الموسوعة الفقهية

المطلَبُ الأوَّلُ: شِراءُ الواهِبِ هِبَتَه مِنَ المَوهوبِ له


يَحرُمُ على الواهبِ شِراءُ ما وَهَبه ممَّن وَهَبَه له [446] كأن يَهَبَ شخصٌ لآخَرَ هِبةً، فيَبيعَ المَوهوبُ له الهِبةَ لنفْسِ الواهبِ. ، وهو ظاهِرُ مَذهبِ الحَنابِلةِ [447] نصَّ الحنابلةُ على الزكاةِ والصدقةِ، والهِبةُ مِثلُ الصدقةِ. ((الفروع)) لابن مُفلِح (4/375)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (2/214). ، وقولُ أبي العبَّاسِ القُرطُبِيِّ [448] قال أبو العباسِ القُرْطُبيُّ -في حديثِ ((العائد في صدَقتِه))-: (قلت: والظاهرُ مِن ألفاظِ الحديثِ ومَساقِه التحريمُ، فاجْمَعْ ألفاظَه وتدبَّرْ معانيَها، يَلُحْ لك ذلك إن شاء اللهُ تعالى). ((المُفْهِم)) (4/580). ، وهو اختيارُ ابنِ بازٍ [449] قال ابنُ بازٍ: (فهذه الأحاديثُ وما جاء في معناها تدُلُّ على تَحريمِ الرجوعِ في الصدقةِ والهِبةِ، ولو بالثمَنِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (20/66). ، وابنِ عُثَيمينَ [450] قال ابنُ عُثيمينَ: (الشِّراءُ نوعٌ مِن الرجوعِ في الهِبةِ أو الصدقةِ؛ وجْهُه: أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «لا تَعُدْ في صَدقتِك...» إلخ. فإنْ قال قائلٌ: كيف يكونُ عَودًا في الصدقة وهو قد اشتراهُ بثمَنٍ؟ فجوابُه: أنَّ العادةَ في مثلِ هذا أنَّ المتصدَّقَ عليه يُعطي المتصدِّقَ الشَّيءَ بأقلَّ مِن ثمنِه، فإذا نقَصَ الثمنُ فكأنَّه عاد ببَعضِ الصَّدقةِ. مثالُه: إذا قدَّرنا أنَّ هذا الفرَسَ يُساوي مئةَ درهمٍ، فأراد عُمرُ أنْ يَشترِيَه بثمانينَ دِرهمًا، فقد عاد بعشرينَ دِرهمًا؛ يعني: خُمسَ ما تصدَّق به. فهذا نوعٌ مِن الرُّجوعِ في الصدقةِ، وكذلك لو وهبْتَ شخصًا هِبةً، ثمَّ اشتريتَها منه؛ فإنَّه لا يجوزُ؛ لأنَّ العادةَ تَقتضي أنْ يُخفِّضَ مِن الثمَنِ؛ لأنَّك أنت الذي مَنَنْت عليه، فلا يُمكِنُ أن يُماكِسَك في الثمَنِ، ويكونُ التنزيلُ نَوعًا من الرُّجوعِ). ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (4/317).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
عن زَيدِ بنِ أسلَمَ، عن أبيهِ، قال: سَمِعتُ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنه يقولُ: ((حَمَلتُ على فرَسٍ في سَبيلِ اللهِ، فأضاعَه الذي كانَ عندَه، فأرَدتُ أنْ أشتَرِيَه وظَنَنتُ أنَّه يَبيعُه برُخصٍ، فسَألتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: لا تَشتَرِي، ولا تَعُدْ في صَدَقَتِك وإنْ أعطَاكَه بدِرهَمٍ؛ فإنَّ العائِدَ في صَدَقتِه كالعائِدِ في قَيئِه )) [451] أخرجه البخاري (1490) واللفظُ له، ومسلم (1620).
ثانيًا: لأنَّ الشِّراءَ نَوعٌ منَ الرُّجوعِ في الهِبةِ [452] ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (4/317).
ثالثًا: لأنَّه وَسيلةٌ إلى استِرجاعِ شَيءٍ منها، وقد يُسامِحُه رَغبةً أو رَهبةً [453] ((الفروع)) لابن مُفلِح (4/375)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (2/214).

انظر أيضا: