تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
المسألةُ الأولى: أوَّلُ وقتِ صَلاةِ المَغربِ أوَّلُ وقتِ صلاةِ المغربِ، إذا غربَتِ الشمسُ وتَكامَلَ غُروبُها. الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة 1- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّه قال: سُئِلَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن وقتِ الصَّلواتِ، فقال: ((... ووقتُ صلاةِ المغربِ إذا غابتِ الشَّمسُ )) [1104] رواه مسلم (612). 2- عن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتاه سائلٌ يسألُه عن مواقيتِ الصَّلاة، فلم يردَّ عليه شيئًا،...ثم أمَرَه فأقامَ بالمغربِ حين وقعتِ الشمسُ، ثم أمَره فأقام العِشاء حين غابَ الشَّفقُ، ثم أخَّرَ الفجر من الغدِ حتى انصرَفَ منها والقائلُ يقول: قد طلعتِ الشمسُ، أو كادتْ، ثم أخَّر الظهر حتى كان قريبًا من وقتِ العصرِ بالأمس، ثم أخَّر العصرَ حتى انصرفَ منها، والقائل يقولُ: قد احمرَّتِ الشمسُ، ثم أخَّر المغربَ حتى كان عند سقوطِ الشَّفقِ...، ثم أصبح فدَعَا السائلَ، فقال: ((الوقتُ بين هذَينِ )) [1105] رواه مسلم (614). 3- عن سلمةَ بنِ الأَكوعِ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي المغربَ إذا غربتِ الشَّمسُ وتوارتْ بالحِجابِ )) [1106] رواه البخاري (561)، ومسلم (636). ثانيًا: من الإجماع نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [1107] قال ابنُ المنذر: (أجمَعوا على أنَّ صلاة المغرب: تجب إذا غرَبتِ الشمس). ((الإجماع)) (ص: 38). ، وابنُ حزمٍ [1108] قال ابنُ حزمٍ: (اتَّفقوا أنَّ الشمس إذا غربتْ فإنَّه وقتٌ لصلاة المغرب). ((مراتب الإجماع)) (ص: 26). ، وابنُ عبد البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (اختلفوا في آخِرِ وقت المغرب بعد إجماعهم على أنَّ وقتها غروبُ الشمس). ((الاستذكار)) (1/28). ، والكاسانيُّ قال الكاسانيُّ: (أمَّا أول وقتِ المغرب فحين تغرب الشمس بلا خِلاف). ((بدائع الصنائع)) (1/123). ، وابنُ قُدامةَ [1111] قال ابنُ قُدامة: (أمَّا دخولُ وقت المغرب بغروب الشَّمس، فإجماعُ أهلِ العِلم؛ لا نعلم بينهم خلافًا فيه، والأحاديث دالَّة عليه) ((المغني)) (1/276). ، والنوويُّ [1112] قال النوويُّ: (أوَّل وقت المغرب إذا غربت الشمس وتكامَل غروبُها، وهذا لا خِلافَ فيه؛ نقل ابن المنذر وخلائقُ لا يُحصَوْنَ الإجماعَ فيه) ((المجموع)) (3/29). ، وابنُ تيميَّة [1113] قال ابنُ تيميَّة: (والمغرب أيضًا تُجزئ باتِّفاقهم إذا صلَّى بعد الغروب)) ((الفتاوى الكبرى)) (2/287). المسألة الثانية: آخِرُ وقتِ صلاةِ المَغربِ يمتدُّ وقتُ صلاةِ المغربِ إلى أن يَغيبَ الشفقُ الذي هو الحُمرةُ، وهو مذهبُ الحنابلة [1114] ((الإنصاف)) للمرداوي (1/307)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/276). ، والظاهريَّة [1115] قال ابنُ حزمٍ: (قد صحَّ أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حدَّ خروج وقت المغرب، ودخول وقت العتمة بمغيب نور الشَّفق؛ والشفق: يقع في اللُّغة على الحُمرة، وعلى البياض؛ فإذ ذلك كذلك، فلا يجوز أن يخصَّ قوله عليه السلام بغير نصٍّ ولا إجماع؛ فوجب أنه إذا غاب ما يُسمَّى شفقًا فقد خرج وقت المغرب، ودخل وقتُ العتمة ولم يقلْ عليه السلام قط: حتى يغيبَ كلُّ ما يُسمَّى شفقًا) ((المحلى)) (2/224). وقال النوويُّ: (وأمَّا آخر وقتها فقد ذكَرْنا أنَّ المشهور في مذهبنا أنَّ لها وقتًا واحدًا، وهو أول الوقت، وأن الصحيح أنَّ لها وقتين يمتدُّ ثانيهما إلى غروب الشفق، وممَّن قال بالوقتين: أبو حنيفة، والثوري، وأحمد، وأبو ثور، وإسحاق، وداود، وابن المنذر) ((المجموع)) (3/34). ، وروايةٌ عن مالك [1116] قال ابنُ عبد البَرِّ: (ولمالك في وقتها- أي: المغرب- قول ثانٍ: إنَّه من صلاها قبل مغيب الشفق فقد صلَّاها في وقتها في الحضر والسفر) ((الكافي)) (1/191). ، وهو قولُ الشافعيِّ في القديمِ [1117] قال النوويُّ: (وصحَّح جماعةٌ القديم، وهو أنَّ لها - أي: صلاة المغرب - وقتين... قلت: هذا القول هو الصحيحُّ لأحاديثَ صحيحة) ((المجموع)) (3/30). