الموسوعة الفقهية

الفَرْعُ الرَّابِعُ: إجارةُ الأرْضِ بجُزءٍ مُشاعٍ مَعْلومٍ ممَّا يَخرُجُ مِنها


يُباحُ إجارةُ الأرْضِ بجُزءٍ مُشاعٍ مَعْلومٍ مِمَّا يَخرُجُ مِنها كالنِّصْفِ والثُّلُثِ والرُّبُعِ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ ، وقَوْلُ أبي يوسُفَ ومُحمَّدٍ، وعليه الفَتْوى عنْدَ الحَنَفِيَّةِ ، واخْتارَه بعضُ المالِكِيَّةِ ، وابنُ حَزْمٍ ، وابنُ تَيْمِيَّةَ ، وابنُ القَيِّمِ ، وابنُ بازٍ .
الأَدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن نافِعٍ أنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أَخبَرَه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عامَلَ خَيْبَرَ بشَطْرِ ما يَخرُجُ مِنها مِن ثَمَرٍ أو زَرْعٍ، فكانَ يُعْطي أزْواجَه مِئةَ وَسْقٍ؛ ثَمانونَ وَسْقَ تَمْرٍ، وعِشْرونَ وَسْقَ شَعيرٍ)) .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه فِعْلُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو يَدُلُّ على الجَوازِ .
ثانِيًا: لأنَّها عَقْدُ شَرِكةٍ بمالٍ مِن أحَدِ الشَّريكَينِ، وعَمَلٍ مِن الآخَرِ، فيَجوزُ اعْتِبارًا بالمُضارَبةِ، والجامِعُ دَفْعُ الحاجةِ؛ فإنَّ صاحِبَ المالِ قد لا يَهْتَدي إلى العَمَلِ، والمُهْتَديَ إليه قد لا يَجِدُ المالَ، فمَسَّتِ الحاجةُ إلى انْعِقادِ هذا العَقْدِ بَيْنَهما .
ثالِثًا: لأنَّها شَريعةٌ مُتوارَثةٌ لتَعامُلِ السَّلَفِ والخَلَفِ بذلك مِن غَيْرِ إنْكارٍ .

انظر أيضا:

  1. (1) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/234)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/559).
  2. (2) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/278)، ((الفتاوى الهندية)) (5/235).
  3. (3) ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (3/372).
  4. (4) قالَ ابنُ حَزْمٍ: (وإنَّما الحَقُّ الواضِحُ فهو أنَّه -عليه السَّلامُ- أَعْطى أرْضَها بنِصْفِ ما يَخرُجُ مِنها مِن زَرْعٍ، وأَعْطى نَخْلَها وثِمارَها كذلك، فنحن نقولُ: هذا سُنَّةٌ وحَقٌّ أبَدًا، ولا نَزيدُ، ونَعلَمُ أنَّه ناسِخٌ لِما تَقَدَّمَه مِمَّا لا يُمكِنُ الجَمْعُ بَيْنَهما بظاهِرِهما). ((المحلى)) ( 7/53، 54).
  5. (5) قالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ: (المُزارَعةُ على الأرْضِ بشَطْرِ ما يَخرُجُ مِنها جائِزٌ سواءٌ كانَ البَذْرُ مِن رَبِّ الأرْضِ أو مِن العامِلِ. وهذا هو الصَّوابُ الَّذي دَلَّت عليه سُنَّةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسُنَّةُ خُلَفائِه الرَّاشِدينَ. فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عامَلَ أهْلَ خَيْبَرَ بشَطْرِ ما يَخرُجُ مِنها مِن ثَمَرٍ وزَرْعٍ على أن يَعْمُروها مِن أمْوالِهم، وهذا مَذهَبُ أَكثَرِ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ). ((مجموع الفتاوى)) (30/121).
  6. (6) قالَ ابنُ القَيِّمِ: (أَقَرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُضارَبةَ على ما كانَت عليه قَبْلَ الإسْلامِ، فضارَبَ أصْحابُه في حَياتِه وبَعْدَ مَوْتِه، وأَجمَعَتْ عليها الأمَّةُ، ودَفَعَ خَيْبَرَ إلى اليَهودِ يَقومونَ عليها ويَعْمُرونَها مِن أمْوالِهم بشَطْرِ ما يَخرُجُ مِنها مِن ثَمَرٍ أو زَرْعٍ، وهذا كأنَّه رأيُ عَيْنٍ، ثُمَّ لم يَنسَخْه ولم يَنْهَ عنه، ولا امْتَنَعَ مِنه خُلفاؤُه الرَّاشِدونَ وأصْحابُه بَعْدَه، بلْ كانوا يَفعَلونَ ذلك بأراضيهم وأمْوالِهم؛ يَدفَعونَها إلى مَن يَقومُ عليها بجُزءٍ ممَّا يَخرُجُ مِنها). ((إعلام الموقعين)) (4/21). ويُنظَرُ: ((إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)) لابن القيم (2/42).
  7. (7) قالَ ابنُ بازٍ: (يَجوزُ تَأجيرُ الأرضِ بشيءٍ مَعْلومٍ، كالدَّراهِمِ والأصْواعِ المَعْلومةِ، كما قالَ رافِعُ بنُ خَديجٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه قالَ: «فأمَّا شيءٌ مَعْلومٌ مَضْمونٌ فلا بأسَ به» فتَأجيرُ الأرْضِ بشيءٍ مَعْلومٍ مِن دَراهِمَ أو دَنانيرَ، أو آصُعٍ مَعْلومةٍ مِن جِنْسِ ما يَخرُجُ مِنها، أو غَيْرِه- لا بأسَ بِذلك، هذا هو الَّذي عليه أهْلُ العِلمِ، وهو الحَقُّ، وإن كانَ بعضُ النَّاسِ قد خالَفَ في ذلك، لكن خِلافٌ لا وَجْهَ له، والصَّوابُ أنَّه يَجوزُ تَأجيرُها بجُزءٍ مُشاعٍ ممَّا يَخرُجُ مِنها، كالرُّبُعِ أو الثُّلُثِ، ونَحْوِ ذلك، ويَجوزُ تَأجيرُها بشيءٍ مَضْمونٍ مَعْلومٍ، كمِئةِ دِرْهَمٍ، ألْفِ دِرْهَمٍ، ألْفِ صاعٍ، ألْفِ كيلو مِن الحِنْطةِ، مِن الأَرُزِّ، مِن الشَّعيرِ، كلُّ هذا لا بأسَ بهـ). ((فتاوى نور على الدرب)) (19/253).
  8. (8) أخرجه البُخارِيُّ (2328) واللَّفْظُ له، ومسلم (1551).
  9. (9) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/175).
  10. (10) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/278).
  11. (11) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/175).