الفَرْعُ الرَّابِعُ: المُضارَبةُ بالدَّيْنِ
المَسْألةُ الأُولى: المُضارَبةُ بدَيْنٍ في ذِمَّةِ العامِلِاخْتَلَفَ العُلَماءُ في المُضارَبةِ بدَيْنٍ في ذِمَّةِ العامِلِ المُضارِبِ
على قَوْلَينِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: لا تَجوزُ المُضارَبةُ بدَيْنٍ في ذِمَّةِ العامِلِ المُضارِبِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأرْبَعةِ: الحَنَفِيَّةِ
، والمالِكِيَّةِ
، والشَّافِعِيَّةِ
، والحَنابِلةِ
، وحُكِيَ الإجْماعُ على ذلك
.
وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّه يَؤولُ إلى كَوْنِه سَلَفًا بزِيادةٍ
.
ثانِيًا: لأنَّ الدَّيْنَ في الذِّمَّةِ مِلْكٌ لمَن هو عليه، ولا يَملِكُه رَبُّه إلَّا بقَبْضِه، ولم يُوجَدْ
.
القَوْلُ الثَّاني: تَجوزُ المُضارَبةُ بدَيْنٍ في ذِمَّةِ العامِلِ المُضارِبِ، وهو قَوْلُ أَشهَبَ مِن المالِكِيَّةِ
، ووَجْهٌ عنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
، وقَوْلٌ لبعضِ الحَنابِلةِ
، وهو اخْتِيارُ
ابنِ القَيِّمِ
.
وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّه اشْتَرى شَيئًا للمُضارَبةِ بإذْنِ مالِكِه، ودَفَعَ الثَّمَنَ إلى مَن أَذِنَ له في دَفْعِ الثَّمَنِ إليه، فتَبرَأُ ذِمَّتُه مِنه
.
ثانِيًا: لأنَّه يَجوزُ أن يَقبِضَ مِن نَفْسِه لمُوَكِّلِه
.
ثالِثًا: لأنَّه بمَنزِلةِ الوَكيلِ؛ فهو كما لو قالَ: اشْتَرِ لي سِلْعةً بألْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قالَ: ادْفَعِ الألْفَ الَّذي لي عليك في ثَمَنِها
.
رابِعًا: لا يوجَدُ دَليلٌ يَمنَعُ مِن جَوازِ ذلك، ولا يَقْتَضي تَجْويزُه مُخالَفةَ قاعِدةٍ مِن قَواعِدِ الشَّرْعِ، ولا وُقوعًا في مَحْظورٍ مِن رِبًا ولا قِمارٍ ولا بَيْعِ غَرَرٍ، ولا مَفْسَدةَ في ذلك بوَجْهٍ ما؛ فلا يَليقُ بمَحاسِنِ الشَّريعةِ المَنْعُ مِنه. وتَجْويزُه مِن مَحاسِنِ الشَّريعةِ ومُقْتَضاها
.
المَسْألةُ الثَّانيةُ: المُضارَبةُ بدَيْنٍ على غَيْرِ العامِلِتَجوزُ المُضارَبةُ بدَيْنٍ على غَيْرِ العامِلِ
، وهو مَذهَبُ الحَنَفِيَّةِ
، والحَنابِلةِ
، واخْتِيارُ
ابنِ عُثَيْمينَ
.
وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّ المُضارَبةَ هنا أُضيفَتْ إلى المَقْبوضِ، فكانَ رأسُ المالِ عَيْنًا لا دَيْنًا
.
ثانِيًا: لأنَّ هذا تَوْكيلٌ بالقَبْضِ وإضافةٌ للمُضارَبةِ إلى ما بَعْدَ قَبْضِ الدَّيْنِ، وذلك جائِزٌ
.
ثالِثًا: لأنَّه وَكَّلَه في قَبْضِ الدَّيْنِ، وعَلَّقَ المُضارَبةَ على القَبْضِ، وهو صَحيحٌ
.