موسوعة الفرق

الفرْعُ الثَّاني: تَسميةُ الرَّوافِضِ الاثْنَي عَشْريَّةِ بالجَعْفَريَّةِ


وذلك نِسبةً إلى جَعفَرِ بنِ محمَّدٍ الصَّادِقِ، الذي ينتَسِبُ من جهةِ الأبِ إلى العِترةِ النَّبويَّةِ المباركةِ، ومن جهةِ الأمِّ إلى أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه، فهو جعفَرُ بنُ محمَّدِ بنِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، والرَّافِضةُ يزعُمون أنَّهم بَنَوا مَذهَبَهم على أقوالِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ، وهو بريءٌ من أكثَرِ ما نقلوه عنه؛ فقد كَذَب الشِّيعةُ عليه كثيرًا، وفي كتُبِهم يُسندون إليه أقوالًا واعتقاداتٍ غريبةً، حاشا أيَّ مسلمٍ عاقلٍ أن يقولَ بها، فكيف بجَعفَرٍ الصَّادِقِ؟! [404] من ذلك ما أورده الراونديُّ عن عُمَرَ بنِ أذينةَ قال: (قيل لأبي عبدِ اللهِ عليه السلامُ: إنَّ الناسَ يحتجُّون علينا ويقولون: إنَّ أميرَ المؤمنين عليه السلام زوَّج فلانًا [أي: عمرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه] ابنَتَه أمَّ كلثومٍ، وكان متَّكِئًا فجلس وقال: أيقولون ذلك؟! إنَّ قومًا يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواءِ السَّبيلِ، سبحانَ اللهِ! ما كان يقدِرُ أميرُ المؤمنين عليه السلامُ أن يحولَ بينه وبينها فيُنقِذَها؟! كذَبوا، لم يكُنْ ما قالوا: إنَّ فلانًا [يعني عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه] خطَب إلى عليٍّ ابنَتَه أمَّ كلثومٍ، فأبى عليٌّ عليه السلامُ، فقال للعبَّاسِ: واللهِ لئن لم تزوِّجْني لأنتزِعَنَّ منك السِّقايةَ وزمزَمَ، فأتى العبَّاسُ عليًّا فكَلَّمه، فأبى، فألحَّ العبَّاسُ، فلمَّا رأى أميرُ المؤمنين عليه السلامُ مشقَّةَ كلامِ الرَّجُلِ على العبَّاسِ، وأنه سيفعل بالسِّقايةِ ما قال، أرسل أميرُ المؤمنين عليه السلامُ إلى جِنيَّةٍ من أهلِ نجرانَ يهوديَّةٍ يُقالُ لها: سحيفةُ بنتُ جريريةَ، فأمرها فتمثَّلَت في مثالِ أمِّ كلثومٍ، وحُجِبت الأبصارُ عن أمِّ كلثومٍ، وبعث بها إلى الرَّجُلِ، فلم تَزَلْ عنده حتى أنَّه استراب بها يومًا فقال: ما في الأرضِ أهلُ بيتٍ أسحَرُ من بني هاشمٍ، ثمَّ أراد أن يُظهِرَ ذلك للنَّاسِ، فلما قُتِل حوت الميراثَ، وانصرفت إلى نجرانَ، وأظهر أميرُ المؤمنين أمَّ كلثومٍ). (الخرائج والجرائح) (2/825)، ويُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (42/88). ؛ فقد كان فقيهًا فاضلًا، غزيرَ العِلمِ، وافِرَ الحِكمةِ، كامِلَ الأدَبِ، زاهدًا وَرِعًا، متمسِّكًا بالسُّنَّةِ، بعيدًا عن البِدَعِ والغُلُوِّ، ولم يكُنْ يؤمِنُ بالغَيبةِ أو الرَّجعةِ أو التَّناسُخِ، ولا كان يجيزُ المُتعةَ، وكان بريئًا من مَذهَبِ المُعتَزِلةِ، وله أقوالٌ عظيمةٌ في الإيمانِ والتَّوحيدِ والسُّنَّةِ والزُّهدِ والحِكمةِ.
قال ابنُ تَيميَّة: (ما كُذِبَ على أحَدٍ ما كُذِبَ على جَعفَرٍ الصَّادِقِ!) [405] ((منهاج السنة النبوية)) (2/464).
والرَّافِضةُ يحبُّون تسميتَهم بالجَعفَريَّةِ، بخلافِ تسميتِهم بالرَّافِضةِ؛ فإنَّهم يتأذَّون منها، والصَّوابُ تسميتُهم بالرَّافِضةِ لا الجَعفَريَّةِ؛ لأنَّهم لا يَعرِفون المَذهَبَ الحَقَّ الصَّحيحَ لجَعفَرٍ الصَّادِقِ [406] يُنظر: ((الثقات)) لابن حبان (6/131، 132)، ((إكمال تهذيب الكمال)) لمغلطاي (3/227-231)، ((فرق معاصرة)) لعواجي (1/350)، ((إسلام بلا مذاهب)) لمصطفى الشكعة (ص: 190). .
قال الشِّيرازيُّ: (تُسَمَّى الشِّيعةُ بالجَعفَريَّةِ؛ لأنَّ الإمامَ جَعفَرَ بنَ محمَّدٍ الصَّادِقَ تمكَّن أن يوسِّعَ نشرَ الإسلامِ أُصولًا وفروعًا وآدابًا وأخلاقًا، وأمَّا سائرُ الأئِمَّة فلم يتمكَّنوا من ذلك لِما كانوا يلاقونه من الاضطرابِ في زمانِ عليٍّ والحَسَنِ والحُسَينِ، والكَبتِ والإرهابِ من أيدي الخُلَفاءِ الأمويِّين والعبَّاسيِّين، لكِنَّ الإمامَ الصَّادِقَ كان في زَمَنِ التَّصادُمِ بَيْنَ بني أميَّةَ وبني العبَّاسِ، فاغتنم الموقِفَ فرصةً لنَشرِ حقائِقِ الإسلامِ بصورةٍ واسعةٍ، والشِّيعةُ أخذوا منه أكثَرَ معالمِ الدِّينِ؛ ولذا نُسِبوا إليه) [407] ((قضية الشيعة)) (ص: 3) باختصار وتصرف. .
وقال الخُمينيُّ: (نحن نفخَرُ بأنَّ مَذهَبَنا جَعفَريٌّ، ففِقْهنا هذا البَحرُ المِعْطاءُ بلا حَدٍّ، وهو من آثارِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ) [408] ((الوصية الإلهية)) (ص: 5). .

انظر أيضا: