موسوعة الفرق

المطلَبُ الثَّاني: حِزبُ اللهِ وإيرانُ


تَمتَدُّ جُذورُ العَلاقةِ بَينَ لُبنانَ وإيرانَ إلى مَطلَعِ القَرنِ السَّادِسَ عَشَرَ، خلافًا لما يظُنُّه البَعضُ من أنَّها وليدةُ السَّنَواتِ الماضيةِ القَريبةِ [2736] ((حزب الله رؤية مغايرة: أصول وجذور)) لعبد المنعم شفيق (مجلة البيان: مقال 1، 3،  جمادى الآخرة - 1420هـ، رمضان - 1420هـ/السنة: 14). .
فحينَ استَولى الصَّفويُّونَ على حُكمِ إيرانَ في مَطلعِ القَرنِ السَّادِسَ عَشَرَ، وجَعَلوا مِنَ التَّشَيُّعِ الإماميِّ دينَ الدَّولةِ والأُمَّةِ، وحَصَّنوا إيرانَ به بإزاءِ الفتحِ العُثمانَيِّ التُّركيِّ السُّنِّيِّ، كان التَّشَيُّعُ يذوي ويتَلاشى، سَواءٌ في مَدارِسِ النَّجَفِ أو في مَدارِسِ خُراسانَ، فعَمَدَ الشَّاه إسماعيلُ إلى استِقدامِ عُلماءَ من جَبلِ عامِلٍ جَنوبَ لُبنانَ لتَدريسِ الفِقهِ الإماميِّ، فكان منهم: بَهاءُ الدِّينِ العامِليُّ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَينِ بنِ عَبدِ الصَّمَدِ، الذي أصبَحَ شَيخَ الإسلامِ في أصفهانَ في عَهدِ الشَّاه عَبَّاسٍ الكبيرِ، والمُحَقِّقُ الكَرَكيُّ عَليُّ بنُ الحُسَينِ بنِ عَبدِ العالي العامِليُّ، الذي قدِمَ النَّجَفَ ثُمَّ رَحَل إلى بلادِ العَجَمِ لتَرويجِ المَذهَبِ، والسُّلطانُ حينَئِذٍ هو إسماعيلُ الصَّفويُّ، وكان يُرَغِّبُ عامَّةَ النَّاسِ في تَعَلُّمِ شَرائِعِ الدِّينِ ومَراسِمِ الإسلامِ، ويحُثُّهم على ذلك، وكان أن جَعَل في كُلِّ بلدةٍ وقَريةٍ إمامًا يُصَلِّي بالنَّاسِ ويعلِّمُهم شَرائِعَ الدِّينِ، وبالغَ في تَرويجِ مَذهَبِ الإماميَّةِ؛ بحَيثُ لقَّبَه بَعضُهم بمُختَرعِ مَذهَبِ الشِّيعةِ [2737] يُنظر: ((دولة حزب الله)) لشرارة (ص: 31، 32)، ((تطور الفكر السياسي الشيعي)) للكاتب (ص: 378 - 385)، ((تجربة الإسلام السياسي)) لأوليفيه روا (ص: 162). .
ومِنطَقةُ جَبلِ عامِلٍ في قَلبِ جَنوبِ لُبنانَ كانت أهَمَّ مَرجِعيَّةٍ شيعيَّةٍ في العالمِ بَينَ القَرنَينِ الميلاديَّينِ الرَّابعَ عَشَرَ والسَّادِسَ عَشَرَ.
وقد استَهوتِ التَّجرِبةُ الصَّفَويَّةُ الشِّيعيَّةُ المُضطَهَدينَ في العِراقِ وجَبَلِ عامِلٍ جَنوبَ لُبنانَ والبَحرينِ، وذَهَب العُلماءُ بالخُصوصِ ليَدعَموا تَأسيسَ الدَّولةِ الشِّيعيَّةِ الصَّفويَّةِ الوليدةِ.
