الموسوعة الفقهية

الفَرْعُ الثَّاني: أخْذُ الأُجْرةِ على تَعْليمِ قِراءةِ القُرآنِ


يَجوزُ أخْذُ الأُجْرةِ على تَعْليمِ قِراءةِ القُرآنِ ، وهو مَذهَبُ المالِكِيَّةِ ، والشَّافِعِيَّةِ ، وروايةٌ عِنْدَ الحَنابِلةِ ، وبه أَفْتَتِ اللَّجْنةُ الدَّائِمةُ ، وهو قَوْلُ ابنِ بازٍ ، وابنِ عُثَيْمينَ .
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
1 - عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنه: ((أنَّ نَفَرًا مِن أصْحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَرُّوا بماءٍ فيهم لَديغٌ أو سَليمٌ، فعَرَضَ لهم رَجُلٌ مِن أهْلِ الماءِ، فقالَ: هل فيكم مِن راقٍ، إنَّ في الماءِ رَجُلًا لَديغًا أو سَليمًا؟ فانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنهم، فقَرَأَ بفاتِحةِ الكِتابِ على شاءٍ، فبَرَأَ فجاء بالشَّاءِ إلى أصْحابِه، فكَرِهوا ذلك، وقالوا: أَخَذْتَ على كِتابِ اللهِ أجْرًا! حتَّى قَدِموا المَدينةَ، فقالوا: يا رَسولَ اللهِ، أخَذَ على كِتابِ اللهِ أجْرًا، فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أحَقَّ ما أَخَذْتُم عليه أجْرًا كِتابُ اللهِ)) .
2 - عن أبي سَعيدٍ الخُدَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ ناسًا مِن أصْحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أتَوا على حَيٍّ مِن أحْياءِ العَرَبِ، فلم يُقْروهم، فبَيْنَما هُمْ كذلك إذ لُدِغَ سَيِّدُ أولئك، فقالوا: هلْ معَكم مِن دَواءٍ أو راقٍ؟ فقالوا: إنَّكم لم تُقْرونا، ولا نَفعَلُ حتَّى تَجْعلوا لنا جُعْلًا، فجَعلوا لهم قَطيعًا مِن الشَّاءِ، فجَعَلَ يَقرَأُ بأمِّ القُرآنِ، ويَجمَعُ بُزاقَه ويَتفُلُ، فبَرَأَ، فأتَوا بالشَّاءِ، فقالوا: لا نَأخُذُه حتَّى نَسأَلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسألوه فضَحِكَ، وقالَ: وما أَدْراك أنَّها رُقْيةٌ؟ خُذوها، واضْربوا لي بسَهْمٍ)) .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ فيه تَصْريحًا بجَوازِ أخْذِ الأُجْرةِ على الرُّقْيةِ بالفاتِحةِ والذِّكْرِ، وأنَّها حَلالٌ لا كَراهةَ فيها، وكَذا الأُجْرةُ على تَعْليمِ القُرآنِ .
ثانِيًا: لأنَّ الاسْتِئْجارَ لتَعْليمِ القُرآنِ عَمَلٌ مَعْلومٌ ببَدَلٍ مَعْلومٍ، فيَجوزُ .

انظر أيضا:

  1. (1) ويُقاسُ عليه تعاليمُ الشَّرعِ الأُخرى.
  2. (2) ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (7/42)، ((منح الجليل)) لعليش (7/476، 495، 499). ويُنظَرُ: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (7/23).
  3. (3) ((فتح العزيز)) للرافعي (12/279، 280)، ((المجموع)) للنووي (7/120)، ((روضة الطالبين)) للنووي (5/187) و(1/205).
  4. (4) ((الفروع)) لمحمد بن مفلح (5/269، 270)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/298)، و(6/35).
  5. (5) جاءَ في فَتْوى اللَّجْنةِ الدَّائِمةِ: (يَجوزُ أخْذُ الأجْرِ على تَعْليمِ القُرآنِ على الصَّحيحِ مِن أقْوالِ أهْلِ العِلمِ؛ لقَوْلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّ أحَقَّ ما أخَذْتُم عليه أجْرًا كِتابُ اللهِ»، ولأنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زَوَّجَ رَجُلًا امْرأةً بتَعْليمِه إيَّاها ما معَه مِن القُرآنِ، وكانَ ذلك صَداقَها، وكَذا يَجوزُ أخْذُ الأجْرِ الَّذي تَمنَحُه الجِهاتُ المُخْتَصَّةُ للأئِمَّةِ والمُؤَذِّنينَ والدُّعاةِ ومُدَرِّسي العُلومِ الشَّرْعيَّةِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (12/273).
  6. (6) قالَ ابنُ بازٍ: (لا حَرَجَ في أخْذِ الأُجْرةِ على تَحْفيظِ القُرآنِ وتَعْليمِ القُرآنِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (19/340).
  7. (7) قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (إذا اسْتأجَرَ شَخْصًا يُعلِّمُه القُرآنَ ففيه خِلافٌ، والصَّحيحُ أنَّه جائِزٌ؛ لأنَّ التَّعْليمَ مُتَعَدٍّ لا يَخْتَصُّ بالمُعلِّمِ، بل يَتَعدَّى إلى المُتَعلِّمِ). ((التعليق على الكافي)) (6/199-203).
  8. (8) أخرجه البُخارِيُّ (5737).
  9. (9) أخرجه البُخارِيُّ (5736) واللَّفظُ له، ومسلم (2201).
  10. (10) ((شرح مسلم)) للنووي (14/188).
  11. (11) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/191).