الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: حُكْمُ السَّفْتَجةِ


اخْتَلَفَ العُلَماءُ في حُكْمِ السَّفْتَجةِ، على قَوْلَينِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: لا تَجوزُ السَّفْتَجةُ إذا كانَتْ مَشْروطةً في العَقْدِ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأرْبَعةِ: الحَنَفِيَّةِ ، والمالِكِيَّةِ ، والشَّافِعِيَّةِ ، والحَنابِلةِ ، وذلك لأنَّ السَّفْتَجةَ تَشْتَمِلُ على قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعةً، وهو حَرامٌ .
القَوْلُ الثَّاني: تَجوزُ السَّفْتَجةُ مُطلَقًا، وهو قَوْلُ بعضِ المالِكِيَّةِ ، ورِوايةٌ عن أحْمَدَ ، وهو قَوْلُ بَعْضِ السَّلَفِ ، وهو اخْتِيارُ المُوَفَّقِ بنِ قُدامةَ ، وابنِ تَيْمِيَّةَ ، وابنِ القَيِّمِ ، وابنِ عُثَيْمينَ .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الأصْلَ في المُعامَلاتِ الإباحةُ، ولم يَرِدْ نَصٌّ بتَحْريمِ السَّفْتَجةِ، ولا هي في مَعْنى المَنْصوصِ، فتَبْقى على أصْلِ الإباحةِ .
ثانِيًا: لأنَّه ليس بزِيادةٍ في قَدْرٍ ولا صِفةٍ، فجازَ كشَرْطِ الرَّهْنِ .
ثالِثًا: لأنَّ المَنْفَعةَ مُشْتَركةٌ بَيْنَ المُقرِضِ والمُقْترِضِ، وهُما مُتعاوِنانِ، فهي مِن جِنْسِ التَّعاوُنِ والمُشارَكةِ .
رابِعًا: لأنَّه مَصْلحةٌ لهما مِن غَيْرِ ضَرَرٍ عليهما، والشَّرْعُ لا يَرِدُ بتَحْريمِ المَصالِحِ الَّتي لا مَضرَّةَ فيها، بلْ بمَشْروعيَّتِها .

انظر أيضا:

  1. (1) وَصَفَ الحَنَفِيَّةُ السَّفْتَجةَ على أنَّها قَرْضٌ، وقدْ كَرِهَ الحَنَفِيَّةُ السَّفْتَجةَ إذا كانَتْ مَشْروطةً، وعَدَمُ كَراهتِها إن لم تكُنْ مَشْروطةً. ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/276)، ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق للزيلعي)) (4/175).
  2. (2) أجازَها المالِكيَّةُ للضَّرورةِ، إن غَلَبَ الخَوْفُ في جَميعِ الطُّرُقِ. ((التاج والإكليل)) للمواق (4/547)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (3/226)، ((منح الجليل)) لعليش (5/406).
  3. (3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/356)، ((نهاية المطلب)) للجويني (5/452).
  4. (4) ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/506).
  5. (5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/356).
  6. (6) ((الكافي)) لابن عبد البر (2/729).
  7. (7) ((المغني)) لابن قُدامةَ (4/240)، ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (4/97).
  8. (8) قالَ ابنُ قُدامةَ: (نَصَّ أحْمَدُ على أنَّ مَن شَرَطَ أن يُكتَبَ له بها سَفْتَجةٌ لم يَجُزْ، ومَعْناه: اشْتِراطُ القَضاءِ في بَلَدٍ آخَرَ، ورُوِيَ عنه جَوازُها؛ لكَوْنِها مَصْلحةً لهما جَميعًا. وقالَ عَطاءٌ: كانَ ابنُ الزُّبَيْرِ يَأخُذُ مِن قَوْمٍ بمَكَّةَ دَراهِمَ، ثُمَّ يَكتُبُ لهم بها إلى مُصْعَبِ بنِ الزُّبَيْرِ بالعِراقِ، فيَأخُذونَها مِنه، فسُئِلَ عن ذلك ابنُ عبَّاسٍ، فلم يَرَ به بأسًا، ورُوِيَ عن علِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه سُئِلَ عن مِثلِ هذا، فلم يَرَ به بأسًا. وممَّن لم يَرَ به بأسًا ابنُ سيرينَ، والنَّخَعيُّ. رواه كُلَّه سَعيدٌ). ((المغني)) (4/240).
  9. (9) ((المغني)) لابن قُدامةَ (4/240)، ويُنظَرُ: ((حاشية ابن القَيِّمِ على عون المعبود)) (9/297).
  10. (10) قالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ: (إذا أَقرَضَه دَراهِمَ ليَسْتوفيَها مِنه في بَلَدٍ آخَرَ، مِثلُ أن يكونَ المُقرِضُ غَرَضُه حَمْلُ الدَّراهِمِ إلى بَلَدٍ آخَرَ، والمُقترِضُ له دَراهِمُ في ذلك البَلَدِ وهو مُحْتاجٌ إلى دَراهِمَ في بَلَدِ المُقرِضِ، فيَقتَرِضُ مِنه ويَكتُبُ له «سَفْتَجةً» أي: وَرْقةً إلى بَلَدِ المُقتَرِضِ، فهذا يَصِحُّ في أحَدِ قَوْليِ العُلَماءِ. وقيلَ: نُهِيَ عنه؛ لأنَّه قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعةً، والقَرْضُ إذا جَرَّ مَنْفَعةً كانَ رِبًا، والصَّحيحُ الجَوازُ). ((مجموع الفتاوى)) (29/530، 531)، ويُنظَرُ: ((الإنصاف)) للمرداوي (5/101).
  11. (11) قالَ ابنُ القَيِّمِ: (وإن كانَ المُقرِضُ قد يَنْتفِعُ أيضًا بالقَرْضِ كما في مَسْألةِ السَّفْتَجةِ، ولِهذا كَرِهَها مَن كَرِهَها، والصَّحيحُ أنَّها لا تُكرَهُ). ((إعلام الموقعين)) (1/295).
  12. (12) قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (السَّفْتَجةُ: هي أن يُعْطيه الفُلوسَ مَثَلًا في مَكَّةَ ويقولَ: حَوِّلْها لي في المَدينةِ، فهذه سَفْتَجةٌ، وهي الَّتي يُسَمُّونَها الآنَ الحَوالةَ، والظَّاهِرُ أنَّ هذه الكَلمةَ ليسَتْ عَربيَّةً، لكنْ هذا هو مَعْناها عِنْدَ الفُقَهاءِ رَحِمَهم اللهُ، فالصَّوابُ أنَّ له أن يَأخُذَ به سَفْتَجةً؛ لأنَّ هذا قد يكونُ أَحفَظَ للمالِ، فقد يكونُ الرَّجُلُ لو اصْطَحَبَ المالَ معَه في السَّفَرِ مِن مكَّةَ إلى المَدينةِ يَتَسَلَّطُ عليه قُطَّاعُ الطَّريقِ، لكِنْ إذا أخَذَ به سَفْتَجةً سَلِمَ مِنهم، ولَدَيْنا قاعِدةٌ عَريضةٌ يَنْبَغي أن نَعْتَبِرَها في هذا، وهي: أنَّ كلَّ تَصرُّفٍ مِن مَصْلحةِ الشَّرِكةِ فهو جائِزٌ). ((التعليق على الكافي)) (6/87).
  13. (13) ((المغني)) لابن قُدامةَ (4/240).
  14. (14) ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (4/97).
  15. (15) ((حاشية ابن القَيِّمِ على عون المعبود)) (9/297)، ((إعلام الموقعين)) لابن القَيِّمِ (1/295).
  16. (16) ((المغني)) لابن قُدامةَ (4/240). ويُنظَرُ: ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيْمِيَّةَ (29/531)، ((حاشية ابن القَيِّمِ على عون المعبود)) (9/297).