المَطلَب الثَّاني: الطَّهارَةُ مِن النَّجَسِ
تمهيد: الطهارةُ من النَّجسِ في البَدنِ والثَّوبِ والمكانِ شرطٌ في صحَّةِ الصَّلاة، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة
، والشافعيَّة
، والحنابلة
، وهو قول للمالكيَّة
، وحُكيَ عن عامَّة العلماءِ
، وحُكيَ الإجماع على ذلك
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتابقول الله تعالى:
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر: 4، 5]ثانيًا: من السُّنَّة1- عن
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحائطٍ من حيطانِ المدينةِ، أو مكَّةَ، فسَمِعَ صوتَ إنسانينِ يُعذَّبانِ في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يُعذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ))، ثم قال:
((بَلَى، كان أحدُهما لا يَستتِرُ من بولِه
، وكان الآخَرُ يَمشِي بالنَّميمةِ ))
2- عن
عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّها قالتْ: قالتْ فاطمةُ بنتُ أبي حُبَيشٍ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رسولَ اللهِ، إنِّي لا أَطهرُ؛ أفأدَعُ الصَّلاةَ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّما ذلكِ عِرقٌ، وليس بالحَيضةِ، فإذا أقبلتِ الحيضةُ فاتْرُكي الصَّلاةَ، فإذا ذهَبَ قَدرُها، فاغْسِلي عنكِ الدَّمَ وصَلِّي ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ الموجِبَ للأمْرِ بتطهيرِ الثَّوبِ من دمِ
الحيض كونُه نجسًا، ولا خُصوصيةَ له بذلك؛ فيُلحَقُ به كلُّ ما كان نجسًا؛ فإنَّه يجِبُ تطهيرُه
3- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قام أعرابيٌّ فبال في المسجِدِ، فتناوله الناسُ، فقال لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((دَعُوه وهَرِيقوا على بولِه سَجْلًا من ماءٍ، أو ذَنوبًا من ماءٍ؛ فإنَّما بُعِثتُم مُيسِّرين، ولم تُبعَثوا مُعسِّرينَ ))
4- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: بينما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي بأصحابِه إذ خَلَعَ نَعليهِ فوضَعَهما عن يَسارِه، فلمَّا رأى ذلك القومُ ألْقَوْا نِعالَهم، فلمَّا قضَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاتَه، قال:
((ما حمَلَكم على إلقاءِ نِعالِكم؟))، قالوا: رَأيناكَ ألقيتَ نَعليكَ فأَلْقَيْنا نِعالَنا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ جِبريلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتاني فَأخبَرنِي أنَّ فيهما قَذرًا - أو قال: أذًى - وقال: إذا جاءَ أحدُكم إلى المسجدِ، فلينظرْ؛ فإنْ رأى في نَعليه قذرًا أو أذًى فلْيَمْسَحْه، ولْيُصلِّ فيهما ))
الفرعُ الأول: إزالةُ النَّجاسةِ عندَ العَجزِ والضَّررِفي حالِ العجزِ أو الضررِ مِن إزالةِ النَّجاسةِ، فإنَّه يُصلِّي بها، ولا يُعيدُ الصَّلاة
، وهذا مذهبُ الحنفيَّة
، وهو روايةٌ عندَ الحنابلةِ
، واختارَه
ابنُ قُدامةَ
، و
ابنُ تَيميَّة
، و
ابنُ باز
، و
ابنُ عُثَيمين
الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّةعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((دَعُوني ما تَركتُكم؛ إنَّما هلَك مَن كان قَبلَكم بسؤالِهم واختلافِهم على أنبيائِهم، فإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنِبوه، وإذا أمرتُكم بأمْرٍ فأتُوا منه ما استطعتُم ))
ثانيًا: أنَّ إزالةَ النجاسةِ عن الثوبِ والبدنِ والمكانِ شرطٌ لصِحَّةِ الصَّلاةِ عندَ القُدرةِ؛ فتَسقُطُ عندَ العجزِ، كالسُّترة
ثالثًا: قياسًا على المريضِ العاجزِ عن بعضِ الأركانِ
الفرعُ الثاني: إزالةُ النَّجاسةِ أَثناءَ الصَّلاةِإذا أصابتْ نجاسةٌ ثوبَ المُصلِّي أو بدنَه أثناءَ الصَّلاة، فأَزالها ولم يَبقَ لها أثرٌ، فصلاتُه صحيحةٌ.
الدَّليل من الإجماع:نقَل الإجماعَ على ذلك:
النوويُّ
، و
ابنُ حجرٍ
الفرعُ الثالث: الصَّلاةُ بالنَّجاسةِ ناسيًا أو جاهلًا مَن صلَّى وعليه نجاسةٌ ناسيًا أو جاهلًا، فصلاتُه صحيحةٌ ولا إعادةَ عليه، وهو روايةٌ عن
الإمامِ أحمدَ
، وقول
الشافعيِّ في القديمِ
، وهو اختيارُ ابنِ المنذرِ
،
والنوويِّ
، و
ابنِ تَيميَّة
، و
ابنِ القيِّم
و
ابنِ باز
و
ابنِ عُثيمين
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى:
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286]وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ المؤاخذةَ إنما تكون على ما تَعمَّدَه الإنسانُ، بخِلافِ ما وقَع فيه خطأً أو نسيانًا.
ثانيًا: من السُّنَّة1- عن أبي سَعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال:
((بينما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي بأصحابِه إذ خَلَعَ نَعليهِ فوضَعَهما عن يسارِه، فلمَّا رأى القومُ ذلِك ألْقَوْا نِعالَهم، فلمَّا قضَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاتَه قال: ما حمَلَكم على إلقائِكم نِعالَكم؟ قالوا: رأيناكَ ألْقَيتَ نَعليكَ فألْقَيْنا نِعالَنا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ جِبريلَ عليه السلامُ أتاني فأَخبَرني أنَّ فيهما قذرًا ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: لو كان الثوبُ النَّجِسُ المجهولُ نجاستُه تَبطُل به الصَّلاةُ لأعادَها مِن أوَّلها
2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن نَسِي وهو صائمٌ فأكَل أو شَرِبَ، فلْيُتمَّ صَومَه ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:الأكْلُ والشُّرْب في الصِّيامِ فِعلٌ محظورٌ، والصَّلاةُ في ثوبٍ نجسٍ فِعلٌ محظورٌ أيضًا؛ فلمَّا سقَط حُكمُه بالنِّسيانِ في بابِ الصِّيامِ قِيسَ عليه حُكمُه بالنِّسيانِ في بابِ الصَّلاةِ
الفرعُ الرابع: اشتباهُ ثيابٍ طاهرةٍ بنَجِسَةٍ أو مُحرَّمةٍ إذا اشتبهتْ ثيابٌ طاهرةٌ بثيابٍ نجسةٍ أو بثيابٍ مُحرَّمةٍ، كأنْ يكونَ الثوبُ مسروقًا أو مغصوبًا؛ فإنَّه يتحرَّى
، ويُصلِّي بإحداها،، وهذا مذهبُ الحنفيَّة
، والشافعيَّة
، وهو قولٌ للمالكيَّة
، واختارَه
ابنُ عَقيلٍ الحنبليُّ
، و
ابنُ تيميَّة
، و
ابنُ عُثَيمين
، ونقَلَه القاضي أبو الطيِّب عن أكثرِ العلماءِ
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن
عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه، فليتحرَّ الصَّوابَ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه دليلٌ صريح على ثبوتِ التَّحرِّي في المشتبهات
ثانيًا: قياسًا على الاجتهادِ في الأحكامِ، والاجتهادِ في القِبلةِ، وعلى تقويمِ المُتلَفاتِ، وإنْ كان قد يقَعُ في ذلك كلِّه الخطأُ
ثالثًا: أنَّ القاعدةَ تنصُّ على أنَّه إذا تَعذَّرَ اليقينُ رُجِعَ إلى غَلبةِ الظنِّ، وهنا تَعذَّر اليقينُ فنرجِعُ إلى غَلبةِ الظنِّ، وهو التَّحرِّي
الفَرعُ الخامس: الصَّلاةُ في ثِيابِ أهلِ الكِتابِالمَسألةُ الأولى: ما نَسجَه الكُفَّارُتُباحُ الصَّلاةُ في الثوبِ الذي يَنسِجُه الكفَّارُ.
الدَّليلُ مِنَ الإِجْماع: نقَل الإجماعَ على ذلك:
ابنُ قُدامةَ
المَسألةُ الثَّانيةُ: ما لَبِسَه الكفَّارُتجوزُ الصَّلاةُ فيما لبِسَه الكفَّارُ
، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة
، والشافعيَّة
، والحنابلة
، وهو قول الظاهريَّة
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتابعمومُ قولِ الله تعالى:
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29] ثانيًا: استصحابُ الأصلِ: فالأصلُ الطهارةُ، ولم يترجَّحِ التنجيسُ فيه؛ فلا يثبتُ بالشكِّ، أشبهَ ما نَسَجَه الكفَّارُ
ثالثًا: أنَّ التوارثَ جارٍ فيما بين المسلمينَ بالصَّلاة في الثِّيابِ المغنومةِ من الكَفَرةِ قبلَ الغَسلِ