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلَفِ [1118] قال ابنُ حزمٍ: (فوقت المغرب عند ابن أبي ليلى، وسفيان الثوري، ومالك، والشافعي، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، والحسن بن حي، وداود وغيرهم -: يخرج ويدخُل وقتُ صلاة العتمة بمغيب الحمرة، وهو قولُ أحمد بن حنبل، وإسحاق) ((المحلى)) (2/224). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (واختلفوا في آخِرِ وقت المغرب بعد إجماعهم على أنَّ وقتها غروب الشمس؛ فالظاهر من قول مالك: أنَّ وقتها وقت واحد عند مغيب الشمس، وبهذا تواترتِ الروايات عنه، إلَّا أنه قال في الموطأ: فإذا غاب الشفق فقد خرج وقتُ المغرب ودخل وقتُ العشاء، وبهذا قال أبو حنيفة، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، وابن حي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، والطبري، كلُّ هؤلاء يقولون: آخر وقت المغرب مغيب الشفق، والشفق عندهم الحمرة) ((الاستذكار)) (1/28). ، وهو قولُ أكثرِ أهلِ العِلمِ [1119] قال النوويُّ: (واختلفوا في الشَّفق، فمذهبنا أنَّه الحمرة، ونقله صاحبُ التهذيب عن أكثر أهل العلم، ورواه البيهقي في السنن الكبير عن عُمر بن الخطاب، وعليِّ بن أبي طالب، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وعُبادة بن الصامت، وشدَّاد بن أوس رضي الله عنهم، ومكحول، وسفيان الثوري، ورواه مرفوعًا إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وليس بثابت مرفوعًا، وحكاه ابن المنذر عن ابن أبي ليلى، ومالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وهو قول أبي ثور، وداود) ((المجموع)) (3/42). ، واختيارُ القرطبيِّ قال القرطبيُّ - في أنَّ المقصود بالشفق الحمرة -: (الاختيار الأول؛ لأنَّ أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء عليه، ولأنَّ شواهد كلام العرب والاشتقاق والسُّنة تشهد له) ((تفسير القرطبي)) (19/275). ، وابنِ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (ووقت المغرب: إلى مغيب الشفق) ((مجموع الفتاوى)) (22/74 - 75). ، وابنِ القيِّمِ قال ابنُ القيِّم: (المثال الرابع والستون: ردُّ السنة الثابتة المحكمة الصريحة في امتداد وقت المغرب إلى سقوط الشَّفق، كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرَ، عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «وقتُ صلاة الظهر ما لم تحضُرْ صلاة العصر، ووقت صلاة العصر ما لم تصفرَّ الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يسقطْ نورُ الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نِصف الليل، ووقتُ صلاة الفجر ما لم تطلعِ الشمس»، وفي صحيحه أيضًا عن أبي موسى: «أنَّ سائلًا سأل رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن المواقيت فذكر الحديث، وفيه: ثم أمَرَه فأقام المغربَ حين وجبت الشَّمس، فلمَّا كان في اليوم الثاني قال: ثم أخَّر المغرب حتى كان عند سقوط الشَّفق - وفي لفظ: فصلى المغربَ قبل أن يغيب الشفق - ثم قال: الوقت ما بين هذين»، وهذا متأخِّر عن حديث جبريل؛ لأنه كان بمكَّة، وهذا قول، وذلك فعل، وهذا يدلُّ على الجواز، وذلك يدلُّ على الاستحباب، وهذا في الصحيح، وذلك في السنن، وهذا يوافق قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وقتُ كلِّ صلاة ما لم يدخلْ وقت التي بعدها»، وإنما خصَّ منه الفجر بالإجماع؛ فما عداها من الصلوات داخلٌ في عمومه، والفعل إنما يدلُّ على الاستحباب؛ فلا يعارض العام ولا الخاص) ((إعلام الموقعين)) (2:/290 - 291). ، والصَّنعانيِّ قال الصنعانيُّ: (... وآخِرُه «أي: وقت المغرب» "ما لم يَغِبِ الشَّفَقُ"، وفيه دليلٌ على اتِّساعِ وقت الغروب، وعارَضَه حديث جبريل؛ فإنَّه صلَّى به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المغرب في وقت واحدٍ في اليومين، وذلك بعد غروب الشمس، والجمع بينهما: أنه ليس في حديث جبريلَ حصرٌ لوقتهما في ذلك، ولأنَّ أحاديثَ تأخير المغرب إلى غروب الشفق متأخِّرةٌ؛ فإنَّها في المدينة، وإمامة جبريل في مكَّة، فهي زيادة تَفضَّلَ اللهُ بها) ((سبل السلام)) (1/107). ، والشوكانيِّ [1124] قال الشوكانيُّ: (وآخره - أي المغرب - ذهابُ الشفق الأحمر) ((السيل الجرار)) (1/113). ، والشِّنقيطيِّ قال الشِّنقيطيُّ: (والتحقيق أنَّ وقت المغرب يمتدُّ ما لم يغب الشفق) ((أضواء البيان)) (1/286). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (فالمغربُ ينتهي وقتُها بغُروبِ الشَّفَق الأحمر من جِهة المغربِ) ((فتاوى نور على الدرب)) (7/8). ، وابنِ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (ووقت المغرب: من غروب الشَّمسِ إلى مغِيبِ الشَّفَق، وهو الحُمرة التي تعْقُب غُروبَ الشمسِ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/481). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمة [1128] جاء في فتوى اللَّجنة الدَّائمة: (ووقتُ المغربِ من غُروبِ الشَّمْسِ إلى أن يَغيبَ الشَّفَقُ الأحمر) ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (6/115). الأدلَّة من السُّنَّة: 1- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((وقتُ الظهرِ إذا زالتِ الشمسُ وكان ظلُّ الرَّجُلِ كطولِه، ما لم يَحضُرِ العصرُ، ووقتُ العصرِ ما لم تَصفرَّ الشمسُ، ووقتُ صلاةِ المغربِ ما لم يَغِبِ الشفقُ... )) رواه مسلم (612). 2- عن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتاه سائلٌ يسأله عن مواقيتِ الصَّلاة، فلم يردَّ عليه شيئًا)).. وفيه: ((ثم أخَّرَ المغربَ حتى كان عندَ سقوطِ الشَّفقِ، ثم أخَّر العِشاءَ حتى كان ثُلُثُ الليلِ الأوَّلُ، ثم أصبح فدعَا السائلَ، فقال: الوقتُ بين هذَينِ )) [1130] رواه مسلم (614). وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ الشَّفقَ المعروفَ عند العربِ أنَّه الحُمرةُ، وهو مشهورٌ في شِعرِهم ونَثرِهم [1131] ((المجموع)) للنووي (3/43). المسألة الثالثة: تعجيلُ صَلاةِ المَغربِ تعجيلُ صلاةِ المغربِ والمبادرةُ إليها في أوَّلِ وقتِها أفضلُ من تأخيرِها. الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة 1- عن رافعِ بنِ خَديجٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((كنَّا نُصلِّي المغربَ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فينصرفُ أحدُنا، وإنَّه لَيُبْصِرُ مواقعَ نَبلِه )) [1132] رواه مسلم (637). 2- عن سَلمةَ بن الأكوعِ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي المغربَ إذا غرَبتِ الشَّمسُ، وتوارتْ بالحِجابِ )) [1133] رواه مسلم (636). وَجْهُ الدَّلالَةِ: يُفهَمُ من هذَينِ الحديثينِ أنَّ المغربَ تُعجَّلَ عقِبَ غروبِ الشَّمسِ [1134] ينظر: (شرح مسلم)) للنووي (5/136). ثانيًا: مِنَ الإجماعِ نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذرِ قال ابنُ المنذر: (أجمع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العِلم على أنَّ تعجيلَ صلاة المغرب أفضلُ من تأخيرها) ((الأوسط)) (3/50). ، وابنُ عبدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وقد أجمَعَ المسلمون على تفضيلِ تعجيل المغرِب) ((التمهيد)) (4/342). ،وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامة: (وأمَّا المغرِب فلا خلافَ في استحباب تقديمها في غير حال العُذر، وهو قول أهل العِلم من أصحاب رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَن بعدهم) ((المغني)) (1/284). ، والقرطبيُّ قال القرطبيُّ: (اتَّفقتِ الأمَّة فيها -أي صلاة المغرب- على تعجيلِها والمبادرةِ إليها في حينِ غُروبِ الشَّمسِ؛ قال ابن خويز منداد: ولا نعلم أحدًا من المسلمينَ تأخَّر بإقامةِ المغرب في مسجدِ جماعةٍ عن وقتِ غروبِ الشَّمس) ((تفسير القرطبي)) (10/305). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (المغربُ تُعجَّل عقبَ غروبِ الشَّمْسِ، وهذا مُجمَعٌ عليه) ((شرح النووي على مسلم)) (2/426).