وفي عَصرِنا يُعتَبَرُ حِزبُ اللهِ حِزبًا إيرانيًّا في لُبنانَ، بدَليلِ ما في البَيانِ التَّأسيسيِّ للحِزب بعُنوانِ "من نحن وما هي هُويَّتُنا؟"، فقد عَرَّف الحِزبُ عن نَفسِه بما يلي: (إنَّنا أبناءُ أُمَّةِ حِزبِ اللهِ التي نَصَرَ اللهُ طَليعَتَها في إيرانَ، وأسَّسَت من جَديدٍ نَواةَ دَولةِ الإسلامِ المَركزيَّةِ في العالمِ... نَلتَزِمُ بأوامِرِ قيادةٍ واحِدةٍ حَكيمةٍ عادِلةٍ تَتَمَثَّلُ بالوليِّ الفقيهِ الجامِعِ للشَّرائِطِ، وتَتَجَسَّدُ حاضرًا بالإمامِ المُسَدَّدِ آيةِ اللهِ العُظمى روحُ اللهِ الموسَويُّ الخُمينيُّ دامَ ظِلُّه، مُفجِّرُ ثَورةِ المُسلمينَ، وباعِثُ نَهضَتِهم المَجيدةِ) [2738] ((حزب الله رؤية مغايرة)) لشفيق (ص: 226) وما بعدها. .
وقال مُحَمَّد حُسَين فضل الله المُرشِدُ الرُّوحيُّ لحِزبِ اللهِ: (إنَّ عَلاقةً قديمةً مَعَ قادةِ إيرانَ الإسلاميَّةِ، بَدَأت قَبلَ قيامِ الجُمهوريَّةِ الإسلاميَّةِ، إنَّها عَلاقةُ صَداقةٍ وثِقةٍ مُتَبادَلةٍ، ورَأيي ينسَجِمُ مَعَ الفِكرِ الإيرانيِّ، ويسيرُ في نَفسِ سياسَتِه) [2739] ((مجلة المجتمع الكويتية)) (العدد: 955). .
وقال عَبَّاسٌ الموسَويُّ: (كُلُّنا إخوةٌ، ونُقاتِلُ من أجلِ القَضيَّةِ نَفسِها، وكُلُّ مَن يُحاوِلُ التَّفرِقةَ بَينَنا وبَينَ إخوتِنا الإيرانيِّينَ أو بَينَ المُسلمينَ عمومًا فإنَّه يرتَكِبُ جَريمةً) [2740] ((المد الإيراني في العالم العربي)) لأبي داود (ص: 180)، ((حرب لبنان:‏ ‏حقيقة ما جرى بين حزب الله وإسرائيل)) لنور (ص: 52). .
وقال حَسَن نَصر الله الأمينُ العامُّ لحِزبِ اللهِ: (لنكُنْ واضِحينَ ونَحكي الحَقائِقَ: الفِكرُ الذي ينتَمي إليه حِزبُ اللهِ هو الفِكرُ الإسلاميُّ، وهذا الفِكرُ لم يأتِ من موسكو أيَّامَ الاشتِراكيَّةِ، ولا من لندَنَ وباريسَ، ولا حتَّى من واشنطُنَ في زَمَنِ اللِّيبراليَّةِ، هو فِكرُ الأُمَّةِ التي ينتَمي إليها لُبنانُ، إذًا نحن لم نَستَورِدْ فِكرًا، وإذا كان مَن يقولُ: إنَّ الفِكرَ إيرانيٌّ. أقولُ له: إنَّ هذه مُغالَطةٌ؛ لأنَّ الفِكرَ في إيرانَ هو الفِكرُ الإسلاميُّ الذي أخَذَه المُسلمونَ إلى إيرانَ، وحتَّى هذا الفِكرُ خاصٌّ بعُلماءِ جَبَلِ عامِلٍ، اللُّبنانيُّونَ همُ الذين كان لهمُ التَّأثيرُ الكبيرُ في إيرانَ على المُستَوى الحَضاريِّ والدِّينيِّ في القُرونِ السَّابقةِ، أينَ هو الاستيرادُ؟ هذا الحِزبُ كوادِرُه وقياداتُه وشُهَداؤُه لُبنانيُّونَ) [2741] ((مجلة المقاومة)) (العدد: 40). .
وقال نَصرَ الله أيضًا: (إنَّنا نَرى في إيرانَ الدَّولةَ التي تَحكمُ بالإسلامِ، والدَّولةَ التي تُناصِرُ المُسلمينَ والعَرَبَ، وعَلاقَتُنا بالنِّظامِ عَلاقةُ تَعاوُنٍ، ولنا صَداقاتٌ مَعَ أركانِه، ونَتَواصَلُ مَعَه، كما أنَّ المَرجِعيَّةَ الدِّينيَّةَ هناك تُشَكِّلُ الغِطاءَ الدِّينيَّ والشَّرعيَّ لكِفاحِنا ونِضالِنا) [2742] ((مجلة المقاومة)) (العدد: 27). .
وقال نائِبُ الأمينِ العامِّ لحِزبِ اللهِ نَعيم قاسِم: (كان هناك مَجموعةٌ مِنَ المُؤمِنينَ... تَفتَّحَت أذهانُهم على قاعِدةٍ عَمَليَّةٍ تُرَكِّزُ على مَسألةِ الوليِّ الفقيهِ والانقيادِ له كقائِدٍ للأُمَّةِ الإسلاميَّةِ جَمعاءَ، لا يفصِلُ بَينَ مَجموعاتِها وبُلدانِها أيُّ فاصِلٍ،... وذَهَبَت هذه المَجموعةُ المُؤَلَّفةُ من تِسعةِ أشخاصٍ إلى إيرانَ، ولقاءِ الإمامِ الخُمينيِّ قدَّسَ اللهُ رُوحَه، وعَرَضَت عليه وِجهةَ نَظَرِها في تَأسيسِ وتَكوينِ الحِزبِ اللُّبنانيِّ، فأيَّدَ هذا الأمرَ، وبارَك هذه الخُطواتِ) [2743] ((المقاومة اللبنانية)) لأمين مصطفى (ص: 425). .
وقال إبراهيم الأمين -وهو أحَدُ قياداتِ الحِزبِ-: (نحن لا نَقولُ: إنَّنا جُزءٌ من إيرانَ، نحن إيرانُ في لُبنانَ، ولُبنانُ في إيرانَ) [2744] ((صحيفة النهار اللبنانية)) (العدد الصادر في: 5/3/1987م). .
وقال إبراهيم الأمين أيضًا: (إنَّ تَصديرَ الثَّورةِ لا يعني تَسَلُّطَ النِّظامِ الإيرانيِّ على شُعوبِ مِنطَقةِ الشَّرقِ الأوسَطِ، وإنَّما المَفروضُ أن تَعيشَ هذه المِنطَقةُ الإسلامَ من جَديدٍ يقصِدُ الإسلامَ الشِّيعيَّ فيكونُ المُتَسَلِّطُ على هذه الشُّعوبِ الإسلامَ وليس الإنسانَ، على هذا الأساسِ نحن نَعمَلُ في لُبنانَ من خِلالِ المسؤوليَّةِ الشَّرعيَّةِ، ومِن خِلالِ القَناعةِ السِّياسيَّةِ أيضًا، حتَّى يُصبحَ لُبنانُ جزءًا من مَشروعِ الأُمَّةِ في مِنطَقةِ الشَّرقِ الأوسَطِ، ولا نَعتَقِدُ أنَّه مِنَ الطَّبيعيِّ أن يكونَ لُبنانُ دَولةً إسلاميَّةً خارِجَ مَشروعِ الأُمَّةِ) [2745] ((مجلة الشراع اللبنانية)) (العدد: 8). .
وقال حَسَن سُرور أحَدُ قادةِ حِزبِ اللهِ: (نُعلنُ للعالمِ أجمَعَ أنَّ إيرانَ هي أُمُّنا ودينُنا وكعبَتُنا وشَرايينُنا) [2746] ((المد الإيراني في العالم العربي)) لأبي داود (ص: 179)، ((حرب لبنان:‏ ‏حقيقة ما جرى بين حزب الله وإسرائيل)) لنور (ص: 52). .
وفي أحد الاحتِفالاتِ التَّأبينيَّةِ التي تُقامُ في لُبنانَ قال إمامُ جَمعيَّةِ مَسجِدِ الإمامِ المَهديِّ حَسَن طَراد: (إنَّ إيرانَ ولُبنانَ شَعبٌ واحِدٌ وبلَدٌ واحِدٌ، وكما قال أحَدُ العُلماءِ الأعلامِ: إنَّنا سنَدعَمُ لُبنانَ كما نَدعَمُ مُقاطَعاتِنا الإيرانيَّةَ سياسيًّا وعَسكريًّا) [2747] ((صحيفة النهار اللبنانية)) (العدد الصادر في: 5/3/1987م). .
وقال هاشِمي رفسنجاني الرَّئيسُ الإيرانيُّ السَّابقُ ورَئيسُ مجمعِ تَشخيصِ النِّظامِ: (تَعتَقِدُ إيرانُ أنَّ مُساعَدَتَها لحِزبِ اللهِ في لُبنانَ واجِبٌ مَذهَبيٌّ وثَوريٌّ، وأنَّها سَوف تَستَمِرُّ في دَعمِه طالما ظَلَّت أراضيه مُحتَلَّةً أو مُهَدَّدةً، وأنَّها مَعَ تَقديرِها للمَواقِفِ الشُّجاعةِ لشَعبِ لُبنانَ وحُكومَتِه في دَعمِ جَبهةِ المُقاومةِ أمامَ مُحاولاتِ التَّوسُّعِ للنِّظامِ الصِّهْيَونيِّ، تُؤَكِّدُ استِمرارَ دَعمِ إيرانَ للمُقاوَمةِ الشَّعبيَّةِ في لُبنانَ) [2748] ((مختارات إيرانية)) (العدد: 73). .
وقد حَذَّرَ عَلي خامنئي مُرشِدُ الثَّورةِ من إضعافِ المُقاومةِ الإسلاميَّةِ في لُبنانَ، فقال: (إنَّه يجِبُ التَّيقُّظُ ومَنعُ الأعداءِ من ذلك، إنَّ شُعلةَ المُقاومةِ يجِبُ أن لا تَنطَفِئَ؛ لأنَّ أولئك الأبطالَ واجِبٌ على إيرانَ مُساعَدتُهم) [2749] ((صحيفة الحياة)) (العدد: 13252). .
وقال مُساعِدُ وزيرِ الخارِجيَّةِ الإيرانيَّةِ للشُّؤونِ العَرَبيَّةِ والإفريقيَّةِ مُحَمَّد صدر: (إنَّ السَّيِّد حَسَن نَصر الله يتَمَتَّعُ بشَعبيَّةٍ واسِعةٍ في إيرانَ، كما تَربِطُنا به عَلاقاتٌ مُمتازةٌ) [2750] ((صحيفة الشرق الأوسط)) (العدد: 7482). .
وقال الباحِثُ الإيرانيُّ مَسعود إلهي: (حِزبُ اللهِ في لُبنانَ يعمَلُ كفرعٍ من فُروعِ حِزبِ اللهِ الواسِعةِ الانتِشارِ، وهو لا يَعُدُّ نَفسَه تنظيمًا مغلقًا ومحدودًا، بل تَنظيمٌ أُمَميٌّ يحمي جَميعَ المُسلمينَ المَظلومينَ ويُدافِعُ عنهم، ويُناضِلُ متسَلِّحًا بتَوجيهاتِ الإمامِ الخُمينيِّ ضِدَّ الإمبرياليَّةِ والاستِكبارِ) [2751] ((الإسلاميون في مجتمع تعددي: حزب الله نموذجًا)) لمسعود إلهي (ص: 321).  .
وقال الكاتِبُ الفِلسطينيُّ غازي التَّوبة: (المَقصودُ من قِتالِ حِزبِ اللهِ للعَدوِّ الصِّهْيَونيِّ في لُبنانَ هو: الدَّعايةُ والتَّرويجُ لإيرانَ والطَّائِفةِ الشِّيعيَّةِ على مُستَوى لُبنانَ والعالَمِ العَرَبيِّ والإسلاميِّ من جِهةٍ، ومِن أجلِ التَّغطيةِ على جَرائِمِ إيرانَ في العِراقِ من جِهةِ ثانيةٍ) [2752] من مقال لغازي التوبة في ((جريدة الحياة)) (العدد: 15848). ويُنظر: ((ماذا تعرف عن حزب الله؟)) لعلي الصادق (ص: 141). .
وقال الكاتِبُ اللُّبنانيُّ وضاح شَرارة: (عَمِلَت إدارةُ الثَّورةِ الإيرانيَّةِ على إعلانِ لُبنانَ الشِّيعيِّ أرضًا لها، وإقليمًا مميَّزًا من أقاليمِها، على غِرارِ إيرانَ نَفسِها)||hamish||2753||/hamish||.
وقد كانتِ المُشارَكةُ المُباشِرةُ لحِزبِ اللهِ في الحَربِ العِراقيَّةِ الإيرانيَّةِ من صُوَرِ التَّأييدِ للثَّورةِ الخُمينيَّةِ، وكان من أوائِلِ رِجالِ الدِّينِ اللُّبنانيِّينَ الشِّيعةِ الذين قاتَلوا مَعَ إيرانَ مُحَمَّد رملاوي [2754] يُنظر: ((دولة حزب الله)) لشرارة (ص: 288). .




انظر أيضا: