطريقُنا في نسبةِ ذلك إليه من جهةِ القولِ ومن طريقِ أنَّه قال- جاريةٌ على الرَّسمِ الذي كشَفْنا عنه) ((مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري)) (ص: 338-339). .
فمِن هذَينِ النَّصَّينِ يتبيَّنُ أنَّه أجاز لنَفسِه أن ينسُبَ إلى أبي الحَسَنِ الأشعَريِّ مالم يَقُلْه، وكان الأَولى أن ينقُلَ نصوصَ الأشعريِّ من كُتُبِه، ثمَّ يُضيفَ أو يُعَلِّقَ عليها.
3- (أصولُ الدِّينِ)، لأبي منصورٍ عبدِ القاهِرِ بنِ طاهِرٍ البغداديِّ (ت 429هـ).
مؤلِّفُ الكتابِ أبو منصورٍ البغداديُّ يُعتَبَرُ أحَدَ المصادِرِ المهِمَّةِ في معرفةِ آراءِ الطَّبَقةِ الأولى من رجالاتِ المذهَبِ الأشعريِّ يُنظر: ((المصادر الأصلية المطبوعة للعقيدة الأشعرية)) للغزي (ص: 218). .
وغرَضُه من هذا الكتابِ هو بيانُ عقيدةِ الأشاعرةِ؛ لذا اعتنى اعتناءً جَيِّدًا بسَردِ آراءِ الأشاعرةِ ملخَّصةً يُصَدِّرُ بها المسألةَ التي يذكُرُها، ثمَّ بعدَ ذلك يتعرَّضُ لِمن خالفَه فيها، ويدخُلُ معهم في نقاشٍ ليُثبِتَ في الأخيرِ رأيَ الأصحابِ، الذي يعني بهم الأشاعرةَ يُنظر: ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: 24). .
وهذا الكتابُ في حقيقةِ الأمرِ يُعتَبَرُ من الكتُبِ الشَّامِلةِ الواضِحةِ لعقيدةِ الأشاعِرةِ مع مِيزةِ نَقلِه لآراءِ جماعةٍ من أصحابِه ممَّا قد لا يوجَدُ في مرجِعٍ آخَرَ بشَكلٍ مُحكَمٍ وواضِحٍ يُنظر: ((قراءة في المصادر الأولى لفرقتي المعتزلة والأشاعرة)) لرامي (ص: 95). .
4- (الإرشادُ إلى قواعِدِ الأدِلَّةِ في أصولِ الاعتِقادِ)، لأبي المعالي عبدِ المَلِكِ الجُوَينيِّ (ت 478 هـ)
مؤلِّفُ الكتابِ أبو المعالي يُعتَبَرُ من أبرَزِ الشَّخصيَّاتِ في تاريخِ الفِكرِ الأشعَريِّ، وكتابُه هذا من الكُتُبِ المؤَثِّرةِ في المذهَبِ، بل اعتبَره البعضُ (الصِّيغةَ النِّهائيَّةَ للمَذهَبِ الأشعَريِّ) ((تاريخ الفلسفة الإسلامية)) لكوربن (ص: 203). .
وقال ابنُ تيميَّةَ واصفًا الإرشادَ: (قال أبو المعالي في "إرشادِه" المشهورِ الذي هو زَبُورُ المُستأخرينَ من أتباعِه) ((التسعينية)) (2/ 645- 645). .
ويرى عبدُ الرَّحمنِ بدوي أنَّ "الإرشاد" للجُوَينيِّ، إضافةً إلى كتابَيه "لُمَعُ الأدِلَّةِ" و"العقيدةُ النِّظاميَّةُ" فيها عَرضٌ لآرائِه وآراءِ الأشاعِرةِ دونَ أدِلَّتِها ودونَ الرُّدودِ على أقوالِ الخُصومِ، وهذا يجعَلُها تقريريَّةً مجرَّدةً خاليةً من الحِجاجِ العَقليِّ الدَّقيقِ، الذي هو من أخَصِّ خصائِصِ عِلمِ الكلامِ، في حينِ يتجَلَّى غنيًّا وفيرًا في كتابِه "الشَّامِل". ويستشهِدُ الجُوَينيُّ في عرضِه لمذهَبِ الأشاعرةِ بثلاثةٍ على وَجهِ التَّخصيصِ، هم: أبو الحَسَنِ الأشعريُّ المتوفَّى سنةَ: 324ه، ويشيرُ إليه عادةً بقَولِه: "شيخُنا"، وأبو بكرٍ الباقِلَّانيُّ المتوفَّى سنةَ 403ه، وكثيرًا ما يُشيرُ إليه بقولِه: "القاضي"، وأبو إسحاقَ الأَسْفَرايِينيُّ المتوفَّي سنةَ: 413ه، ويشيرُ إليه مِرارًا بقولِه: "الأستاذُ". وهو يعتَرِفُ بأنَّه يستَمِدُّ جُلَّ ما يورِدُه من حُجَجٍ وتقريراتٍ ممَّا كتبه مشايخُ المذهَبِ، وخصوصًا هؤلاء الثَّلاثةَ. ولم يصَرِّحْ بأنَّه أتى بجديدٍ إلَّا في مسألٍة واحدةٍ، وهي إيرادُه برهانًا من عندِه على إثباتِ استحالةِ حَوادِثَ لا أوَّلَ لها يُنظر: ((مذاهب الإسلاميين)) (ص: 699- 700). .
وعلى الكتابِ عِدَّةُ شُروحٍ مطبوعةٍ، منها:
1- (شَرحُ الإرشادِ في أصولِ الاعتقادِ)، لأبي بكرِ بنِ مَيمونٍ القُرطبيِّ (ت 567ه).
2- (شرحُ الإرشادِ في أصولِ الاعتقادِ)، للمُظفَّرِ بنِ عبدِ اللهِ المقترحِ (ت 612هـ).
3- (الإسعادُ في شرحِ الإرشادِ)، لعبدِ العزيزِ بنِ بزيزةَ التُّونسيِّ (ت 662هـ) يُنظر: ((المصادر الأصلية المطبوعة للعقيدة الأشعرية)) للغزي (ص: 225- 226). .
5- (الشَّامِلُ في أصولِ الدِّينِ)، لأبي المعالي عبدِ المَلِكِ الجُوَينيِّ (ت 478 هـ)
القَدْرُ الموجودُ من هذا الكتابِ يُشَكِّلُ الجزءَ الأوَّلَ منه، والباقي مفقودٌ، وهذا الجزءُ المطبوعُ يَضُمُّ ثلاثةَ أقسامٍ: النَّظَرُ، والتَّوحيدُ، والعِلَلُ يُنظر مقدمة المحقق علي النشار لكتاب ((الشامل)) للجويني (ص: 79). .
وقد أشار الجُوَينيُّ في مقدِّمتِه إلى أنَّ كتابَه هذا عبارةٌ عن تحريرٍ لكتابِ شَرحِ اللُّمَعِ للقاضي الباقِلَّانيِّ يُنظر: (المرجع في علم الكلام)) لشميتكه (1/ 427)، ((المصادر الأصلية المطبوعة للعقيدة الأشعرية)) للغزي (ص: 273). .
وتكمُنُ أهميَّةُ هذا الكتابِ في احتوائِه على آراءٍ جديدةٍ نِسبيًّا في المذهَبِ الأشعَريِّ في تلك الفترةِ؛ فقد عقَد محَقِّقو الكتابِ مُقارنةً بَينَ الجُوَينيِّ والأشعَريِّ، وأشاروا إلى التَّطوُّرِ الذي وقَع في الأشعريَّةِ على يَدِه، خاصَّةً في مسائِلِ الصِّفاتِ؛ كالوَجهِ والعَينِ والجَنبِ للهِ، وغيرِها، ونظريَّةِ الكَسبِ التي أصَّلَ لها الجُوَينيُّ تأصيلًا في محاولةٍ منه للتَّوفيقِ بَيَن قُدرةِ العبدِ وقُدرةِ الرَّبِّ، مع رُدودِه على بعضِ الفِرَقِ الإسلاميَّةِ وغيرِ الإسلاميَّةِ يُنظر: ((الشامل في أصول الدين)) (ص: 77- 78)، ((قراءة في المصادر الأولى لفرقتي المعتزلة والأشاعرة)) لرامي (ص: 96). .
قال ابنُ تيميَّةَ عن أبي المعالي الجُوَينيِّ: (غيَّر مذهَبَ الأشعريِّ في كثيرٍ من القواعِدِ، ومال إلى قَولِ المُعتَزِلةِ؛ فإنَّه كان كثيرَ المُطالعةِ لكُتُبِ أبي هاشمِ بنِ الجُبَّائيِّ، وكان قليلَ المعرفةِ بمعاني الكتابِ والسُّنَّةِ، وكلامِ السَّلَفِ والأئمَّةِ، مع براعتِه وذكائِه في فنِّه) [204] ((بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية)) (5/ 507). ويُنظر فيه أيضًا: (3/ 540). .
وقد اختُصِر الشَّامِلُ في كتابٍ بعُنوانِ (الكامِلُ في أصولِ الدِّينِ في اختصارِ الشَّامِلِ في أصولِ الدِّينِ) لموسى بنِ الأميرِ التَّبريزيِّ (ت 763ه)، وهو مطبوعٌ يُنظر مقدمة المحقق علي النشار لكتاب ((الشامل)) للجويني (ص: 88). .
6- (المواقِفُ في عِلمِ الكلامِ) لعَضُدِ الدِّينِ عبدِ الرَّحمنِ الإيجيِّ (ت 756هـ).
يُعتَبَرُ هذا الكتابُ أحَدَ أهَمِّ المراجِعِ الكلاميَّةِ الأشعريَّةِ، وقد قسَّم الإيجيُّ كتابَه إلى سِتَّةِ مواقِفَ، الأربعةُ الأولى منها في المقَدِّماتِ المنطِقيَّةِ والمباحِثِ الفَلسَفيَّةِ، والموقِفُ الخامِسُ والسَّادِسُ في الإلهيَّاتِ.
وأكبَرُ ما يميِّزُ هذا الكتابَ التَّقسيمُ الجيِّدُ للمسائِلِ؛ حيثُ إنَّه يُقَسِّمُ الموقِفَ إلى مراصِدَ، وكُلَّ مَرصَدٍ إلى مقاصِدَ، وكلَّ مَقصَدٍ -إن احتاج- إلى مسالِكَ، كما أنَّ أُسلوبَه وعبارتَه قويَّةٌ سَلِسةٌ مع البُعدِ عن التَّطويلِ في المناقَشاتِ، كما أنَّه اعتمد على أقوالِ كِبارِ رِجالِ الأشاعرةِ والتَّرجيحِ بينها إن كان بينَهم خلافٌ، وهو كثيرًا ما يورِدُ أقوالَ المعتزلةِ والفلاسفةِ ويناقِشُها.
ومنزلةُ هذا الكتابِ عِندَ الأشاعرةِ ممَّن جاء بعدَه كبيرةٌ؛ فهو يمثِّلُ الصِّياغةَ النِّهائيَّةَ لمذهَبِهم، وهو أيضًا يضارِعُ ما بلغه "المُغني" للقاضي عبدِ الجبَّارِ بالنِّسبةِ للمُعتَزِلةِ، وما بلَغه كتابُ "الشِّفاءِ" لابنِ سِينا بالنِّسبةِ للفلاسِفةِ، وذلك أنَّه بشَرحِ الجُرجانيِّ عليه يُعَدُّ حصيلةَ تُراثِ الأشاعرةِ، كما يُعَدُّ "المُغني" حصيلةَ تُراثِ المعتزلةِ، على أنَّ النَّسَقَ الذي اتَّبَعه الإيجيُّ في كتابِه لم يجعَلِ الكتابَ مقصورًا في موضوعاتِه على عِلمِ الكلامِ؛ إذ اختلطت تلك الموضوعاتُ بالفلسفةِ والمنطِقِ، حتى أصبحَت هذه سمةَ عِلمِ الكلامِ لدى متأخِّري الأشاعرةِ، وإذا كانت هذه السِّمةُ معروفةً لدى الرَّازي قبلَه فالواقِعُ أنَّ الإيجيَّ كان تابعًا له في نسَقِه الكلاميِّ، وإن كان قد تخلَّص من كثرةِ التَّفريعاتِ المعروفةِ عن الرَّازي، وهو أيضًا أكثَرُ اتساقًا من الرَّازي في موقِفِه الأشعَريِّ؛ فلم يُغلِّبِ الفلسفةَ على عِلمِ الكلامِ تغليبَ الرَّازي، ولم يتناقَضْ في آرائِه بَينَ مؤلَّفاتِه؛ ممَّا جعَله أكثَرَ تمثيلًا لعِلمِ الكلامِ الأشعَريِّ من الرَّازي. وصار هذا الكتابُ مَنهَجًا دراسيًّا في العصورِ المتأخِّرةِ لدى كثيرٍ من المعاهِدِ والجامعاتِ في بعضِ أنحاءِ العالَمِ الإسلاميِّ يُنظر: ((موقف ابن تيمية من الأشاعرة)) للمحمود (2/ 689- 690). .
7- (مَتنُ أُمِّ البراهينِ)، لأبي عبدِ اللهِ محمَّدِ بنِ محمَّدٍ السَّنوسيِّ (ت: 895هـ).
يُعتَبَرُ أبو عبدِ اللهِ السَّنوسيُّ محرِّرَ المذهَبِ ومُنقِّحَه في العصورِ المتأخِّرةِ، فهو أحَدُ المجتَهِدين داخِلَ المذهَبِ الأشعَريِّ، وقد كانت الفِكرةُ المسيطرةُ على هاجِسِه إيجادَ القَدْرِ العَقَديِّ الكافي في تعَلُّمِه لتحقيقِ الإيمانِ، والخروجِ من رُتبةِ التَّقليدِ، التي يراها كَبعضِ أسلافِه لا تُنجي صاحِبَها يومَ القيامةِ يُنظر: ((المصادر الأصلية المطبوعة للعقيدة الأشعرية)) للغزي (ص: 323- 324). .
وكتابُ (أُمِّ البراهينِ) يُعرَفُ بـ (العقيدةِ الصُّغرى) أو (السَّنوسيَّةِ الصُّغرى) وهو من الكُتُبِ المعتَمَدةِ عندَ متأخِّري الأشاعرةِ، فهذه العقيدةُ (لَقِيتْ قَبولًا واسعًا واهتمامًا كبيرًا بين الأتباعِ، حتى كثُرت شروحُها وحواشيها والتَّعليقاتُ عليها) مقدمة ((دراسة نظرية نقدية عل شرح أم البراهين)) لآل عبد اللطيف (ص: 7). ، فهي تُعَدُّ من أكثرِ المتونِ العَقَديَّةِ الأشعريَّةِ التي تناوَلها الأشاعِرةُ بالعنايةِ؛ إذ بلغَت أعمالُهم عليها قُرابةَ (??) عمَلًا من الشُّروحِ والحواشي والتَّقريراتِ والنَّظْمِ.
قال تلميذُ المُؤَلِّفِ محمَّدُ بنُ عُمَرَ المَلَّاليُّ التِّلِمْسانيِّ عن هذه العقيدةِ: (عقائِدُه كافيةٌ فيه خصوصًا الصُّغرى، لا يعادِلُها شيءٌ من العقائدِ) يُنظر: ((نيل الابتهاج بتطريز الديباج)) للتنبكتي (ص: ???- ???)، ((المصادر الأصلية المطبوعة للعقيدة الأشعرية)) للغزي (ص: 124). .

انظر أيضا: