الموسوعة الفقهية

المبحث التاسع: عدَمُ الخُروجِ مِنَ المَسجِدِ بعدَ الأذانِ


اختَلَف العلماءُ في حُكمِ الخُروجِ من المسجدِ بعدَ الأذانِ قالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (عن أشعثَ بن أبي الشعثاء، عن أبيه، قال: سمعتُ أبا هريرة ورأى رجلًا يجتازُ في المسجد ويخرج بعد الأذان، فقال: أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال أبو عمر: أجمَعوا على القولِ بهذا الحديثِ لِمَن لم يُصلِّ، وكان على طهارةٍ، وكذلك إذا كان قد صلَّى وحده إلَّا لِمَا لا يُعاد من الصَّلوات على ما ذَكَرْنا من مذاهبِ العلماء في ذلك عندَ ذكر حديث زيد بن أسلمَ، عن بُسر بن محجن، فإذا كان ما ذَكَرْنا، فلا يحلُّ له الخروجُ من المسجد بإجماعٍ إلَّا أن يخرج للوضوء وينويَ الرجوع). ((التمهيد)) (24/213). قال الحطَّاب بعد ذِكْرِ كلامِ ابنِ عبدِ البَرِّ السابق: (قوله: لا يَحِلُّ، أي: يُكْرَه له الخروجُ؛ لأنَّ المكروهَ ليس بحلالٍ؛ لأنَّ الحلالَ المباحَ وظاهِرُ اللفظ التحريم، وكذلك قوله: عصى أبا القاسم، وليس كذلك إنما يحرُمُ الخروجُ بالإقامة، وأمَّا قبلها فيجوز). ((مواهب الجليل)) (2/133). ، على قولين:
القول الأوّل: يُكرَهُ الخروجُ من المسجدِ بعدَ الأذانِ، إلَّا بعُذرٍ، وهذا مذهب الجمهور: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/182)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/474). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/133)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/451). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/179)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/418).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عنِ أبي الشَّعثاءِ، قال: كنَّا قعودًا في المسجدِ مع أبي هُرَيرةَ، فأذَّنَ المُؤذِّنُ، فقام رجلٌ من المسجد يَمشي، فأتْبعَه أبو هريرةَ بصرَه حتى خرَجَ من المسجدِ، فقال أبو هريرةَ: أمَّا هذا فقد عصَى أبا القاسمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) رواه مسلم (655).
حُمل هذا النص على الكراهةِ.
ثانيًا: أنَّ الأَذانَ إنَّما هو استدعاءٌ للغائبين، فإذا خرَج الحاضِرُ، فقد فعَلَ ضدَّ المُرَاد ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (3/594).
القول الثاني: يَحرُمُ الخروجُ من المسجدِ بعدَ الأذانِ بغيرِ عذرٍ، وهذا مذهبُ الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/302)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/244). ، واختاره ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (ومَن كان في المسجد فاندفع الأذانُ لم يحلَّ له الخروجُ من المسجد، إلَّا أن يكون على غير وضوء أو لضرورة). ((المحلى)) (2/183). ، والشوكانيُّ قال الشوكاني: (والحديثان يدلَّانِ على تحريم الخروج من المسجد بعدَ سماع الأذان لغيرِ الوضوء وقضاءِ الحاجة وما تدعو الضرورةُ إليه، حتى يُصلِّيَ فيه تلك الصلاةَ؛ لأنَّ ذلك المسجد قد تعيَّن لتلك الصلاةِ. قال الترمذي - بعد أن ذكر الحديث -: وعلى هذا العملُ عند أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَن بَعدَهم؛ أنْ لا يخرج أحدٌ من المسجد إلَّا مِن عُذر؛ أن يكون على غير وضوء، أو أمر لا بدَّ منهـ). ((نيل الأوطار)) (2/192). ، وابنُ باز قال ابن باز: (لا يجوز الخروجُ بعد الأذان لِمَن لا يريد الرجوع إلَّا بعذرٍ شرعيٍّ؛ لِمَا ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، «أنه رأى رجلًا خرج من المسجِدِ بعدَ الأذانِ، فقال: أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم»، أخرجه مسلم في صحيحه، وهو محمولٌ عند أهل العلم على مَن ليس له عذرٌ شرعيٌّ؛ عملًا بالأدلَّة كلِّها). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/339). ،والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (الخروجُ من المسجد بعد الأذان قبل الصلاة لا يحِلُّ؛ فقد خرج رجلٌ من المسجد بعدما أُذِّن فيه «بالعصر»، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: «أمَّا هذا فقد عَصَى أبا القاسم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم»). ((الثمر المستطاب)) (2/641). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (وذلك أنَّ المؤذِّن إذا أذَّن، فإنَّه يقولُ للنَّاسِ: حيَّ على الصَّلاةِ، يعني: أقبِلوا إليها، والخروجُ من المسجد بعد ذلك معصيةٌ؛ فإنَّه يقال: أقبِل، ولكنَّه يُدبِرُ). ((شرح رياض الصالحين)) (6/558).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عنِ أبي الشَّعثاءِ، قال: ((كنَّا قعودًا في المسجدِ مع أبي هُرَيرةَ، فأذَّنَ المُؤذِّنُ، فقام رجلٌ من المسجدِ يَمشي، فأَتْبعَه أبو هريرةَ بَصرَه حتى خرجَ من المسجدِ، فقال أبو هُرَيرةَ: أمَّا هذا فقدْ عَصَى أبا القاسمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) رواه مسلم (655).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ أبا هُرَيرَة أطلَقَ لفظَ المعصيةِ، فكأنَّه سَمِعَ ما يَقتضي تحريمَ الخروجِ مِن المسجدِ بعدَ الأذانِ ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/193).
ثانيًا: لئلَّا يُشبِهَ فِعلَ الشَّيطانِ في هروبِه؛ حتى لا يَسمَعَ النِّداءَ ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (2/235)، ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (1/275).


انظر أيضا: