الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّل: إجابةُ المُقيمِ


اختَلَفَ العلماءُ في إجابةِ المقيمِ على قولين:
القول الأوّل: يُستحَبُّ إجابةُ المقيمِ بالقولِ مثلَ ما يقولُ، إلَّا عند الحيعلةِ فيقول: لا حولَ ولا قُوَّة إلَّا بالله، وهذا مذهبُ الجمهورِ وعندهم يقول عند قوله: قد قامت الصلاة: أقامها الله وأدامها. والحديث في ذلك ضعيف، وعليه فيقول المستمع مثل المقيم: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة. يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (6/92)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/365). : الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/399)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/249). ، والشافعيَّة ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/420)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/140). ، والحنابلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/138)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/310). ، وقولٌ لبعضِ المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/132). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: (السُّنَّة أن يقول: قد قامتِ الصلاة، مِثل المؤذِّن: قد قامت الصَّلاة، قد قامت الصَّلاة. أما حديث: «أقامها الله وأدامها» فهو حديثٌ ضعيفٌ مثل ما قال السائل؛ لأنَّ في روايته شخصًا مبهمًا، أي: شخصًا مجهولًـا، والسُّنَّة أن يقول مثل ما يقولُ في أذان الفجر: الصَّلاة خيرٌ من النوم، الصلاة خيرٌ من النوم، مثل المؤذِّن، وهكذا في الإقامة: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة؛ لقول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إذا سمعتُم المؤذِّن فقولوا مِثلَ ما يقول» رواه الشيخان من حديث أبي سعيدٍ رضي الله عنه). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/149). ، والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (وعلى مَن يَسمَعُ الإقامةَ مثل ما على مَن يَسمع الأذانَ، من الإجابةِ، والصلاة على النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وطلب الوسيلةِ له، كما سبق بيانُه... ولأنَّ الإقامة أذانٌ لُغةً، وكذلك شرعًا؛ لقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «بَينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ» يعني: أذانًا وإقامة). ((الثمر المستطاب)) (1/214). ، وحُكي الإجماع على ذلك قال الحصكفي: ("ويجيب الاقامة" ندبا إجماعا "كالأذان"). ((الدر المختار)) (ص: 57).
الأدلة من السُّنَّة:
1- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا سَمِعتُم النِّداءَ فقولوا مثلَ ما يقولُ المؤذِّنُ )) أخرجه البخاري (611)، ومسلم (383).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ عامٌّ؛ فيَدخُل فيه الأذانُ والإقامةُ؛ لأنَّ كُلًّا منهما نِداءٌ إلى الصَّلاة، صدَر من المؤذِّنِ ((فتح الباري)) لابن رجب (3/457).
2- عمومُ قَوْلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا سَمِعْتُم المؤَذِّنَ فقولوا مِثْلَما يقولُ...)) [763] رواه مسلم (384).
وَجْهُ الدَّلالَة
أنَّ الإقامةَ أذانٌ لغةً وكذلك شَرْعًا؛ لِقَوْلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (بينَ كُلِّ أذانينِ صلاةٌ) يعني: أذانًا وإقامةً ((الثمر المستطاب)) للألباني (1/214).
القول الثاني: أنَّه لا يُسَنُّ إجابةُ المقيمِ قال ابن رجبٍ: (وقد نقل المروذي عن الإمامِ أحمدَ: أنَّه كان إذا أخذ المؤذِّنُ في الإقامَةِ رفَعَ يديه ودعا. ورُوِيَ عنه، أنَّه كان يدعو، فإذا قال المؤذن: "لا إله إلا الله" قال: لا إله إلا اللهُ الحقُّ المبينُ. وظاهر هذا: أنَّ الدُّعاءَ حينئذ أفضَلُ من الإجابة). ((فتح الباري)) (3/457). ، وهو قولٌ عند الحنفيَّة قال الحصكفيُّ: ( "ويُجيب الإقامةَ" ندبًا إجماعًا (كالأذانِ)،... (وقيل لا) يُجيبُها، وبه جزَم الشمنيُّ). ((الدر المختار)) (1/400). وقال ابن نجيم: (وفي شرح النقاية: ومَن سمِع الإقامةَ لا يُجيبُ). ((البحر الرائق)) (1/273). ، وقولٌ عندَ المالكيَّة قال الحطَّاب: (الحادي عشر: قال الشيخُ زروق في شرح الوغليسية: ولا يَحكي الإقامةَ. قلت: قد يُفهَم هذا أيضًا من كلامِ ابن رشد المذكورِ، لكن وقَع في الطراز ما يقتضي أنَّه يَحكي الإقامةَ؛ فإنَّه قال في شرح قول المدوَّنة: إذا فرغ المؤذِّن من الإقامة انتظَر الإمامُ قدْرَ تسويةِ الصفوف، وذكر قول أبي حنيفة أنَّه يحرُم عند قول المؤذِّن: قد قامت الصلاةُ، ثم أخَذَ يُوجِّه قولَ مالكٍ، فقال: ولأنَّ في جواب المؤذن فضيلةً وفي حضورِ تكبيرةِ الإحرام فضيلةً، فيُجمَع بين الأمرين بالانتظارِ، يجاوب الإمام المؤذِّن، ويدرك المؤذِّنُ التكبيرَ. انتهى. فتأمَّله). ((مواهب الجليل)) (2/132). ، ووجه للشافعية واستثنوا  كلمة الإقامة. قال النوويُّ: (ويُستحَبُّ أن يتابِعَه في ألفاظِ الإقامَةِ إلَّا أنَّه يقول في كلمةِ الإقامة: أقامَها اللهُ وأدامَها، هكذا قطع به الأصحابُ إلا الغزالي، فحكى في البسيط عن صاحب التقريب وجهًا أنه لا يُستحَبُّ متابعَتُه إلَّا في كلمة الإقامةِ). ((المجموع)) (3/118). وقال ابن رجب: (والقول الثاني: أنَّه لا يُشرَعُ الإجابةُ فيها، إلَّا في كلمةِ الإقامةِ خاصة، وهو وجهٌ للشافعيَّة). ((فتح الباري)) (3/457). ، واستظهره ابنُ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (ظاهرُ كلام المؤلِّف أنَّه لا تُسَنُّ متابعةُ المقيمِ، وهو أظهر). ((الشرح الممتع)) (2/91).
وذلك لعدمِ وجودِ دليلٍ صحيحٍ على ذلك ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/92).

انظر أيضا: